تخشى الجهات المعنية في العصر الحديث أن ينشر أحد الموظفين المستقيلين معلومات صحيحة أو مغلوطة عن الشركة على منصات التواصل الاجتماعي بدافع السخط المحض، ومن الأمثلة على ذلك: "هاشتاغ كويتوك" (#quittok) الشهير على منصة "تيك توك" (TikTok)، وفيه يصور الموظف لحظة إعلان استقالته، ورد فعل مديره أو زملائه في العمل مع أو دون علمهم، وينشر المقطع على "تيك توك"، وقد تكون هذه المقاطع راقية أو مبتذلة وغير أخلاقية في كثير من الأحيان.
تؤثر مقاطع الفيديو المنشورة في سمعة الشركة ورغبة المرشحين المستقبليين بالعمل فيها؛ إذ نشرت موظفة إعلان استقالتها التي تضمَّنت الكلمات الآتية: "لقد استقلت اليوم من وظيفتي التي دامت لحوالي 4 أعوام".
كان المدير يتحدث عن الموظفة بألفاظ مهينة وينتقدها بشدة في خلفية المقطع المنشور، وفي حين يعرض مقطع آخر مدى تفهم الإدارة لِطلب استقالة إحدى الموظفات والمعاملة اللبقة التي قوبلت بها في أثناء ذلك.
برزت الحاجة لاكتشاف الأسباب الكامنة خلف رغبة الموظفين بالاستقالة من العمل بعد تفاقم ظاهرة "الاستقالة العظمى" (The Great Resignation)؛ إذ قرر 31% من العاملين الاستقالة من وظائفهم في عام 2022، في حين لم يحسم 25% منهم قراره بشأن الموضوع وفقاً لأحد استطلاعات مؤسسة "كونفرنس بورد" (Conference Board).
لم يشهد عام 2023 مؤشرات تدل على تراجع ظاهرة تقديم الاستقالات، فقد بلغ عدد الاستقالات في شهر نيسان "أبريل" وحده حوالي 3.8 مليون استقالة بحسب "ملخص الوظائف الشاغرة ومعدل دوران العمالة" (Job Openings and Labor Turnover Summary) المنشور من قبل "مكتب إحصاءات العمل الأمريكي" (Bureau of Labor Statistics).
آلية التعامُل مع استقالات الموظفين:
يُستنتَج من الإحصاءات السابقة أنَّ ظاهرة تقديم الاستقالات مستمرة في الوقت الحاضر، وتستلزم وضع منهجية مدروسة تساعد القادة على التعامل والتعايش معها والحد من تداعياتها السلبية قدر الإمكان؛ لذا يجب أن ينتبه المدير للمؤشرات التي تدل على نية الموظف بتقديم طلب الاستقالة، ويعرف كيف يتصرف عندما يعلن الأخير قرار الاستقالة، ويتخذ الإجراءات اللازمة لرفع معدلات استبقاء الموظفين في المستقبل.
فيما يأتي 6 طرائق للتعامل مع استقالات الموظفين:
1. تحسين نظام الأجور بطريقة رفع الحوافز والرواتب:
يتحدث "جيف واهل" (Jeff Wahl) المدير التنفيذي لشركة "بيغ بلو ماربل أكاديمي" (Big Blue Marble Academy) عن معلم قرر أن يستقيل من الشركة ويعمل في مستودع مقابل زيادة تبلغ 1$ على كل ساعة عمل؛ إذ قدمت الشركة بالمقابل عرضاً منافساً حرصاً منها على الاحتفاظ بالموظف.
يقول "واهل": "يبدأ أسبوع العمل في المؤسسة يوم الإثنين وينتهي الجمعة، وليس ثمة نوبات عمل متأخرة، وإنَّنا نستخدم هذه الميزة لتشجيع الموظفين على البقاء في المؤسسة وعدم الانتقال لبيئات عمل أخرى مثل البيع بالتجزئة، أو المستودعات، أو المطاعم على سبيل المثال".
يحاول القادة من ناحية أخرى الاحتفاظ بالموظفين بطريقة اكتشاف المشكلات في مكان العمل وتقديم الحوافز والتعويضات اللازمة لإرضاء الموظف قبل أن تتفاقم المشكلة ويستقيل؛ إذ يقول "واهل" في هذا الصدد: "تقدِّم المؤسسة بدل مواصلات، ومنح دراسية للموظفين الراغبين بمواصلة تعليمهم، فنحن نتعامل مع الموظفين على أنَّهم عملاء، بمعنى أنَّنا نقدِّر احتياجاتهم ونساعدهم على تلبيتها قبل أن تتفاقم المشكلة وتصل لمرحلة الاستقالة".
2. عقد اجتماعات أسبوعية للحصول على تغذية راجعة دورية من الموظفين:
يقتضي الحل المثالي لتجنب أزمة الاستقالات من أساسها الإصغاء إلى مشكلات الموظفين قبل أن تتفاقم وتدفعهم إلى تقديم طلب الاستقالة، ويقول "واهل" في هذا الصدد: "نعقد اجتماعات أسبوعية للحصول على تغذية راجعة بخصوص موضوع استبقاء المعلمين ضمن المؤسسة".
تتيح هذه الاجتماعات للقادة إمكانية تقييم مدى تأثير القرارات والإجراءات الجديدة في معدل الاحتفاظ بالموظفين على حد تعبير "وليام ستون هاوس الثالث" (William Stonehouse III) الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك في وكالة "كروفورد توماس للتوظيف" (Crawford Thomas Recruiting)، وهو يشجع بشكل خاص على توضيح كافة القرارات الكبرى والهامة على مستوى المؤسسة، يقول: "إنَّنا نحرص على توضيح آلية اتِّخاذ قرار التغيير في العمليات والإجراءات والأسباب الكامنة خلفها، وتقييم إجمالي تعويضات الموظفين حرصاً منا على تقديم عروض منافسة تشجعهم على البقاء في الشركة".
3. تحليل الأسباب الرئيسة في استقالات الموظفين:
لا يدل سخط الموظف ورغبته بتقديم طلب الاستقالة على وجود خلل في ثقافة أو نظام الشركة أو الإدارة في كثير من الأحيان، ويقول "واهل": "أحياناً يستقيل الموظف لأنَّه لا يرغب بالامتثال للقواعد والأنظمة مثل الامتناع عن استخدام الأجهزة المحمولة في أثناء رعاية الأطفال، وهذه القوانين والأنظمة لا تحتمل الجدل ولا يجب المساس بها".
يجب إجراء دراسات تحليلية شاملة ومفصلة عن أسباب استقالات الموظفين، ويقول "واهل" عن تجربة شركته: "يستقيل الموظفون من مؤسستنا بشكل رئيسي للانتقال إلى وظائف جديدة؛ لذا يمكننا أن نتجاوز المشكلة ونحافظ على الموظفين بطريقة الاستعلام عن أجور فرص العمل المتوفرة في السوق وتقديم عروض منافسة، إلى جانب تحسين بيئة العمل".
شاهد بالفيديو: 7 أسباب تجعل الموظّف يكره عمله
4. قبول استقالة الموظف مباشرةً:
يمكنك أن تطلب من الموظف تبرير قرار الاستقالة، أو تقبل طلبه مباشرةً بكل رقي ولباقة دون أن تفاوضه أو تستجوبه؛ وبحسب "ستون هاوس الثالث": "يقتضي التعامل المهني الراقي قبول الاستقالة مباشرةً ما لم يكن ثمة سوء فهم يستدعي النقاش والتسوية، وإنَّ تقديم العروض المنافسة للموظفين الساخطين لا يحل المشكلة وإنَّما يؤخر الاستقالة وحسب، ويتسبب في حدوث كثير من الأضرار على الأمد القصير بالمقارنة مع الخسائر الناجمة عن قبول الاستقالة في الحال".
يجب التنويه إلى ضرورة التحدث إلى الموظف بنبرة هادئة؛ وذلك تحسباً لانتشار مقطع مصور عن الموقف على منصات التواصل الاجتماعي.
5. اتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة لتجنب المساس بسمعة الشركة:
لا يمكنك أن تمنع الموظف المستقيل من تشويه سمعة الشركة أمام العامة، أو على منصات التواصل الاجتماعي، أو ضمن قطاع العمل.
يقول "ستون هاوس الثالث": "يجب اتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة؛ لتجنب ممارسات تشويه السمعة خلال فترة عمل الموظفين ضمن الشركة، كما يُنصَح بإجراء مقابلة استقالة ودية ومهنية لنفي هذه الشكوك، ولكن لا يمكنك أن تمنع الموظف الناقم من المساس بسمعة الشركة، لذا يجب عليك أن تدير الشركة بطريقةٍ تضمن تحقيق العدالة بين الجميع ونشر ثقافة الشفافية التي تتيح للموظف إمكانية إبلاغك بالمشكلات قبل أن تتفاقم وتتسبب في شعوره بالسخط والنقمة، وهذه الطريقة مثالية لتجنب ممارسات تشويه سمعة المؤسسة أو تقديم المراجعات والتقييمات السلبية بعد الاستقالة".
تشدد "كارين رويلاندز" (Karen Roelandts) نائبة الرئيس التنفيذي في شركة "إليور أمريكا الشمالية" (Elior North America) على ضرورة إجراء مقابلات الاستقالة، وتقول:
"يجب علينا أن نكوِّنَ فكرةً عن مخططات الموظف ونتأكد من أنَّه لن يثير المتاعب بعد أن يستقيل؛ وذلك حتى نضع خطة احترازية للتعامل مع الوضع إذا لزم الأمر، فيبحث بعض الموظفين عن فرص عمل في قطاعات أو مجالات أو اهتمامات مختلفة لا يستطيعون مزاولتها ضمن المؤسسة، ونحرص في الشركة على مراجعة التغذية الراجعة التي نحصل عليها في خلال مقابلات الاستقالة بهدف تلافي الأخطاء وتحسين بيئة العمل ضمن المؤسسة".
6. التركيز على رضى الموظفين الحاليين:
يرتبط مستوى رضى الموظف بشكل مباشر بفرص التقدم والتنمية المهنية التي تقدمها الشركة وفقاً لإحدى دراسات "ذا كونفرنس بورد" (Conference Board) المنشورة في عام 2023؛ إذ يعطي "ستون هاوس الثالث" الأولوية لفرص التعلُّم والتقدم المهني في مؤسسته، ويوضح أنَّ استقالات الموظفين في بعض الأحيان لا تكون ناجمة عن شعورهم بعدم الرضى، بل عن رغبتهم بتعلُّم المزيد، واستكشاف مجالات العمل الأخرى وتحقيق التقدم الشخصي.
يقول "ستون هاوس الثالث": "تهمل بعض بيئات العمل أهمية الترقيات وفرص النمو المهني في المحافظة على الموظفين، ويستقيل بعض الموظفين من أجل فرص عمل تتيح لهم إحراز التقدم على الصعيد الشخصي أو المهني بصرف النظر عن الراتب؛ إذ تعاني الشركات من ارتفاع معدلات دوران العمالة عندما تتمسك بالهيكل التنظيمي الثابت؛ لأنَّها لا تتيح للموظف إمكانية النمو والتطور".
هذا يعني أنَّ إتاحة فرص التقدُّم والتنمية ضرورية للحفاظ على الموظفين في الشركة؛ لذا عليك أن تنتبه لموظفيك الحاليين المتحمسين والمستعدين للترقي وتحقيق التقدم المهني في شركتك، والاستفادة من الفرص المستقبلية التي يمكن أن توفرها لهم.
تضيف "رويلاندز": "لا يمكن منع الاستقالات بشكل نهائي، ولكن يجب الحرص على تزويد باقي أعضاء الفريق بالدعم والأدوات اللازمة لتلبية أهداف العملاء في حال استقال أحد الموظفين"، وهي تؤكد أنَّ سوق العمل لن يتغير في المستقبل القريب؛ لهذا السبب يجب على القادةِ العمل على ضمان راحة الموظفين ورضى العملاء.
أضف تعليقاً