لكن لمعرفة ما تريد القيام به، يجب أن تنطلق من نقطة مرجعية تستند إلى تجاربك السابقة، وإذا لم تكن قد حصَّلت قدراً محدداً من الخبرات، فلن تتمكن من الوصول إلى إجابة مفيدة في هذا الصدد؛ على سبيل المثال، لنفترض أنَّك تريد شراء هاتف جوال، لكنَّك لم تستخدم الهاتف المحمول من قبل؛ أي لا تعرف كيف يعمل الهاتف المحمول أو نوع الوظائف التي يقدمها، ناهيك عن جميع العلامات التجارية الموجودة والاختلافات بين الطرازات؛ فماذا ستفعل؟ هل:
- تجلس في المنزل وتفكر في الهاتف المحمول الذي يجب أن تشتريه في انتظار الإجابة لتظهر في وقت ما، ولا تفعل أي شيء حتى تخطر لك إجابة؟
- تتعرَّف إلى ما هو الهاتف المحمول وتخرج وتستكشف مختلف الهواتف المحمولة المتاحة؟ وإذا كان ذلك ممكناً، فقد تجرِّبها أيضاً؛ على سبيل المثال عبر استخدام هواتف أصدقائك المحمولة وزيارة متاجر الهواتف.
ما هو الخيار الذي سيساعدك على حلِّ هذه المعضلة؟ وما هو الخيار الذي سيمنحك أفكاراً جديدة ومعلومات جديدة وبيانات جديدة لكي تبني عليها قرارك؟ وما هو الخيار الأكثر موثوقية للحصول على ما تريد؟ إنَّه الخيار الثاني.
سبب عدم الوضوح:
لكي تعرف ما تريد القيام به، يجب أن يكون لديك نوع من الخبرة يمكنك الاستفادة منها، وإذا لم تدخل من قبل في خضم الأمور، فلن يكون لديك الكثير من التجارب التي يمكنك الرجوع إليها؛ أي لديك حالة من عدم الوضوح في ذهنك؛ وذلك لأنَّك لم تغامر أبداً أبعد من مكانك الحالي.
الأمر أشبه بسؤالك عن رياضتك المفضلة عندما لم تمارس أي نوع من الرياضة في حياتك، أو عن كتابك المفضل عندما تقرأ أقل من كتاب في العام، وسيبقى عدم الوضوح هذا موجوداً ما دمت ساكناً في مكانك، وستظل معلوماتك غامضة وضبابية وربما مربكة.
لتحقيق الوضوح، تحتاج إلى الاستكشاف، وإلى الخروج والبدء بتجربة أشياء مختلفة، واكتساب خبرات ومعارف جديدة، والمرور في تحديات جديدة، ومن خلال خوض أكبر عدد ممكن من هذه التجارب يمكنك إنشاء نقاط مرجعية أساسية في ذهنك، وكلما حصلت على مزيدٍ من الخبرات، زادت معرفتك وزاد وضوح ما لا تحبه وما تحبه، وفهمت أكثر ما لا تريد القيام به وما تريد القيام به.
كيف تكتشف ما تريد أن تفعله في الحياة؟
من الأشياء الرئيسة التي يمكن أن تساعدك على اكتشاف هدفك هو بذل قصارى جهدك لتحقيق أهدافك الحالية ومتابعة اهتماماتك قبل ذلك، فلن يكون لديك وضوح تام من حيث معرفة ما ترغب في القيام به في الحياة دائماً، لكن يجب أن يكون لديك هدف أسمى؛ وذلك بأن تستثمر حياتك إلى أقصى حد، وأن تكون شخصاً يساهم في المجتمع، وهذا يعني أن تبذل قصارى جهدك وأن تحقق أعلى إمكاناتك.
هذا ما يجب أن تفعله، ابذل قصارى جهدك لمتابعة أهدافك، واعمل بشغف وحب، ومهما كانت أهدافك سواء كانت أهدافاً أكاديمية أم مهنية أم غيرها، ركز على الهدف، وقدِّم كل ما لديك لتحقيقه، ومهما كانت اهتماماتك، مثل التصوير أو التصميم الجرافيكي أو صنع مستحضرات التجميل أو الألعاب، تابعها بحماسة ولا تتراجع أبداً.
ستتعلم الكثير خلال العملية الكاملة، من تحديد الأهداف ووضع الاستراتيجيات والتخطيط واتخاذ الإجراءات ومراجعة النتائج وإعادة تعديل خططك، وأخيراً تحقيق النتائج، وفي كل خطوة في الرحلة ستتعلم شيئاً جديداً عن العالم وعن نفسك، ستنضج شخصيتك ويزيد وعيك بنفسك، وتتعرف أكثر إلى نفسك، وستعرف نقاط قوَّتك ونقاط ضعفك، وقيمك وما يعجبك ولا يعجبك، وربما تدرك أنَّ الأشياء التي كنت تعتقد أنَّها هامة بالنسبة إليك لم تكن في الواقع ما تريده، أو قد تدرك أموراً لم تتوقعها.
لن تدرك أبداً أياً من هذه الأشياء إذا لم تتابع بحماسةٍ نضجك وأهدافك واهتماماتك، وحين تتابع نشاطاتك بهمَّةٍ وشغف، ستصادف مجموعة واسعة للغاية من المواقف والتجارب، وستدرك أخيراً ما تريد القيام به.
شاهد بالفيديو: رحلة الحياة بـ (10) خطوات بسيطة
اكتساب الخبرة من حيث الاتساع والعمق:
إنَّ المفتاح لمعرفة ما تريد القيام به هو الخروج واكتساب أكبر قدر ممكن من الخبرة، من حيث الاتساع والعمق؛ إذ:
- يشير اتساع الخبرة إلى تنوع الأشياء التي تقوم بها؛ على سبيل المثال، لنفترض أنَّك درست الهندسة، وعملت مهندساً طوال حياتك، فقد حان الوقت لبدء شيء جديد مختلف عن الهندسة، ويمكن أن يكون ذلك في أي مجال، مثل الرسم والتسويق والأعمال التجارية والأطعمة والمشروبات والموسيقى وما إلى ذلك.
- يشير عمق التجارب إلى تبحرُّك في المجال وعمق معرفتك فيه؛ فإذا كنت تعرف عن الهندسة الأمور السطحية فقط، ولا تخصص وقتاً إضافياً للتعرف إليها تعرُّفاً أفضل، وتفعل فقط ما هو ضروري لإنجاز العمل المُوكَل إليك؛ فإنَّ مستوى خبرتك فيها متوسط.
لكن إذا كنت تسعى إلى أن تكون مهندساً متفوقاً، وتتابع كبار المهندسين وتتولى مشاريع جديدة وتقرأ أفضل النصوص في المجال، فإنَّ خبرتك ستكون أعمق بكثير، ويمكن أن يزداد عمق تجاربك في الموضوع بزيادة الوقت الذي تقضيه عليه، بالإضافة إلى قوة تركيزك وطاقتك عند القيام بذلك.
كيف تبدأ؟
في هذه المرحلة، يجب أن تتساءل من أين تبدأ أولاً؛ وذلك نظراً لوجود العديد من الاحتمالات المختلفة؛ لذا نوصيك بالبدء بالقيام بالأشياء التي تشعر ولو ببعض الاهتمام تجاهها، سواء كنت تشعر بالفضول لتجربتها أم لديك اهتمام مسبق تريد متابعته.
إليك عملية من 5 خطوات لتبدأ بالعثور على ما تريد القيام به في حياتك:
- استخدام ورقة وقلم: اكتب لمدة 30 دقيقة قائمةً بكل الأشياء التي طالما أردت تجربتها لكنَّك لم تجربها من قبل، واكتب أيضاً الأشياء التي ترغب في تجربتها اليوم، ولا تطل في التفكير، ولا تفكر في إمكانية متابعتها أو كيف ستفعل ذلك؛ إذ إنَّ الهدف من هذه الخطوة هو تحديد ما قد تريد أولاً قبل التفكير في كيفية القيام بذلك.
- مراجعة القائمة بعد الانتهاء: ما هي الأشياء التي ترغب في تجربتها اليوم؟ أحِطها بدائرة؛ إذ يمكن أن تكون بضعة عناصر من القائمة أو الكثير منها أو حتى كلها.
- ترتيب القائمة: ما هو الشيء الذي تريد تجربته أولاً؟ ضعه في رأس قائمة جديدة، ثم انتقل إلى الشيء الذي تريد تجربته بعد ذلك واكتبه بعده، وهكذا دواليك، حتى تصل إلى آخر عنصر رسمت دائرة حوله.
- التفكير في كيفية تنفيذ ذلك: كيف يمكنك البدء بتجربة العناصر الأولى من قائمتك الجديدة؟ قد تشعر بالخوف عند تجربة أشياء جديدة؛ وذلك لأنَّك تبالغ في تعقيد العملية في ذهنك.
فقط تذكَّر أنَّك لست مضطراً إلى ترك وظيفتك أو التوقف عن الدراسة أو التخلي عن كل ما تفعله؛ بل يمكنك متابعة ما تفعله حالياً وتجربة شيء جديد في نفس الوقت، فقط ابدأ بخطوات صغيرة؛ على سبيل المثال، حضور دورة تدريبية أو التطوع في منظمة لها علاقة بالرغبة؛ لذا ضع خطة للعمل على العناصر الموجودة في قائمتك.عندما تكتسب خبرات أكثر اتساعاً وعمقاً، ستبدأ بتكوين فكرة أوضح عما لا تريد القيام به وما تريد القيام به.
الخطوة الرئيسة: اتخذ إجراءً
يتعلق الأمر كله باتخاذ الإجراءات لاكتساب خبرات جديدة؛ لذا انطلق وجرِّب كل ما تريد، واسعَ في الخارج، وراجع تقدُّمك دورياً وتأكد من أنَّك تسير في الاتجاه الصحيح، وعندما تكتسب ما يكفي من الخبرات من حيث الاتساع والعمق، ستصبح الإجابة واضحة.
أهم شيء على الإطلاق هو تحقيق أقصى استفادة من كل تجربة تمر بها، وتكريس نفسك بالكامل لكل لحظة، وعدم نسيان عيش الحياة على أكمل وجه في كل لحظة؛ إذ إنَّ سبب رغبتك في معرفة ما يجب فعله في الحياة هو أنَّك تريد تحقيق أقصى استفادة من الحياة.
في الختام:
لذا لا يجب أن تفوتك فرصة العيش لأنَّك انشغلت بعملية محاولة العثور على ما تريد القيام به، فمعرفة الإجابة لن تُحدِث فرقاً إذا لم تكن تعيش في الوقت الحاضر؛ لذلك انغمس في الحياة التي تعيشها الآن، وقدِّر كل ما تقدِّمه لك، سواء كان جيداً أم سيئاً، وحينها ستعيش الحياة على أكمل وجه.
أضف تعليقاً