5 فوائد مثبتة للصيام ودوره في تحسين نوعية الحياة والصحة

هل تتذكَّر آخر مرة شعرت فيها بالجوع الشديد؟ ربَّما كنت في رحلة مدرسية طويلة وظننت أنَّك ستموت جوعاً أو في يوم عمل نسيت أن تصطحب غداءك معك، ولكن في الحقيقة لم يكن الأمر بذلك السوء، والجوع الذي شعرت به لم يؤثر في حياتك، ومن المحتمل أن ينتابك الإحساس بالجوع الشديد بسبب عاداتك الغذائية وليس بسبب حاجة الجسم الحقيقية إلى الطعام.



في الواقع إنَّ علاقتنا مع الطعام غريبة بعض الشيء؛ إذ نادراً ما يُستخدَم لغرضه الأساسي؛ وهو الحفاظ على الحياة والمساعدة على النمو؛ فغالباً ما يُعَدُّ تناول الطعام وسيلة للتسلية أو للاحتفال بمناسبة ما أو لرفع جودة الأداء في العمل أو الدراسة، وممكن أن يصل لحدِّ الإدمان المميت.

لحسن الحظ توجد طرائق كثيرة للتخلُّص من المشكلات النفسية وغيرها من اضطرابات الأفكار مثل اليوغا أو التأمل أو كتابة اليوميات، ولكن بالنسبة إلى الطعام فالحلُّ الوحيد والمفيد لتغيير الأسلوب الخاطئ في تناول الطعام هو الصيام.

يحمل الصيام فوائد كبيرة خاصة إذا ترافق مع الانتباه إلى نوعية الطعام وتوقيته، وقد أثبتت الدراسات دور الصيام في تخفيف الاكتئاب وتقليل الألم المزمن، إضافة إلى دوره في حرق الدهون الضارة في الجسم وتحسين الهضم إلى جانب تقوية الإرادة ورفع كفاءة الوظائف الدماغية والشعور بالخفة والنشاط.

يمكن البدء بطريقة سهلة وموثوقة من خلال "الصيام المُتقطِّع"؛ أي تحديد الفترات التي تتناول فيها السعرات الحرارية كتخصيص ثمان ساعات فقط من اليوم يمكن خلالها تناول الطعام، أو قضاء يوم كامل دون طعام، أو الاكتفاء بتناول أقل من 400-500 سعرة حرارية.

الآلية التي يعمل من خلالها الصيام المُتقطِّع معقدة؛ لكنَّ الفكرة الأساسية بسيطة، وهي أنَّ التوقف لفترات محددة عن الطعام على نحو متكرر يسمح للجسم والعقل أن يعملا بكفاءة أكثر مع حالات الشدة التي يتعرض لها الجسم تماماً مثل مبدأ حمل الأثقال والتمرينات الرياضية المتنوعة، والآن أصبحت لديك فكرة عامة عن الصيام المُتقطِّع وآلية عمله.

إليك فيما يأتي 5 فوائد تشجعك لجعله جزءاً أساسياً من حياتك اليومية:

1. الاستفادة من طاقة الجسم الكامنة والتحكم بالأفكار والذهن:

يمكن أن يكون الامتناع عن الطعام تمريناً فعالاً لتقوية الإرادة؛ لأنَّ مقاومة غرائزك الطبيعية تجاه الطعام والقدرة على كبحها يرفع شعورك بالتقدير الذاتي ويزيد قدرتك على التحكم بأفكارك ومشاعرك.

لأنَّ الجهاز الهضمي هو أحد أكثر أجهزة الجسم استهلاكاً للطاقة بسبب نشاطه المستمر في معظم الأوقات؛ فإنَّ هذا الإيقاف المؤقت للعمليات الهضمية والتفكير بالطعام سينعكس مباشرة على الحالة الذهنية من حيث وضوح الأفكار والصفاء الذهني، وهذا ما أفاده كثير ممَّن خاضوا تجربة الصيام المُتقطِّع؛ إذ قالوا إنَّهم يشعرون بخمول أقل وصفاء ذهني واستنارة فكرية أكبر.

شاهد بالفيديو: 8 عادات خاطئة يُمارسها الصائم في رمضان

2. الحفاظ على التكوين المتوازن للدم وصحة الجسم:

عندما تتناول الكربوهيدرات كالخبز مثلاً، فالجسم يهضمها ويحولها إلى سكر يُمتَصُّ عبر الدم؛ فيقوم البنكرياس بإفراز هرمون الأنسولين لينقل السكر من الدم إلى داخل الخلايا التي تحتاج إليه، لا سيَّما الدماغ والعضلات والهيكل العظمي، ولكن عند تناول كمية زائدة من الكربوهيدرات، فإنَّ الجسم يصبح غير قادر على إفراز كمية كافية من الأنسولين؛ ممَّا يؤدي إلى نقص تزويد الخلايا بالغلوكوز اللازم لإنتاج الطاقة والإصابة بالداء السكري من النمط الثاني، وهو من أبرز أسباب الوفيات في الولايات المتحدة الأمريكية.

لذلك فإنَّ الامتناع عن الطعام لفترة محددة دورياً يسهم في تقليل الإجهاد على البنكرياس، ويعيد له حساسيته تجاه السكريات المتناولة ليستطيع نقلها إلى الخلايا لإنتاج الطاقة؛ ممَّا يقلل من الإحساس بالتعب وتشوش التفكير والعصبية وعلى الأمد الطويل يقلل عدد كبير من المخاطر الصحية الناتجة عن الداء السكري من النمط الثاني.

3. تقوية الحواس والمتعة بالطعام:

علمياً يحتاج الجسم من 12 إلى 24 ساعة ليبدأ بالشعور بالجوع الحقيقي، وإنَّ ذلك الإحساس بالجوع عندما يحين وقت الغذاء ليس إلا وهم بسبب عدم إدراكنا لحاجات جسمنا الحقيقية.

يُصحِّح الصيام مفهوم الجوع ويساعد الشخص ليميز الجوع الحقيقي من غيره من خلال تنظيم الهرمونات المسؤولة عن الشعور بالجوع والشبع، كما تزداد حساسية المستقبلات الشمِّيَّة ومستقبلات التذوق للروائح والنكهات المختلفة؛ ممَّا يُعيد إلى الإنسان متعة شم أبسط الأطعمة وتذوقها من جديد.

4. تحسين الوظائف الدماغية كالذاكرة والتعلم:

يُحدِث الصيام تأثيرات إيجابية في الدماغ مشابهة لتأثير الألغاز والألعاب الذهنية من حيث تحسين الذاكرة والقدرة على التعلم، فإنَّ وضع الدماغ في حالة شدَّة كما في الصيام يسهم في زيادة إنتاج بروتين يسمى عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ (BNDF)، وهو بروتين هام للحفاظ على الخلايا الدماغية والحد من تلفها ويعزز القدرات المعرفية للدماغ.

أظهرت الدراسات أنَّ الصيام الدوري يزيد من المرونة العصبية والترابط بين الخلايا العصبية الدماغية، ومن ثمَّ تحسن ملحوظ في الذاكرة التي تعتمد بصورة رئيسة الروابطَ العصبية.

إقرأ أيضاً: فوائد الصيام الصحيّة والنفسية والتربوية

5. تقوية الجهاز المناعي:

عند حدوث المرض تتوقف رغبتنا بتناول الطعام كرد فعل غريزي لتقليل الضغط والجهد على الجسم والاستفادة من طاقته لمحاربة العوامل الممرضة، ولكن ما نقوم به عادة هو الإسراع في تناول الطعام كالحساء مثلاً كنوع من السلوكات المعتادة وقت المرض وأيضاً للإحساس بالراحة.

إنَّ تأثير الصيام في جهاز المناعة مشابه لتأثيره في الجهاز العصبي؛ فهو يقلل من كريات الدم البيضاء ويحفِّز الجسم لإنتاج خلايا جديدة منها، ومن ثمَّ بناء جهاز مناعي قوي.

إقرأ أيضاً: الصيام المتقطِّع: هل هو مناسب لك؟

في الختام:

الصيام هو عادة صحية رائعة تستحق أن تكون جزءاً أساسياً من النظام الصحي للإنسان تماماً مثل بناء العضلات من خلال حمل الأثقال، والحفاظ على صحة الجسم بالتمرينات الرياضية، وتقوية الذهن بالألغاز والألعاب الذهنية، يقدم لنا الصيام فرصة رائعة لتطوير أنفسنا والاستمتاع بحياتنا بصحة أفضل.




مقالات مرتبطة