4 نصائح لاكتساب الوعي الذاتي

من المضحِك أنَّ التحلِّي بالوعي الذاتي أصبح اليوم أمراً سيئاً؛ إذ يقول لك الناس ألَّا تُكثِر التفكير، كأنَّهم يوبِّخونك لأنَّك تبالغ في الاهتمام بنفسك، فتسأل نفسك لماذا تتصرَّف بهذه الطريقة، وتتحسَّر في داخلك لأنَّك تهتم كثيراً بآراء الآخرين؛ لكن ألا يمكن أن يكون الوعي الذاتي أمراً جيداً؟ فبدلاً من التفكير في أنَّه عليك التوقُّف عن التحلِّي بالوعي الذاتي، قد يمكنك تحويل هذا الوعي إلى ميزةٍ إيجابيةٍ.



إذا أمعنت التفكير، فستجد أنَّه لا ينبغي لأحد أن يخاف من هذا الشعور، فالوعي بالذات مرادف للإدراك الذاتي، ويجب أن يكون غايةً نسعى جاهدين إلى تحقيقها، وليس عيباً نخجل منه، فلقد حان الوقت للنظر إلى الوعي الذاتي نظرةً مختلفة؛ إذ يجب عليك التوقُّف عن التحلِّي بالوعي الذاتي بالمعنى الحديث، وأن تصبح أكثر وعياً بذاتك بالمعنى التقليدي.

قد يُمكِّنك ذلك من جعل الوعي الذاتي ميزةً، بدلاً من أن يكون عيباً مثلما يُنظَر إليه حاليَّاً، وسيناقش هذا المقال أربع طرائق تساعدك على تسخير الوعي الذاتي تسخيراً صحيحاً، ومن ذلك معنى الوعي بالذات، وأصوله، وكيف يمكنك استخدامه لمصلحتك.

فيما يأتي أربع نصائح لاكتساب الوعي الذاتي وممارسته ممارسة صحيحة:

1. تعلَّم أن تُصبح مُدرِكاً لذاتك:

إنَّ التحلِّي بالوعي الذاتي - حتى بالمعنى الحديث - هو في الواقع أمر جيد، ففكِّر مليَّاً في الأمر، كيف يمكن أن تكون معرفة نفسك معرفةً عميقةً أمراً سيئاً؟ لا يُمكن أن تعرف نفسك أكثر من اللازم، فيمكنك تشبيه الأمر بالشعور بالذنب؛ إذ يُنظَر للشعور بالذنب على أنَّه إحساس سلبي، وهو في الواقع إيجابي جداً؛ وذلك لأنَّ الأشخاص الذين يشعرون بالذنب لديهم ضميرٌ حيٌّ، ويعرفون الصواب من الخطأ، والأشخاص الذين لا يشعرون بالذنب هم معتلُّون اجتماعياً.

تنطبق نفس الفكرة على الوعي الذاتي، فمن الجيد أن تشعر ببعض الحرج في موقف اجتماعي؛ فهذا يعني أنَّك تُدرك كيف تؤثر أفعالك ونواياك في الأشخاص من حولك؛ لذا في المرة القادمة التي تشعر فيها بذلك، تذكَّر أنَّه دليل على مقدار إدراكك لذاتك، وهو أمر جيد بالتأكيد.

إقرأ أيضاً: إطلاق العنان لقوة الوعي الذاتي

2. افهم أنَّك تمتلك الكفاءة:

تطورَ الوعي الذاتي قديماً نتيجة الخوف الفطري للإنسان من أن تنفيه قبيلته، وكان يُنظَر إلى ذلك قبل سنوات عديدة على أنَّه مسألة حياة أو موت، ولن ينتج اليوم عن هذا النفي إلَّا انخفاض ضئيل في عدد أصدقائك على "فيسبوك"، لكن مع ذلك، ما زال الإنسان يخشى النفي كما لو كان يعني موتاً محقَّقاً.

في المرَّة القادمة التي تشعر فيها بالوعي الذاتي، تذكَّر أنَّك تمتلك الكفاءة لذلك؛ إذ يولَد الإنسان مع خوف فطري من الإقصاء، ومن المفارقات أنَّه يولَد أيضاً مُزوَّداً بكل الأدوات اللازمة للبقاء على قيد الحياة، واليوم تحديداً، سواء كنت تعيش في بلد متقدِّم أم نامٍ، فلن تُترَك على قارعة الطريق.

لذا تذكَّر أنَّ فقدانك لأصدقائك جميعهم لن يؤدي إلى كارثة؛ بل سيؤدي إلى فترة من الشعور بالوحدة، وإذا كنت تخشى الشعور بالوحدة، فهذه مشكلةٌ أُخرى بحدِّ ذاتها.

3. اكتشف ما يتحسَّس منه الآخرون:

ما يُضحِك في الإحراج هو أنَّه غالباً ما يكون من صنع الذات، فعندما تشعر بالوعي الذاتي؛ أي عندما تشعر بالقلق لأنَّ الناس يغتابونك، فإنَّك في معظم الأحيان تختلق الخوف في رأسك؛ إذ تظنُّ أنَّ كل شخص آخر يبدي رأيه فيك، يظنُّ الأشخاص نفسهم أنَّك تُبدي رأيك فيهم أيضاً، هذه حقيقة الأمر.

ويُفكِّر الأشخاص جميعهم في أنفسهم ويقلقون فيما يتعلق برأي الناس بهم، لكن إذا كانوا جميعهم قلقون بشأن ما يظنُّه الآخرون، فليس هناك وقت للناس للتفكير في الآخرين والحكم عليهم؛ لذلك، في المرة القادمة التي تشعر فيها بالوعي الذاتي، من المحتمَل أنَّ جميع مَن حولك يشعرون ببعض الوعي الذاتي أيضاً، وبدلاً من التفكير في نفسك فقط، وسِّع وعيك حتى تفهم كيف يفكِّر الآخرون وينظرون لأنفسهم، فيمكن أن تساعدك هذه النظرة الحكيمة وتساعد الأشخاص من حولك أيضاً.

4. انظُر إلى الأمور نظرة موضوعية:

الحقيقة المُرَّة هي أنَّ معظم الأشياء التي تُقلقك ليست هامَّة، فتذكَّر أنَّ كل الأمور التي تجعلك تشعر بالوعي الذاتي تُسبِّب لك أيضاً كُرباً نفسية ومعاناةً لا داعي لها، وفكِّر الآن في الأوقات جميعها التي تجلَّى فيها قلقك ومخاوفك في العالم الحقيقي، وستكتشف أنَّ عدداً قليلاً من الأشياء قد أثَّرت فيك بالدرجة التي توقَّعتَها، والقليل من مخاوفك قد تحقَّقت، ومن تلك التي تحققت نسبة قليلة منها، قد آذتك إلى الحدِّ الذي كان يدور في رأسك؛ لذلك، في المرة القادمة التي تشعر فيها بالخجل، تذكَّر أنَّ مشاعرك قد تكون مُضلِّلة، ومارس الوعي الذاتي بِوصفه ميزةً إيجابيةً وليس أساساً لكل مخاوفك وهمومك.

شاهد بالفديو: كيف نتخلص من التوتر في ظل الأجواء الصعبة التي نعيشها؟

ما الذي يعنيه الوعي بالذات؟

تُستخدَم فكرة الوعي بالذات حالياً لوصف الأوقات التي يشعر فيها الناس بالحرج أو انعدام الكفاءة؛ بمعنى آخر، هو شعورك بوعي لا داعي له تجاه نفسك؛ وهذا يعني أنَّك مُدرِكٌ لذاتك إدراكاً مفرطاً أو غير مناسب، ومع ذلك، إذا تمعَّنتَ جيداً في الأمر، فستجد أنَّ وعيك لذاتك يعني أيضاً أن تنظر إلى وجودك نظرةً واعية؛ لذلك، في حين أنَّ الشعور المُفرط بالوعي الذاتي قد يبدو للوهلة الأولى أمراً سيئاً، لكن إذا تعمَّقت قليلاً، فستجد أنَّه أمرٌ جيدٌ.

وقد يكون النظر إلى النفس نظرةً واعية أهم شيء قد تختبره في حياتك؛ وهذا يجعل وعيك لذاتك أقوى عقلية ممكنة، على سبيل المثال، يُحدِّد تعريف الوعي الذاتي أنَّ المصطلح يصف فعل أو نية الشخص المتعمِّدة النابعة من إدراكه الكامل، ولا يبدو ذلك سيئاً، لكنَّ التعريف ينصُّ أيضاً نصَّاً صريحاً على أنَّ وعي الذات هو الإدراك المفرط فيما يتعلَّق بمظهر الفرد أو أفعاله، ويتماشى هذا الجزء كثيراً مع الطريقة التي ينظر بها الإنسان حالياً إلى وجوده وإلى وعيه بذاته.

قد تتعجَّب أياً من التعريفين عليك أن تُصدِّق؟ فهل يجب أن تتوقَّف عن الوعي بنفسك؟ أم يجب أن تتبنَّاه على أنَّه أمر إيجابي؟ يجب أن يكون القرار سهلاً؛ وذلك لأنَّ السؤال الذي يجب أن تطرحه حقيقةً هو: هل من الأفضل أن يعرف المرء نفسه تماماً، مع قبوله بالجانب السلبي لأنَّه قد يصبح أكثر وعياً بنفسه من اللازم؟ أم هل يجب عليه الحد من وعيه الذاتي حتى يبقى سعيداً، ولكنَّه يصبح جاهلاً نتيجةً لذلك؟ إنَّ جوابك عن هذا السؤال سيحدِّد كيف ستعيش بقية حياتك؛ لذا فكِّر بهدوء، ولا تضغط على نفسك.

أصول وعي الذات:

لربما يجب أن تتعرَّف أولاً إلى أصول الوعي الذاتي في سبيل فهم أفضل لكيفية التوقُّف عن هذا الشعور؛ إذ يُعَدُّ التحلِّي بالوعي الذاتي سِمةً من السمات التي تساعد المرء على متابعة حياته؛ فقد تطوَّرَ البشر مع الزمن ليصبحوا كائنات اجتماعية تعتمد على بعضها بعضاً للبقاء على قيد الحياة، فشعور الخوف من الطرد من القبيلة متأصِّلٌ داخل كل إنسان، ويتجلَّى ذلك اليوم في مشاعر الوعي بالذات.

كان من المستحيل على الإنسان أن يعيش وحده في أيام القبائل البدوية؛ لذا كان يلجأ إلى تشكيل مجموعات مؤلَّفة من قُرابة 150 شخصاً - يُعرَف هذا الرقم برقم دنبار - للبقاء على قيد الحياة، وإن طُرِدتَ من قبيلتك أو عائلتك، فستواجه حرفياً مسألة حياة أو موت، ومع مرور الوقت، طُرِدَ المُنعزلون وغريبو الأطوار من القبيلة أو فشلوا في الإنجاب؛ وهذا أدى إلى اختفاء طباعهم في الأجيال اللاحقة.

ولتجنُّب ذلك، أصبح البشر أفضل في التعاون والمواقف الاجتماعية، فكانت النتيجة تجمُّعاً حديثاً من الجينات، مليئاً بالبشر الذين يملكون القدرة على التواصل؛ لذلك إنَّ العيش داخل حدود المجتمع والحفاظ على الوضع الراهن كان وما يزال ميزةً قديمة، وقد تجسَّدت هذه الميزة بالطبع من خلال التحلِّي بالوعي الذاتي، فكلما كنت أكثر وعياً بأفعالك وكيف ينظر إليها الآخرون داخل القبيلة، كانت فرصتك أفضل في البقاء على قيد الحياة؛ أليس من المنطقي إذاً أن يكون الاختلاف أمراً خطيراً؟

إقرأ أيضاً: 4 أسباب تدفعك لممارسة الوعي التَّام

هكذا تستخدم الوعي الذاتي لمصلحتك:

لقد طُوِّرَت هذه الميزة طوال آلاف السنين، وهي الآن جزءٌ لا يتجزَّأ من تفكيرك، ربما لم تَعُد تحتاج إليها بعد الآن، لكنَّها موجودة بوصفها بقايا من الماضي لا يمكنك التخلُّص منها، وتكمن في ذلك نقطة مثيرة للاهتمام؛ ففي الماضي، كان مجرد التفكير بأنَّ شخصاً ما قد يرغب بكامل طاقته في التوقُّف عن التحلِّي بالوعي الذاتي فكرةً سخيفة، أمَّا اليوم فقد أصبح ذلك شائعاً.

لذا، عليك أن تتوقَّف عن التفكير في الأمر بالمعنى الحديث، وتبدأ بالتفكير فيه بالمعنى التقليدي، إذا أردت استخدام شعورك بالوعي الذاتي لمصلحتك؛ فكما تقول التعريفات، بدلاً من رؤيته على أنَّه وعي مفرط، عليك رؤيته على أنَّه وعي كامل يوجِّه نواياك وأعمالك توجيهاً مدروساً.

لهذا السبب، أنت تحتاج إلى أن تكون أقلَّ وعياً بنفسك، وأكثر وعياً بنفسك في نفس الوقت، وعليك أن تنظر إلى الوعي الذاتي على أنَّه إدراك ذاتي أكبر، يسمح لك بأن تعرِفَ مَن أنت بصفتك فرداً؛ والنتيجة هي نظرة أعمق ورؤية أوسع للعالم حولك.

لكن لتحقيق قدر أكبر من الوعي، تحتاج أولاً إلى إزالة العوائق التي تعترض طريقك؛ لذا يجب عليك أن تتوقف عن ممارسة الوعي الذاتي؛ وذلك لارتباطه بالمبالغة بمشاعر إدراك الذات، وفي جوهر الأمر، تحتاج إلى إعادة برمجة دماغك حتى تنظر إلى الوعي الذاتي على أنَّه وسيلةٌ لمعرفة نفسك معرفةً أفضل، بدلاً من الاهتمام بما يظنُّه الآخرون عن أفعالك.

شاهد بالفديو: كيف تبني تقدير الذات؟

كيف تتوقَّف عن الوعي الذاتي؟

خلاصةُ القول: إنَّ كونك واعياً بذاتك يعني أن تكون مُدركاً لها، ولأنَّ الإدراك الذاتي أمر جيد، فإنَّ الوعي الذاتي بالتعريف، هو أمر جيد أيضاً، وتذكَّر في النهاية أنَّه لا مبرر للإدراك الذاتي المُفرط، إلَّا إذا كنت تستخدمه بِوصفه أداةً تدفعك للتقدُّم نحو الأفضل.

المصدر




مقالات مرتبطة