أدونيس وأوديب وجوكاستا: تعرف إلى أشهر العقد النفسية

تعجُّ المجتمعات البشرية على اختلاف مشاربها وثقافاتها والأزمنة التي عاشت بها، بالعُقد النفسية المتعددة، وهذه العُقد ليست عاراً وليست أمراً مشيناً؛ بل هي حالة نفسية ناتجة عن التعرض لمواقف وتجارب في الماضي، ويَعُدُّ العلماء هذه العُقد مجموعة من الخبرات والعواطف المحملة بشحنات شعورية وانفعالية، قام عقلنا غير الواعي بتخزينها على مراحل متعددة وبطريقة تراكمية، ابتداءً من أيام الطفولة التي تعرَّضنا خلالها للحرمان أو العنف أو الفقد أو الفشل المتكرر أو التشتت الأسري.



وعلى الرغم من أنَّ هذه المواقف الصعبة قد انتهت ومر عليها زمن طويل جداً، إلا أنَّها تبقى راسخة في شخصيتنا النفسية، وتدخل في تكوين سلوكنا وطباعنا وأساليب تعاملنا مع مواقف الحياة المتعددة.

ومما لا شك به أنَّ العُقد النفسية تشمل طيفاً واسعاً من الناس حتى الأسوياء منهم، فهي ليست حصرية الوجود عند غير الأسوياء؛ فنظرياً، يمكن لأي إنسان أن يتخلص من عقدته النفسية بالثقافة والإرادة والجهد والصبر، لكنَّها في أغلب الحالات تكون موجودة عند الشخص وهو لا يعلم بها، ويتصرف من خلالها، وتسيطر على سلوكاته وتصرفاته وأفكاره وعواطفه.

ما هي عقدة الذنب؟

إنَّ عقدة الذنب هي أمر مختلف اختلافاً كاملاً عن الشعور بالذنب، فالشعور بالذنب هو مجموعة من العواطف الناتجة عن قيام الإنسان بأفعال تُنافي ضميره وقيمه وأخلاقه وتربيته، بينما عقدة الذنب هي شعور مطلق بالذنب مجهول المصدر، تدفع صاحبها إلى أن يحتقر ذاته ويلومها لوماً دائماً على أشياء ليس له علاقة بها.

يشعر مَن يحتقر نفسه بحاجة مُلحَّة بأن يعاقبها، بأشكال متعددة جسدية أو معنوية أو مادية؛ وذلك عبر توريطها دون قصد ظاهر في أعمال تضرُّ سمعته أو تجارته أو ممتلكاته، وقد يستفز الناس من أجل افتعال شجار أو يتكاسل في الاعتناء بصحته ويمتنع عن تناول أدويته؛ وذلك من أجل الحصول على شعور الراحة؛ حيث إنَّه متى ما شعر بالألم والعذاب تهدأ مشاعر الذنب لديه، وسبب هذه الحالة هو أنَّ الإنسان بُرمِج باللاوعي أنَّ العقاب والبلاء والمصائب تجعله يكفِّر عن ذنوبه وأخطائه.

ويمكن أن تتشكل عقدة الذنب نتيجة الإفراط في لوم الذات على كل كبيرة وصغيرة، والشعور بالذنب تجاه أي شيء يحصل في البيت، أو التهويل المبالَغ به للأخطاء الصغيرة؛ مما يؤدي إلى نمو ضمير متشدد، يستلم مهمة اللوم فيما تبقَّى من الحياة، فيجعل الإنسان دائم الغضب والسخط والاستياء من كل شيء يفعله أو لا يفعله.

إقرأ أيضاً: كيف تُحرّر نفسك من سجن الشعور بالذنب؟

عقدة جوكاستا والتعلُّق المَرَضي:

تجسِّد عقدة جوكاستا حالة الحب أو التعلق المَرَضي المفرط بالطرف الآخر؛ مما يضيِّق بشكل كبير على تصرفاته وأعماله ومسار حياته، نجدها بوضوح عند الأم التي تقنع ولدها من أن يكوِّن حياته المستقلة، ويثبت نفسه بصفته رجلاً بالغاً ذا أهمية وفائدة كبيرة في المجتمع، عن طريق المحافظة عليه بجانبها، كما نجدها بكثرة في العلاقات العاطفية والزيجات التي يُقيَّد فيها الإنسان بالحب الزائد والاهتمام المفرط ويمنعه من عيش حياته عيشاً طبيعياً.

عقدة قابيل الذي لا يستطيع أن ينجح فيقتل كل الناجحين:

تجسِّد عقدة قابيل كل منافسة عدوانية وشرسة على الهدف نفسه؛ حيث نراها في كره كل زميل في العمل أو أي منافس يبرز قدراته ويبدو أنَّه سيتفوَّق عليه في أمر معين، فيقوم صاحب العقدة بالاستهزاء من زميله أو تشويه سمعته أو إيذائه بطرائق مختلفة.

ونجد صاحب هذه العقدة يتلذَّذ ويستمتع بشدة، بإيذاء منافسه، ويحصل على راحة نفسية كبيرة عندما ينهار زميله؛ حيث ترتبط هذه العقدة بالتشفِّي والانتقام، ويخفِّف ذلك من شعوره بالنقص والانزعاج من نجاح زميله المنافس له، ونراها بكثرة عند المشاهير في حالات الطلاق أو فشل العلاقات العاطفية أو الإفلاس وجميع أنواع الفشل الأخرى.

عقدة أليكترا وتعلُّق الفتاة بأبيها:

وتمثِّل عقدة الأب عند الفتيات، ونظيرتها عقدة أوديب عن الفتيان؛ حيث تتجسد هذه العقدة بتعلُّق الفتاة المَرَضي بأبيها، وكرهها لأمها؛ وذلك لأنَّ الفتاة في المرحلة العمرية من 4 إلى 6 سنوات، تكون بحاجة إلى إشباع عواطفها إشباعاً شديداً عبر أمر ما، ومن أشيع ما تلجأ إليه الفتاة في هذا العمر هما الوالدان، فتتعلق بوالدها تعلقاً شديداً، وتنظر إلى والدتها على أنَّها منافس لها عليه، فتقوم بمحاولة إبعادها، ولكنَّ الفتاة ترضخ في نهاية الأمر لتهديدات الوالدين.

أشهر العُقد وأكثرها انتشاراً عقدة أوديب:

تسمى بعقدة أوديب أو عقدة الأم؛ حيث يطرأ على الطفل تحوُّلات كبيرة في سنواته الخمس الأولى، تنقله من مرحلة النرجسية إلى مرحلة يبحث فيها عن إشباع وجدانه بشكل متخيَّل؛ حيث يرتبط الطفل بأمه ارتباطاً مَرَضياً مبالغاً فيه، وينظر إلى والده على أنَّه منافس له؛ حيث إنَّه يغار عليها من أي غريب، ويمنع والده وجميع الذكور من الاقتراب منها أو مصافحتها، وتنمو في نفسه مشاعر الكره والإعراض عن والده.

والطفل كأي محب يشعر بأنَّه يريد أن يكون الشريك الحصري لأمه؛ لذا تتولَّد لديه مشاعر البغض تجاه والده حتى تصل إلى درجة أن يتمنى له الموت أو المرض، لكنَّه يلجأ إلى كبت هذه المشاعر، وهنا تتشكل عقدة الذنب الناتجة عن الكبت الناتجة عن شعوره بنِيَّات آثمة تجاه أبيه.

إقرأ أيضاً: العقد النفسيَّة الأكثر انتشاراً في المجتمع

عقدة ديانا الأنثى الرجل:

وهي عقدة تدفع الأنثى إلى التفوق والتصرف كالرجال، وتسلك سلوكهم وتمارس مهنهم، وتتكلم كلامهم، وديانا في الأساطير الإغريقية، هي أنثى عذراء لم يلمسها أي ذكر، وكانت تقلِّد الرجال؛ حيث تذهب إلى النساء وتساعدهن وتتودد لهن، وتقف إلى جانبهن في وقت الولادة، وتقدِّم الحماية للأطفال الصغار، وكانت مزهوة جداً بعذريتها، وتتفاخر بها أمام الجميع، وتترفع عن العلاقات الجنسية، وترتدي ملابس الرجال دائماً، ولا تراها إلا حاملة سيفها على ظهرها أو قابضةً على السهام.

عقدة أدونيس وهوس الذكور بالشكل المثالي:

بحسب الأساطير الإغريقية القديمة، كان أدونيس يجسد إله الخصب والربيع عند الإغريقيين؛ حيث تصوِّره لنا الأساطير على هيئة رجل قوي وشديد الجمال والإثارة.

وتتجلى هذه العقدة عند الذكور، من خلال طموحهم أو سعيهم الدائم إلى الحصول على شكل الجسم المثالي؛ وذلك من خلال ممارسة الرياضات المختلفة، وخصوصاً رياضة رفع الأثقال، واتباع أنظمة غذائية قاسية لبناء العضلات الجذابة، وكذلك قد يلجؤون إلى أخذ الأدوية الهرمونية أو الستيروئيدات أو الحقن العضلية؛ وذلك من أجل الوصول إلى الشكل المثالي في أقل فترة زمنية ممكنة.

وقد يلجأ بعض الذكور، إلى إجراء العمليات الجراحية التجميلية مثل تجميل الأنف وشفط الدهون ونحت الجسم؛ بسبب هوسهم بالشكل المثالي، معرِّضين أنفسهم لمخاطر العمل الجراحي الكثيرة.

عقدة ساندريلا الأنثى المستقلة لكن الخائفة:

تُعرَف عقدة ساندريلا، بأنَّها حاجة ملحَّة أو ضرورية غير إرادية وغير واعية، تجعل الأنثى المصابة بها تتصرف طوال الوقت باعتمادية زائدة على غيرها، وتحرص دوماً على أن تكون محطَّ اهتمام ورعاية كل مَن حولها، وإشغالهم في مشكلاتها الصغيرة منها والكبيرة، ويزداد وضوح هذه العقدة مع تقدُّم المرأة في العمر.

وتقدِّم الأنثى مقابل كل هذا الاهتمام، تخلِّيها عن خصوصيتها واستقلالها وقرارها الشخصي وحياتها الخاصة؛ وذلك لأنَّ ابتعادها عن جو الرعاية سيجعلها تعيش في غابة من الخوف، وخصوصاً الخوف من المسؤولية، بسبب إحساسها بعدم قدرتها على تولِّي زمام حياتها وإدارة شؤونها بنفسها وتأمين حاجاتها المختلفة.

تأتي تسمية هذه العقدة، من خلال الشخصية الخيالية الكرتونية ساندريلا، التي رفضت أن تنتشل نفسها من حياتها البائسة عند زوجة أبيها وتعيش حياة مستقلة وحدها؛ بل اختارت البقاء في بيت زوجة أبيها الظالمة دون أن تدافع عن نفسها؛ حيث إنَّها بذلك تهرب من المسؤولية وتكون مجرد منفِّذة للأوامر.

عقدة ميديا الأم المؤذية:

وهي عقدة قليلة الانتشار والشيوع في العالم؛ حيث نجدها بشكل أساسي في المجتمعات ذات الأُسر المفككة؛ إذ تختل علاقة الأب والأم، فتتعرض الأم إلى الضرب والإهانة من قِبل زوجها، وتعجز عن رد الإهانة، فتقوم بتفريغ مشاعرها الغاضبة، من خلال سب أو شتم أولادها أو يمكن أن تلجأ إلى ضربهم ضرباً مبرحاً، من الممكن أن يصل حد تشكيل خطر على حياتهم، وكالعادة فإنَّ اسم ميديا مستمد من الأساطير الإغريقية.

شاهد بالفيديو: كيفية التعامل مع الإهانة أو الإساءة

عقدة الإله؛ أنا لا أخطئ ولا أعرف المستحيل:

هي عقدة، يمتلك صاحبها إيماناً قوياً، وراسخاً مترافقاً بشعور قوي بأنَّه يمتلك قدرات خارقة وميزات غير موجودة في أي شخص آخر، وأنَّه قادر على إنجاز المهام مهما بلغت صعوبتها وأنَّه لا يعرف المستحيل؛ بل هو الأفضل والأعلم في جميع مجالات الحياة.

ويعتقد المصاب بهذه العقدة أنَّه لا يخطئ أبداً، ولديه آراء ووجهات نظر لا يقبل تغييرها، ولا يقبل حتى النقاش فيها، ويعامل نفسه على أنَّ آراءه حقيقة مطلقة، والجميع على خطأ؛ إذ إنَّ عقدة الإله ليست مرضاً سريرياً قابلاً للتشخيص.

في الختام:

يجب أن نعلم أنَّ هذه العُقد النفسية، هي مشاعر غير واعية، في أغلب الحالات لا يملك فيها الشخص أي خيار، واكتُشِفَت وفُهِمَت أسبابها بفضل علم النفس.

في نهاية هذا المقال، نرجو أن تكونوا قد استمتعتم معنا في التعرف إلى أهم وأغرب العُقد النفسية؛ وبالطبع يوجد الكثير منها أيضاً، وسنوردها لكم في مقالات لاحقة؛ لذا اتركوا لنا ما يثير فضولكم منها، لنتوسع بها في المستقبل.

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة