أخذ إجازة من العمل يعزز أدائنا الوظيفي ويحسن حياتنا

"يمكن للإفراط في العمل أن يجعلك تصاب بما يسمى "الرؤية النفقية"، ويعيقك عن تحقيق ما أنت قادرٌ عليه".

ماذا تفعل عندما تشعر بالتَّعب أو الإرهاق؟ هل تواصل العمل على مهامك؟ أم تستريح من عملك لبعض الوقت؟ كنت أعتقد في الماضي أنَّ على المرء دائماً أن يعمل بجد؛ مهما يكن الأمر. أما الآن، فمازلت أعتقد ذلك أيضاً. ولكن فقط عندما يتعلق الأمر بالحياة بشكل عام. فلا يمكنك أن تتوقف عن الاعتناء بنفسك وبعائلتك. إذ يُعدُّ الشعور بالمسؤولية أحد أقوى المحفزات في هذه الحياة. إلا أنِّيَ لن أتحدث عن نقص الدافع في هذا المقال.



بل سأتحدّث عن أخذ استراحة عمل. وهو الأمر الذي لا يزال من التابوهات عند بعض الناس. إذ يعتقد البعض منهم أنَّ هذا الأمرَ من شِيَمِ الفاشلين، بينما يظن البعض الآخر أنَّه يُمثِّلُ طريقةً للتَّهرب من العمل. فتراهم يقولون لك: "طالما أنَّك راضٍ عن عملك وحياتك، لماذا أنت إذاً بحاجةٍ لأن تستريح؟". يا لها من وجهةٍ نظرٍ "صائبة"!!

إليك السَّبب في أنَّ الإجازة تعمل في واقع الأمر على تحسين عملك وحياتك.

قام ليونارد ملودينو، عالم الفيزياء الشهير الذي شارك في تأليف كتابين مع ستيفن هوكينج، بالإعلان مؤخراً عن بحث علمي يتعلق بأخذ إجازةٍ من العمل، وذلك في كتابه "Elastic". إذ يشرح في ذلك الكتاب كيف أنَّ أخذ إجازةٍ لبعض الوقت، يحسن من صحتنا:

"على الرَّغم من أنَّ البعض قد يعتبر "عدم فعل أيِّ شيء" أمراً غير مثمر، إلا أنَّ قلة وقت الفراغ هو أمر سيء لصحتنا. لأنَّ الوقت الذي نكون فيه في حالةٍ من الخمول يسمح "لشبكة المزاج الافتراضي - Default mode network" في أدمغتنا، بمعرفة ما مررنا به وتعلمناه مؤخراً".

إنَّ الأشخاص الذين لا يأخذون قسطاً من الراحة، تجدهم يركزون على المدى القصير. ويكون حالهم: "أريد الوصول إلى أهدافي، الآن!".

ولكن كما هو الحال دائماً، فإنَّ التفكير على المدى القصير يضر بتطورك ونموك على المدى الطويل. فماذا يحدث عندما تعمل بكامل طاقتك وترهق نفسك في العمل؟ في معظم الحالات، تتأثر نتائجك وتقل إنتاجيتك. وفي بعض الحالات، قد تصاب بالاكتئاب؛ مما يعيدك إلى الوراء لفترةٍ أطول.

درهم وقايةٍ، خيرٌ من قنطارِ علاج

إنَّه واحدٌ من أكبر الكليشيهات التي تعلمناها من الكتب. ولكن كم مرة اتَّقينا حدوثَ الأمور السيئة؟ على الأغلب ترانا بدلاً من ذلك نُطأطئ رؤوسنا ونؤجل التعامل مع تلك الأمور إلى وقتٍ لاحق. يا لها من استراتيجية سيئة. إذ من الأفضل أن تمنع حدوث الاحتراق الوظيفي وتتجنب انخفاض أداء عملك الكلي.

ديل كارنيجي، رائد المساعدة الذاتية ومؤلف كتاب "دع القلق وابدأ الحياة"، عبَّر عن ذلك بأفضل طريقة: "القاعدة الأولى لتجنب التعب والقلق هي: أكثِرْ من الرَّاحة. واسترح قبل أن تتعب". لذا ضع استراتيجية توزع فيها إجازات العمل على مدار السنة. وهذا ما قد فعلته بالضبط، وجنيت 5 فوائد نتيجة لذلك:

1. يمكنك التَّحقق ممّا إذا كنت فعلت الأمور الصحيحة

أنا عن نفسي لدي وضعين للعمل:

  • وضع التَّنفيذ.
  • وضع التَّفكير.

عندما تكون في وضع التنفيذ، يمكنك العمل لساعات أو لأيام أو لأشهر متواصلة. في الحقيقة، أنا أعرف أشخاصاً كانوا في وضع التنفيذ لسنوات عدَّة. فهم لم يأخذوا إجازة أبداً للتفكير أو التفكُّر في عملهم. فماذا كانت النتيجة؟ أزمة منتصف العمر، وشباب يعانون من أزمة مقتبل العمر. ذلك ما تجنيه عندما تصرُّ على التنفيذ من دون تفكير. قد تحصل على نتائج من ذلك. ولكن هل تلك النتائج هي ما تريد؟

عندما تأخذ إجازةً من العمل، يكون لديك المزيد من الوقت للقيام بحوارات داخلية. لكن لن يتوفر لك ذلك في وضع التنفيذ. هذه واحدة من أهم فوائد عدم القيام بأي شيء. قد تتخلف عن العمل بالتأكيد، لكن من سيكترث لذلك؟ فهل تفضل المضي في حياتك المهنية وأنت مصاب بما يسمى الرؤية النفقية (فقدان الرؤية المحيطية)؟

يتطلب الأمر مني عادةً عشرة أيام على الأقل لكي أفكر بجدية. إذ أجد نفسي في الأيام الخمسة الأولى في مكان ما بين وضع التنفيذ، ووضع التفكير. من الصعب التبديل إلى وضع التفكير وعدم القيام بأي شيء إذا كنت معتاداً على العمل.

لكنَّني دائماً ما أكتشف أشياء جديدة عن نفسي بعد قضاء فترة راحة مطولة. وأنا أميل إلى أن أقرأ كثيراً. إذ كنت خلال الأسبوعين الماضيين قد قرأت خمسة كتب. لكنَّني لم أكتب أيَّ شيءٍ على الإطلاق. بل كل ما كنت أقوم به هو القراءة ومشاهدة الأفلام والبرامج الوثائقية والتسكع مع أصدقائي والتحدث والاستغراق في أحلام اليقظة.

هذا النوع من الأمور لا يكلف الكثير، لكنَّ فوائده هائلة. فأنا الآن أشعر أنَّني أفضل، وأنَّه لديَّ المزيد من الطاقة. كما أنَّني متحمس للعودة إلى العمل؛ وهو الدرس التالي الذي قد تعلمته.

إقرأ أيضاً: كيف تعود إلى العمل بنشاط بعد الإجازة؟

2. يتسنى لك أن تُخضِعَ أفكارك لبعض المعالجة

يقوم عقلك بالكثير من الأمور التي لا تُدركُ كُنهها. فأحد الأمور التي تحدث دون وعي منا هو معالجة الأفكار بواسطة عقولنا. لدينا جميعاً أفكار لم تتحقق، أليس كذلك؟ فكم من مرةٍ صادفت فيها شخصاً يدَّعِي أنَّ لديه أفكاراً لمشاريعَ رائعة، أو أي نوع آخر من البدع الجديدة؟

قابلت ذات مرةٍ رجلاً يزعم أنَّه قد توصل إلى فكرة لصنع دراجات إلكترونية. هل قام بشيءٍ من ذلك؟ لا. وماذا يفعل الآن؟ إنَّه يشتري التَّوافه من متجر علي بابا ويطوف على أبواب الشركات لكي يبيعهم إيَّاها.

جميعنا تراودنا أفكار محددة، ليست بالضرورة أفكار عمل، بل قد تكون من قبيل:

  • "أريد إعادة ترميم المنزل".
  • "أريد أن أقود السيارة من مدينة لأخرى".
  • "أريد أن أؤلف كتاباً ما".

إنَّ كل تلك الأفكار رائعة، لكن ماذا ستفعل بشأنهم؟ وأنا لا أتحدث عن قيامك بتنفيذ هذه الأفكار، فجميع أفكارنا تستلزم أن تخضع لبعض المعالجة، من قبيل: هل هذه الأفكار جيدة؟ هل أنا أريد حقاً أن أقوم بهذه الأمور؟ مرة أخرى، هذه معالجة للأفكار. فعندما تَضعُ الفكرة حيِّز التنفيذ من دون أن تُخضِعها لبعض المعالجة، فغالباً ما ستُدرك بعد فوات الأوان بأنَّ الأمر كان عبارة عن مضيعةٍ للوقت. لا يمكنك بالطبع أن تتجنب ذلك بشكلٍ كامل، لكن عبر تخصيص بعض الوقت لمعالجة أفكارك، يمكنك أن تُجنِّبَ نفسك كثيراً من الألم والقلق مستقبلاً.

3. يمكنك أن "تشاهد" المزيد من الفن

ما هو الفن؟ هو أيُّ شيءٍ يجعلك تُفكِّر. أغنية جيدة، فيلم، لوحة، كتاب، قصيدة، مقال، صورة، منحوتة، سمِّ ما شئت. أي شيء يمكن أن يكون فنَّاً. إذ لا توجد أي مرجعية مُهِمَّتُهَا أن تحدّد ما هو فن، وما هو غير ذلك.

أّحصلُ على معظم إلهامي من الفن. إذ لا أستطيع أن أتخيّل كيف ستكون الحياة بدونه. فقط اقرأ رواية "فهرنهايت 451" للكاتب راي برادبري، أو شاهد فيلم "إكويليبريوم" للممثل الرائع كريستيان بيل لكي تعلم ما أقصد.

إنّ أفضل ما في الفن هو أنَّه يُحَسِّن حالتك المزاجية. وعندما تكون في مزاجٍ جيد، فأنت أكثر سعادة. فقط لا تتعاطَ الأعمال التافهة العديمة الفائدة (مثل الأفلام والروايات والأغاني الحالية)، بل ابدأ مع الأعمال الكلاسيكية. استمع إلى بوب ديلان ومارفن غاي وويتني هيوستن. وشاهد أفلام ألفريد هيتشكوك وفرانسيس فورد كوبولا. واقرأ لـِ إرنست همنغواي وهاربر لي، ورالف إليسون. واذهب إلى المتحف البريطاني. وادرس أعمال آندي وارهول. ومثلك مثل ملايين الناس، ستلهمك أعمالهم. وهذا ما من شأنه أن يُثريَ حياتك.

4. تستطيع التركيز على أمور هامَّة أخرى (لا علاقة لها بالعمل)

"هل يمكنك أن تخبرني أكثر عن نفسك؟"،بم ستفكر إن سألك أحدٌ هذا السؤال؟ سيبدأ معظمنا بقول شيء مثل: "أنا أعمل محاسباً في الشركة الفلانية". غالباً ما تُجبرنا الحياة العصرية الحديثة على تعريف أنفسنا بما نعمل. لكنَّنا لسنا عبارة عن ما نعمل. فنحن عبارةٌ عن عائلتنا وأصدقائنا وهواياتنا وشغفنا، وأخيراً؛ وظيفتنا. ونعم، أنا أتفق معك: إنَّ العمل هام؛ وكذا الأمور الأخرى أيضاً. لذا لا تهمل الجوانب الأخرى من حياتك. بل نمِّ علاقاتك مع عائلتك وأصدقائك المقربين. اذهبوا في عطلة عائلية. وقم برحلة جبلية بالدراجات مع أصدقائك.

أظهِر روح المبادرة. فإن لم يبادر أحد من عائلتك أو من أصدقائك، فلمَ لا تبادر أنت؟ فعبرَ استثمار الوقت في علاقاتك، يمكنك تكوين ذكريات جماعية. وهو ما من شأنه أن يعزز علاقاتك فقط. لذا ركز أيضاً على نفسك. ما هي هواياتك؟ وما هو الأمر الذي تريد أن تعرف المزيد عنه؟ ما الذي تحلم به؟ افعل تلك الأمور.

إقرأ أيضاً: 9 أفكار للموظفين لقضاء إجازة صيفية سعيدة

5. سرعان ما تصبح الاستراحة أمراً مملاً

يوجد سبب وراء قيام النَّاس بالعمل، فنحن مبرمجون على القيام بالأمور. وأعتقد أنَّ الغرض من حياتنا هو أن نكون مفيدين. إنَّ جعل نفسك مفيداً يوصلك في النهاية إلى حياة ذات معنى، حياة تلبي جميع احتياجاتك الإنسانية.

ولهذا السبب، ستجعلك الكثير من الراحة تشعر بعدم الراحة!! دائماً ما كانت أمي تقول لي بأنَّ "الكثير من الأشياء الجيدة هو أمرٌ سيء"!! قالت لي ذلك عندما كنت أرغب في التسكع مع أصدقائي طوال الوقت، وعندما أحببت لأول مرة.

وهو ما ثبُتَ صحته لاحقاً. فالراحة مثلها مثل العمل، كثيرها سيء. إذ خُلِقَت أجسادنا وعقولنا لكي نستخدمها. وبالتالي، فإنَّ آخر درس تعلمته من عدم القيام بأي شيء هو: بعد الراحة، يحين موعد العمل.

وماذا يأتي بعد العمل؟ إذا أجبت "مزيداً من العمل"، أنت إذاً لم تفهم ولا كلمة أخبرتك إيَّاها في هذا المقال!! ولربما تحتاج إلى قسطٍ من الراحة.

المصدر




مقالات مرتبطة