نشأ رجل الأعمال "ليندسي فوكس" (Lindsay Fox) في كنف والد عنيف، وعاشر أغنى الأشخاص في أستراليا، إلى جانب المُغنية "كريستينا أغيليرا" (Christina Aguilera)، والكاتبة "غلوريا ستاينم" (Gloria Steinem)، ورجل الأعمال "بيلي هدسون" (Billy Hudson) وبالطبع المثال الأكثر شهرة الإعلامية "أوبرا وينفري" (Oprah Winfrey).
مع ذلك نادراً ما نسمع عمَّا يسميه علماء النفس "نمو ما بعد الصدمة" (post-traumatic growth)، على سبيل المثال في استطلاع غير رسمي أجراه البروفيسور "مارتن سليجمان" (Martin Seligman) من جامعة "بنسلفانيا" (University of Pennsylvania) اتَّضح أنَّ 10% فقط من المشاركين على دراية بالمصطلح، بينما الحالة المناقضة "اضطراب ما بعد الصدمة" (post-traumatic disorder) معروفة على نطاق واسع (97%).
وفقاً للبروفيسور هذه هي المشكلة الأولى؛ فإن كنت على دراية فقط بالعواقب السيئة للمحن، ستفترض أنَّها النتيجة الوحيدة والحتمية لها؛ لذلك يعيش معظم الناس محاولين تجنُّب الصدمات.
عندما يتعرض المرء لمحنة - وهو أمرٌ لا مفر منه - فإنَّه يُصاب بالاكتئاب؛ لأنَّه رد الفعل الوحيد المعروف والمألوف بالنسبة إليه، لكن ما يحتاج معظم الناس إلى إدراكه هو أنَّ النمو أو على الأقل التحمُّل هو رد الفعل الطبيعي في الحقيقة، وإذا اختبرت مشاعر الغضب والمرارة والحزن والحاجة إلى البكاء عندما يحدث شيء فظيع، فهذا لا يعني أنَّك تنهار؛ بل يعني أنَّك ببساطة إنسان.
6 عوامل لنمو ما بعد الصدمة:
إنَّ إدراك إمكانية التعلُّم والنمو من الشدائد ليس سوى عامل واحد من عوامل نمو ما بعد الصدمة، إليك 6 عوامل أخرى قد تفسر سبب نمو بعض الأشخاص وانهيار بعضهم الآخر بعد الصدمات:
1. الروحانية:
وجدت دراسة نشرها علماء النفس "جاستن أورورك" (Justin O’Rourke) و"بنيامين تالمان" (Benjamin Tallman) و"إليزابيث ألتماير" (Elizabeth Altmaier) عام 2008 أنَّ الروحانية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بنمو ما بعد الصدمة؛ لذلك قاموا بدراسة تابعة ووجدوا أنَّ التسامح هو من دلائل نمو ما بعد الصدمة؛ لذا لكي تنمو بعد التعرُّض لصدمة يجب التخلي عن الانتقام والكراهية.
2. الدعم الاجتماعي:
وجد الباحثون أنَّ الأشخاص الذين يواجهون المحن وحدهم أكثر عرضة للانهيار، وللأسف يميل الذكور إلى التعامل مع الحزن وحدهم في محاولة لإخفاء الضعف، وهذا يجعلهم أقل عرضة للنمو بعد الصدمة، لكن من ناحية أخرى في معظم الحالات يخرج الأشخاص الذين يحيطون أنفسهم بأشخاص داعمين من المحن أقوى من ذي قبل.
إن ظننت أنَّ الأصدقاء والعائلة هم الوحيدون القادرون على ذلك، فأنت مُخطِئ؛ إذ يمكن للدعم القادم من الأشخاص الذين مروا بتجارب مشابهة أن يكون مفيداً بالقدر نفسه حتى لو كان هؤلاء الأشخاص غرباء، ويمكن أن تجد ذلك في مجموعات داعمة على مواقع التواصل الاجتماعي أو مواقع ومنتديات عبر الإنترنت.
3. التعبير عن المشاعر:
حين تقرأ قصص الأشخاص الذين نجحوا بعد الشدائد تجد أنَّهم في معظم الحالات كان لديهم شخص ما يلجؤون إلى التحدث معه ومشاركة معاناتهم، فمثلاً لجأت الإعلامية "أوبرا" إلى والدتها عندما أساء زوجها معاملتها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الآخرين، كان ذلك الشخص شقيقاً أو جاراً أو صديقاً مقرَّباً.
تشير الأبحاث إلى أنَّ وجود المساحة الآمنة للتفريغ عن المشاعر هو عامل مؤثِّر في نمو ما بعد الصدمة؛ فالقدرة على التعبير عن مشاعرك وأوجاعك أمر هام جداً.
لكنَّ المفاجئة التي خرجت من الدراسات هي أنَّك لا تحتاج بالضرورة إلى شخص آخر للإفصاح عن مشاعرك؛ إذ تستطيع الكتابة في مذكراتك أو تسجيل صوتك، وكلُّ ما تحتاج إليه هو نصف ساعة في اليوم.
شاهد بالفيديو: 8 طرق يمكنك من خلالها بناء ذكائك العاطفي
4. تغيير وجهة نظرك:
تؤدي نظرتك إلى المحنة دوراً كبيراً في تحديد ما إن كنت ستنمو أو تنهار في مواجهتها، على سبيل المثال إذا ظننت أنَّ طردك من العمل هو أمرٌ يصبُّ في مصلحتك للمُضي إلى مستقبل وعمل أفضل، فستشعر بتحسُّن حيال ذلك.
الأشخاص المحيطين بك هم المصدر الأكبر لوجهات النظر المختلفة، وعندما يواجه الناس محنة، عادة ما يغرقون في معاناتهم لدرجة تمنعهم من الانفتاح على وجهات نظر أخرى ويتطلب الأمر شخصاً آخر للإشارة إليها.
تعدُّ الكتب من أهم المصادر الشائعة التي تساعدك على اتخاذ وجهات نظر أخرى، على سبيل المثال إن قرأت عن فشل رجل الأعمال "هارلاند ديفيد ساندرز" (Harland David Sanders) في بيع وصفة الدجاج الخاصة به لسنوات عديدة، فقد يجعلك ذلك تشعر بتحسن حيال فقدان وظيفتك.
5. اتخاذ إجراءات حاسمة:
الأشخاص الذين يتخذون إجراءات حاسمة فرصهم أكبر في تجاوز الصدمات؛ فالقرارات الحاسمة تعني أنَّهم يحاولون تغيير وضعهم عوضاً عن الجلوس والنحيب، على سبيل المثال من المرجح أن ينمو الناجون من الكوارث الطبيعية والذين يشاركون بنشاطات إعادة بناء المجتمع أكثر من أولئك الذين يبقون أسرى ظروفهم، وينطبق هذا أيضاً على الناجين من مرض السرطان الذين يبدؤون اتباع أسلوب حياة أكثر صحة، والعاطلين عن العمل الذين يبدؤون مشاريعهم الخاصة.
إذن ما هو الإجراء الحاسم الذي يجب اتخاذه عندما تفقد شخصاً مقرَّباً؟ الحزن؛ إذ يفرض المجتمع مفاهيم مغلوطة كثيرة عن الحزن مثل يجب أن يتعافى الناس بعد فترة زمنية معينة، ويجب ألا يبكي الرجال، ويجب أن تُخفي حزنك وتبقيه لنفسك وما إلى ذلك، وغالباً ما تعوق هذه المفاهيم اتخاذ إجراءات حاسمة؛ ومن ثَمَّ تقلِّل من احتمالية نمو ما بعد الصدمة.
6. تجنُّب اللجوء إلى الطعام بصفته وسيلة لتشتيت الانتباه:
يمكن الإفراط في تناول الطعام في فترات الحزن من أجل تشتيت انتباهك بعيداً عن أن يتحول إلى نوع من الإدمان، مثل الإكثار من السكريات، خلافاً للاعتقاد الشائع، فإنَّ تناول الحلويات بعد الانفصال العاطفي مثلاً لا يخرجك من الاكتئاب؛ بل قد يطيل بقاءك فيه؛ إذ يوجد سببان لذلك: يستهلك السكر فيتامين B المسؤول عن تحسين الحالة المزاجية، كما يستنزف أيضاً عنصر الكروم (chromium) من جسدك، والذي يُعدُّ بالغ الأهمية في الحفاظ على استقرار مستوى السكر في الدم، كما سيشعرك انخفاض مستوى السكر في الدم بالاكتئاب، وإذا كنت لا تستطيع أن تشعر بالرضى ببساطة لا تستطيع النمو.
أضف تعليقاً