وفقاً لشركة "ريجس" (Regus Group) يعاني حوالي 86% من الأفراد في الصين الإجهادَ الوظيفي، وهي أعلى نسبة على مستوى العالم، كما كشفَ استطلاعٌ أستراليٌّ أنَّ 90% من الأستراليين يشتكون من معاناتهم التوترَ النفسيَّ في أحد جوانب حياتهم الرئيسة على الأقل.
يفيدُ "المعهد الوطنيُّ للصحة وجودة الرعاية" (the National Institute for Health and Clinical Excellence) في المملكة المتحدة بأنَّ الأمراض الناجمة عن إجهاد العمل تتسبَّبُ بضياعِ 13.7 مليون يوم عمل سنوياً.
يتضح ممَّا سبق أنَّ أزمة الإجهاد النفسي منتشرة في جميع أنحاء العالم وفي كافة جوانب الحياة الإنسانية، ويندر أن يوجدَ شخصٌ حصينٌ ضدَّ هذه المشكلة الصحية والاجتماعية الخطرة؛ لذا يجب أن يعي الإنسان آلية تأثير الإجهاد النفسي في صحته الجسدية حتى يتمكن من مقاومته.
آلية تأثير الإجهاد النفسي في صحة الإنسان:
يؤثر الإجهادُ المزمنُ في كافة أعضاء جسم الإنسان وخلاياه، فتتحكَّم الغدةُ الكظرية بإفراز هرمونات الإجهاد وهي "الأدرينالين" (adrenaline)، و"الكورتيزول" (cortisol)، و"النورابينفرين" (norepinephrine)، ويؤدي الإجهاد المزمن إلى الإصابة بارتفاع ضغط الدم؛ لأنَّ الأدرينالين يزيد معدل ضربات القلب وضغط الدم، كما يؤدي ارتفاع مستويات الكورتيزول إلى الإصابة بالتصلب العصيدي؛ أي باختصار يمكن أن يؤدي الإجهاد المزمن إلى التعرض لنوبة أو سكتة قلبية.
ينشط الجهاز العصبي اللاإرادي عند التعرض للإجهاد، ويؤدي بدوره إلى إثارة الجهاز العصبي المعوي، ويمكن أن يسبب القلق عسر هضم، وقرحة بالمعدة، ومتلازمة القولون العصبي في بعض الحالات، ويؤثر الإجهاد من ناحية أخرى في تركيبة ووظيفة بكتيريا الأمعاء، كما يُعَدُّ الكورتيزول مسؤولاً عن زيادة الوزن لأنَّه يزيد الشهية والرغبة بتناول الأطعمة الغنية بالطاقة والسكريات.
يؤدي ارتفاع مستويات الكورتيزول إلى زيادة كمية الدهون تحت الجلد، والدهون الحشوية على حدٍّ سواء، وهو ما يؤدي بدوره إلى الإصابة بأمراض القلب، ومقاومة الإنسولين، أو داء السكري من النوع 2.
يمكن أن يؤثر الإجهاد المزمن في الخلايا المناعية، ويجعل الإنسان أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، فضلاً عن أنَّ سرعة الشفاء من الأمراض تتناسب عكساً مع مستويات التوتر والاهتياج.
تقصر التيلومترات في كل مرة تنقسم فيها الخلايا الصبغية، وعندما تصل إلى طول معين تهلك الخلية؛ ما يعني أنَّ الإنسان يجب أن يتعلم تقنيات إدارة الإجهاد كي يطيل عمره.
شاهد بالفيديو: 6 طرق في التعامل مع الضغط النفسي
أساليب زيادة تحمُّل الإجهاد النفسي:
لا يستطيع الإنسان أن يتجنب التعرض للإجهاد النفسي في حياته؛ لكنَّه يستطيع التحكم في استجابته لهذا الإجهاد، ويُعَدُّ النشاط البدني من أهم الطرائق المستخدمة في تقليل أضرار الإجهاد، كما يسهم التواصل الاجتماعي في تعزيز شعور الأمان وتحفيز إفراز الهرمونات المسؤولة عن تخفيض مستويات الإجهاد.
من الهام أن تخصص بعض الوقت للاهتمام بصحتك النفسية بصرف النظر عن مدى انشغالك في حياتك، وتحرص على القيام بنشاطات تخفف وطأة الضغوطات التي تتعرض لها؛ كأن تقرأ كتاباً، أو تُمضي بعضَ الوقت في أحضان الطبيعة، أو تستمع إلى الموسيقى، أو تشاهد برنامجاً ترفيهياً، كما يمكنك أن تلجأ إلى الأماكن الروحانية بحثاً عن السكينة والسلام الروحي.
فيما يأتي أساليب إدارة الإجهاد النفسي:
1. ممارسة تمرينات اليوغا:
يخزن جسم الإنسان الإجهاد في العضلات القطنية (psoas muscle) على جانبي العمود الفقري أسفل الظهر، فإذا كنت تتعرض للضغوطات النفسية باستمرار دون أن تستجيب لها، فإنَّ هرمونات الإجهاد ستختزن في الجسد، وتسبب حدوث شد في العضلات القطنية، وهنا يأتي دور تمرينات اليوغا في تمديد هذه العضلة، وتقدم اليوغا عدداً كبيراً من الوضعيات التي تساعدك على عيش حياة خالية من الإجهاد.
2. التصالح مع حتمية التعرض للإجهاد:
يُعرَّف الإجهاد النفسي بأنَّه الاستجابة الجسدية والعاطفية للتغيرات السلبية في حياة الإنسان، ويتولَّد القلق والإجهاد عندما يعجز الإنسان عن قَبول هذه التغيرات السلبية.
لا طائل من محاولة التحكم بالظروف الخارجة عن إرادة الإنسان، فضلاً عن عدم إمكانية تجنُّب مصادر الإجهاد في الحياة أو تغييرها، ويقتضي المنطق السليم أن تتقبل ضغوطات الحياة كما هي وتحاول أن تستفيد منها في تحسين حياتك.
3. اعتماد نظام غذائي صحي:
يقتضي نمط الحياة السليم اعتماد نظام غذائي صحي، والتخلص من العادات السيئة، كالتدخين وإدمان المشروبات الكحولية، والحرص على النوم لساعات كافية.
بدلاً من تناول الأطعمة المريحة، يُنصَح بالوجبات الخفيفة التي تهدئ النفس كثمار التوت الغنية بالفيتامين "سي" (C) كونه يساعد الإنسان على التغلب على الإجهاد النفسي، كما كشفت دراسة أجريَت في جامعة "بنسلفانيا" (Pennsylvania) عن فوائد شاي البابونج في تخفيف أعراض القلق، كما تُعَدُّ الشوكولا، والثوم، ومكسرات الكاجو والجوز، ودقيق الشوفان، والمحار، أمثلة عن الأطعمة المريحة الصحية.
4. ممارسة تمرينات التنفس والتأمل:
تساعدك تمرينات التنفس العميق على تخفيف الأعراض الجسدية للإجهاد النفسي، وينجم عن استجابة الاسترخاء انخفاض ضغط الدم، ومعدل ضربات القلب، وتشنج وآلام العضلات.
لقد أثبتت بعض الطرائق أيضاً فاعليتها مثل تنفس سكاي (SKY)، (ثمة العديد من التمرينات التي تندرج تحت هذا النوع من التنفس وتقتضي إحداها التنفس لثلاث مرات في الدقيقة، وآخر التنفس لثلاثين مرة في الدقيقة)، و"تيدي بير" (teddy bear) (تقتضي هذه التقنية الاستلقاء ووضع دمية الدب على البطن ومحاولة رفع الدمية باستخدام قوة التنفس).
كما يمكنك اللجوء لأدوات التنفس مثل تقنية "الإيم ويف" (EmWave) المستخدمة للحد من التوتر والضغوطات والوصول إلى الانسجام والمشاعر الإيجابية، وأداة "ستريس إريزر" (StressEraser) المستخدمة في القضاء على الأفكار السلبية وتهدئة الأعصاب.
في الختام:
لا يدرك كثير من الأفراد إصابتهم بالإجهاد النفسي الذي يتحكم بجميع قرارات حياتهم دون أن يعوا وجوده بالأساس، فيؤدي علاج الإجهاد النفسي إلى رفع مستويات السعادة، وإطالة عمر الإنسان، وهو ما يحتاج إليه المرء في حياته.
أضف تعليقاً