أحلام اليقظة وتأثيرها في الشخصية

قد يغرق بعضنا في أحلام اليقظة في أثناء فترات الراحة، في حين يركز آخرون على قائمة المهام، أو يعلق في دوامة من الأفكار السلبية. عرَّف علم النفس في الماضي كل أنماط التفكير هذه بأنَّها اختلافات في "شرود الذهن".



تقدِّم مراجعة لدراسات صوَّرت الدماغ بقيادة باحثين في جامعة كاليفورنيا في بيركلي (UC Berkeley) وجامعة كولومبيا البريطانية (University of British Columbia) طريقة جديدة للنظر في التفكير العفوي مقابل التفكير الواعي، متحدية بذلك الاعتقاد السائد بأنَّ العقل الشارد هو عقل حزين.

كما تشير الدراسة إلى أنَّ زيادة وعينا بطبيعة الأفكار التي تدور في أذهاننا عندما تكون أدمغتنا في حالة راحة يمكن أن تؤدي إلى تشخيصٍ أفضل وتحديد علاجات لأمراض نفسية مثل الاكتئاب والقلق واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD).

قال زاكاري إيرفينغ (Zachary Irving)، مؤلِّف مشارك في الدراسة وباحث في جامعة كاليفورنيا في بيركلي: "لا يهم أن تعرف الفرق بين الأفكار الذهنية الشاردة وتلك المثيرة للقلق فحسب؛ بل يجب أن تفهم أيضاً، ضمن هذا الإطار، كيف تعمل هذه الأنواع من التفكير معاً".

نظر إيرفينغ وزملاؤه في المراجعة، التي نُشرت في مجلة "نيتشر ريفيوز نيروساينس" (Nature Reviews Neuroscience)، في ثلاث طرائق مختلفة يفكر بها الناس عندما لا يكونون منهمكين في واجباتهم، وهي: التفكير التلقائي، واجترار الأفكار، والتفكير الموجَّه نحو هدف.

إقرأ أيضاً: كيف تتوقف عن اجترار الأفكار؟

قالت القائمة الرئيسة على المراجعة كالينا كريستوف (Kalina Christoff)، أستاذة علم النفس بجامعة كولومبيا البريطانية: "نحن نقترح أنَّ شرود الذهن ليس عبارة عن غرابة في العقل، لكنَّه شيء يفعله دماغنا في الحالات العفوية، ولا يمكننا فعل أشياء مثل الحلم أو التفكير الإبداعي من دون هذه الحالة العفوية".

أفاد إيرفينغ، وهو مصاب باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، بأنَّ هناك إيجابيات في أكثر الاضطرابات العقلية إثارة للخجل؛ حيث يقول: "قد تتدفق الأفكار في أذهاننا أو تنحسر، لكن يعيد إطار عملنا تصوُّر الاضطرابات مثل اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه والاكتئاب والقلق كامتداد لهذا التباين الطبيعي في التفكير، ويشير هذا الإطار، إلى حد ما، إلى أنَّ في أدمغتنا جميعاً جانب من القلق واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه؛ حيث يساعدنا جانب القلق على التركيز على ما هو مهم شخصياً، ويسمح لنا الجانب الخاص باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه بالتفكير بحرية وإبداع".

إقرأ أيضاً: 7 عوامل مهمة لتحقيق التفكير الإبداعي

راجع إيرفينغ وزملاؤه ما يقرب من 200 دراسة في علم الأعصاب، استخدم عدد كبير منها التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (FMRI) لمسح الأدمغة في أثناء الراحة.

وجدوا أنَّ التفاعلات بين الشبكات العصبية واسعة النطاق قدمت رؤىً حول آلية عمل العقل في أثناء الراحة، فعلى سبيل المثال، وجدت مراجعتهم لدراسات تصوير الدماغ أنَّه عندما يركز الدماغ على مهمة ما، فإنَّ شبكة الفص الجبهي "التنفيذية"، والتي تتحكم بالتخطيط والتحكم بالانفعالات، من بين وظائف أخرى، تقيِّد النشاطات الأخرى في الدماغ.

عندما تكون عالقاً في دوامة من الأفكار السلبية، مثل اجترار القلق، فإنَّ الشبكة البارزة في الدماغ، التي تعالج المشاعر، تسيطر وتغلق معظم الشبكات الأخرى، فليس من المستغرب أن يرتبط التفكير التلقائي، مثل أحلام اليقظة وفي أثناء النوم، بنشاط أقل بكثير في الشبكات العصبية المسؤولة عن التفكير الواعي، مما يسمح للخيال بالتدفق بحُرية.

يفترض الباحثون عموماً أنَّ العقل المرتاح ينتقل انتقالاً طبيعياً بين التفكير العفوي والواعي.

يقول إيرفينغ: "لنفترض أنَّك ذاهب إلى متجر البقالة؛ ففي بداية الأمر، يشرد عقلك في مجموعة كبيرة من الأفكار: قميصك الجديد ونكتة سمعتها اليوم، ثم رحلة التزلج التي ستذهب إليها، ثم تصبح أفكارك مقيدة تلقائياً عندما تبدأ بالقلق بشأن الموعد النهائي للعمل الذي يلوح في الأفق والذي يجب إنجازه قبل رحلتك، لتدرك بعدها أنَّ مخاوفك تجعلك بائساً؛ لذا تتعمَّد تقييد أفكارك، وتجبر عقلك على إعادة التفكير في رحلتك إلى البقالة".

من الناحية التاريخية، تعامَل مجال علم النفس مع الاضطرابات العقلية تعاملاً منفصلاً، بدلاً من أن تكون مترابطة.

يقول إيرفينغ: "درس الأطباء اجترار الأفكار القهري واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه كل منهما بمعزل عن الآخر، ولكنَّنا الآن نهتم بكيفية توافق علم النفس وعلم الأعصاب مع ما يحدث في أدمغتنا".

المصدر




مقالات مرتبطة