5 خطوات لتحقيق أقصى استفادة من قراءة الأدب

هل تساءلت يوماً كيف يجد بعض الناس الكثير من الفائدة فيما يقرؤونه، سواء كانوا يقرؤون الروايات أم القصص أم القصائد أم المسرحيات أم المقالات أم المذكرات أم شيئاً مختلفاً تماماً؟ واحدة من متع قراءة الأدب هي الشعور بالرضى عن الانسجام مع ما يعرضه العمل الأدبي وينصح به، وطريقة سرده.



ربما تستمتع بالفعل بالطرائق التي تسليك بها الأعمال الأدبية، وتوجِّهك، وتثير مشاعرك. إنَّ إدراك وفهم كيفية إنجازهم لهذه الأشياء سيمكنك من تعميق تقديرك كثيراً والاستفادة كثيراً.

من خلال القراءة العميقة، تكتسب الخبرة والمعرفة، وتستفيد من قراءة الأعمال الأدبية بكل خصائصها الفريدة. كأنَّك تعيش حياة أخرى، وتتعرَّف طرائق أخرى للوجود في العالم، التي مع اختلافها عن حياتك، تحاكي حالتك وحالة الأشخاص من حولك. في عملية قراءة الأدب، نثري فهمنا للآخرين والعالم، ولأنفسنا، ونقتدي بما نقرأه.

إليك ما عليك فعله:

لجني فوائد قراءة الأدب بمزيدٍ من المتعة والتقدير، إليك بعض أهم الأشياء التي يمكنك القيام بها:

1. الانتباه جيداً والسؤال عما تقرأه:

تتطلب القراءة ببصيرة وفهم عميق الانتباه الشديد، وملاحظة النص بقدر ما تستطيع من البداية. يدفعك الاهتمام بعمل ما إلى التفكير فيه والتفاعل معه وطرح الأسئلة. هذا هو المفتاح؛ استحضار انتباهك، والملاحظة، واستجواب الذات في أثناء قراءتك.

ضع في الحسبان الجملة الافتتاحية لرواية "ليو تولستوي" (Leo Tolstoy) العظيمة "آنا كارنينا" (Anna Karenina) (1877)، في ترجمتها المشهورة لعام 2000 لـ "ريتشارد بيفير" (Richard Pevear) و"لاريسا فولوخونسكي" (Larissa Volokhonsky): "كل العائلات السعيدة متشابهة؛ كل عائلة غير سعيدة تكون غير سعيدة بطريقتها الخاصة".

ما قد تلاحظه في هذه الجملة أولاً، ربما، هو هيكلها الموازي. يوازن خط "تولستوي" ويقارن بين العائلات السعيدة والعائلات التعيسة، ويؤكد أنَّهم يختلفون في كيفية تجربتهم للسعادة والتعاسة.

حسناً، هذا ما يفترضه "تولستوي" عندما أطلق روايته المكونة من 800 صفحة. لقد وضع توقعات مبكرة بأنَّ كتابه سيكون عن العائلات، بعضها سعيد وبعضها الآخر غير سعيد. نحن نحتاج إلى قراءة الكتاب، بالطبع، لمعرفة ما تتكون منه سعادتهم وتعاستهم، وكيف أصبحوا أسراً سعيدة وتعيسة على طول الطريق.

في انعكاس جملة "تولستوي"، قد يتخذ تفكيرك شكل التساؤل في دافعه. قد تعدله، أو ربما تلغي موافقتك أو خلافك، وقد تتخيل حتى انعكاساً لما تقوله الجملة، ومراجعتها بهذه الطريقة: "كل العائلات التعيسة متشابهة؛ تسعد كل أسرة سعيدة بطريقتها الخاصة". ستؤدي ملاحظاتك الدقيقة عن جملة "تولستوي" إلى طرح أسئلة، التي ستؤدي بدورها إلى التفكير؛ وهذا يوضح كيف يمكنك التفاعل مع عمل الكاتب.

2. القراءة، ثم إعادة القراءة:

تتطلب القراءة بفهم وتقدير ومتعة إعادة القراءة؛ وذلك لأنَّ إعادة القراءة أمر بالغ الأهمية نظراً لوجود العديد من الأشياء في العمل الأدبي التي لا يمكنك فهمها جميعاً في قراءة واحدة، لا أحد يستطيع ذلك.

أنت تحتاج إلى وقت لتلاحظ وتفكر؛ لإعادة النظر وإعادة الاطلاع على ما هو موجود، للتأكد من أنَّ ما لاحظته في قراءتك الأولية في مقال أو قصيدة أو قصة موجود بالفعل. وأنت تحتاج إلى فرصة لمعرفة ما قد فاتك. في القراءة الثانية للعمل، ستلاحظ المزيد، وتتساءل كثيراً، وتفكر كثيراً، وتفهم كثيراً، وفي هذه العملية تزداد متعة القراءة لديك.

تأمل في هذه القصيدة القصيرة المكونة من سطرين لـ "روبرت فروست" (Robert Frost) "فترة الحياة" (The Span Of Life):

الكلب العجوز ينبح للخلف دون أن ينهض. أستطيع أن أتذكر حين كان جرواً.

(.The old dog barks backward without getting up.I can remember when he was a pup)

ماذا تلاحظ في قراءة أولى سريعة لهذه السطور؟ قصيدة "فروست" عبارة عن مقطع مزدوج. بعد ذلك، تصف القصيدة كلباً؛ في الوقت الحاضر، كلب عجوز. يتذكر المتحدث رفيقه الكلب العجوز، عندما كان صغيراً. هذا هو. لا يوجد معنى آخر لها. أليس كذلك؟

حسناً، ليس بالضبط، مع أنَّ هذا هو جوهر ما توضحه لنا القصيدة. ولكن ماذا لو أمعنت النظر، ماذا لو كنت تفكر قليلاً فيما توحي إليه القصيدة. تتضمن الملاحظة الاستماع بالإضافة إلى النظر؛ لذا حاول سماع القصيدة في أذنك الداخلية، بالإضافة إلى القافية، سوف تسمع إيقاعاً منتظماً، إيقاعاً للكلمات في كل سطر.

تسمع وتشعر بالحركة البطيئة للسطر الأول؛ إذ يُشدَّد لفظياً على مقاطع الكلمات الخمس الأولى. تسمع السطر الأول يتحرك بصعوبة بينما يمر السطر الثاني بسلاسة. ومع أنَّ السطر الثاني يبدو أقصر من الأول بصرياً، إلا أنَّه أقل بمقطع لفظي واحد فقط.

كيف تفسر هذه الملاحظات؟ قد تسأل نفسك لماذا يشدد الشاعر على الكلمات الموجودة في السطر الأول عن الكلب العجوز؟ ولماذا يستعمل الكلمات ذات المقاطع التي يصعب نطقها؟ ولماذا يستعمل الكلمات والمقاطع التي يسهل نطقها في السطر الثاني عن جرو صغير؟

قد تنتبه بعناية أكبر لوصف الكلب العجوز الذي يواجه صعوبة في النهوض، النباح "للخلف" - صورة مرئية - عند القيام بذلك، قد تلاحظ التناقض بين هذا الفعل الصعب وحركاته كجرو. تلك الصورة الشبابية لم يصفها الشاعر لنا؛ لكنَّها ضمنية حتى نتخيلها.

ماذا تلاحظ من عنوان القصيدة، "فترة الحياة"؟ هل أعطانا "فروست" في سطرين موجزين صورة ومثالاً عن فترة حياة كلبه؟ نعم بالطبع؛ لكنَّه يعطينا معنىً أكبر أيضاً: فهو يدعونا إلى التفكير ليس فقط في فترة حياة - الكلب - ولكن أيضاً مدى الحياة عموماً، الذي يتضمن مدى حياة المتحدث البشري في القصيدة.

فبعد كل شيء، تقدَّم المتحدث في السن أيضاً مع كلبه. ومع تقدُّم عمر الكلب بسرعة، إلا أنَّ المتحدث يشيخ أيضاً، "يمكنني أن أتذكر"، كما يقول. وكذلك نحن، خاصةً إذا رأينا حيواناتنا الأليفة تتقدَّم في العمر وأشخاصاً آخرين يشيخون أمامنا، ومنهم أنفسنا.

من خلال النظر والإصغاء إلى قصيدة "فروست" الصغيرة في آنٍ واحدٍ، نضع ملاحظات عن كلماتها وأصواتها وصورها، ونطرح أسئلة عن معناها وأهميتها. تقودنا هذه الملاحظات والأسئلة إلى معرفة كيفية ارتباط هذين الجانبين من الكتابة. كما كتب الشاعر الإنجليزي" ألكسندر بوب" (Alexander Pope) في عام 1711: "يجب أن يبدو الصوت صدى للمعنى".

شاهد: كيف تتقن مهارة القراءة السريعة

3. التأني بالقراءة:

طريقة أخرى لتعميق تقديرك ومتعتك في الأدب هي التأني. ستستفيد من القراءة البطيئة للأعمال الطويلة والطموحة، تماماً كما فعلت مع قراءة "فترة الحياة" (The Span of Life).

خذ وقتك كاملاً في القراءة، فليس هناك ما يدفعك أو يجبرك على إنهائها بسرعة. ولا ينبغي التسرع في التفسير أيضاً. خذ وقتاً للاستمتاع بالطريقة التي يقدِّم بها الكاتب أفكاره، والتفكير فيما يقوله لك العمل، والتفكير في الأفكار التي تجمعها والاستمتاع بمهارة الكاتب وفنه.

يقترح "هنري ديفيد ثورو" (Henry David Thoreau) (1854) في كتابه "والدن" (Walden)، وهو كتاب ترك أثراً عميقاً في "المهاتما غاندي" (Mahatma Gandhi)، ويُنصَح بقراءته "بتأنٍ" مع الاهتمام والشعور بقيمة ما نقرأه، أن نعطي لقراءتنا للعمل نوع ودرجة العناية نفسها التي اتبعها المؤلف في كتابته، التي كانت في حالة "والدن" سبع مسودات على مدار تسع سنوات.

"يجب قراءة الكتب بعناية وتأنٍّ وحفظها كما كُتبت". الآن، يجب ألا تستغرق تسع سنوات لقراءة "والدن". ومع ذلك، يجب إعطاء مثل هذا الكتاب المصمم بدقة الاهتمام الذي يستحقه لكل من محتواه وأسلوبه.

على سبيل المثال: ضع في حسبانك هذه الجملة المشهورة من كتاب "ثورو"، من ناحية ما يقوله وطريقة قوله لها: "إذا كان الرجل لا يواكب رفاقه، فربما يكون ذلك بسبب سماعه لعازف طبلة مختلف. دعه يخطو بتناغم مع الموسيقى التي يسمعها، مهما كان صوت الموسيقى بعيداً". الآن هذه فكرة استفزازية عن الفردية، مصاغة في زوج من الجمل المصممة بأناقة؛ إنَّهم يسيرون على إيقاعها الفخم، وجمالها، ما يجعل فكرة "ثورو" لا تُنسى.

4. القراءة بصوت عالٍ:

هناك طريقة أخرى لزيادة تقدير وفهم القراءة، وهي قراءة بعض أجزاء النص بصوت عالٍ، جملة أو حتى صفحة كاملة. ستساعدك قراءة جملة "ثورو" بصوت عالٍ، على سبيل المثال، على ملاحظة الأشياء التي من المحتمل أن تفوتك في أثناء القراءة الصامتة.

تدفع الأذن والصوت العين لرؤية واستيعاب مزيدٍ من حرفية وفن الكاتب. فن القراءة وحرفة الكتابة مدينان للأذن بقدر ما يعود للعين. قبل قراءة فقرة من الروايات النثرية بصوت عالٍ، عليك العودة إلى "فترة الحياة" (The Span of Life) لـ "فروست" وقراءة سطريها بصوتٍ عالٍ حتى تشعر بجسدك - في فمك على وجه الخصوص - وأنت تقول الكلمات بصوت عالٍ.

ما هو مقدار صعوبة نطق السطر الأول: "الكلب العجوز ينبح للخلف دون أن ينهض"؟ هل شعرت بحركة اللسان والفم وهو يلفظ الأحرف الصعبة؟ وهل شعرت بالضغط على المقاطع الخمسة الأولى، ثم أصبحت الجملة أسلس بعد ذلك؟

الآن استشعر من خلال فمك وشفتيك ولسانك مدى سهولة نطق السطر الثاني: "يمكنني أن أتذكر عندما كان جرواً". نشكل الحروف الساكنة في هذا السطر بشفاهنا، فإنَّنا بسهولة ننفث الهواء من خلال أفواهنا للتلفظ. صعب مقابل سهل. كلبٌ كبير في السن. جروٌ صغير؛ لذا أعد القراءة والقراءة بصوت عالٍ للحصول على رؤية ومتعة أكبر.

دعنا الآن نأخذ مثالاً عن النثر. تختتم الفقرة التالية "الموتى" (The Dead)، القصة الأخيرة في "دبلينر" Dubliners) 1914)، وهي مجموعة من القصص القصيرة المتتالية لـ "جيمس جويس" (James Joyce):

"نعم، كانت الصحف على حق: كان الثلج يغطي جميع أنحاء "أيرلندا" (Ireland)، ويتساقط على كل جزء من السهل المركزي المظلم، على التلال الخالية من الأشجار، ويتساقط بهدوء على "مستنقع ألين" (Bog of Allen)، وفي أقصى الغرب، يسقط بهدوء في موجات "شانون" (Shannon) المظلمة.

كان يتساقط أيضاً على كل جزء من باحة الكنيسة المنعزلة؛ حيث دفن "مايكل فوري"، وكان ينجرف بغزارة على الصلبان الملتوية وشواهد القبور، وعلى رماح البوابة الصغيرة، وعلى الأشواك القاحلة. أغمي على روحه ببطء عندما سمع الثلج يتساقط بصوت ضعيف في الكون ويسقط بصوت خافت، مثل نزول نهايتها الأخيرة، على جميع الأحياء والأموات".

وصف "جويس" الثلج المتساقط في جميع أنحاء "أيرلندا" وصفاً رائعاً، قصيدة نثر غنائية. لقد تمت مشاركة هذه النهاية مع مئات الطلاب، الذين استسلموا دائماً استسلاماً حتمياً لجمال الصوت والإيقاع المطلق.

لا بد أنَّك استمتعت بتجربة قراءة الفقرة بصوت عالٍ؛ الشعور بإيقاعها الثابت، والاستماع لتكرارها لـ "السقوط"، وترديد الصدى في "الصلبان الملتوية" و"الإغماء ببطء"، وتحول "جويس" الأنيق مع الثلج، أولاً "السقوط بهدوء"، ثم "السقوط الضعيف و"السقوط الخافت".

إقرأ أيضاً: 9 استراتيجيات فعالة للقراءة لتحقيق الفهم السريع

تلامس هذه الملاحظات القليلة عن لغة "جويس" نغمة وملمس المقطع، التعاطف الذي يحمله في تلك الإيقاعات والتكرار. يحتاج نثر "جويس" البارع إلى أن يُقرأ بصوت عالٍ حتى يُقدَّر بالكامل. إن وافقت على ذلك، فسوف تضيف القراءة بصوت عالٍ إلى مخزون ممارسات القراءة لديك لتعميق سعادتك.

النقاط الرئيسة للاستفادة من قراءتك

  • القراءة الجيدة ستعمق تقديرك للأدب، وستكتسب خبرات جديدة وتثري معرفتك بالعالم والأشخاص الآخرين.
  • تتطلب القراءة الجيدة ملاحظة التفاصيل والتأمل والتشكيك فيها.
  • مفتاح واحد للقراءة الجيدة والممتعة هو التمهل وأخذ كامل الوقت والقراءة المتعمدة.
  • ستتيح لك إعادة قراءة النصوص الأدبية تعرُّف ما فاتك في المرة الأولى وتعميق متعة القراءة لديك.
  • ستساعدك القراءة بصوت عالٍ، سواء كانت جملة أم صفحة كاملة، على ملاحظة المزيد عن حرفية وفن الكاتب، لا سيما كيف يكمل النغمة والملمس المعنى.

المصدر: 1




مقالات مرتبطة