4 نصائح لممارسة القيادة الخدمية

أُنعِم عليَّ قبل عشرين عاماً بهبة فريدة، كان لها أثر في مسيرتي المهنية؛ حيث عرَّفتني بنموذج القيادة الخدمية، ومنذ ذلك اليوم وأنا أحاول تطبيق هذا النهج.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن تود ولفنبارغر (Todd Wolfenbarger) مالك شركة الاتصالات ذا ساميت غروب كوميونيكيشن (The Summit Group Communications).

كنت أعيش في مدينة سياتل، وكانت عشية عيد الميلاد، وكنت قد غادرت العمل في ظهيرة باردة وممطرة من شهر كانون الأول، ووقفت على شرفة منزلي مع ابنتي الصغيرة التي كانت تنثر الشوفان البراق الذي كان يتلألأ مثلما يفعل ذلك الخيط الذي نراه خلف عربة بابا نويل، كانت ابنتي الصغيرة تحب المغامرة، وكذلك كنت أنا.

وسط مرحنا، ركنت سيارة غريبة في ممر السيارة لمنزلي، تملَّكتني الدهشة وشيء من عدم الراحة عند رؤيتي لمديري التنفيذي يترجل من هذه السيارة، وبعد تبادل التحية، انحنى نحو ابنتي وسألها: "ما الهدية التي يرغب فيها والدك في عيد الميلاد؟" أجابت: "يريد دراجة". ابتسم رئيسي، وفتح الباب الخلفي لسيارته، وأخرج دراجةً جبليةً عليها قوس.

كان قد اتصل بزوجتي في الأسابيع السابقة - كما اعتاد أن يفعل مع جميع الموظفين الذين يتبعون له مباشرةً - وسألها عن هدية عيد الميلاد التي أرغب فيها بشِدة كي يبتاعها لي، لن أوفي هذا الرجل حقه مهما قدَّمت من الشكر والعرفان وأظهرت الفرح.

بعد ذلك بسنوات، صرت أفعل الشيء نفسه مع فريقي وكانت مشاعرهم مماثلةً لمشاعري آنذاك، وجعلني تقدير فريقي لهذه البادرة أحبُّ أسلوب القيادة بالقدر نفسه.

كان روبرت جرينليف (Robert Greenleaf) مؤسِّس حركة القيادة الخدمية الحديثة ومركز جرينليف للقيادة الخدمية، أول مَن صاغ مصطلح "القائد الخادم" في مقال كتبه عام 1970، يصف فيه القادة الذين يسعون إلى الخدمة أولاً، ويؤكِّد على أنَّ نتيجة ذلك ستكون ممارسة القيادة ممارسةً فعليةً.

مع مرور السنين، أصبحت مقتنعاً بهذا النهج وآمنت بهذا المفهوم بعد أن اختبرت فاعليته بالنسبة إلي وإلى فريقي.

إن أردت تجربة النهج بنفسك، فيما يلي أربع نصائح سريعة للبدء:

1. اعلم شيئاً محدَّداً وهاماً عن كل شخص تقوده:

هناك نصيحة للكتابة أحبها تُدعى "تسمية الكلب"؛ حيث من الهام مناداة الكلب باسمه عوضاً عن أن نناديه كلباً فحسب؛ وذلك لأنَّ الخصوصية تخلق الدلالة والسياق والفروق الدقيقة، وهي جميعها عوامل هامة في الكتابة بأسلوب جيد.

الخصوصية في القيادة الخدمية هامة أيضاً؛ حيث يمكن لمعرفة التفاصيل الشخصية لمرؤوسيك - خاصةً مَن يكون لديهم الدافع الشخصي - أن يكون لها أكبر الأثر.

على سبيل المثال: أنا أعمل مع شخص، عندما يُطلب منه فِعل شيء بطريقة محددة جداً، يختلق موقفاً كي ينجز الأمر بطريقة معاكسة، لكنَّ هذا الموظف عنصر فاعل في فريقنا، ولأنَّني أعرف هذا عنه، أحاول جاهداً ألا أقدم له أيَّ توجيه أو تغذية راجعة بصورة تبدو متسلطةً جداً أو صريحة، فيمكن أن يتسبب اتِّباع  هذا مع شخص آخر في فريقي يعمل جيداً وفق تعليمات محددة بإحباطه، وتكمن الحيلة في معرفة مرؤوسيك على وجه التحديد كي تتمكن من منحهم خدمةً أفضل.

إقرأ أيضاً: طريقة استخدام مبادئ القيادة التكيفية في مكان العمل

2. كن أنت صاحب الإنجاز واعزُ الفضل إلى غيرك:

يدرس كتاب "ثَقب الصندوق" (Poke the Box) للمؤلف ورائد الأعمال وخبير التسويق "سيث غودين" (Seth Godin) الحاجة إلى المبتدئين في المؤسسات، والأشخاص الذين يستلمون زمام المبادرة، دون أن يتلقوا توجيهات بفعل ذلك، ووفقاً لغودين (Godin)، المبادرة هي منبع القيادة في عالم الأعمال في عصرنا هذا، وما يميِّزه. 

يفشل الناس في بدء شيء جديد أو مباشرة العمل نتيجةً لعدد من الأسباب؛ ولكنَّ أحد أكبر هذه الأسباب هو الرغبة في أن يُعزى إليهم الفضل أو حتى تجنب اللوم، وينصح غودين (Godin) بعدم الاكتراث لنيل الفضل؛ بل السعي إلى العمل، وأن تُقدَّم النتيجة النهائية الإيجابية هديةً للفريق، قد يبدو الأمر غير منطقي؛ لكن هذا هو جوهر القيادة الخدمية، فعندما تأخذ بيد الآخرين لبلوغ النجاح، تغدو شخصاً أكثر نجاحاً.

3. اجعل الموظفين الشباب من الجيل الجديد جزءاً هاماً من مؤسَّستك:

أنا أعمل مع الكثير من الأشخاص الذين دخلوا سوق العمل منذ زمن ليس ببعيد، وأتعلَّم منهم الكثير، على سبيل المثال: يعطي الكثير في هذه الفئة الأولوية لتبادل الخبرات الفريدة أكثر من التقدم الوظيفي، فهذا جزء من الروح التي ينضح بها هؤلاء العمال الشباب، والتي أجدها ملهِمةً.

عندما تهتم بموظفيك واهتماماتهم على وجه التحديد، تسهُل عليك مهمة قيادتهم، وسيلاقي اتِّباعك نهج القائد الخادم قبولاً لدى الجيل الجديد.

إقرأ أيضاً: القيادة التحويلية: كيف تصبح قائداً مثيراً للإلهام

4. التزم بمهمتك وآمن بها:

قد تختلف وجهة نظر الأشخاص الذين يفضلون اتِّباع المناهج التقليدية التي ترى في القيادة إصداراً للأوامر بوضوح وإنصاف؛ لكنَّني لا أؤمن بذلك، فبرأيي؛ إنَّ الأمر يتعلق أكثر بالتركيز على قدرات الناس مِن حولنا، وتوظيف ذلك وفقاً لاتجاه شركتك ثم جعلهم من طاقم الشركة. 

قد يبدو الأمر غير منطقي كونك تتنازل عن بعض السيطرة المتصوَّرة؛ لكن في نهاية المطاف، تكون نتائجها أعظم، إنَّه في الحقيقة استثمار فلسفي يتطلب التزاماً وإيماناً بجني الفائدة، ففي السنوات التي أمضيتها في القيادة الخدمية، وجدت أنَّها تؤتي ثمارها.

يكون النجاح حليف القائد الخادم - الشخص الذي يعرف مرؤوسيه جيداً- في المحصلة، وكما قال جرينليف (Greenleaf): "يتجلى الاختلاف في الرعاية التي يتولاها الخادم في المقام الأول للتأكد من تلبية احتياجات الآخرين ذات الأولوية القصوى؛ حيث إنَّ نمو الأشخاص على الصعيد الشخصي أفضل الاختبارات وأصعبها".

 

المصدر




مقالات مرتبطة