أثر العدالة الاجتماعية في السعادة

صحيح أنَّ بوسعنا فعل الكثير لتعزيز عافيتنا، ولكنَّ محيطنا السياسي والاجتماعي يلعب دوراً هاماً في شعورنا بالسعادة أيضاً، وتقترح الدراسة بالتحديد بأنَّ سياسات الحكومة الداعمة للمواطنين مثل التأمين الصحي وإجازة الأمومة يمكن أن تحدِث فارقاً في كيفية شعورنا في حياتنا اليومية، كما وجدت دراسة حديثة بأنَّ الناس الذين يعيشون في بلدان تدعم العدالة الاجتماعية يكونون أكثر سعادة غالباً.



استخدم الباحثان سلفاتور دي مارتينو (Salvatore Di Martino) وإسحاق بريليلتنسكي (Isaac Prilleltensky) في هذه الدراسة بيانات من مؤشر العدالة الاجتماعية في الاتحاد الأوروبي الذي يصنِّف البلدان حسب معطيات كالمساواة في التعليم والرعاية الصحية بحق الأقليات والفقراء والعاطلين عن العمل وبحق السكان الأصليين وغير الأصليين وسياسات عدم التمييز وتمثيل الجنسين في الحكومة والعدالة بين الأجيال، على سبيل المثال انخفاض الديون العامة وسياسات تدعم المتقاعدين وتقليل الإضرار بالبيئة.

قارنوا هذه المؤشرات بمدى رضا الشعوب الأوروبية عن حياتهم، معتمدين على مقابلات مع حوالي 170000 فرد من 28 بلداً في ستة أوقات مختلفة ما بين عامي 2008-2017، وقد حرص الباحثان على استبعاد عوامل مساهمة مثل عمر الشخص أو جنسه أو وظيفته أو معدل الناتج المحلي الإجمالي (GDP) لبلده.

أظهرت تحليلاتهم بأنَّ العدالة الاجتماعية في بلدٍ ما لا تساهم في إسعاد الشخص فحسب، وإنَّما هي ثاني أكبرِ عامل في رضاهم عن حياتهم، وكان العامل الأكبر في عافية الشخص قوة الروابط الأسرية ووجود شبكات اجتماعية واسعة وزيادة مستوى الثقة في المؤسسات ودرجة المساهمة في الخدمات الاجتماعية.

يقول دي مارتينو: "تُعد العلاقات الاجتماعية أحد أهم الأمور لسعادة الإنسان؛ لكنَّ ما يجب علينا معرفته هو أنَّ الظروف المحيطة بهم - كالعيش في مكان يوفر لهم فرصاً وموارد - هي من الأمور المهمة على حد سواء".

إقرأ أيضاً: السعادة: "الغاية التي ينشدها الجميع"، كيف نصل إليها؟

ما أهمية العدالة الاجتماعية؟

يرى بريليلتنسكي بأنَّ السياسات الأكثر عدالةً تجعل الشخص يمضي وقتًا أقل في القلق على تلبية حاجاته الأساسية، كالرعاية الصحية والتعليم والعناية بالأطفال على سبيل المثال، ويفتح لهم آفاقاً لتحقيق طموحاتهم وليكونوا أكثر إنتاجية.

وأشار أيضاً إلى أنَّ العدالة الاجتماعية الجيدة تترك انطباعاً لدى المواطنين بأنَّهم ذوو قيمة وأنَّهم مهمون لمجتمعهم وهذا ضروري للسلامة النفسية كما تشير الأبحاث.

ومن المرجح أيضاً أنَّ العدالة الاجتماعية تبني ثقةً مؤسساتيةً ومجتمعيةً وهذا بدوره يحسن من العلاقات مع الآخرين، كما يقول دي مارتينو، ويمكن له أن يقلل من التحيز أيضاً؛ لذا يميل الناس الذين يعانون من توتر أقل إلى أن تقل لديهم الحاجة ليجدوا كبش فداء لمشكلاتهم، ويقول: "تميل البلدان التي تتمتع بعدالة اجتماعية إلى أن تكون أقل تحيزاً ضد المهاجرين وطالبي اللجوء وغيرهم".

تقلل العدالة والمساواة الاجتماعية أيضاً من احتمال أن تحسد من هم أكثر حظاً منك، على حد تعبير بريليلتنسكي؛ فغالباً ما يكون الناس الذين يقارنون أنفسهم بغيرهم أقل سعادة؛ حيث ربما يكون ذلك لأنَّهم يرون رابطاً بين سعادتهم وقيمتهم الذاتية وبين مقدار ما يجنون من مال.

يقول بريليلتنسكي: "كلَّما ازدادت الهوة بين أفراد المجتمع، شعر الفرد في الطرف الأدنى بفشله؛ وهذا يبين - حسب اعتقادي - سبب تمتع البلدان ذات الفرص المتكافئة برفاهية أكبر".

كما وجد بحث أُجري على الأمريكيين بأنَّهم عندما يعيشون في ولايات تدعم المساواة دعماً أقل، يزيد احتمال أن يُقبِلوا على المخاطرة، مثل تعاطي المخدرات والمقامرة، ويميل الناس الذين يشعرون بأنَّهم لا ينالون حقهم كاملاً إلى أن يسلكوا طرقاً مختصرة في سبيل تحقيق الحياة التي يطمحون إليها.

على الرغم من أنَّ الباحثَين قد ركزا على الاتحاد الأوروبي في دراستهم، إلا أنَّ بعض التقارير ركزت على بلدان أخرى كالولايات المتحدة؛ ففي دراسة أُجريت حديثاً، جاءت الولايات المتحدة في أسفل القائمة تقريباً فيما يتعلق بالعدالة الاجتماعية، مما يؤثر في سعادة الأمريكيين تأثيراً عاماً، ويفسر سبب انحدار مستوى السعادة هناك، وذلك على حد تعبير بريليلتنسكي.

وفي الوقت نفسه فإنَّ البلدان المتجهة قدماً في طريق المساواة الاجتماعية مثل نيوزيلندا، تشهد ارتفاعاً في مستوى سعادة الفرد، فيبدو أنَّ اهتمام الحكومة بمعايير السلامة وجعلها أولوية بدلاً من الناتج المحلي يعدُّ خطوة مفتاحية في ذلك الطريق.

إقرأ أيضاً: تعرّف على أهمية السعادة في حياة كل شخص

المعوقات التي تقف أمام العدالة الاجتماعية:

لاتزال بعض البلدان ترفض أن تحسن من سياساتها لتحقيق المساواة حتى مع تزايد الأدلة على منافعها النفسية، ويرى بريليلتنسكي بأنَّ الأمر سببه الغطرسة؛ فنظراً إلى إيمانها بأنَّها دولة استثنائية، لا تعتقد الولايات المتحدة بأنَّ لديها شيء تتعلمه من غيرها من الدول.

يشير بريليلتنسكي أيضاً إلى أنَّه من المحتمل أن تخشى الحكومة من التكاليف المادية للبدء بالمساواة الاجتماعية، إلا أنَّ هذا يعدُّ عذراً واهياً؛ حيث يقول: "الواقع أنَّنا نهدر أموالاً على الرعاية الصحية أكثر من أي بلد آخر، إلا أنَّنا من أكثر البلدان التي تعاني من تردِّي السلامة؛ لذلك توجد حلقة مفقودة؛ إذ تكمن المشكلة الحقيقية في الخرافات الثقافية التي تحافظ على الوضع الراهن".

ويضيف دي مارتينو بأنَّ صرف المال يعود بالفائدة على الاقتصاد حتى على مستوى الناتج المحلي الإجمالي، وتظهر إحدى دراساته بأنَّ البلدان التي تتمتع بعدالة اجتماعية أكبر سجلت معدلاً أعلى في الناتج القومي المحلي، لكنَّ العكس ليس صحيحاً كما يمكن أن تتوقع؛ ويعني هذا بأنَّه حريٌّ بالبلدان أن تنتبه إلى سياسات عدالتها الاجتماعية في بادئ الأمر إن أرادت أن تبني اقتصاداً أقوى، وتتمتع بسعادة أكبر على حد سواء.

تؤيد نتائجهم حركات العدالة الاجتماعية الداعية إلى تعزيز سياسة السلامة داخل الولايات المتحدة وحول العالم، مع أنَّ بعضهم يرى أنَّ السعي نحو المساواة ليس بأولوية، إلا أنَّه أحد أهم الطرائق لتحسين عيش الجميع.

يقول دي مارتينو: "عندما يعيش المرء في بلد يوفر الموارد والفرص والعدالة الاجتماعية، سيشعر بالرضا عن حياته أكثر ويتمتع بناتج محلي إجمالي أكبر وتزيد ثقته بأقرانه؛ فمن الضروري معرفة هذا الأمر".

المصدر




مقالات مرتبطة