أثر المبالغة في الطموح على حياتنا

قد ينتهي بك الأمرُ خلال سعيك وراء تحقيق طموحاتك بالتضحية بأكثر مما قد تدرك، فقد ينتهي بك المطاف بخسارة شعورك الفطري بالفضول والامتنان للحياة؛ وبينما تتعب وتُرهِق نفسَك، يمكن أن يبدأ خوفٌ دائم ببثِّ القلق والهمِّ ببطء داخل روحك وقلبك بأنَّك ما زلتَ لم تتركْ بصمتَك أو أثرَك بعد في هذا العالم؛ لذا فما من شيءٍ كافٍ بالنسبة إليك أبداً، وتستمرُّ في الضغط على نفسك من الناحيتَين الذهنية والعاطفية وربَّما لِما بعد نقطة انكسارك حتَّى؛ وهو نمطٌ يتجسد ويتكرر في عالمنا اليوم أكثرَ من أي وقتٍ مضى، فيُصوَّر الجشعُ والطمعُ والنرجسية على أنَّها طموحٌ نبيل، وينساق العديدون منَّا وراء ذلك الإغراء ويأكلون الطُّعم.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتب "سامي فيليس" (Samy Felice)، ويُحدِّثنا فيه عن ضرورة إبقاء أهدافنا معقولة والابتعاد عن المُغالاة والإفراط في الطموح والنتائج المترتبة على ذلك.

قصةُ الضفدع:

يمكن تشبيه الإنسان خلال سعيه الطموح إلى تحسين حياته بالضفدع الذي يتمُّ غليُه في قِدرٍ من الماء ببطءٍ شديد لدرجة أنَّه لا يدرك أنَّ الماء أصبح حاراً لدرجة الغليان والجوَّ مُشبَعٌ بالبخار، ومن ثم فإنَّ الشخص يرفع "حرارة حياته" تدريجياً شيئاً فشيئاً لتُصبح غير صالحةٍ للعيش في النهاية؛ وإن كان ذلك الشخصُ محظوظاً - بخلاف الضفدع - فربَّما يُدرك أنَّ ثمة خطباً ما قبل فوات الأوان.

أمَّا إن لم يكُنْ محظوظاً ولم يدركْ الخطأ سريعاً، سيُلاحظ أنَّه لم يعدْ يستمتع بصحبة نفسه حتَّى، وأنَّه يعيش مع معاناةٍ من التوتُّر والقلق المُزمن، كما أنَّه ليس شخصاً مَرِحاً يحبُّ الناسُ أن يكونوا برفقته؛ وذلك لأنَّه جعل من طموحه أعظم ما في حياته وقيَّد نفسَه بدورٍ صارم؛ فكما يقول الفيلسوف الروماني "لوكيوس سينيكا" (Lucius Seneca): "القدَرُ العظيم عبوديةٌ عظيمة".

قد نقولُ لأنفسنا بأنَّ أمور حياتنا ستتحسن حين نحقق هدفَنا المُطلَق، فنستمرُّ في تقديم الوعود لأنفسنا بإغراءات وحوافز مستقبلية في حين أنَّ كلَّ ما نفعله حقاً هو تجنُّب بناء علاقة تواصل أكثر صدقاً وأصالةً مع الحياة والنأي بأنفسنا عنها؛ لذا علينا إيجاد طريقة لتعديل طموحنا كي يُضفي المغزى والأهمية إلى حياتنا بدلاً من العذاب النفسي، ومنعِه من التقليل من امتناننا للَّحظة الراهنة وإفسادها.

الطموح المُبالَغ فيه لصٌّ يسرق حبَّ اللحظة الراهنة وحبَّ الحياة ذاتها:

يُعرَّف الطموح المُبالغ به بأنَّه حالةٌ من التشبُّث أو التعلُّق بهدفٍ ما والذي من شأنه أن يعمل على تحويل اللحظة الراهنة إلى لا شيء، كحجر أساسٍ ضعيف لا قيمةَ له سوى أنَّه يهيِّئ لتحقيق هدفٍ أعظم، بينما يُعرَّف الطموح الصحيُّ والمُفيد بأنَّه التعامل أو التعاطي مع الحياة من خلال تحديد أهدافٍ ورسمِ خططٍ ترفع من شأن كلٍّ من حاضرك ومستقبلك.

يجبُ علينا أن نكون أكثر ارتياباً وتشكيكاً برغباتنا الطَّموحة والكبيرة لأنَّه قد ينتهي بها الأمرُ حرفياً بإيذاء لحظتنا الراهنة بالفعل والتي تُعَدُّ صلتَنا الوحيدة مع الحياة.

من الناحية الطبية، يوجد مُصطلَح يدعى "مشكلة علاجية المنشأ" (iatrogenic) والتي كنتُ أفكر بها منذ أشهرٍ متواصلة بسبب دلالاتها وتداعياتِها؛ وهي صفةٌ تشير إلى إعطاء دواءٍ للمريض حتَّى عندما يُشفى، مما يُسبب له الأذى والضرر والموتَ حتَّى كنتيجة لذلك؛ وهُنا علينا التفكير جيداً بصفتنا مُعالجين لحياتنا في المرات التي نسعى فيها وراء الخير ونسبب الأذى بدلاً من ذلك.

إقرأ أيضاً: ما هو الطموح؟ وكيف تحقق طموحاتك؟

نتيجة امتلاك طموحات مُبالَغ فيها:

أنت تعيشُ حياتك، وتبقى في مسارٍ محدود أو سبيلٍ ضيق، لذلك تتحوَّل لشخصٍ ضيق التفكير ومحدود الأُفُق؛ وقد تتوقف عن قضاء الوقت مع الأشخاص الذين تحبُّهم وتهتمُّ لأمرهم، وتتجاهل الحديث مع ذاتك بطريقة إيجابية، ولا تفكر بتأثير تصرُّفاتك وأفعالك في الناس المحيطين بك، ولا تسمح لعقلك بالاسترخاء؛ ويُصبح كلُّ شيءٍ في حياتك متمحوراً حول ذلك الهدف العظيم الذي يستحوذ على تفكيرك كاملاً، وتتحول بكلِّ بساطةٍ إلى شخصٍ فرداني ونرجسي، وتنسى أنَّ ذلك الارتباط أو العلاقة التي تُنشئها وتنمِّيها مع جوهر حقيقتك أمرٌ أساسيٌّ وفي غاية الأهمية.

يقول الكاتب "مايكل جي ريتشيا" (Michael G. Reccia): "نسيَ هؤلاء الأشخاص كيفية التواصل مع بعضهم وتفاصيل الحياة الدقيقة، كما نسَوا السؤال عن أحوالهم والاطمئنان على بعضهم بعضاً؛ لأنَّهم يعدُّون عملَهم ببساطةٍ أعظم ما في حياتهم".

أسئلة تساعدك على معرفة ما إذا كنتَ شخصاً مُفرط الطموح:

  • هل لديك شيءٌ من الماضي تهرب منه؟
  • هل تحاول إثارة إعجاب شخصٍ ما أو العالم من حولك ودفعَه لحبِّك؟
  • هل يمكنك أن تكون شخصاً مُحبَّاً لذاتك وتتعامل بلُطفٍ مع نفسك رغم طموحك؟
  • هل تبتسم يومياً أم لديك عبوسٌ وتجهُّم دائم؟
  • هل تستطيعُ قضاء عشرة ثوانٍ على الأقل خلال يومك دون أن تمرَّ فكرةٌ واحدة حتَّى في ذهنك؟

لاحظِ الشعور الذي تحسُّ به بعد قراءة كلٍّ من الأسئلة السابقة؛ وستجدُ أنَّ بعضَها يسبِّب لك انقباضاً في صدرك بينما سيؤدي بعضُها الآخر إلى توسُّع وانفتاح؛ لذا أصغ لذلك الشعور لتعرفَ ما إن كنتَ شخصاً مُفرط الطموحات.

شاهد بالفيديو: 20 حكمة عن الإبداع والطموح

التركيز على عملية تحقيق الهدف، وليس على الهدف بعينه:

لا يفكِّر سائقو سباق الفورمولا وان في أثناء قيادة سياراتهم، إذ يندمجون بعُمقٍ في اللحظة الراهنة التي يعيشونَها؛ كما أنَّ لاعبي كرة القدم النُّخبة لا يفكِّرون بالمهارة أو الخبرة التي ينبغي عليهم تقديمها، بل يستشعرون ما عليهم فعلُه فحسب ويُدركونه غريزياً؛ ويندمج أعظمُ الموسيقيين البارعين في سيمفونية موسيقاهم لدرجة أنَّهم ينسَون أنفسهم؛ ستمنحُك مهارةُ إضفاء الانسيابية والتدفُّق إلى حياتك أكبر قدرٍ من الرضى المستمر والارتياح طويل الأمد.

من هذا المُنطلَق، يُعدُّ النجاح تسميةً خاطئة لأنَّه يُشير أو يدلُّ على وجهةٍ جامدة لا تتغير، إلَّا أنَّك تستطيع أن تكون ناجحاً وفاشلاً في الوقت ذاته في أمرَين مختلفَين، فنحنُ لا نعيشُ في عالمٍ يحوي بعضَ الناجحين وبعضَ الأشخاص الفشَلة كما يظنُّ بعض الأشخاص، بل إنَّه عالم مُعقَّد للغاية أكثر مما نتصوَّر بكثير لا يمكننا فيه تحديد نجاح وفشل الأشخاص وتصنيفهم ضمنَ مجموعتَين.

لكنَّ المؤكَّد أنَّنا نعيشُ في عالم يشهد فيه بعض الاشخاص أعمالاً أكثر أهمية وإبداعاً وإنتاجاً في حياتهم المهنية بالنسبة إلى غيرهم من الناس؛ وبصورة غير مُتوقَّعة، لا يمرُّ الأشخاص الذين يرَون النجاح ضمن إطارٍ ثابت وجامد بحالةٍ من الانسيابية والتدفُّق بقدْر الأشخاص الذين يقدِّرون قيمة الحياة ويعدُّونها عمليةً من عيش كلِّ يومٍ بيومه ويفضِّلونها على النتائج التي سيحققونها في حياتهم.

في الوقت الحاضر، أكتبُ هذا المقال بعيداً على حاسوبي المحمول، ويمكنني أن أتناول فنَّ كتابته بطريقتَين مختلفتَين:

  1. يجب عليَّ كتابة مقدار مُعيَّن من الكلمات والتأثير في عددٍ مُعيَّن من الأشخاص؛ والذي يُعَدُّ مثالاً كلاسيكياً لمشكلة علاجية المنشأ تحطُّ من قيمة حالة التدفق الذهني في داخلي، فقد جعلتُ حياتي أسوأ وأصعب بكثير باتباع طريقة محاولة تحقيق هدفٍ مُحدَّد بذاته، كما أنَّني أشعرُ بأنَّني أكثر جديةً لأنَّ كتابة هذا المقال أصبحت التزاماً أو مسؤوليةً بالنسبة إلي بدلاً من أن تكون هبةً أو عطيَّة.
  2. أو ربَّما يمكنني النظرُ إلى الأمر بالطريقة الآتية: أرغبُ في قضاء بعض الوقت في الكتابة اليوم، مما سيعزز مهارتي في الكتابة، ويمكِّنني في الوقت ذاته من مساعدة الناس طوال مسيرتي في امتهانها؛ وهُنا ما زال يُعدُّ هذا المقال هدفاً لي ولكنَّه أسهل وأقل طموحاً وصعوبة؛ وبالمقابل، فإنَّه يؤدي إلى كتابة مقال أفضل بكثير له فرصةً أكبر في التأثير في الناس، إضافة إلى شعوري بإحساس أفضل بكثير خلال كتابته.
إقرأ أيضاً: 8 طرق تفكير ستضعك على طريق النجاح

في الختام:

القليل يحقِّق الكثير فعلاً، وهو السبب الذي يجعل الناس الذين يملكون أهدافاً بالغة الطموح، أو يهدفون إلى التأثير في حياة عدد مُحدَّد من الناس أو إلى جني أموال طائلة، ينظرون إلى الحياة بطريقة خاطئة.




مقالات مرتبطة