نحن لا نحتاج دورات لنتقنه، بل يمكننا أن نحقق ذلك بالالتزام ببعض الخطوات البسيطة والعملية التي سنتحدث عنها في مقالنا. لن أقول إن الطريق سهل، لكنّه ممكن، والجميل فيه، أنّه يبدأ بخطوات صغيرة وبسيطة نستطيع جميعاً أن نمارسها في حياتنا اليومية.
الخطوة 1: مراقبة المشاعر وتسمية العاطفة
هل تذكر آخر مرة شعرت فيها بضيق مفاجئ دون سبب واضح؟ أو ربما حزنت من تعليق بسيط؟ ما يحدث في تلك اللحظات أنّ المشاعر تسيطر علينا؛ لأنّنا لم نسمح لأنفسنا بالتوقف وفهم ما يجري، فالخطوة الأولى في رحلة الوعي بالمشاعر هي أن تصبح مراقباً لمشاعرك لا أسيراً لها.
تخيل نفسك وكأنّك طبيب يدرس حالة طبية؛ عندها، يكون هدفك ليس الحكم عليها، بل فهمها جيداً. عندما تأتيك موجة من الغضب أو الحزن أو السعادة توقف للحظة، واسأل نفسك ببساطة "بماذا أشعر الآن؟"، قد يبدو هذا السؤال بديهياً ولكنّنا نادراً ما نطرحه على أنفسنا.
عندما نراقب مشاعرنا، نصبح كمن ينظر إليها من بعيد بدلاً من أن نغرق فيها. مثلاً، بدلاً من أن نقول "أنا غاضب"، يمكن أن نكون أكثر دقة: هل هذا إحباط؟ أم خيبة أمل؟ أم شعور بالظلم؟
تُضعف هذه الدقة قوة العاطفة وتعطينا مساحة تفكير قبل أن ننفعل.
وفقاً لدراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا، فإنّ تسمية المشاعر السلبية كالغضب، يقلل من نشاط اللوزة الدماغية، وهي الجزء المسؤول عن معالجة الخوف والخطر، فبمجرد تسمية العاطفة السلبية، تقل حدتها، ويقل تأثيرها في قراراتك، ويسمي العلماء ذلك "تأثير التسمية" (Labeling Effect).
إليك خطوات التطبيق:
أحضر ورقة وقلم أو افتح مذكرة هاتفك، لمدة أسبوع كامل كلما شعرت بعاطفة قوية، اكتب ما يلي:
- اكتب الموقف.
- اسم العاطفة.
- السبب المحتمل.
"يبدأ الوعي بالمشاعر من تسمية العاطفة بدقة؛ لذلك، عليك مراقبة مشاعرك للتخفيف من شدتها وحدة تأثيرها".
شاهد بالفيديو: 7 نصائح لتحسين ذكائك العاطفي
الخطوة 2: تحديد المحفزات
يُعد فهم السبب الذي دفعك إلى الشعور الخطوة الثانية في طريق تعزيز الذكاء العاطفي، فكل عاطفة هي رد فعل على محفز ما، سواءٌ كان خارجياً (حدث، أو سلوك شخص آخر، أو كلمة) أو داخلياً (ذكرى، أو اعتقاد، أو فكرة). يجعلنا عدم وعينا بهذه المحفزات نعيش حياتنا كالدمى التي تحركها خيوط خفية.
في حياتنا اليومية، قد نتضايق لأنّ شخصاً لم يرد على رسالة في "واتساب"، أو لأنّ زميلاً لم يقدّر جهدنا. المحفز هنا ليس الموقف فقط، بل الفكرة المرتبطة به: "أنا لست مهماً" أو "جهدي لا يُقدَّر". حين نفهم المحفزات، نصبح أحراراً في اختيار استجابتنا بدل أن نكون أسرى لها.
مهمتك الآن أن تتحقق من عواطفك عندما تجتاحك موجة مشاعر قوية. مثلاً: قد تكتشف أنّ موجة الضيق ناتجة عن تجاهل أحدهم على وسائل التواصل الاجتماعي. ما يرشدك إلى ذلك هو الأنماط المتكررة التي تظهرها محفزاتك العاطفية.
وفقاً لموقع (very well mind)، تصل المحفزات العاطفية إلى الدماغ عن طريق مسارين: مسار سريع يذهب مباشرةً من الحواس (الأذن أو العين) إلى اللوزة الدماغية، فتحدث ردة فعلنا الفورية كالصراخ والغضب، ومسار بطيء يمر عن طريق قشرة الدماغ المسؤولة عن التفكير والتحليل، وهذا ما يسمح لنا بالتفكير ملياً قبل الاستجابة. لذلك، يسمح الوعي بمحفّزاتنا بالانتقال من المسار السريع إلى البطيء مما يعزز التحكم العاطفي.
في نهاية اليوم، فكر في موقف سبب لك عاطفة سلبية قوية واسأل نفسك:
- ما الكلمة أو الموقف الذي أثار هذا الشعور بداخلي؟
- ما الاعتقاد أو الفكرة التي ارتبطت بهذا الموقف؟ مثلاً، الاعتقاد أنّي لست جيداً بما فيه الكفاية.
- ما هي الاستجابة التي اخترتها؟ وهل كانت نافعة؟
"يمنحنا تحديد محفزات العواطف وضوحاً غير مسبوق حول أنفسنا ويساعدنا على فك الارتباطات التلقائية التي تتحكم في ردود أفعالنا".
الخطوة 3: تنظيم الاستجابة
أصبحنا قادرين الآن على مراقبة مشاعرنا وتسميتها وتحديد محفزاتها. وهنا، يأتي دور الخطوة الأهم، وهي تغيير الاستجابة. فالذكاء العاطفي لا يعني منع المشاعر من الظهور، بل يمنحنا القدرة على التحكم بها واختيار كيفية التعامل معها بمرونة. إذ يظنّ كثير منّا أنّنا لا نمتلك خياراً إلا الانجراف مع الحزن أو الغضب، ولكنّنا نمتلك زمام الأمور.
إن كانت المشاعر موجات بحر، فغياب الوعي يجعلنا ننجرف مع كل موجة وتتقاذفنا الأمواج، لكن عندما نتقن الذكاء العاطفي، نصبح كراكب الأمواج الماهر؛ يفهم طبيعة الموجة ويستعد لها ويستخدمها لصالحه بدلاً من أن تتحكم به.
إنّ المساحة بين المحفّز واستجابتنا هي مساحة قوتنا، وقد لا تكون سوى ثوانٍ قليلة، لكنّها كافية لإحداث فارق هائل. ووفقاً لمقالة من (Harvard Gazette)، تُظهر دراسة أنّ مشاركين خضعوا إلى برنامج تأمّل استمر ثمانية أسابيع، أظهروا انخفاضاً في نشاط اللوزة الدماغية. جعلهم هذا الانخفاض أقل عُرضةً للاستجابة الانفعالية المفرطة للمحفزات، مما منحهم مساحةً أكبر للتحكم في ردود الأفعال.
شاهد بالفيديو: 6 عادات يومية لتنمية الذكاء العاطفي
إليك خطوات التطبيق:
عندما تشعر أنّك على وشك التفاعل بتهوّر، افعل التالي:
- توقف: خذ خطوةً للوراء عن الموقف؛ لا تتحدث، ولا تفعل شيئاً.
- تنفس: خذ ثلاثة أنفاس عميقة وبطيئة؛ اشعر بالهواء يملاً رئتيك ويخرج منها؛ إذ إنّه تمرين بسيط يمنح عقلك وقتاً للانتقال من حالة التفاعل إلى حالة التفكير.
- اختر: اسأل نفسك عن أفضل استجابة، هل هي الصمت؟ أم التعبير عن الرأي بهدوء؟ أم مغادرة المكان؟ إذ يصنع الاختيار الواعي الفارق.
"نحن لسنا أسرى لمشاعرنا، بل أسيادها، وتكمن قوتنا في القدرة على توجيهها باختيار الاستجابة الأفضل للموقف الحالي".
الخطوة 4: ممارسة التعاطف
المكون الأعمق للذكاء العاطفي هو التعاطف، لكنّه لا يعني التعاطف مع الآخرين، بل يبدأ بالتعاطف مع أنفسنا. إنّ معاملة أنفسنا بلطف وتفهّم في حالات الفشل ووقت الألم ليس ضعفاً، إنّما قوة نفسية هائلة تمنحنا القدرة على النهوض من جديد، فكيف نتوقع أن نتعامل مع الآخرين بتعاطف – والذي يُعد أحد شروط التواصل الفعّال – إن لم نتمكن من منحه لأنفسنا أولاً؟
وفقاً لدراسة نُشرت في مجلة (Greater Good Science Center) فإنّ الأشخاص الذين يمارسون التعاطف مع الذات، يميلون لاستخدام استراتيجيات تأقلم صحية عند التعرض للضغوط أكثر من غيرهم، مثل إعادة التقييم الإيجابي للموقف بدلاً من جلد الذات أو الهروب. كما ترتبط هذه الممارسة بانخفاض مستويات القلق والتوتر والمشاعر السلبية.
إليك خطوات التطبيق:
جرّب أن تطبق تمرين "الصديق المرافق" في المرة القادمة التي تفشل في أمر ما، كالتالي:
- لاحظ شعورك دون حكم وقل لنفسك: "هذا يؤلمني الآن".
- ذكر نفسك بالإنسانية المشتركة: تذكر أنّ هذا الشعور السيء ليس خاصاً بك وحدك؛ لذا، ذكر نفسك: "كل البشر يخطئون، وكلنا نمر بهذه المشاعر".
- تحدث مع نفسك بلطف: اسألها "ماذا كنت ستقول لصديقك إن مرّ بهذا الموقف؟ ثم طبق الكلام على نفسك.
"نحن نستحق اللطف والتفهم لمشاعرنا قبل أي شخص آخر؛ لذلك، لا يجب أن نوبخ أنفسنا عند الفشل، بل أن نساندها كصديق حقيقي."
ختاماً، الوعي العاطفي ليس هدفاً نصل إليه في يومٍ واحد، بل عادةٌ نمارسها مثل الرياضة. صحيح أننا قد نقع أحياناً ونعود إلى الغضب أو التسرّع، لكن في كل مرة ننجح بمراقبة مشاعرنا أو التحكّم في استجابتنا، فهي إنجاز حقيقي. لهذا، لنتذكر دائماً أننا لسنا مطالبين بأن نكون مثاليين، بل أن نكون أكثر وعياً ومرونة. خطوةٌ واحدة اليوم قد تفتح لكم باباً لتغيير كبير غداً.
أضف تعليقاً