لكنَّ هذا يحدث للجميع، فلا يمكنك دائماً أن تحسب بدقةٍ كيف تقضي كل لحظة من حياتك؛ فإنَّه ليس أمراً عملياً، فمهما كنت حذراً في اختيار الأمور التي تقضي بها وقتك، لن تحظى بوقتٍ أكثر ممَّا لديك، كما أنَّ الإنتاجية مُقيَّدةٌ أيضاً بكثيرٍ من العوامل، وثمَّة دائماً مرحلة لا يفلح بعدها أي إجراء، مهما حاولت ومهما غيَّرت.
لذا فإنَّ الحكمة تكمن في تقبُّل هذه الحقيقة، وعدم القسوة على نفسك، لا بأس إذا لم تُنفَّذ كلُّ خططك؛ فلا يمكنك التحكم بكل شيء، يكفي أن تفعل ما تريد القيام به، وانسَ ما تبقى، لا تضغط على نفسك ولا تشعر بالإحباط، فعدم رضاك وانتقادك المفرط لذاتك هما ما يسلبانك الإحساس بالأمان، ومن دونهما تكون الحياة على ما يرام في معظم الأحيان، تماماً كما ينبغي أن تكون.
ما الذي يجعلنا قلقين؟
نشعر بالتوتر والقلق غالباً تجاه كيفية قيامنا بالأشياء، كأنَّنا قد فقدنا شيئاً ما في الحياة أو تراجعنا عنه، وثمَّة أسباب عديدةٌ لذلك، فأحد الأسباب الأساسية هو أنَّنا نتعامل مع عدة نشاطات في الحياة؛ إذ يبدو أنَّ تنفيذ كل شيء في وقت واحد هو تجربة مرهقةٌ جداً؛ فتصبح حياتك غير منظمة بطريقةٍ ما، وتصبح العقبات أكثر صعوبةً كل يوم.
كما أنَّ أحد الأسباب التي تمنعنا من العيش بسلام هو فشلنا في تحديد أولوياتنا في الحياة تحديداً حاسماً، ليست الحياة معادلة رياضية؛ فلا يمكنك أن تتعامل مع شؤون حياتك كأنَّها عملياتٌ حسابية، ولكن لديك القدرة على تحديد الأمور التي تناسبك من خلال ميلك الفطري لتحديد الأولويات.
لقد طوَّرت هذه القدرة على مدى سنواتٍ طويلة من خلال تعليم نفسك ما هو الصواب أو الخطأ بالنسبة إليك في الحياة، وإيلاء بعض جوانب الحياة أهميةً أكثر من غيرها، فكل فردٍ منَّا لديه أولوياته الخاصة، وبناءً على أسلوب حياتنا الخاص، يمكننا تحديد الأولويات التي تجعل الحياة أسهل بالنسبة إلينا.
شاهد بالفيديو: 5 أسئلة تساعدُكَ على تحديد الأولويات
كيف تقرِّر أولوياتك في الحياة؟
مع أنَّك تتحمل تحمُّلاً كاملاً مسؤولية تحديد أولوياتك، فثمَّة أجزاء معيَّنة لا يمكنك تجاهلها إذا أردت إيجاد السلام في حياتك، إنَّها موجودة في جميع مراحل الحياة، وإذا اعتنيت بها جيداً، فكل شيء سيتحسَّن في النهاية.
فيما يأتي بعض الطرائق لتحديد الأولويات في الحياة، ليست هذه نصائح، ولكنَّها طرائق حقيقية يمكن أن تساعدك على التغلب على ترددك، وتساعدك أيضاً على إعادة ترتيب أولوياتك في الحياة:
1. التحرُّر ممَّا يسبِّب لك الألم:
يجب أن تكون هذه أولويتك الأولى، عليك أن تقضي على كل شيءٍ يحرمك من عيش حياتك على أكمل وجه، حتى الحياة العادية الرتيبة هي نعمة بالمقارنة مع حياة تتحمل فيها الآلام كل يوم، إنَّك لا تستحق هذه الحياة الخانقة.
حرِّر نفسك من كل ما يحبطك أو يُدمِّر ثقتك بنفسك، أنت تستحق السعادة، وهذه السعادة لن تنالها إلا عندما تتخلَّص من كل ما أُرغمتَ عليه، هل أصبحت مثقلاً بالديون؟ سدِّدها تدريجياً حتى تتمكَّن من العيش في سلام، هل تجد نفسك عالقاً في علاقة سامَّة؟ لا فائدة من المعاناة، جد طريقة للخروج منها على الفور.
ابتعد عن الأشخاص السلبيين الذين يحرمونك أن تعيش حياتك، عليك أن تتحدى كل شيءٍ وكل شخصٍ يسبِّب لك الضرر، بلا أي خوف، افعل ذلك كما يحلو لك، وابحث عن أيَّة طريقةٍ لإنهاء معاناتك.
2. إصلاح الأخطاء السابقة:
تتطلَّب الحياة في بعض الأحيان إصلاح الماضي أكثر من بناء المستقبل، لكنَّهما نوعاً ما نفس الشيء؛ لذا أصلح حياتك، وتولَّ مسؤولية تغيير الأمور التي لم تنتهِ كما أردتها، وركِّز على الأشياء التي من شأنها أن تجعل حياتك أفضل، فالمشكلات التي لم تُحل في الماضي قد تُسبِّب لك القلق إلى الأبد؛ لذا عليك أن تتصالح مع ماضيك قبل أن تمضي قدماً، وإلا فإنَّ ماضيك لن يفارقك.
هل تشعر بالندم؟ عليك تجاوز الأمر، فإذا سبَّب لك هذا الندم ألماً، فافعل شيئاً كي تمنعه من التأثير فيك؛ لأنَّ ندمك قد أصبح من الماضي.
هل تشعر بالذنب؟ اعتذر للأشخاص الذين تشعر أنَّك أسأت إليهم، فهذا لا يجعلك ضعيفاً، اغفر لنفسك، وتجاوز الماضي، اخرج من هذا السجن المُظلم الذي تعيش فيه، وبمجرد أن تبدأ في تغيير حياتك للأفضل، لا يمكن لشيء أن يؤثر فيك، وسوف يتحسَّن كل شيء في النهاية.
3. إيجاد أسبابٍ للسعادة:
لا بأس في أن تكون أنانياً قليلاً، فمن السهل جداً أن تنسى هويتك حينما تتَّبع قواعد الآخرين، ليس عليك أن تبقى دميةً بيدهم، صحيحٌ أنَّ العالم ليس مكاناً بائساً تماماً، ولكن عليك أن تفكِّر بنفسك أيضاً، فلا تكترث كثيراً بالطريقة التي يعاملك بها الآخرون، وابدأ في التفكير في نفسك بدلاً من ذلك.
اسعَ نحو تحقيق أحلامك، وخاطر عندما تشعر برغبة بذلك، تذكَّر أنَّك أنت من ستتحمَّل العواقب، وليس الناس الذين سيسعد بعضهم إذا أخفقت؛ لذا لا تخشَ آراء الآخرين، وابحث أيضاً عمَّا يجعلك سعيداً، وجد أصغر الأسباب التي يمكن أن تجعلك تبتسم، ففي بعض الأحيان أصغر الأشياء في الحياة هي التي تجعلك سعيداً، مهما كانت بسيطة وغير هامَّة؛ لذا خصِّص دائماً وقتاً لهذه الأشياء الصغيرة، حتى لو لم يكن كثيراً، حاول مثلاً تناول العشاء مع عائلتك، أو لقاء أصدقائك القدامى؛ إذ يجب أن تكون هذه أولوياتك.
4. السعي نحو المستقبل:
لا تنسَ تطوير إمكاناتك في أثناء انشغالك بأمور الحياة، مارس نشاطات جديدة، واكتشف أجزاء جديدةً من عملك؛ إذ تساعدك هذه الأشياء على التفكير في تطوير نفسك، وتوفِّر لك أيضاً فرصاً جديدة، قد تشعر بأنَّ الحياة ثابتةٌ في بعض الأحيان، ولكن في هذه الأوقات تحديداً يجب أن تبدأ الاستعداد للمستقبل، مهما كنت راضياً وسعيداً في حياتك، عليك أن تخطِّط لمستقبلك وسعادتك، فتأسيس عملٍ جديد لضمان استقرارك المالي، وشراء منزل لأسرتك، وتغيير نظامك الغذائي من أجل تحسين صحتك، كلها خطوات لا تخدم الحاضر فقط؛ بل تضمن لك مستقبلاً أفضل أيضاً.
عندما تعمل في سبيل مستقبلك، يمكنك أن تشعر بطمأنينةٍ أكبر تجاه حياتك، ممَّا يُخفِّف القلق، ويُشعرك بمزيدٍ من السلام.
5. تقبُّل التغيير:
كن مستعداً للتغيير وتقبَّل نتائجه، فهي الطريقة الوحيدة لمواجه قسوة الحياة، لا يحدث كل شيء كما تتوقعه، فالحياة متقلِّبةٌ جداً، ولا يمكنك التحكم بكل جانب منها، لكن يمكنك إيجاد طرائق تُمكِّنك من التعافي وإعادة حياتك إلى طبيعتها.
لن تصبح الحياة سهلةً فجأةً لمجرد أنَّك حدَّدت أولويات معيَّنة والتزمت بها؛ بل إنَّ قدرتك على التكيُّف مع التغيير هي ما يُحسِّن حياتك حتى عندما تكون الظروف ضدَّك.
أضف تعليقاً