إنَّ الجهود المقدّمة من معلّمي اللغة العربية لتعليم الطلاب غير الناطقين بها جهودٌ مشكورة؛ فكم أقيمت من دورات وندوات ومؤتمرات وحصص دراسيّة للغة العربية حول العالم. لذا نشيد بالنتائج الإيجابية ونتعاون في تجاوز التحديات الموجودة.
وبناءً عليه، نقدّم في هذا المقال إضافةً جديدةً لتطوير تعلّم اللغة العربية في شكلٍ مبسطٍ وأكثر فائدة، وصولاً إلى مرحلة الحديث بطلاقة. ولقد أَسمَيتُ هذه الإضافة "أسرار التحدث باللغة العربية بطلاقة"، فما عليك أيُّهَا القارئ إلا تطبيقها والمداومة عليها حتى تلمس التغيير بنفسك.
وقد استُخدِمت هذه الأسرار في تعليم لغاتٍ عِدّة، مثل: الإنجليزية، والإسبانية، واليابانية وغيرها؛ فنجحت نجاحاً باهراً. ولأنَّ الحكمة ضالة المؤمن؛ فلا بأس من تطبيق هذه الأسرار والاستفادة منها. والجميل في الموضوع أنَّ تطبيقها عمليّةٌ تبادليّةٌ بين المعلّم والطالب: فعلى المعلّم التوجيه والمراقبة، وعلى الطالب التطبيق والتزام الاستمرارية في التطبيق.
يتعيَّن على المعلّم استيعابَ هذه الأسرار وتطبيقها مباشرة، وتدريب الطلاب عليها وإلزامهم العمل بها في دراستهم ومذاكرتهم. وفي حين يكمن في أيّ شيءٍ جديدٍ نوعٌ من التحدي، بيد أنَّ النتائج تكون مبهرة ومشجعة في وقت قصير.
شاهدة بالفيديو: حقائق ومعلومات قد لا تعرفونها عن اللغة العربية
إذاً؛ إن أردت تعليم اللغة العربية بكلّ متعةٍ وتفاعلٍ مع الطلاب، فاتبع الأسرار الآتية:
السر الأول: البدء بتدريس الطلاب وتعليمهم تكوين العبارات والجمل باللغة العربية
ليس الأمر كما اعتدنا عليه في التعليم التقليدي من حفظ الكلمات المفردة، إذ تحتوي العبارات والجمل على كلمات عديدة مركبة تركيباً لغوياً يَسهُلُ تمثيلها وشرحها ورسمها؛ مما يجعلها أقرب إلى ذهن الطالب وأرسخَ لعقله من حيث استقبال المعلومة ومعالجتها.
وفي حين قد يبدو هذا الأمر من السهولة بمكان، ولكن أثره كبيرٌ في ترسيخ اللغة في اللاوعي، كما لاحظ الدكتور "أي.جي.هوج a.j.hoge" (الدكتور الذي درس 40 مليون طالب في اللغة الإنجليزية بهذه الأسرار).
يساعد هذا السرّ الطالبَ على تَعلُم اللغة العربية تعلماً طبيعياً؛ وذلك لأنَّه يحاكي الواقع. فما إن يتعلّمها حتى يُسارع إلى تطبيقها في حياته اليومية، ومع التكرار ومعرفة مواقع الخلل؛ يصبح تعلّم اللغة أمراً تلقائياً لدى الطالب.
وطريقة التعامل مع هذا السر كالآتي:
إخبار الطالب أن يُبقيَ في حوزته مذكرةً لتدوين الفوائد؛ فعندما تتحدّث باللغة العربية؛ سيسمع كلماتٍ وجُمَلاً لأوّل مرّة؛ فحريٌ بالطالب:
- تدوينها في مذكرته بطريقةٍ صحيحة.
- مراجعتها وتكرارها بطرقٍ مختلفة من مهارات التعلّم (مرّةً بالسماع، ومرّةً بتمثيلها، ومرّةً بتوضيح صورةٍ عنها... وهكذا).
وبذلك يحصل الطالب على مجموعة عباراتٍ وجُمَل تحتوي على كلماتٍ جديدة، فتتركّز مراجعته حول هذه العبارات والجُمَل التي تُوَافق واقِعَه الحقيقي، وذلك لكي يتذكرها ويراجعها باستمرار.
الفائدة المرجوّة من هذا السرّ؛ هي معرفة استخدام الكلمات الجديدة في سياقاتٍ مختلفةٍ ضمن واقعه الملموس؛ بعباراتٍ سهلةٍ تلقائيّةٍ من دون دراستها دراسةً تقليديّة؛ فهي تكون موجودة في لاوعيه عند استخدامها وسماعها بالشكل الصحيح.
السرّ الثاني: الاستغناء عن كتب قواعد اللغة العربية، وعن التركيز في تدريسها
سيُعجب هذا السرّ الطالب، ويفاجئ بعض الناس. إذ يستند على عدم دراسة قواعد اللغة العربية وعدم التركيز عليها؛ وذلك عبرَ جعل الطالب يألف القواعد من كثرة الممارسة والتطبيق، وكثرة سماعه للعبارات والجُمَل من المعلّم، أو حتى من المختصين من خلال وسائل التقنيّة الحديثة.
لا يحتاج الطالب في المراحل الأوليّة من تعلّم اللغة العربية إلى معرفة أسماء موضوعات القواعد مثل: أنواع الأفعال وأنواع الأسماء وأنواع حروف الجر وغيرها من القواعد؛ فدراسة قواعد اللغة العربية بطريقة التعليم التقليدي تُصَعِّبْ التَقدّم في مهارة التحدث بها، وتقلق الطالب وتُؤَخرهُ عن التحدث.
وكم رأينا عدداً من الطلاب حفظوا أُمَّهاتِ الكتبِ في دراسة اللغة العربية من النحو والصرف والبلاغة، ويعرفون دقائق الأمور في الإعراب ويحفظون أبياتاً كثيرةً من الشعر والأدب العربي؛ لكن عندما يتحدثون لا يستطيعون تركيب جملةٍ على جملة. فواعجبي!
ونرى أنَّ من يتحدثون بطلاقةٍ ويُصيبون في مُعظم تراكيب القواعد هم من الذين لم يدرسوا القواعد بإسهاب، بل ولا يعرفون مسميات بعض القواعد حتى! فكيف تعلّموها إذاً؟ لقد تعلّموها بالتطبيق المباشر والمحاكاة وتكرار الجُمَل؛ إلى أن ترسّخت لديهم في اللاوعي.
إذاً؛ لا نحتاج حالياً إلى كتب قواعد اللغة العربية، ولا نحتاج إلى استدعاء تركيز الطالب لها؛ فبمجرد ممارسته لحفظ ودراسة العبارات والجُمَل، يجعله يتعرّف على موضوعات القواعد تلقائياً.
السر الثالث: استخدام حاسة السمع أكثر من غيرها
إنَّها من الأسرار الهامَّةِ التي تجعل بقية الأسرار تترابط فيما بينها. وهو السرّ الذي يستخدمه الطفل منذ أن يكون رضيعاً. فلا عجب أن يكون خلافَ ما تعلمناه في المدارس التقليدية من استخدام حاسة البصر استخداماً مفرطاً؛ وذلك من خلال قراءة كتب المقرر ومن رؤية الطلاب لما يكتبه المعلّم على السبورة.
واستخدام حاسة السمع موجودٌ في التعليم التقليديّ أيضاً، لكنَّ الطالب يسمع بكثرةٍ ترجمة اللغة العربية بلغته الأم، وهذا ما يُقلّل من جودة تعلّم اللغة العربية.
ويكمن السر في التركيز على كثرة سماع اللغةِ العربيةِ من المعلّم أو المُسَجّل أو الفيديو، وشرح الجمل باللغة العربية. المهم في الأمر أنَّ كثرة السماع يغذي جميع الحواس من أجل تعلّم اللغة العربية تعلماً سريعاً ومتقناً.
إنَّ تعلّم الكلمات الجديدة بمجرد النظر إليها وحفظها، أو تعلّم القواعد من المقرر وحلّ التمرينات والأنشطة بالكتابة واستخدام البصر دون السماع؛ لا يساعد في جعل الطالب يتحدّث بطلاقةٍ وسلاسة؛ وإنَّما معرفة القواعد دونَ الحديث.
الآن عرفت –أيها المعلم وأيها الطالب– أنَّ جهداًَ كبيراً ينتظرك لتوفير مواد مسموعة في موضوعات اللغة العربية؛ فمن الجميل البدء بعباراتٍ وجُمَلٍ تُحاكي الواقع الذي تعيشه، فتبدأ بالتدرّج من الأسهل حتى تصل إلى مستوىً متقدم؛ وهو ما يزيد حافزك للتعليم والاستمرار في تعلّم اللغة العربية.
في الختام:
سيشعر الطالب بالتغيير السريع في دراسته اللغة العربية ما إن يُطبِّق هذه الأسرار الثلاث. وبما أنَّنا بدأنا بتكوين فكرةٍ وافيةٍ عنها وعن طريقة استخدامها؛ فنذكّر الطالب بالاستمرارية والمثابرة عليها للوصول إلى الهدف المنشود؛ فلهذه الأسرار قوة تجعلك تنطلق إلى التحدث باللغة العربية بالشكل الأمثل.
ومن خلال إضافة أسرار القسم الثاني من هذا المقال إلى هذه الأسرار؛ تكون قد امتلكت الأدوات اللازمة للاستمتاع بتعلّم اللغة العربية والتحدث بها بطلاقة.
أضف تعليقاً