6 أمثلة عن الانحياز للسلطة

يبدأ الأمر حين نكون أطفالاً عندما نحاول إرضاء والدينا وإقناعهم، وتستمر هذه الحاجة إلى إرضاء مَن حولنا خلال مرحلة المدرسة حين نحاول إثارة إعجاب معلمينا، ثمَّ في مرحلة الحياة المهنية حين نبذل قصارى جهدنا لإرضاء أرباب العمل.



لا ينطبق ذلك فقط على الأشخاص الذين يحبون إرضاء الناس؛ بل هي رغبة لدى الجميع؛ ربما لأنَّ هذا الرضى يحدد النجاح أو الفشل، فإذا كان رب عملك يظن أنَّك معدوم الفائدة، فلن يكون من المرجح أن ترتقي في مناصب الشركة، وبالإضافة إلى ذلك، قد لا يكتب لك خطاب توصية عند استقالتك.

ما لا يدركه معظمنا هو مقدار تأثير هذه الرغبة في إرضاء الأشخاص في مواضع السلطة في محاكمتنا العقلية عندما يحين وقت اتخاذ القرار؛ إذ يُطلَق على هذه المغالطة اسم "الانحياز للسلطة" (Authority Bias)، ومن الهام فهمها؛ وذلك لأنَّها يمكن أن تؤثر في عملية صنع القرار.

وتماماً مثل التحيزات المعرفية الأخرى، تحيُّز السلطة هو طريق مختصر يختاره الناس لاتخاذ القرارات، وغالباً ما يشوش على التفكير العقلاني؛ لذلك سنلقي نظرة في هذا المقال على 6 أمثلة عن الانحياز للسلطة، وكيف يمكن لهذا الميل المعرفي أن يؤثر في قراراتك.

الانحياز للسلطة:

يشير الانحياز للسلطة إلى ميلنا لاتباع تعليمات شخص يتمتع بالسلطة دون التشكيك في أهدافه أو أساليبه، وهذا أمر منطقي؛ وذلك لأنَّنا نتعلم منذ صغرنا اتباع الأوامر والموافقة على القرارات التي يتخذها الأشخاص في مواقع السلطة، لكن ينتج عن ذلك شعور قوي للامتثال للسلطة، سواء كان يمثلها رب عمل أم مدير تنفيذي أم خبير يحظى باحترام كبير من نوع ما؛ إذ ينبع الانحياز للسلطة من الأعراف الاجتماعية؛ وهذا يعني أنَّ الناس في كثير من الأحيان يقبلون آراء السلطات تلقائياً بدلاً من التفكير في أنفسهم.

ففي الماضي كان اتباع قائد يتخذ جميع القرارات سلوكاً مفيداً للناس؛ إذ كانت المعرفة والمعلومات محدودة، وكان من مصلحة الناس اتباع ما يمليه عليهم أولئك الذين يعرفون أكثر منهم، لكن في عالمنا المتقدِّم اليوم، يتمتع كل فرد بإمكانية الوصول إلى المعلومات والتعليم الرسمي لمساعدته على اتخاذ القرارات بنفسه؛ لذا إنَّ القبول بما تقوله السلطات دون تفكير لم يعد أمراً منطقياً، ويجب عليك الآن استخدام محاكمتك العقلية لتوجيه سلوكك وقراراتك.

لا يمكن فهم الانحياز للسلطة بالكامل دون الإشارة إلى "تجربة ميلغرام أوبيديانس" (Milgram Obedience Experiment) الشهيرة، وهي دراسة أجراها أستاذ علم النفس "ستانلي ميلغرام" (Stanley Milgram) في "جامعة ييل" (Yale University) عام 1961 عن الانحياز للسلطة؛ إذ فحص ميل الناس إلى إطاعة أوامر السلطة حتى لو شعروا بوجود خطبٍ ما في الأوامر، وحتى لو لم توجد عقوبة تترتب على عصيانها، فكان تركيز العالم على الصراع الداخلي بين ضمير الشخص وميله إلى إطاعة السلطة.

في التجربة، طُلِب من مشارِكٍ توجيه صدمات كهربائية مؤلمة لشخص آخر، وامتثل العديد منهم بنسبة 65% حتى بعد تعبيرهم عن رغبتهم في التوقف؛ وذلك لأنَّهم شعروا بالضغط من قِبل قائد التجربة الذي أخبرهم أنَّ الدراسة ستفشل إذا لم يتبعوا القواعد.

وتقدم تجربة "ميلغرام" مثالاً واضحاً عن التأثيرات المحتملة للانحياز للسلطة، ولكنَّ هذه الظاهرة يمكن أن تؤدي دوراً في اتخاذك للقرارات اليومية، وهذا هو الحال مع التحيزات المعرفية الأخرى، مثل "الانحياز التأكيدي" (Confirmation bias)، فإنَّ الانحياز للسلطة هو ظاهرة نُقلِّل من شأنها مع أنَّ أدمغتنا عُرضةً لها.

وقد أظهرت الأبحاث السلوكية المعرفية وجود نظامين مترابطين في دماغنا مسؤولان عن قراراتنا، يتحكم النظام الأول بعمليات التفكير اللاواعية والتلقائية، ويتحكم الثاني بأفكارنا الواعية والوظائف التي تتطلب التفكير والاستفادة من دوافعنا وخبراتنا، وتتم معظم قراراتنا على مستوى النظام الأول.

قد يتعرض الإدراك وعملية اتخاذ القرارات لخطر آخر بسبب عوامل خارجية مثل الضغط الاجتماعي أو المؤسساتي، والظروف المتقلبة، وعبء العمل، والضغط، والتعقيدات الأخرى، ولكنَّك ستكون أقل عرضة للتأثر بهذا التحيز المعرفي إذا كنت واعياً له.

لذا تذكَّر أنَّه من الممكن لشخصيات السلطة اتخاذ قرارات سيئة مثلهم في ذلك مثل أي شخص آخر، وفي هذه الحالات، إذا اتبعت قراراتهم الخاطئة دون التشكيك بها، فقد تعود عليك بنتائج سيئة.

شاهد بالفديو: 7 طرق لتحسين مهارة اتخاذ القرار

6 أمثلة عن الانحياز للسلطة قد تؤثر في قراراتك:

1. في التعليم:

كثيرٌ من الأشياء التي ربما تعلمتها في المدرسة غير صحيحة، إذ توجد أشياء كثيرة يُبَسِّطها ويعلِّمها الأساتذة للأطفال في المدرسة وهي خاطئة في الواقع. وفي حين أنَّ هذه المعلومات غير الدقيقة قد لا تقودك إلى اتخاذ أي قرارات ضارة، لكنَّها مثال عن كيفية تدريبنا منذ سن مبكرة لقبول المعلومات التي تقدمها السلطات على أنَّها صحيحة دون تفكير، ولن تتمكن من التشكيك فيما تقوله السلطات لاحقاً حتى تشكك في هذه المعلومات التي قالوا لك إنَّها صحيحة في مرحلة الطفولة.

إقرأ أيضاً: المراحل العمرية التي يمر بها الإنسان

2. في الدعاية والإعلان:

من إعلانات معجون الأسنان إلى حملات السجائر، غالباً ما تستعين الشركات التي تحاول بيع منتج بشخصية مؤثرة كي تقدِّم للمستهلكين توصية من شخص يظنون أنَّه شخص ثقة.

على سبيل المثال، استعانت شركة إنتل في إعلانها التجاري بالممثل الذي أدى دور شخصية "شيلدون كوبر" (Sheldon Cooper) من المسلسل التلفزيوني "نظرية الانفجار الكبير" (The Big Bang Theory)، وكان هذا أسلوباً فعالاً لبيع منتجاتها؛ وذلك لأنَّ "شيلدون" فيزيائي عبقري؛ لذا ظنَّ الناس أنَّه خبير بأجهزة الحاسوب.

إذا فكرت تفكيراً منطقياً، فستدرك أنَّ "شيلدون" شخصية خيالية، لكنَّ "جيم بارسونز" (Jim Parsons) الذي أدى الدور هو مجرد ممثل، ووكالات الإعلان تعلم أنَّ معظم الناس لن يفكروا في مقدار غباء اتباع هذه التوصية؛ وذلك لأنَّهم وقعوا ضحايا رد الفعل التلقائي للانحياز للسلطة.

3. في الطب:

كم مرة وصف لك الطبيب دواءً وتناولته كما أخبرك بالضبط؟ كثيراً على الأغلب، ومن المحتمل أنَّك لا تجري البحث بنفسك عن كل دواء موصوف لك للتأكد من أنَّه الخيار الأفضل بالنسبة إليك؛ وذلك لأنَّك تثق بطبيبك بصفته شخصية مرجعية يجب عليك اتباع تعليماتها.

في حين أنَّ اتباع نصيحة خبير في هذا المجال هو حل مختصر ثمين، وعادة ما تكون النصيحة جيدة وتوفر علينا الوقت، لكن بعد أن يصبح قبول قرار السلطة استجابة تلقائية، قد يصبح الأمر مثيراً للقلق.

لقد واجه معظم الناس بالتأكيد مشكلات بعد تناول دواء خاطئ أو الموافقة على إجراءات طبية غير ضرورية، أو تشخيصهم تشخيصاً غير صحيح؛ لذا إنَّ الحصول على رأي ثانٍ يمكن أن يكون مفيداً للغاية.

4. في مجال الأعمال:

يبرز الانحياز للسلطة في الأعمال التجارية في ظاهرة "رأي الشخص الأعلى أجراً"؛ التي تعني أنَّ القرارات في العمل، غالباً ما تستند إلى رأي أحد كبار الموظفين، الذي غالباً ما يخضع له الأشخاص الأدنى مرتبة؛ بمعنى آخر، غالباً ما نتجاهل تفاصيل قضية ما لنتفق مع رأي أهم شخص معني.

وقد جدت الدراسات أنَّ المشاريع التي يتولى مسؤوليتها صغار المديرين، تحقق معدلات نجاح أعلى من تلك التي يتولى مسؤوليتها كبار المديرين، وقد يكون السبب أنَّ أعضاء الفريق يشعرون براحة أكبر في الاعتراض وتقديم الملاحظات في المشاريع التي يقودها قادة أقرب إلى مستواهم المهني، وهذه الآراء التي يشاركونها تحسِّن النتيجة النهائية، بينما عند العمل مع كبار المديرين، غالباً ما يتجنب الموظفون المبتدئون التعبير عن آرائهم القيمة ولا يحصل تعاون فكري في المشروع.

5. في السياسة:

لاحظ النتائج عندما تترشح شخصيات مشهورة لمنصب سياسي، مثل ممثلين أو لاعبين رياضيين أو نجوم مشاهير، ففي حين قد تكون خبرة هؤلاء الأشخاص الذين يتطلع إليهم الكثيرون قليلة أو معدومة في السياسة، لكنَّهم غالباً ما يفوزون عندما يترشحون؛ إذ يرى الناس أنَّ هؤلاء الأشخاص ناجحون في حياتهم، وسيكونون ناجحين في منصبهم الجديد أيضاً.

ويحدث هذا أيضاً عندما يؤيد المشاهير مرشحاً معيناً؛ إذ غالباً ما ترى المشاهير في الحملات الإعلانية السياسية، ويستخدم الكثيرون شعبيتهم للتحدث علناً عن مرشح أو قضية يدعمونها، ويستخدمون نفوذهم لمحاولة إقناع المواطنين بالتفكير أو التصويت بطريقة معينة أو الدفاع عن قضايا محددة.

6. في حياتك:

هل تفكر في إيجابيات وسلبيات تعليمات رب العمل؟ وماذا لو اتخذ قراراً خاطئاً لكن لم يتكلم أحد؟ إذا كان رب العمل قائداً جيداً، فسيُذكِّر فريقك بعدم اتباع تعليماته حرفياً، وسيشجعكم على تقديم مداخلاتكم وطرح الأسئلة؛ لذا يجب أن يفهم الفريق بوضوح دوافع ونوايا القائد، وأن يعترضوا عند الضرورة.

عند الحديث عن النوايا، ينطبق هذا أيضاً على مجالات حياتك المليئة بالشك، فمن الهام التحقق من نصيحة الخبير، خاصةً عندما تؤثر النتيجة فيك مباشرة، ومع وجود العديد من القادة المستبدين، لن تصبح طريقة التفكير هذه شائعة بعد، لكنَّ التفكير في قراراتك اليومية بهذه الطريقة يمكن أن يفيدك.

إقرأ أيضاً: 15 صفة من صفات القادة المتميزين

كيف تتجنَّب الانحياز للسلطة؟

عندما تتبع التعليمات، فكر فيما إذا كنت تفعل الشيء الصحيح أم لا، وإذا لم يكن صحيحاً، اعترض؛ وذلك لأنَّك قد تمنع وقوع كارثة، ولا تفترض أنَّ ما يظنه رب العمل أفضل من أفكارك، فالقادة موجودون لضمان قدرة المجموعات على العمل معاً لتحقيق هدف مشترك، وليس ليملوا عليهم كيفية العمل طوال الوقت.

عندما يكون للقرارات تأثير كبير، اطرح أسئلة أو احصل على رأي آخر، وعندما يطلب منك رب العمل القيام بمهمة لا طائل من ورائها، أخبره أنَّها ستضيع وقتاً ثميناً، واقترح طريقة أخرى، أو عندما ينصحك مدير أموالك بشراء سهم معين اسأله عن السبب؛ فإذا كان الشخص واثقاً بصحة طلبه، فسيكون لديه حقائق لدعمه، ويمكن أن تساعدك هذه الحقائق الإضافية على اتخاذ قرار أفضل.

في الختام:

لا يتخذ كل شخص يتمتع بالسلطة دائماً الخيارات الصحيحة، وفي بعض الأحيان يمكن أن يؤدي غرور بعض القادة بأنفسهم إلى نتائج سيئة، بينما يتوقع القادة الآخرون أن يتحدث فريقهم عندما يلاحظ مشكلة، لكن في كلتا الحالتين قد يمتنع الناس عن التعبير عن رأيهم؛ وذلك لافتراضهم أنَّهم لا يستطيعون معارضة السلطة.

باختصار فكر في قراراتك قبل اتخاذ أي إجراء وإذا كانت لديك فكرة صحيحة فاذكرها، ونأمل أن تكون هذه الأمثلة عن الانحياز للسلطة ساعدتك على فهم كيفية عمل هذا التحيز المعرفي حتى تتمكن من تجنبه في المستقبل.

المصدر




مقالات مرتبطة