4 عادات للأشخاص الذين يتمتعون بالوعي الذاتي

يعتقد معظم الناس أنَّ الوعي الذاتي هو سمة شخصية؛ أي عبارة عن شيء إمَّا تملكه أو لا تملكه، لكنَّ الحقيقة هي أنَّه هناك كثير ممَّا يمكننا القيام به لنصبح أكثر وعياً بذاتنا؛ فالعادات الجيدة هي التي تنمِّي الوعي الذاتي.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدون نيك ويغنال (Nick Wignall)، ويُحدِّثنا فيه عن 4 عادات للأشخاص الذين يتمتعون بالوعي الذاتي.

أنا أعمل بوصفي طبيباً نفسياً، وفي عملي لاحظت بضع عاداتٍ، وممارساتٍ شائعة يشاركها الأشخاص المدركون لذاتهم، فأنت ستتمتع بالوعي الذاتي لا محالة إذا تمكنت من تعلم كيفية تنفيذها في حياتك الخاصة.

إليك 4 عادات للأشخاص الذين يتمتعون بالوعي الذاتي:

1. الفضول بشأن عقلك:

يشعر الأشخاص المدركون لذاتهم بالفضول بشأن عقولهم وكيفية عملها، وغالباً ما يفكرون في أفكارهم وأنماط تفكيرهم؛ وهذا ما يسمى عملياً بمفهوم "ما وراء المعرفة" (Meta-cognition)؛ ويعني ذلك أنَّك مدرك لحقيقة أنَّك تفكر في الأشياء، وقادر على تقييم جودة هذا التفكير وفائدته.

على سبيل المثال كثيراً ما يقول الناس أشياء مثل: "لقد أصابني قلق شديد، ولم أستطع التوقف عن التفكير في كلِّ الأشياء السيئة التي قد تحدث، وفجأةً أصابتني نوبة هلع".

في الواقع إنَّ القلق شيء أنت من يقوم به، وليس شيئاً يحدث لك؛ إنَّه نمط معتاد في التفكير يؤدي إلى قلق وتوتر شديدين، لكن إذا لم تكن معتاداً على النظر في الأفكار، يبدو الأمر وكأنَّه حدثٌ أصابك.

من ناحية أخرى إذا كنت معتاداً على مراجعة أفكارك، فستلاحظ أنَّ القلق هو في الواقع نشاط وشيء تقوم به مهما كان الأمر اعتيادياً، ونتيجة لذلك هذا شيء يمكنك بالممارسة عدم القيام به أو على الأقل عدم القيام به كثيراً.

عندما تكون مهتماً بأفكارك، فمن الأسهل التعامل معها بدلاً من محاربتها، كما قال الطبيب النفسي السويسري كارل يونغ (Carl Jung): "من ينظر إلى الخارج، يحلم؛  أمَّا من ينظر إلى الداخل يستيقظ".

2. طلب التغذية الراجعة، وتقبلها تقبلاً جيداً:

يتمتع الأشخاص الذين يتمتعون بوعي حقيقي بذاتهم بالتواضع لفهم أنَّهم لا يستطيعون رؤية أنفسهم بموضوعية دائماً، وغالباً ما تكون أفضل طريقة لتكون أكثر موضوعية بشأن نفسك هي برؤية الآخرين لك.

الحيلة هنا هي عدم وجود حيلة، فإذا كنت تريد أن ترى نفسك برؤية الآخرين لك، عليك أن تطلب ذلك؛ إنَّ الأمر بهذه السهولة.

  • هل تدخل في كثير من النزاعات في العمل؟ اطلب من زميلٍ تحترمه في العمل أن يعطيك رأيه الصادق المتعلق بالموقف.
  • هل يخبرك شريك حياتك باستمرار بأنَّك لا تصغي إليه على الإطلاق؟ اسأل شخصاً آخر مقرباً منك في حياتك كأحد الوالدين، أو صديقك المفضل، أو منتور ما إذا كنت فعلاً لا تصغي جيداً.
  • ربما يكون الموقف أكثر عمومية: ربما تشعر بقليل من عدم الرضى عن حياتك ولديك شكوك بأنَّك أنت السبب في ذلك، ولكنَّك لست متأكداً؛ لذا ابحث عن شخص يعرفك جيداً في حياتك واسأله عمَّا إذا كان يرى أيَّ أنماط أو ميول قد تكون سبباً في ذلك.

إنَّ الأمر الذي يمنع معظمنا من طلب تغذية راجعة هو أنَّنا نخشى تلقي كلاماً سيئاً، وإنَّ الطريقة المباشرة للتغلب على هذا الخوف هي أن تسأل نفسك مباشرة: "هل أُفضِّل أن أتعرض لنقد صغير لكن قاسٍ الآن أو أبقى لسنوات وعقود يراودني شك مزعج لذاتي، ونقد خفي يأتي من تجنب مواجهة نواقصي؟

لكن حتى لو هيأت نفسك وقررت أن تطلب تغذيات راجعة صادقة، يجب أن تكون مستعداً لتتقبلها تقبلاً جيداً، فإنَّ تقبُّل التغذيات الراجعة تقبلاً جيداً يعني معالجة رفض التعرض للانتقاد.

بصرف النظر عن مدى وعيك لذاتك، فإنَّ تلقي النقد سيؤلمك دائماً، وفي أيِّ وقت نتألم به، نقوم بأحد الأمرين: إمَّا الكر أو الفر؛ أي إمَّا أن نحاول التغلب على شعورنا المؤلم بجعل الشخص الآخر يبدو سيئاً (الكر)، أو نرفض تغذياتهم الراجعة تماماً ونعدُّها غير صالحة (الفر).

في الحالتين كلتيهما، نحن نضر أنفسنا ضرراً مضاعفاً:

  1. أنت لا تفكر حقاً في التغذيات الراجعة وتستوعبها، وإذا كنت لا تقوم بذلك، فما هو الهدف؟
  2. عندما تتخذ موقفاً دفاعياً، فإنَّك تُعلِم الآخرين أنَّك لا يمكنك تقبل النقد تقبلاً جيداً، وهذا يعني أنَّه عندما يكون هناك جزء من التغذيات الراجعة التي تحتاجها حقاً في المستقبل، فمن المرجح أن يحتفظ بها هؤلاء الأشخاص أو أن يكذبوا ويقولوا شيئاً سيشعرك بتحسن لأنَّهم يخشون من أن تتخذ موقفاً دفاعياً.

واحدة من أفضل الطرائق لتحسين وعيك الذاتي هي الحصول على تغذيات راجعة موضوعية من الآخرين، لكن من أجل القيام بذلك يجب أن تكون على استعداد لتحمل الانزعاج الناتج عن تلقي النقد، والعمل على تجنب المواقف الدفاعية بأيِّ ثمن.

كما قالت الممثلة جانا كاتشولا (Janna Cachola): "لا يمكنك تحقيق التميز في الحياة إذا كنت تخشى رأي الآخر".

إقرأ أيضاً: إطلاق العنان لقوة الوعي الذاتي

3. مراقبة مشاعرك دون حكم:

دائماً ما يصيبني الاندهاش من كمية إصدار الناس للأحكام على أنفسهم، وخاصة بالنسبة إلى الأشياء التي لا يملكون السيطرة المباشرة عليها ألا وهي عواطفهم، فمن غير المنطقي إصدار حكم أخلاقي على شيء لا يمكنك التحكم به.

هذا هو السبب في أنَّه في النظام القانوني لا يُسجن أيُّ شخص لمجرد شعوره بالغضب؛ إذ لا تُدان ولا تُعاقب إلا إذا تصرفت بناءً على هذا الشعور بطريقة تضر بالآخرين؛ فلا يمكنك التحكم بعواطفك، لكن يمكنك التحكم بأفعالك.

لذلك نحن نعلم جميعاً من الناحية الفكرية أنَّ الحكم على أنفسنا على ما نشعر به هو أمر لا معنى له، ومع ذلك نحن نقوم بهذا الأمر باستمرار:

  • نخبر أنفسنا بأنَّنا سيئون لمجرد شعورنا بالغضب.
  • ننتقد أنفسنا لشعورنا بالقلق بدلاً من الثقة.
  • نحكم على أنفسنا بالضعف؛ لأنَّنا نشعر بالحزن واليأس بدلاً من التفاؤل.

أنت لن تحكم على ملامح الآخرين التي خلقوا بها، أو على الأشخاص المدمنين؛ لأنَّهم لا يملكون السيطرة على هذه الأشياء، فلماذا تحكم على نفسك على ما تشعر به على الرَّغم من أنَّ المشاعر هي شيء لا يمكنك التحكم به؟ لكنَّ إصدار الأحكام على مشاعرك ليست أمراً غير منطقي فحسب؛ بل إنَّها تحجب وعيك الذاتي، فإذا كنت تحكم على مشاعرك باستمرار، فلن يتبقى لديك أيَّة طاقة لفهمها.

إنَّ الحلَّ هو تعلم مراقبة مشاعرك وملاحظتها دون إصدار حكم عليها؛ إذ يعلم العلماء البارعون أنَّه قبل البدء في إنشاء النظريات، وإجراء التجارب من الهام مراقبة الأشياء بعناية، وبالمثل حاول مراقبة تلك المشاعر قبل أن تتسرع في الحكم على نفسك على ما تشعر به.

أفضل طريقة للبدء في ذلك هي التدرب على تصنيف مشاعرك بلغة سهلة وواضحة؛ أي في أيِّ وقت تشعر فيه بالاستياء بدلاً من تجنب الشعور أو التستر عليه بلغة غامضة مثل "أنا متوتر" أو "أنا مرهق"، حاول وصف شعورك كما يصفه الأطفال:

  • أنا غاضب.
  • أشعر بالخوف.
  • أنا حزين.
  • أشعر بالذنب.
  • أنا وحيد.
  • أشعر بالفخر بنفسي.

عندما تعتاد على وصف مشاعرك بلغة عادية وصريحة - بدلاً من التفكير فيها - ستجد أنَّك تملك رؤية أوضح لتلك المشاعر وكيفية الرد عليها بطريقة صحية.

كما تقول المؤلفة الأمريكية لويز هاي (Louise Hay): "لقد نقدتَ نفسك على مدى سنوات ولم يُجدِ الأمر نفعاً؛ لذا حاول الموافقة على ما تقوله وتقوم به، وشاهد ماذا سيحدث".

شاهد بالفديو: 10 نصائح لتطوير الذات وتنميتها

4. الواقعية بشأن التوقعات:

تكمن المشكلة مع التوقعات في أنَّنا نفترض بأنَّ لها وظيفةً واحدة، بينما في الواقع تقوم بعمل مختلف تماماً؛ إذ يفترض معظم الناس أنَّ التوقعات هي وسيلة لتعزيز النمو والإنجاز:

  • إنَّ وجود توقعات عالية للموظفين تشجعهم على العمل الجاد، والقيام بعمل عالي الجودة.
  • إنَّ وجود توقعات عالية للأطفال تشجعهم على الأداء الجيد أكاديمياً في المدرسة، والنجاح في العمل.
  • وبالطبع، إنَّ وضع توقعات كبيرة لأنفسنا يؤدي إلى النمو الشخصي وتحسين الذات.

لكنَّنا نستخدم في معظم الأحيان التوقعات العالية بوصفها طريقة لتهدئة مخاوفنا وشعورنا بانعدام الأمان.

إليك كيف يعمل هذا الأمر:

  • يكره معظم الناس الغموض، إنَّ فكرة أنَّ أطفالهم لن يكونوا ناجحين وسعيدين على سبيل المثال، تشعرهم بالقلق والتخوف.
  • لكن نظراً لأنَّهم لا يستطيعون التحكم فعلياً بالنجاح الأكاديمي لأطفالهم، فإنَّهم يقبلون بشيء آخر، وهو توقُّع حدوث هذه الأشياء.
  • عندما تبني توقعات لشيء ما - وهو في الحقيقة مجرد تخيل للشيء الذي تريده أن يكون صحيحاً - فإنَّه يخفف بعضاً من القلق والغموض تخفيفاً مؤقتاً؛ إذ يشعرك هذا الأمر بقدر أكبر من التحكم، واليقين بأنَّ الأمور ستسير على ما يرام.
  • لكن في الواقع، إنَّ توقعاتك هي مجرد خيالات كونتها في ذهنك، وغالباً لا تستند إلى أدلة كثيرة، ممَّا يعني أنَّه من المحتمل انتهاك هذه التوقعات انتهاكاً متكرراً، والنتيجة هي شعورك بكثير من التوتر والإحباط، والأكثر من ذلك أنَّ هذا الأمر يتعارض مع قدرتك على فهم نفسك، وخاصة فهم مخاوفك وشعورك بانعدام الأمان.

غالباً ما تكون التوقعات عبارة عن آليات دفاع غير واعية نستخدمها لتخفيف القلق، إنَّ هذه ليست وصفة لتخفيف التوتر المزمن، وخيبة الأمل الذي تشعر بهما فحسب؛ بل إنَّها أيضاً شكل من أشكال الإنكار، ولا يمكنك أن تكون واعياً لذاتك إذا كنت تعيش في حالة إنكار.

لا بدَّ من وجود التوقعات، لكن من السهل جداً أن تبدأ في إضعاف وعيك الذاتي إذا لم تكن حذراً بما يكفي، وإذا كنت تريد أن تكون أكثر وعياً بذاتك، فاحرص على التحقق من توقعاتك والتأكد من أنَّها ليست بعيدة عن الواقع.

يقول الفيلسوف ميشيل دي مونتين (Michel de Montaigne): "إنَّ أعظم شيء في العالم هو معرفة كيفية الانتماء إلى الذات".

المصدر




مقالات مرتبطة