نسأل أنفسنا عندما نكون مُحبطين، وغاضبين عن السبب الذي يدفع شخصاً ما لتشويه سمعتنا، أو إهانة كرامتنا علناً؟
من المؤكَّد أنَّه ما من سبب وجيه يدفع أي شخص كي يعاملك بهذه الطريقة إن لم تؤذه، وربما بالكاد تعرف هذا الشخص الذي يشعر تجاهك بالحسد، أو قد يكون شخصاً لا يمكنك تجنُّب اللقاء به، كأحد زملاء العمل الذي أبدى لك مشاعر الكره والضغينة منذ لقائه بك لأول مرة، فمن المُحتمل أنَّ هذا الشخص كان مقرباً إليك فيما مضى، كأحد أفراد عائلتك، أو صديقك، أو شريك حياتك السابق.
أياً يكن هذا الشخص، فإنَّ الغضب والكراهية يستنزفان طاقتك، ومن ثم يؤرقان راحتك، ويجعلان ذكرياتك مع هذا الشخص مؤلمة في حال وجودها، والأسوأ من كل هذا هو تأثير هذه المشاعر السامة في صحتك، ولكن يمكنك التعامل مع هذه المشاعر، ففي حين أنَّ العداوات أمر لا مفرَّ منه أحياناً في الحياة، ولكن يمكنك في كثير من الأحيان التخلص من كل هذا التوتر والاستياء، وقد تفكِّر قائلاً في نفسك: لماذا يجب أن أكون الشخص الذي يسعى إلى الصلح على الرغم من أنَّني المُعتدى عليه؟
قد تكون محقاً في ذلك، ولكن فكِّر في التكلفة، إنَّ تحويل العدو إلى صديق ليس صنيعاً تفعله من أجل الآخرين؛ بل من أجل مصلحتك أنت، فلا تتولد العداوات بشكل طبيعي؛ بل تسببها عوامل عديدة، حتى لو لم تتعمد ذلك.
7 نصائح لكي تحول عدوك إلى صديق:
1. ارفض أن تكون طرفاً في العداوة:
يقول الكاتب الفرنسي "فرانسوا دو لاروشفوكو" (Francois de La Rochefoucauld): "يفضِّل الرجل الحكيم عدم دخول الحرب على الفوز بها".
افهم أولاً أنَّه ما من أحد قادر على فرض شعور العداوة عليك، فيمكنك أن ترفض بوعي أن تكون طرفاً في هذه العداوة، ومهما يكن حجم الاستفزاز، فأنت قادر على رفض الدخول في نزاع مع أي شخص، ويمكنك تغيير أي موقف في لحظة من خلال رفض مبادلة العداء للطرف الآخر، وبذلك تكون قد فوَّتَ على الطرف الآخر فرصة إيجاد مبرر لكراهيته وجنحتَ بالموقف نحو السلام، لذا كن فاعلاً لا انفعالياً، وكن الشخص الذي يمتلك زمام الأمور.
2. غيِّر نظرتك للطرف الآخر:
يقول الرئيس الأمريكي الأسبق "أبراهام لينكولن" (Abraham Lincoln): "أفضل طريقة لتدمير عدوك هي بتحويله إلى صديق، وأفضل طريقة لكسب صداقة أحدهم هي بأن تنظر إليه بصفته صديقاً"، لذا انظر إلى هذا الشخص بوصفه صديقاً لا عدواً، وكما أنَّه لا يمكن لأحد أن يجبرك على الخوض في نزاع، فلا يمكن لأحد أن يجبرك على عدِّه عدواً، ومن المؤكَّد أنَّ الأمر يتطلب إرادة قوية؛ لذلك تسامح مع نفسك إذا استغرق الأمر بعض الوقت، فهذا التحوُّل الكبير في المنظور يتطلب بعض الوقت، وفكَِّر في الفائدة التي ستجنيها حتى تتمكن من استثمار هذا التحوُّل في المنظور وتحوله إلى سلوك تجاه هذا الشخص، فعندما تقرر عدَّ الشخص الذي يناصبك العداء صديقاً، فستكون قد أنجزت نصف العملية التي تهدف إلى تحويل العدو إلى صديق.
شاهد بالفيديو: 8 أسباب منطقية تفسر لماذا عليك أن تحب أعداءك
3. ضَع نفسك مكان الطرف الآخر:
يقول الكاتب الأمريكي "ستيفن كوفي" (Stephen Covey): "يتراجع الموقف الدفاعي لدى الأشخاص الذين نُظهر لهم بتعاطف عميق، لتحل الطاقة الإيجابية مكان الطاقة السلبية، وهذا ما يتيح لك ابتكار وسائل جديدة لحل المشكلات".
الكراهية تولِّد الكراهية، ولا يمكنك أن تكره شخصاً وتأمل بأن يصبح صديقك، ومع ذلك من الصعب أن تَعدَّ شخصاً ما صديقك إذا كنت تعتقد أنَّه يكنُّ لك العداوة، أو الحسد، أو يرغب بإيذائك لأسباب شخصية، ولكن إذا تمكنتَ من النظر بموضوعية إلى سلوكه وأقواله، فمن المُحتمل أن تدركَ أنَّ عداءه لك نابع من عذابه النفسي وليس لأسباب شخصية ضدك، فمن يعاديك هو إنسان مثلك تماماً، ولديه هواجسه ومخاوفه وتجاربه المؤلمة، وربما يشعر بالخجل وعدم الأهمية، وكل ما هنالك أنَّ هذا الشخص لا يشعر بالأمان النفسي، ويحاول أن يتخلص من هذه المشاعر المؤلمة من خلال إيذائك.
نقوم جميعاً بنفس الأمر من وقت لآخر، ويتيحُ لك التعاطف عدم أخذ العداوة على محمل شخصي، لذا أدرك أنَّ مشكلة الطرف الآخر ليست معك؛ بل مع نفسه، ولذلك هو يحتاج كثيراً إلى تعاطفك، لذا كنْ صديقه، وأظهر له التعاطف، والتفهُّم لما يعانيه من صراعات نفسية، وسيكون دعمك له خير دليل على أنَّك ترغب بأن تكون صديقاً له وليس عدواً.
4. تواصَل مع الطرف الآخر بشكل مستمر:
تقول رئيسة وزراء بريطانيا (UK) السابقة "مارغريت تاتشر" (Margaret Thatcher): "من الحكمة أن تعرف الشخص الذي يعاديك جيداً، وذلك لأسباب عديدة أهمها أنَّه قد تُتاح لك في وقت ما الفرصة لتحويله إلى صديق".
عندما يحدث نزاع بين بلدين، فإنَّ أول شيء يفعله كل طرف هو سحب ممثليه الدبلوماسيين لدى الطرف الآخر، وتُعدُّ هذه كارثة على السلام الدولي، فتُقطَع جميع سبُل التواصل عندما يكون الطرفان في أمسِّ الحاجة إليها.
لا يؤدي التجنُّب والتزام الصمت إلى إنهاء الصراعات، وحتى لو كانت مشاعر الكراهية لدى الطرف الآخر تتراجع بمرور الوقت (وهو أمر مُستبعد)، فإنَّ هذا لا يكفي لتحقيق الوفاق والانسجام، وهنا تظهر قدرتك على الإبداع، فإذا رفض الطرف الآخر لقاءك، فحاول توفير الفرص التي تؤدي إلى اللقاء به، والأمر الهام هو أن تستمر في التواصل مع الطرف الآخر قدر الإمكان.
تذكَّر أنَّ الأمر يعود لك في نهاية المطاف، فإذا كانت علاقتك مع هذا الشخص سامة، فقد ترى أنَّ قطع علاقتك به أفضل، ومع ذلك ما تزال النتائج تستحق منك هذا الجهد، وتذكَّر أيضاً أنَّه يوجد دائماً فرصة لحل أي نزاع ما دام التواصل مستمراً.
5. بادر بالاعتذار:
يقول الفيلسوف الصيني "لاوتزه" (Lao Tzu): "النصر في النزاعات والمعارك دائماً من نصيب الشخص الذي يشعر بالندم أولاً".
بعد أن طبَّقت النصائح الأربع السابقة تكون قد تمكنتَ من إجراء تحوُّل كبير في طريقة تفكيرك تجاه الطرف الآخر في النزاع، وتحتاج الآن إلى امتلاك ما يكفي من الإرادة، ورحابة الصدر، ورجاحة العقل حتى تبادر بالاعتذار للطرف الآخر؛ إذ لا يتعلق الأمر هنا بمن هو على حق ومن هو على باطل؛ بل يتعلق الأمر بقضية سامية وهي بناء علاقة صداقة.
لذا أدرك أنَّك بحاجة من أجل تعزيز علاقتك مع الطرف الآخر إلى أن تعالج من جانبك أي سبب يؤدي إلى شعورهم تجاهك بالكراهية، وربما أساء الطرف الآخر تفسير حديثك، أو أحد تصرفاتك العفوية، وربما تكون أهنته، أو جرحت كرامته من غير قصد، ولكن أياً يكن الأمر ما يزال بإمكانك الاعتذار، وتؤكِّد للطرف الآخر بهذه الطريقة بأنَّك تعترف، وتتفهم شعوره بالألم، وأنَّك مستعد لتصحيح الخطأ، لذا تخلَّ عن غرورك، وكن متعاطفاً حتى تُثبت للطرف الآخر صدقك، وحُسن نواياك.
6. كن صديقاً حقيقياً:
يقول الفيلسوف الأمريكي "رالف والدو إيمرسون" (Ralph Waldo Emerson): "الود هو سبيلك الوحيد لتكوين صداقات".
يجب أن تدرك بعد أن أظهرت نواياك الحسنة، ومشاعرك الإيجابية تجاه الطرف الآخر، أنَّ هذا لا يمثِّل دليلاً على قبول سلوكه المسيء؛ بل يُثبت قوة شخصيتك، وما تمتلكه من موقف ذهني إيجابي لا يتزعزع.
حان الوقت الآن لتُثبت للطرف الآخر جديتك في تحويل العداء إلى صداقة، لذا كن كريماً وخصص بعض الوقت لصديقك الجديد، أو فاجئه بشيء سار يجعله سعيداً طوال اليوم، والأهم مما سبق هو إظهار الاحترام الحقيقي، لذا أظهر للطرف الآخر أنَّك تدرك قيمته، وأهميته، وبذلك تلبي حاجته الطبيعية إلى الشعور بالتقدير والاحترام.
اغتنم كل فرصة ممكنة لمدح الطرف الآخر وبخاصة أمام الآخرين، وتحدَّث عنه بشكل إيجابي فقط، وتجنَّب أي حديث عن أي سلوك أو شيء سلبي قاله، واحرص على أن تكون صادقاً؛ فابحث عن الطرائق التي يمكنك من خلالها إثبات تقديرك الحقيقي لجهود الطرف الآخر ومساهماته، ولكن لا يجب أن تنسَ أنَّ الأصدقاء الحقيقيين يتشاركون الأوقات الجميلة والفترات العصيبة، وإذا أردتَ أن تحوِّل عدوك إلى صديق، فعامله على هذا الأساس، وأظهر ضعفك عندما تمر بوقت عصيب، واطلب من الطرف الآخر أن يساعدك في الظروف الصعبة، وبذلك توصل له رسالة مفادها أنَّك تنظر إليه بصفته صديقاً حقيقياً تلجأ إليه.
7. أحبَّ عدوَّك:
يقول المناضل الأمريكي الشهير "مارتن لوثر كينغ جونيور" (Martin Luther King, Jr): "الحب هو القوة الوحيدة القادرة على تحويل العدو إلى صديق".
قد تعتقد أنَّه من المستحيل أن تحبَّ عدوَّك، ولكن تذكَّر أنَّك تفعل ذلك من أجل راحة بالك وسعادتك، فالأمر متروك لك، وما يتطلبه الأمر في البداية هو التركيز على الجوانب الإيجابية في شخصية الطرف الآخر، لذا تصرَّف تجاهه بمحبة، وحوِّل احترامك إلى حب، وتقديرك إلى مودة، وتحتاج في هذه المرحلة إلى الارتقاء من مستوى التعاطف مع الطرف الآخر إلى مستوى الشعور تجاهه بالمحبة.
شاهد بالفيديو: 7 نصائح لتحويل أعدائك إلى أصدقاء
في الختام:
تخيَّل مقدار السلام الذي ستشعر به عندما تتخلص من جميع عداواتك، وتحوِّل خصومك إلى أصدقاء، فلن تشعر بمزيد من الغضب بسبب ما يلحق بك من أذى، وبالطبع ليس الأمر بهذه السهولة، وقد تفشل في بعض المحاولات، ولكن يجب عليك أن تحاول حتى تتأكد من النتيجة؛ إذ يتطلب الأمر روحاً عظيمة حتى تتمكن من الاعتراف باحتمالية خطئك مع الطرف الآخر، ومن هنا يبدأ كل التحوُّل وتتمكن من تحويل ألد أعدائك إلى أصدقاء.
أضف تعليقاً