يُعرَف استخدام المواد المذكورة آنفاً بهذه الطريقة من أجل تخفيف أعراض الاضطرابات النفسية بالتداوي الذاتي، وربَّما تعلم أنَّك تعاني من مشكلة معيَّنة تتعلَّق بالصحة النفسية، لكنَّك تجهل الطريقة الصحيحة للتعامل معها، أو ربَّما لم تُشخَّص حالتك وتلجأ لتناول العقاقير المهدِّئة للتَّعامل مع أعراض أو مواقف معيَّنة.
مثلاً لجأ الكثيرون منَّا في أثناء الجائحة، وما سبَّبته من صعوبات اقتصادية، إلى التداوي الذاتي للتعامل مع التوتر والقلق والاكتئاب، وفي حين قد يوفِّر التداوي الذاتي بعض الارتياح على الأمد القصير، إلَّا أنَّه يؤدِّي إلى تفاقم المشكلة مع مرور الوقت.
سواء كنت تلجأ إلى العقاقير الممنوعة أو الأدوية الصيدلانية (الأدوية التي تحتاج إلى وصفة طبيب) أو حتَّى الطعام أو التدخين، فقد يؤدِّي التداوي الذاتي المُنتظم إلى الإدمان، وتفاقم اضطرابات المزاج وزيادة المشكلات الصحية، ناهيك عن احتمالية الإضرار بعلاقاتك الشخصية والمهنية، ومع ذلك فأنت قادرٌ على تغيير هذا الوضع، وستكون قادراً من خلال فهم الأسباب، ومعرفة الوقت الذي تلجأ فيه إلى التداوي الذاتي، وعلى العثور على طرائق صحية وفعَّالة أكثر للتعامل مع مشكلاتك، وتحسين مزاجك وصحتك عموماً.
سنتحدَّث في هذا الجزء من المقال عن الأسباب التي تؤدِّي إلى ممارسة التداوي الذاتي، و6 علامات تدلُّ على أنَّك تمارس هذا النوع من أساليب التكيُّف غير الصحية.
الأسباب التي تدفعنا إلى التداوي الذاتي:
نشعر جميعاً بالقلق والإحباط والتخبُّط بين الحين والآخر بسبب ما نواجهه من صعوبات ومواقف مُزعجة في حياتنا اليومية، ولكن عندما تسيطر عليك مشاعر الإحباط أو الخوف أو الحزن أو الغضب أو التوتر الشديد، وتؤثِّر في أدائك في الحياة اليومية؛ فقد يعني ذلك أنَّك تحتاج إلى المساعدة لعلاج الأسباب الكامنة وراء هذه الأعراض، ومع ذلك قد يكون من المغري بدلاً من اللجوء إلى الطبيب، أن تحاول التأقلم بنفسك بأبسط طريقة ممكنة، وربَّما من خلال تناول حبة دواء.
يلجأ بعضهم أيضاً إلى هذه المواد لنسيان الذكريات أو المشاعر المؤلمة، مثل الفواجع التي لم تُعالج آثارها النفسية للآن، في حين يتناول بعضهم العقاقير للتعامل مع المواقف التي تسبِّب لهم كثيراً من القلق، أو للمحافظة على تركيزهم خلال أداء المهام اليومية، ومثلما تختلف دوافع التداوي الذاتي من شخص لآخر، كذلك تختلف طرائقه.
أشكال التداوي الذاتي:
1. المشروبات الكحولية:
يُعدُّ احتساء المشروبات الكحولية المحرَّمة أكثر طرائق التداوي الذاتي شيوعاً، ويَستخدم بعضهم المشروبات الكحولية المُحرَّمة للتَّخفيف من التوتر والاكتئاب والقلق على الرَّغم من أنَّ معظم المشروبات الكحولية هي في الواقع مُثبِّطة لعمل الجهاز العصبي ما يعني أنَّها تؤدِّي إلى تفاقم الأعراض لاحقاً.
2. الأدوية الصيدلانية:
تتوفَّر أيضاً على نطاق واسع الأدوية الصيدلانية مثل مسكِّنات الألم الأفيونية وأدوية اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، والأدوية المضادَّة للقلق، وتُستخدم هذه الأدوية لعدَّة أغراضٍ تتراوح بين تسكين الألم أو الشعور بالاسترخاء إلى تعزيز التركيز وزيادة الطاقة.
3. عقاقير إدمانية:
تُستخدم المواد المخدِّرة ذات التأثير المهدِّئ مثل الماريجوانا أو القنَّب أو المنشِّطات مثل الكوكايين، والأمفيتامينات للتعامل مع المشاعر والمواقف والذكريات المؤلمة، ويمكن أن يؤدِّي استخدامها إلى تعاطي المخدِّرات أو الإدمان.
شاهد بالفيديو: كيف تتعامل مع مدمن المخدرات؟
4. الأكل العاطفي:
يمكن أيضاً أن يُستخدم الطعام من قبَل المصابين باضطراب الأكل العاطفي بوصفه شكلاً من التداوي الذاتي بهدف التعامل مع المشاعر المؤلمة، والمواقف التي تسبِّب التوتر أو القلق أو الاكتئاب، ونظراً لأنَّ معظم الناس يحبُّون الطعام المُحلَّى، والغني بالسعرات الحرارية والدهون غير الصحية؛ فإنَّ الأكل العاطفي يمكن أن يؤدِّي إلى السمنة واضطرابات المزاج.
5. النيكوتين:
يساعد النيكوتين الموجود على السجائر ومُنتجات التبغ الأخرى بعض الأشخاص على التركيز، على الرَّغم من أنَّه يؤدِّي على الأمد الطويل إلى تفاقم أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، ويمكن أن يتحوَّل إلى إدمان يَصعُب الإقلاع عنه.
علامات تدلُّ على أنَّك تمارس التداوي الذاتي:
ليس من السهل دائماً أن تعرف أنَّك تمارس التداوي الذاتي، فمثلاً يمكن أن تكون بعض ممارسات التداوي الذاتي طقساً اجتماعياً مقبولاً في كثير من الثقافات، ويمكن العثور على الأدوية الصيدلانية مثل مسكِّنات الألم في صيدلية أي منزل تقريباً، وأصبح استخدام الكثير من المواد مثل "الماريجوانا" قانونياً في كثير من البلدان، وحتى تعرف ما إذا كنت تمارس التداوي الذاتي، ومن الضروري أن تعرف دوافعك وراء استخدام هذه المواد، وتأثير هذا السلوك في حياتك.
مثلاً هل تتناول مسكِّنات الألم لأنَّ ظهرك يؤلمك، أم لأنَّك تشعر بالتوتر بعد يوم عمل طويل وتريد تخفيف شعورك بالتوتر؟ وهل تتناول الطعام لتغذية جسمك بالعناصر الغذائية المفيدة، أم لأنَّك متوتر وقلِق، وتريد التخفيف من حدَّة هذه المشاعر؟
علامات تشير إلى أنَّك تمارس التداوي الذاتي:
1. اللجوء إلى المشروبات الكحولية أو العقاقير كلَّما شعرت بالقلق أو التوتر أو الاكتئاب:
قد يستخدم كثيرون بعض أو كل المواد المذكورة آنفاً؛ للتعامل مع المشاعر المؤلمة التي تسبِّبها الأحداث غير السارة، مثل فقدان الوظيفة والانفصال عن الشريك، ولكن إذا كنت تلجأ إلى هذه الأساليب بانتظام للتعامل مع التوتر أو لتخفيف الشعور بالملل أو لِتحسين مزاجك أو لِتهيئة نفسك للمشاركة في المناسبات الاجتماعية، فمن المرجَّح أنَّك تمارس التداوي الذاتي.
2. تفاقم الوضع سوءاً بفعل تناول المشروبات الكحولية والعقاقير:
قد تعالج مثل هذه المواد المشكلات علاجاً مؤقَّتاً، ولكن بمجرَّد أن تزول الآثار المهدِّئة، فمن المرجَّح أن تزداد المشكلة سوءاً، ويمكن لأساليب التداوي الذاتي أن تؤثِّر سلباً في جودة نومك، وتستنزف طاقتك وتُضعف جهاز المناعة، وهذا يجعلك أكثر عرضةً للإصابة بالأمراض، وسوف يتأثر مزاجك وصحتك العاطفية أيضاً عندما تقع في حلقة مفرغة من اضطراب المزاج، وستزيد استخدام العقاقير والمشروبات الكحولية لتحسين مزاجك.
3. ازدياد الحاجة مع مرور الوقت لجرعات أكبر من المواد التي تُؤخذ في التداوي الذاتي للشعور بالراحة:
مثلاً بعد أن كان يكفي تناول جرعات قليلة من تلك المواد لتخفيف التوتر أو القلق في نهاية اليوم، فإنَّك تحتاج الآن إلى جرعات أكبر للشعور بالراحة، وتعني زيادة تحمُّل جسمك لتلك المواد أنَّك تحتاج إلى جرعة أكبر منها للحصول على التأثير السابق نفسه، وسيزداد تحمُّل جسمك للمادة مع الاستمرار في التداوي الذاتي، وستزداد المشكلات الناجمة عن تناول هذه المواد، ولا يمكن الخروج من هذه الحلقة المفرغة إلَّا بإيجاد طرائق صحية للتعامل مع مشكلات التوتر والقلق وغيرها.
4. ظهور مشكلات أخرى بوصفها مضاعفات للمشكلة الأساسية:
مثلاً قد تلجأ لتناول الكحول من أجل التعامل مع التوتر، ولكنَّك أصبحت تعاني الآن من مشكلات على صعيد الصحة والعلاقات والمال، وينبغي عليك التعامل معها جميعاً، ناهيك عن تفاقم التوتر وهو المشكلة الأساسية في هذا المثال، والنتيجة هي ظهور مزيد من المشكلات كلَّما واظبت على التداوي الذاتي.
5. الشعور بالقلق عندما لا تتمكن من الحصول على المواد المهدِّئة:
إذا كنت ممَّن يشعر بالقلق بشأن قدرتك على التعامل مع المواقف الاجتماعية عندما لا تكون تلك المواد متوفرة، أو كنت ممَّن يشعر بالتوتر عندما تشارف أدويتك الصيدلانية على النفاد، أو تنتظر بفارغ الصبر تقاضي راتبك حتى تتمكَّن من شراء العقاقير المهدِّئة أو غير ذلك، فمن المرجَّح أنَّك تمارس التداوي الذاتي نظراً لأنَّ شعور الضيق الذي تختبره عندما لا تكون قادراً على توفير هذه المواد، يشير قطعاً إلى إدمانك على التداوي الذاتي.
6. شعور أفراد عائلتك وأصدقائك بالقلق على صحتك جرَّاء طريقة تعاطيك لهذه المواد:
هل أعرب الأشخاص الذين يهتمُّون لأمرك عن قلقهم بسبب إفراطك في تناول المواد المهدئة؟ أو لاحظوا تغييرات في شخصيتك أو سلوكك أو حياتك الاجتماعية؟
يمكن أن يؤثِّر الإدمان على مواد التداوي الذاتي في المقرَّبين منك مثلما يؤثِّر فيك أيضاً، وعلى الرغم من سهولة تجاهل مخاوف الآخرين، والتظاهر بأنَّ كلَّ شيء على ما يرام، إلَّا أنَّ أخذ مخاوف أحبَّائك، وأفراد عائلتك بالحسبان، والاعتراف بأنَّك أصبحت مدمناً على التداوي الذاتي يحتاج إلى شجاعة كبيرة.
لقد خصَّصنا هذا الجزء من المقال للحديث عن الأسباب التي تدفعنا إلى التداوي الذاتي، وذَكَرنا أهم 6 علامات تدل على ممارسة هذا الأسلوب غير الصحي من أساليب التكيُّف، وسنتحدَّث في الجزء الثاني والأخير منه عن النصائح التي تساعد على الإقلاع عن هذه العادة.
أضف تعليقاً