5 مبادئ في مجال الأعمال يمكنك تعلمها من غسل الأطباق

مهما كان ما تتبعه للبحثِ عن نقطة التحوُّل في مجال عملك، ضعهُ من يدك وتوجَّه إلى المطبخ، والتقِط إسفنجةً واغسِل صحناً، وشاهد كيف تُصبحُ الأطباقُ نظيفة. ربَّما تعتقدُ أنَّ هذا عملٌ روتينيٌّ؛ لكنَّك لا تُدركُ أنَّك في هذه اللحظة تتعلَّمُ مبادئ الأعمال.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المدوِّن "مايكل بيترزاك" (Michael Pietrzak)، والذي يحدِّثنا فيه عن تجربته الشخصية في ريادة الأعمال.

قد نُسارع أحياناً إلى غسل الأطباق بعد وجبةِ العشاء كيلا تفوتنا لقطاتٌ من برنامجنا التلفزيوني المُفضَّل؛ بينما تسافر عقولنا في رحلة تفكيرٍ في أثناء ذلك، عابرةً حدود المكان والزمان.

لطالما ارتبطَت مهنة غسيل الأطباق بالعمالة غير الماهرة، فهي أقلُّ الأعمال أجراً على الإطلاق، ولن تُذكَرَ في عالم الأعمال اليوم، إلَّا في قصص بعض الأثرياء الذين اضطُروا في بداياتهم إلى العمل بهكذا مهنةٍ غير مُجزية.

لكن، يُعلِّمك غسل الاطباقِ أحد أهمِّ الدروسِ التي تُطبقِّها الشركات الناجحة، وهو أنَّ المهام البسيطة -مثل غسيل الأطباق- في الواقع من أعظم الدروس في الحياة، حيث سيجعلُ إتقان الأساسيات الخطوات الكبرى أسهل بالتأكيد.

 لذا نوردُ فيما يأتي خمساً من مبادئ الأعمال التي يُمكنك تعلُّمها من غسيل الأطباق:

1. التركيز على هدفٍ واحد:

يعني هذا توجيه جميع جهودك نحو هدفٍ رئيسٍ واحدٍ بتركيزٍ أشبه بشعاع ليزر، ويعدُّ هذا نقيضَ تعدُّد المهام.

فمثلاً: إنَّه لمن المحتمل أن يتشتَّت ذهنك عندما تملأ فقاعات الصابون كلَّ مكانٍ حولك، وأن تنجرَّ أفكاركَ وراء هذه الفقاعات وتبتعد عن الهدف الرئيس (غسيل الأطباق)؛ لتؤدِّي قلَّة التركيز على التفاصيل إلى عدم تنظيف الأطباقِ جيداً في نهاية الأمر.

وكذلك، فإنَّنا نحصد النتائج السيئة نفسها في مجال العمل عندما يتشتَّتُ انتباهنا.

يقولُ أحدُ روَّاد الأعمال أنَّ الشركات التي تُقدِّم عدداً كبيراً من المنتجات رخيصة الثمن من أجل إرضاءِ زبائنها، ليست احترافيةً بما يكفي؛ كما أنَّ الشركات ذات الاستراتيجية التي تدعو إلى تقديم بضائع مُنخفضة الجودة والتكلفة مع تقديم خدمة زبائنَ استثنائيَّةٍ في الوقت نفسه، ليست شركاتٍ مُنافسةً حتَّى.

يُمكنك الدخول إلى سوق العمل، وطرح عددٍ كبيرٍ من المُنتجاتِ منخفضة الجودة، والتسويق لها إلكترونياً أيضاً؛ لكن من المُحتمل ألَّا يشتري أحدٌ هذه المُنتجات منك. في حين يمكن لطرح مُنتجٍ واحدٍ عالي الجودة، وإرفِاقه بخدمةِ عُملاءَ مُمتازةٍ وضمانٍ لمدة 3 أشهرٍ مثلاً؛ زيادة فُرصكَ أكثر، خاصَّةً عندما تُسوِّقُ لمُنتجك بالطريقةِ الأمثل.

هذا بالضبط ما فعلته شركة "كاسبر" (Casper) لمُرتَّبات الأَسِرَّة؛ فقد نال مُنتجهم الوحيد باسم (تايم) جائزةَ أفضل اختراعٍ لعام 2015.

2. عدم ترك العمل يتراكم:

كان لديَّ ثلاثة شركاء في السكن أيامَ الجامعة، وكان أحدهم لا يغسل الأطباق التي كان يأكل فيها مُطلقاً؛ لأنَّه كان يعلم أنَّ جميعنا نفضِّلُ غسلها بدلاً من التذمُّر منه دون فائدة؛ غير أنَّنا أضربنا في النهاية عن غسلها، وانتظرنا لنرى خطوته القادمة. بعد مرور أسبوع، فهمَ الرسالة، وكان العفنُ قد تسلَّل إلى الأطباق حينها؛ لكن كان عليهِ غسلها رغمَ ذلك.

أنا أَدَعُ العمل يتراكم بعض الأحيان، فقد أهملتُ -مثل العديد من أصحاب المشاريع الصغيرة- المحاسبةَ لصالح عملٍ مغرٍ أكثر كالتسويق؛ فتعلَّمتُ درساً من كوني متخلِّفاً ستة أشهرٍ عن المحاسبة، وهو أنَّ إهمال أيِّ أمرٍ في العمل وتركه يتراكم، سيجعلك مُهدَّداً؛ تماماً كما حصلَ معي عندما اضطررتُ إلى أخذ قرضٍ ائتماني لم أكن لأحتاجه لو لم أُهمِل حساباتِ عملي.

يتَّبعُ "جيك زاهرادنك" (jake zahradnik) -شريكٌ مؤسِّسٌ في شركة "فابيك" لصناعة الدراجات باهظة الثمن- مبدأً بسيطاً لمواجهة تراكم العمل، حيثُ يجدوِل عدة ساعاتٍ في الأسبوع للتعامل مع الأمور الإدارية المملَّة، مثل: تحديث صندوق الإيداع، وتنظيم حسابه على "دروبوكس" (Dropbox). وهو يقول: "إن لم أبقِ جدول أعمالي محدَّثاً أسبوعياً، فلن أتمكَّن من التعاملِ معها أبداً عندما تتراكم كالجبل".

إقرأ أيضاً: 5 طرائق للتخلص من ضغط العمل

3. أنت تضع في طبقك ما تستطيع تناوله فقط:

كان لديَّ صديقٌ في الثانوية يعمل في غسل الأطباق في مطعمٍ مشهورٍ بحجم حصص الطعام الكبيرةِ التي يُقدِّمها، والتي كان من المستحيل إنهاؤها؛ وغالباً ما كانت تأتيهِ الأطباق نصف ممتلئة، حيثُ كان التخلُّص من بقايا الطعامِ العالقة معركته اليومية. كان المطعم يُحمِّل طاقم العمل بهذه الاستراتيجية التي اتبعها الكثيرَ من العبء، ويهدرُ ميزانية العمل دون جدوى.

يُنظَرُ في ثقافة الأعمال إلى ما يُشبه "تعبئة الأطباق بالطعام الزائد" على أنَّه وسام شرف، حيثُ تلاقي قصص رجال الأعمال الذين لم يأخذوا استراحةً من العمل ليومٍ واحدٍ لمدَّة سنتين كاملتين الكثير من الإعجابات.

إنَّه لمن المعروف أنَّ بناءَ الأعمال يتطلَّبُ مجهوداتٍ هائلة، لكن تُظهِرُ مجموعةٌ مُتزايدةٌ من الأبحاث أنَّ الإنتاجيةَ تنخفض بشكلٍ حادٍّ عند قضاءِ أكثرَ من خمسين ساعةً في العمل في الأسبوع؛ كما أنَّ الموظفين الذين يأخذون فترات استراحةٍ يتجنَّبون الإرهاق، ويميلون إلى تقديمِ أداءٍ أفضل.

لقد وضعت شركاتٌ مثلَ: "فولكسفاكن" (Volkswagen)، و"بي إم دبليو" (BMW)، و"بوما" (Puma)؛ قيوداً على رسائل البريد الإلكتروني بعد أوقاتِ العمل؛ كما تُمهِّد فرنسا حالياً لإصدارِ قانونٍ يحظُر رسائل البريد الإلكتروني في عطلة نهاية الأسبوع.

يعود السبب في ذلك إلى أنَّ ثقافاتِ العمل التي تُمجِّدُ العمل لمدة 24 ساعةً في اليوم، و7 أيامٍ في الأسبوع؛ لا تتيح لنا الوقت لاستعادة أعظم ما نملك، ألا وهو: أنفسنا. لذا ضع فقط ما تستطيع تناوله في طبقك؛ أمَّا الباقي، فيُعَدُّ إسرافاً في الطعام.

إقرأ أيضاً: 5 طرائق لمساعدة الموظفين على قضاء استراحاتهم بشكل أفضل

4. يجب أن تعمل أولاً، لتأتي النتائج لاحقاً:

يقولُ "ثيتش نات هانه" (Thich Nhat Hanh) أنَّنا "إذا لم نستطع أن نكون حاضرين في أثناء غسل الأطباق، فنحنُ غير قادرين بالفعل أن نعيش دقيقةً واحدةً في هذه الحياة". يبدو هذا قاسياً جداً، لكنَّه يتضمَّن درساً حاسماً عن السعادة؛ فإذا أسرعنا في غسل الأطباق فقط كي نقوم بالمهمَّة التالية، فسنقع في مُعضلةِ تكرار النمط نفسه طوال حياتنا.

لماذا نبدأ الأعمال؟ هل من أجل المال؟ أم المغامرة؟ أم لنحلَّ محلَّ مُديرينا؟

تتشارك هذه الدوافع القاسم ذاته، إذ نعتقد أنَّ حياتنا ستتحسَّن لو كنَّا مكان مُديرينا؛ لكن فكِّر في الميكانيكي الذي يعملُ لدى أحدهم يوماً بعد يوم، ثمَّ ينفصلُ عنه ليفتتحَ بنفسه كراجاً للسيارات وينافس في تغيير الزيت للزبائن، ثمَّ يذهب إلى المصرف. هو لم يحسِّن حياته بالتأكيد؛ إذ إنَّه مستعبدٌ لتعقُّبِ "المرحلةِ التالية".

إنَّ تحديد الأولويات بناءً على العملية لا على النتائج، أفضلُ من أجل التوازن. لقد تخلَّت شركتنا عن الإعلان المدفوع من نوع "مرحباً، اشتري منتجاتنا"، لصالح خلقِ منتجٍ قيِّمٍ لزبائننا، إذ إنَّ معدَّل تكلفة كلِّ نقرةٍ في موقع تسويق غوغل كان 1 إلى 2 دولار؛ لكن مع ذلك، كان عدد المستخدمين للمدوَّنات يساوي الصفر. لذا ننصحُك أن تستمعَ بعملك، وستأتي النتائج عاجلاً أم آجلاً.

إقرأ أيضاً: 5 طرق لتحويل هواياتك إلى عمل تكسب منه المال

5. تجفُّ الأطباق مع الوقت:

"يصنع كلٌّ من الصبر والمثابرة والتصبُّب عرقاً، مزيجاً لا يُقهَر من النجاح" - نابليون هيل ( Napoleon Hill).

يجفِّف بعض الناس الأطباق، ولا بأس بذلك؛ لكن دَع المهمَّة تُنجز نفسها بنفسها.

لا قيمة للصبر في مجال العمل، وإنَّني أتشوَّق كلَّ يوم للقيام بإصلاحاتٍ في العمل، فهل يجبُ أن نُغيِّرَ صفحات الإعلانات ذات نسبة الزيارة المنخفضة في يومها الأول؟ كلَّا، إذ يتطلَّب التطوُّر في العمل سياسةَ عدم التدخل أحياناً.

غالباً ما أضيفُ مهمَّةً إلى قائمة المهام الطارئة لأجد أنَّها قد أنجزت نفسها بنفسها، أو أنَّها لم تعد هامَّةً كما كانت؛ فمثلاً: عندما نزرع حديقة، لا نحرث الأرض ونحرِّك البذور كلَّ صباح، بل نتفقَّدها من حينٍ إلى آخر لإزالة الأعشاب الضارَّة أو تخصيب التربة؛ ثمَّ ندع الزمن يصنع معجزاته.

نستطيع إيجاز هذه المبادئ الخمسة بجُملةٍ واحدة: بسِّط الأمر؛ فعندما نُوجِّهُ تركيزنا، يصبح أعمق، ويُمكِّننا من إنجاز القليل وحصد الكثير. دَع وقتَ غسل الأطباق يُذكِّركَ بقوَّة البساطة، ثمَّ انقل هذه الحقيقة إلى عملكَ وراقبه وهو يتطوَّر.

 

المصدر




مقالات مرتبطة