8 طرق بسيطة لتطوير مهارة الإصغاء

ما هو شعورك إذا كنت تحكي قصة تخصك ولاحظت أنَّ الشخص الذي تتحدث إليه لم يكن يصغي إليك؟ على الأرجح لن تكون مُبتهجاً جداً؛ ولسوء الحظ، هذا هو الحال بالنسبة للعديد من الناس، فمعظم الأفراد لا يُحسنون الإصغاء، ويدَّعُون أنَّهم يُحسنونه؛ الفكرة هنا أنَّ الإصغاء الحقيقي يتطلب بذل جهدٍ يفوق ما يرغب الناس في بذله، فالحوار الجيد يتمثَّل بـِ "التلقي والرد".



ومع ذلك، فإنَّ معظم الناس يريدون توجيه الملاحظات فقط، وقد يبدو أنَّه من المُمِلِّ أن تكون الطرف المُنصِت، لكنَّ ذلك ضروري، فعندما تُجالِس شخصاً وتهتم بما يقوله، فهذه علامة على الاهتمام والاحترام، والعقبة الوحيدة هي أنَّ الاهتمام فعلٌ إرادي، وهو يتعارض أحياناً مع ما تفعله عقولنا بشكل طبيعي، حيث يتشتت انتباهنا ونفكر بأمور لا معنى لها، بدلاً من الإصغاء الذي يُعد أعظم عملٍ من أعمال التفكير.

بدون الإصغاء الفعال، غالباً ما يشعر الناس بأنَّ أصواتهم لا تلقى آذاناً صاغية وبأنَّهم لا يحظون بالتقدير؛ لهذا السبب من الهام للجميع أن يتعلموا كيف يُحسنون الإصغاء.

شاهد بالفيديو: 7 أسرار للإصغاء الفعال

 

ما الذي يجعل الناس لا يحسنون الإصغاء؟

يمكن تعلُّم مهارات حُسن الإصغاء، ولكن أولاً، لنلقي نظرة على بعض الأشياء التي قد تفعلها وتجعلك تسيء الإصغاء:

1. الرغبة في التحدث:

حسناً، من منَّا لا يفعل ذلك؟ لدينا جميعاً ما نقوله، أليس كذلك؟ لكن عندما تنظر إلى شخص يتظاهر بأنَّه يصغي بينما يخطط ذهنياً طوال الوقت لكل الأشياء المذهلة التي سيقولها، فهذا بمثابة إساءة للمتحدث؛ فربما ليس كل ما يقوله الشخص الآخر هو الشيء الأكثر إثارة في العالم، ولكنَّه يستحق أن تسمعه، حيث تمتلك دائماً القدرة على توجيه الحوار في اتجاه آخر عن طريق طرح الأسئلة، وليس هناك مشكلة في كونك تريد التحدث، فهذا أمر طبيعي، ومع ذلك، تذكَّر أنَّه عندما يحين دورك، سترغب في أن يصغي إليك الطرف الآخر.

2. الاختلاف مع ما يُقال:

هذا شيء آخر يجعلك شخصاً لا يُحسن الإصغاء؛ وهو تجاهل الشخص فوراً حينما يتحدَّث في موضوعٍ تخالفه فيه الرأي، ثمَّ تتربَّص منتظراً الفرصة التي تستطيع فيها إخبار المُتكلِّم كم هو مخطئ، فأنت حريص على توضيح وجهة نظرك وإثبات خطأ المتحدث، حيث تعتقد أنَّه بمجرد أن تقول "الحقيقة" التي لديك، سيعرف الآخرون مدى خطأ المتحدث، ويشكرونك على تصحيح ذلك، ويشجعونك على توضيح ما تريد قوله. حسناً، أنت تحلم؛ فذلك لن يحدث بالمطلق!

إنَّ الاختلاف مع المتحدث، مهما كان ما يقوله مُحبطاً، ليس سبباً لتجاهله والاستعداد لسرد حقائقكَ المُذهلة، فمن خلال الإصغاء، يمكنك الحصول على معلومات مثيرة للاهتمام لم تكُن على علم بها من قبل.

3. ممارسة أشياء أخرى في أثناء الإصغاء:

من المستحيل الإصغاء إلى شخص ما في أثناء إرسال الرسائل النصية أو قراءتها، ومع ذلك يفعل الناس ذلك طوال الوقت، ربما حاولت بالفعل القيام بشيء ما بينما كنتَ تتظاهر بالإصغاء إلى الطرف الآخر، وكان عليك الاستمرار في السؤال: "ماذا قلت؟".

بالممارسة، ستنجح في إتقان الإصغاء؛ حيث يتطلب الأمر قدراً كبيراً من التركيز، لكنَّه بالتأكيد يستحق ذلك؛ فإذا كنت راغباً في الإصغاء بحق، فيجب عليك: الإصغاء فعلياً.

يقول الدكتور "إم دي سكوت بيك" (M.D. Scott Peck)، وهو دكتور في الطب النفسي في كتابه: "الطريق الأقل ارتياداً" (The Road Less Traveled): "لا يمكنك الإصغاء حقاً إلى أي شخص والقيام بأي شيء آخر في نفس الوقت". إذا كنت مشغولاً جداً بحيث لا يمكنك الإصغاء فعلياً، فأخبر المتحدث ورتب موعداً آخر للتحدث؛ إنَّ الأمر بهذه السهولة.

4. تنصيب نفسك قاضياً:

قد تقرر في أثناء الإصغاء أنَّ المتحدث لا يعرف ما الذي يتحدث عنه، وبصفتك الشخص الخبير، فأنت تعرف أكثر منه؛ إذاً، ما الهدف من الإصغاء؟ بالنسبة لك، وبمجرد أن تقرر أنَّه مخطئ، ترى أنَّ كلامه فارغ، ولكن قبل أن تُعبر عن رأيك، اعلم أنَّك قد لا تملك كل المعلومات الضرورية؛ وللقيام بذلك، عليك أن تصغي، أليس كذلك؟ لذا احرص على عدم الحكم على شخص ما من خلال لهجته أو طريقة نطقه أو تراكيب جمله.

فمثلاً قد تتحدث إلى شخص يبلغ من العمر 91 عاماً، وقد تكون لغته الإنجليزية سيئة قليلاً ويصعب فهمها، وبالتالي تفترض أنَّه لا يعرف ما الذي يتحدث عنه، ولكنَّك مخطئ تماماً، فقد يكون هذا الرجل ذكي للغاية واللغة الإنجليزية هي لغته الثانية، فهو يعرف ما يقوله ويفهم اللغة تماماً؛ لذا ضع ذلك في اعتبارك حين الإصغاء إلى شخص أجنبي، أو شخص يواجه صعوبة في التعبير عن أفكاره بكلمات.

الآن، تعرفت على الأشياء التي تجعلك سيئاً في الإصغاء؛ إذا لم تكن أي من العناصر المذكورة أعلاه تنطبق عليك، فهذا أمر رائع، فأنت تُحسن الإصغاء أكثر من معظم الناس.

إقرأ أيضاً: 13 مهارة إصغاء فعَّالة لتحسين حياتك في العمل والمنزل

كيف تُحسن الإصغاء؟

دعنا نقول فرضاً أنَّك قد تحتاج إلى التركيز على فكرة الإصغاء، وبعد قراءة هذا المقال، ستتخذ قراراً بالتحسين؛ إذاً، ما هي الأمور التي تحتاج إلى القيام بها لتحقيق ذلك؟ كيف يمكنك أن تُحسِن الإصغاء؟

فيما يلي بعض الأمور التي تحتاج إلى معرفتها لإتقان الإصغاء:

1. الانتباه:

المصغي الجيد هو شخص يَقِظ، فهو لا ينظر إلى ساعته أو هاتفه أو يفكر في أمور أخرى، وإنَّما يركز ويهتم بما يقوله الشخص الآخر، وهذا ما يسمى بالإصغاء الإيجابي، ووفقاً للمهارات التي تحتاجها، يتضمن الإصغاء الإيجابي الإصغاء بكل الحواس، بالإضافة إلى إيلاء الاهتمام الكامل للمتحدث، فمن الهام أن يُظهِر المستمع أنَّه يصغي إلى المتحدث، وإلا سيستنتج أنَّ ما يتحدث عنه لا يُثير اهتمام المُستمع.

وكما ذكرنا، من الطبيعي للعقل أن يشرد بعيداً، فنحن بشر أولاً وأخيراً؛ لكنَّ من يجيد الإصغاء يحاول إبعاد تلك الأفكار بمجرد أن يلاحظ تراجع انتباهه، ونشير هنا إلى أنَّه يمكنك أيضاً الانتباه إلى الإشارات الجسدية؛ حيث يمكنك أن تفترض أنَّه إذا استمر شخص ما في النظر إلى ساعته أو فوق كتفه، فإنَّ تركيزه لا ينصب على الحوار، الحل هو مجرد الانتباه.

2. استخدام لغة الجسد الإيجابية:

يمكنك استنتاج كثيرٍ من المعلومات من لغة جسد الشخص الآخر؛ كأن يكون مهتماً أو يشعر بالملل أو القلق؛ ولغة جسد الشخص الذي يُحسِن الإصغاء واضحة، فهو يميل إلى الأمام ويعبر عن فضوله فيما يُقال، وقد تُظهِرُ تعابير وجهه الابتسامة أو القلق أو التعاطف وغيرها من العواطف، وبهذه الطريقة يُخبر المتحدث بأنَّه يسمعه.

يقول الناس أشياء لسبب ما، فهم يريدون نوعاً من التغذية الراجعة، على سبيل المثال، قد تُخبرُ زوجتك بأنَّك مررت بيوم عصيب جداً، بينما تستمرُّ هي في تصفُّح فيسبوك (Facebook) وتهز رأسها؛ ذلك ليس بالرد الجيد، لكن ماذا لو نَظَرَت إليك نظرة تساؤل، ووضعت هاتفها جانباً وسألتك: "أوه، لا، ماذا حدث؟" كيف سيكون شعورك وقتها؟ الجواب واضح.

بحسب "آلان جورني" (Alan Gurney): "يولي المصغي الإيجابي اهتماماً كاملاً للمتحدث ويحرص على فهمه للمعلومات التي يتلقاها، حيث لا يمكن أن تُشتت انتباهك مكالمة واردة أو تحديث حالة على فيسبوك (Facebook)، وإنَّما يجب أن تكون حاضراً في اللحظة الحالية، فلغة الجسد هي أداة هامة لضمان قيامك بذلك؛ حيث تجعلك لغة الجسد الصحيحة شخصاً يُجيد الإنصات الإيجابي، فتكون بالتالي أكثر انفتاحاً وتقبُّلاً لما يقوله المتحدث، وفي الوقت نفسه، يشير ذلك إلى أنَّك تُصغي إليه".

3. تَجَنُّب مقاطعة المتحدث:

قد لا ترغب في أن يقاطعك أحدهم في منتصف الجملة التي تقولها، لا سيما وأنَّك تلاحظ أنَّه مستعد للتحدث وأنت لم تكمل حديثك بعد، وقد ترى أنَّه غير مهذب ويُشعرك بالقلق؛ على الأرجح، ستشعر بالحاجة إلى الاستعجال فيما تقوله لمجرد إنهاء كلامك.

المقاطعة علامة على عدم الاحترام، حيث يعد المتحدث أنَّ ما يقوله أهم بكثير مما تقوله، وعندما تقاطع المتحدث، فإنَّه يصاب بالإحباط ويشعر بعدم الأهمية، وتؤدي مقاطعة المتحدث لموافقته الرأي أو الاختلاف معه أو المجادلة وما إلى ذلك، إلى نسيان ما يقوله، وذلك مُحبط للغاية، فكل ما تريد قوله يمكن تأجيله حتى ينتهي الشخص الآخر؛ لذا كن مهذباً وانتظر دورك.

إقرأ أيضاً: 5 أخطاء شائعة يقوم بها البعض خلال حديثه مع الآخرين

4. توجيه الأسئلة:

يُعد طرح الأسئلة من أفضل الطرائق لإظهار اهتمامك؛ فإذا أخبرك شخص ما برحلة التزلج التي ذهب إليها، فلا ترد عليه بعبارة: "هذا لطيف"، فذلك من شأنه أن يُظهر عدم الاهتمام والاحترام، وبدلاً من ذلك، يمكنك أن تسأله: "منذ متى وأنت تتزلج؟" أو "هل وجدت صعوبة في التعلم؟" أو "ما هو الجزء المفضل لديك من الرحلة؟" إلخ، سيحترمك هذا الشخص كثيراً وسيعدُّك محادثاً جيداً بمجرد طرح بعض الأسئلة عليه.

5. الاكتفاء بالإصغاء:

قد لا يبدو أمراً بديهياً، فعندما تتحدث مع شخص ما، يحدث دائماً أخذٌ ورَد؛ وفي بعض الأحيان، كل ما هو مطلوب منك هو الإصغاء أو الابتسام أو الإيماء برأسك، وسيشعر المتحدث وكأنَّك تسمعه وتفهمه حقاً.

جرب أن تجلس مع أحدهم لمدة من الوقت دون أن تنبس ببنت شفة، وأصغِ إلى محنته، ودعه يعبر عما بداخله، هذا كل ما يجب عليك فعله، ففي نهاية الجلسة، سيخبرك أنَّه شعر بتحسن كبير، بالتأكيد جلوسك لمدة من الوقت دون أن تنبس ببنت شفة أمر صعب، لكنَّ الطرف الآخر لا يحتاج منك أن تقول أي شيء، فكل ما يحتاجه هو مساحة آمنة يمكنه فيها التعبير عن المشاعر دون مقاطعة أو إصدار الأحكام أو محاولة إصلاح شيء ما.

6. التذكر والمتابعة:

يعني حُسن الإصغاء أن تتذكر ما يخبرك به المتحدث، ثم تتابع ما يقوله؛ على سبيل المثال، على فرض أنَّك تحاورت مؤخراً مع زميلك في العمل، وأخبرك أنَّ زوجته حصلت على ترقية وأنَّهم يفكرون في الانتقال إلى منطقة أخرى؛ في المرة القادمة التي تقابل فيها صديقك، يمكنك أن تقول له: "ماذا حدث لترقية زوجتك؟" في هذه الحالة، سيتأكد صديقك أنَّك انتبهت حقاً لما قاله وأنَّك مهتم بمعرفة طريقة سير الأمور.

وفقاً لبحث جديد: "الأشخاص الذين يطرحون أسئلة، ولا سيما أسئلة المتابعة، قد يصبحون مديرين جيدين، ويحصلون على وظائف أفضل" ومن السهل جداً إظهار اهتمامك، فقط تذكَّر بعض الحقائق وتابعها، وإذا كنت تفعل ذلك بانتظام، ستكتسب المزيد من الأصدقاء.

7. الحفاظ على سرية المعلومات:

إذا كنت تريد حقاً أن تُجيد الإصغاء، فأصغِ بعناية، وإذا كان ما تصغي إليه سرياً، فأبقِ الأمر كذلك، مهما كان إخبار شخصٍ آخر بما سمعتَ مغرياً، لا سيما إذا كان لديكم أصدقاء مشتركون.

يعني حُسن الإصغاء أن تكون جديراً بالثقة وحساساً فيما يخص المعلومات المشتركة، فكل ما يُقال لك بسرية لا يمكن الكشف عنه؛ أكِّد للمتحدث بأنَّ معلوماته في أمان معك، وسيشعر بالارتياح؛ ذلك لأنَّ لديه شخصاً يمكنه البوح له بأعبائه دون الخوف من إخبار ذلك لأحد، فيساعد الحفاظ على سرية معلومات شخص ما في تعميق علاقتك به؛ حيث إنَّ أهم عناصر السرية هي أنَّها تساعد على بناء الثقة وتطويرها.

حينما يكون طرفا الحوار موظفاً وعميلاً، من المُحتمَل أن يُتيح ذلك حرية تبادل المعلومات، وأن يُطمئن العميل إلى أنَّ حياته الشخصية وجميع القضايا والمشكلات تخصه وحده؛ تعامل مع الوضع مثل الطبيب النفسي: أصغِ وامتنع عن إصدار الأحكام.

8. الحفاظ على التواصل البصري:

عندما يتحدث شخص ما، فعادة ما يقول شيئاً يعده ذا مغزى، وبالتالي لا يريد أن ينشغل عنه المصغي بقراءة شيء ما، أو يبعد نظره عنه، أو ينحني لمداعبة كلب في الشارع.

يريد المتكلم أن تكون كل الأنظار موجهة إليه، حيث يتيح له ذلك معرفة أنَّ ما يقوله ذو قيمة، فالتواصل البصري فعَّال جداً، حيث يمكنه نقل أفكار كثيرة دون أن يقال أي شيء، وفي الوقت الحالي، أصبح الأمر أكثر أهمية من أي وقت مضى في ظل جائحة كورونا (Covid-19)، حيث لا يستطيع الناس رؤية وجهك بالكامل، لكن يمكنهم بالتأكيد قراءة عينيك.

من خلال التواصل البصري، ولا نقصد هنا النظرات القاسية والمخيفة، وإنَّما مجرد التحديق في اتجاه المتحدث سيفي بالغرض، ركز على هذا الأمر في المرة القادمة التي تدخل فيها في حوار للحفاظ على التواصل البصري مع المتحدث، وتجنب أن تُبعِد نظرك عن وجه المتحدث، نحن نعلم أنَّ الأمر ليس سهلاً، لا سيما إذا لم تكن مهتماً بما يتحدث عنه، ولكن كما ذكرنا سابقاً، يمكنك إعادة توجيه الحوار في اتجاه مختلف أو دع الشخص يعرف أنَّه عليك المضي قدماً.

إقرأ أيضاً: وفقَاً لعلم النفس: ماذا يقول التواصل البصري عن شخصيتك؟

أفكار أخيرة:

سيعزز الإصغاء باهتمام علاقاتك مع أي شخص في حياتك؛ حيث يجعل ابتعاد الناس عن بعضهم بسبب الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي من مهارات الإصغاء أمراً بالغ الأهمية؛ لذا يمكنك بناء علاقات أفضل وأكثر صدقاً وأعمق من خلال الحضور الذهني والانتباه وطرح الأسئلة التي تجعل المتحدث يشعر بأنَّ ما يقوله هام، أليس هذا هدفاً رائعاً لجعل الناس يشعرون كما لو أنَّهم هامين؟ لذا انطلق وابدأ في صقل مهارات الإصغاء هذه.

 

المصدر




مقالات مرتبطة