ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المدونة روبي كينج (Robbi King)، التي تحدِّثنا فيه عن مساوئ الذعر في أوقات الأزمات وسبل التغلُّب عليه
إنَّني أكتب ما يلي من منزلي، وأنا قيد انتظار نتائج الفحص الطبي بمعزلٍ عن الجميع ما عدا صبياني الاثنين، كنت قلقةً بخصوص ما أملك من رصيدٍ في البنك، وإن كان سيكفينا ويؤمِّن قوتنا في حال بقينا في هذا الحجر الصحي لأسابيع أكثر؛ كما قلقت بشأن المتاجر لدينا، والتي لم تدخر ما يكفي من مخزون. إنَّني متعاطفةٌ مع أصدقائي في القطاع الصحي الذين يكابدون العناء في مكافحة الفيروس، ولا يتوفَّر لديهم في عملهم المعدَّات والأنظمة اللازمة. لكن، أؤكِّد أنَّ جلّ مخاوفي هو من الهلع نفسه ليس إلَّا.
إنَّ الخوف هو سرُّ النجاة والبقاء، فهو يلفت أنظارنا إلى المخاطر التي تحدق بنا وبأمننا، بغض النظر إن كانت واقعيةً أم أشبه بالفقاعة؛ فهو يحفِّز الغدد الكظرية ويزيد من تفاعلها واستجابتها، ويعزِّز إدراكنا ووعينا؛ فنمسي بذلك قادرين على تفادي المخاطر واتخاذ القرارات والتدابير السريعة والمجدية، لكن ماذا بوسعك أن تفعل إن تغلَّب خوفك عليك وسيطر على عقلك وتفكيرك وعقلانيتك؟ وماذا إن أخذ يمتد وينتشر؟
إنَّني لا أنكر الخطر الحقيقي الذي بثَّه وجود فيروس الكورونا، وأطَّلِع دوماً على تقارير منظمة الصحة العالمية والبيانات كالجميع، كما ينبغي أن يُعامَل الخوف المحتَّم بطريقةٍ ممنهجةٍ وبتروٍّ، وأهمُّ ما يجب ذكره: الأثر الرئيس لهذا الوباء والذي يتمثَّل بأنَّه أول جائحةٍ ذاع صيتها على وسائل التواصل الاجتماعي، ناهيك عن حالة الهلع والرعب التي تسبَّب بهما وجود هذا الفيروس، لقد أُلقِي على مسامعنا الكثير من الإرشادات والنصائح المغلوطة، ومعلوماتٍ وحملاتٍ دعائيةٍ هدفها سياسة الترويع؛ لذا وجد الناس أنفسهم غارقين في دوامةٍ هستيريةٍ تسيطر على أفكارهم، والذي انعكس بدوره على منشوراتهم، فأصبح المجتمع بذلك يعيش وفقاً لاستجابة الكرّ والفر.
حالما حذَّرت وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الجديدة من تفشِّي وباء الكورونا، هرع الناس -والأمريكيين أولهم- إلى المراكز التجارية خوفاً من نفاد المؤن وحرصاً على حياتهم، حيث غابت بعض الأخلاقيات كالتعاطف والترابط واللباقة حينما كان الناس يتدافعون لتكديس المواد الغذائية ومتطلَّبات العيش، ونفدت مخازن المناديل الورقية وصابون اليدين في غضون دقائق لا غير، كما وسيطر كره الأجانب ونظريات المؤامرة على الأخبار وتصدرَّها.
عندما كنت أتحدَّث إلى عائلتي وأصدقائي التمست في كلامهم شعوراً ساحقاً باليأس والقنوط، لقد أصبح الناس رهائن شاشات التلفاز والهواتف الذكية والخرافات التي تنتشر حول الفيروس، وخيَّم على كلِّ واحدٍ منهم الشعور باقتراب أجله. لعلَّ ما جعل الناس وكأنَّهم في حصارٍ وسجنٍ هو فرض العزل الاجتماعي وإغلاق الأسواق، وبغضِّ النظر عن كون الوباء أزمةً عالميةً فإنَّ الناس يشعرون بالخوف والوحدة.
ماذا سوف نفعل حيال ذلك؟ كيف سنتخلَّص من هيمنة الخوف؟ كيف سنحمي أفكارنا من مجتمعٍ تستحوذ عليه المعلومات المثيرة للقلق والمحكومة بالتشاؤم؟ نبدأ فعلياً بذلك عندما ندرك حتمية ما يحصل، ونقوِّي من إمكانية التحكُّم به من خلال أفكارنا؛ فنحن من نرسم الحدود لأنفسنا، ونحن من نخضع لرغبتنا بالسيطرة على العالم من حولنا، ونركِّز على خلق الفرص.
نحن كائناتٌ اجتماعيةٌ تسعى إلى التواصل والانخراط في المجتمع، وإنَّ العزلة المرتبطة بتبرير الأخبار السلبية تؤدِّي إلى مشاكل لا طائل منها أكثر من أيِّ مرضٍ على وجه الأرض، إنَّنا على حافة الخطر من ولوج الوحدة التي باتت كارثةً عالمية، وها نحن الآن نواجه هذه المشكلة. لكن ما زال أمامنا الوقت الكافي. لذا نقدِّم إليكَ 4 خطواتٍ تساعدك في تجاوز الخوف وتعزيز الأمل والتفاؤل:
1. ابتعد عن مواقع التواصل الاجتماعي واجعله تواصلاً واقعياً:
لطالما نذنب بقولنا: "لو أنَّ لدينا وقتاً كافياً لنقضيه مع عائلتنا، ونتجول مع أصدقائنا، وننظِّف منزلنا، ونقرأ كتاباً، وما إلى ذلك". إنَّ الوقت ملك يديك، وما عليك إلَّا أن تستثمره جيداً كهبةٍ لك، ابتعد عن التلفاز ووسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، واقضِ وقتاً ممتعاً مع العائلة في المنزل، وواظب على الاتصال بأصدقائك البعيدين والمحبَّبين إليكَ كلَّ يوم؛ كما يمكنك أن تلعب مع صغارك ألعاب الطاولة، وتطبخ مع شريكك، وتنظِّف خزانتك، وأن تخصِّص وقتاً يومياً لتكون فيه بعيداً عن نطاق الإنترنت؛ فهذا ما يخفِّف الاستجابة الكيميائية التي يحفِّز الفيروس وجودها؛ لذا استبدل ذلك الوقت بخلق ذكرياتٍ ولحظاتٍ لا تُنسَى.
2. مارس التأمُّل:
بالنسبة إلى كثرٍ منا إنَّنا نعيش في بيئةٍ جلُّ ما ينقصها الهدوء، إنَّ أطفالنا وأزواجنا متواجدون معنا دوماً في المنزل، حيث أصبح العمل من المنزل جزءاً لا يتجزأ منه، ونضطر للتعامل مع الكثير من الفوضى حولنا. لعلَّ عقولنا بحاجةٍ إلى أخذ قسطٍ من الراحة بصمتٍ وهدوءٍ مطبقَين؛ لذا كرِّس بضع دقائق لنفسك في كلِّ يومٍ، حتَّى وإن تطلَّب الأمر منك النهوض باكراً قبل الآخرين، اختلِ بنفسك مع أفكارك ومن دون إطلاق الأحكام، وانتبه إلى طبيعة تفكيرك. استمتع بسماع صوت أنفاسك وقدِّر نعمة الهدوء والسكينة تلك، هذا تدريبٌ فيه سلام، وكلَّما اختبرت قدرة عقلك على تلك المهارة، قلَّت مخاوفك.
3. واكب التغيير:
أن تحمي نفسك فهذا لا يحتِّم عليك الجلوس طيلة الوقت، يجب أن تتحرَّك وتستمتع بوقتك. قم بتشغيل الموسيقا واستمع إليها ومارس اليوغا من خلال مشاهدتها عبر الإنترنت، أو تمشَّى في الخارج وكُن واعياً بشأن التباعد الاجتماعي، ثم عُد والعب مع أطفالك ألعاب الألغاز والأحاجي. عِش حياتك، فنحن على قيد الحياة وعلينا أن نحياها أيضاً.
4. كن مبدعاً:
هذا هو الوقت المناسب لتتحرَّك من مكانك وتكون مبدعاً. هل تشعر بالتوق إلى ممارسة بعض الهوايات والاهتمامات؟ اكتشف الجديد منها، واقرأ وارسم ولوِّن واعتنِ بالحديقة، أو اكتب بضع رسائل. هذه فرصةٌ لا تُفوَّت لمعرفة نفسك أكثر وابتكار أفكارٍ مبدعة.
أضف تعليقاً