3 خطوات لاتخاذ قراراتٍ أفضل

لا بدَّ أنَّك تذكَّرت قراراتك يوماً ما متعجِّباً من كيفية اتخاذك لها، فجميعنا نتَّخذ قراراتٍ سيئة، كشراء سيارة رياضية متعددة الأغراض تستنزف جميع أموالك، أو الدخول في علاقة عاطفية غير مبنية على الحب، أو القبول بوظيفةٍ لست متحمِّساً لها، أو صناعة مُنتجات لا يحتاج إليها أحد، فمن الوارد حدوث المصائب والأمور السيئة، وجميعُ تلك الأمثلة السابقة قد حدثت لي شخصياً، ولكنَّ الغريب في الأمر هو أنَّ القرارات السيئة لا تبدو كذلك أبداً في اللحظة التي نتَّخذها فيها.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "داريوس فوروكس" (Darius Foroux)، ويُحدِّثنا فيه عن أفضل الطرائق التي يمكن اعتمادها لتحسين جودة القرارات التي نتخذها.

لقد كنتُ أقرأُ كثيراً عن عملية صنع القرار وخطواتها من مُؤلَّفات "وارن بافيت" (Warren Buffett)، و"تشارلي مانجر" (Charlie Munger)، وهما اثنان من أنجح المستثمرين في التاريخ؛ إذ قرأتُ في كتاب "السيرة الذاتية لـ "وارن بافيت"" ( biography of Warren Buffett)، والذي ألَّفته الكاتبة "أليس شرويدر" (Alice Schroeder) بأنَّ كلَّاً من "بافيت" و"مانجر" يملك استراتيجية تعلُّمٍ تستند إلى الأشياء التي ينبغي تجنُّب فعلها؛ إذ يحدِّدان الأخطاء ويبذلان ما في وسعهما لتفاديها.

لكن كما يقول "مانجر": "يرتكب الأذكياء الحماقات دوماً"؛ إذ لا يمكنك أبداً أن تتفادى ارتكاب الأخطاء، إلَّا أنَّك تستطيع أن تبذل قُصارى جهدك كي تتجنَّب اتخاذ قراراتٍ غبية أو حمقاء، كما يمكنك أيضاً أن تكسب خبرةً حياتية وتتعلَّم بطريقةٍ أسرع من خلال الاتِّعاظ من الأخطاء التي يرتكبها الآخرون والتعلُّم منها وكأنَّها أخطاؤك وتجاربك.

إليك 3 خطوات لاتخاذ قرارات أفضل:

1. تجنُّب الإفراط في التفكير:

ينشغل الأشخاص الأذكياء ويقلقون كثيراً بخصوص فعل الأمور الصحيحة، ويطمحون لبلوغ المثالية في حياتهم ومنازلهم والمهن التي يعملون بها وأعمالهم التجارية والعُطل التي يقضونها بعيداً عن العمل وسياراتهم وجميع جوانب معيشتهم؛ ولكنَّك حين تضغط على نفسِك كثيراً لاتِّخاذ القرارات الصائبة والصحيحة، ستُصاب بالشلل التحليلي.

لقد كنت أتحدث منذ فترة إلى أحد أصدقائي الذي أراد اتخاذ مبادرة مهنية مُعيَّنة للتقدُّم في عمله، فطلبتُ منه أن يُطلعني على طريقة تفكيره والخطوات التي يفكِّر باتخاذها، وعندها بدأ بالكلام قائلاً: "أحبُّ الشركة التي أعملُ لديها، إلَّا أنَّ عملي لم يعُد ممتعاً بالنسبة إليَّ، ولا يجذب انتباهي بعد الآن، فأنا أمارسه منذ أربع سنواتٍ، وقد تمت ترقيتي مرَّتَين، ولكنَّه ما يزال العمل نفسَه بالنسبة إليَّ؛ لذا فإنَّني أبحثُ عن شركاتٍ أخرى للعمل فيها، لكن ما يقلقُني هو عدم نجاحي في وظيفتي الجديدة التي سأنتقل إليها، فعندها سأضطَرُّ إلى الانتقال إلى مكانٍ آخر بسرعة، ولن يبدو ذلك أمراً جيداً في سيرتي الذاتية، ممَّا سيؤثِّر سلباً في حياتي المهنية"، وهنا التزمتُ الصمت، فأردف قائلاً: "إنَّ مُجرَّد سماع نفسي أتحدَّث عن ذلك يقودني إلى أمرٍ آخر، وهو التفكير المُفرط بالأمر"، وهُنا ضحكنا كثيراً؛ لأنَّني أقعُ في فخِّ التفكير المُفرط دوماً، وأراهنُ أنَّ كلَّ واحدٍ منَّا مرَّ بذلك أيضاً.

حين تُفرِط في تحليل كل قرار تتخذه، ستُصبح مشلولاً فكرياً وتتوقف عن فهم الأمور بطريقة صحيحة، وهذا لن يعود عليك بأي فائدة، ممَّا يُعَدُّ نتيجةً سيئة لطريقتك في اتخاذ القرارات وتحليلها الزائد، وهكذا ينتهي الأمر ببعض الناس بإهدار حياتهم وتضييعها سدىً.

الطريقةُ الوحيدة التي تمكِّنك من التوقُّف عن الإفراط في التفكير هي بتوعية نفسك وإدراكك لعملية تفكيرك وخطواتها، وهو ما حصل حين سألتُ صديقي عن طريقة تفكيره؛ إذ تنبَّه لنفسه وأصبح على درايةٍ بمدى تهوُّره وعدم عقلانيته في التفكير، إذاً، ينبغي أن تفهم أنَّك لا تستطيع التحكُّم بالمُستقبل؛ ولذا عليك أن تتوقف عن التفكير فيه.

شاهد بالفيديو: 7 خطوات لاتخاذ القرارات والالتزام بها

2. اتخاذ عدة قرارات صغيرة بدلاً من الإكثار من التفكير:

قرأتُ منذ فترة كتاب "البحث عن الحكمة" (Seeking Wisdom)، للمؤلِّف "بيتر بيفيلين" (Peter Bevelin)، والذي يتحدَّث عن طريقة تفكير "تشارلي مانجر"، إذ تتمثَّل إحدى استراتيجياته لصنع القرارات في تجنُّب ارتكاب الأخطاء، إلَّا أنَّه يمكن تفسير ذلك أو فهمه بطرائق مختلفة؛ إذ يمكنك أن تتحول إلى شخصٍ يخشى اتخاذ القرارات بالكامل بسبب خوفك من احتمالية ارتكابك لخطأ ما، وبالنتيجة لن تتخذ أي قرارٍ على الإطلاق.

كما يقول "مانجر": "إنَّ الفرق بين الشركات الرابحة والخاسِرة هو أنَّ الشركات الجيدة أو الرابحة تتخذ القرارات السهلة واحداً تلوَ الآخر، بينما تتَّخذ الشركات السيئة أو الخاسرة قراراتٍ مؤلمة على نحوٍ متكرِّر".

يمكنك أن تفسِّر الاقتباس السابق لـ "مانجر" بطرائق مختلفة، في حين أفسِّره بطريقة مُعيَّنة تتمثَّل بأنَّه يسهُل للغاية اتخاذ قراراتٍ بسيطة وصغيرة في وقتٍ مبكِّر قبل أن تتحوَّل لقراراتٍ هامَّة وضخمة، في حين أنَّ تأجيل اتخاذ القرارات والتهرُّب منها يحوِّلها لقرارات كبيرة وأليمة وفاجعة.

سأعطيك مثالاً من حياتي الشخصية على ذلك، فأنا لستُ سعيداً أو مرتاحاً بمزوِّد البريد الإلكتروني الذي أستخدمُه لإرسال رسالتي الإخبارية، لأنَّ خدمته بطيئة جداً، إضافة لعدم وجود اندماجٍ جيد مع منصَّتي التي أُجري من خلالها دورات على الإنترنت، وشكاوي القُرَّاء عن عدم تلقِّيهم لرسالتي الإخبارية، وقد انتبهتُ لهذا الأمر منذ أكثر من سنةٍ ونصف مضَت؛ إذ كانت قائمة قرَّائي في ذلك الوقت أقلَّ من نصف حجمها اليوم، كما كان لديَّ آنذاك دورة تدريبية واحدة فقط على الإنترنت، في حين أملك ثلاثَ دوراتٍ الآن، ويزداد عناءُ ومتاعب الانتقال إلى مزوِّد بريدٍ إلكترونيٍّ آخر كلَّ يوم؛ فلو اتخذتُ تلك الخطوة مبكِّراً قبل الآن، لكان الأمرُ أسهلَ بكثير، ولكنَّها قد أصبحَت عملية شاقَّةً ومؤلمة حالياً.

الأمرُ مماثلٌ لذلك تماماً في الحياة الواقعية؛ فكلَّما طالت فترةُ بقائك في علاقةٍ سيئة بشخصٍ ما، زادَت صعوبة المغادرة والتخلي عن تلك العلاقة، وهذا صحيحٌ أيضاً بالنسبة إلى عملك.

إقرأ أيضاً: 9 خطوات لتكون حازماً في اتخاذ القرارات

3. اتخاذ القرارات في مرحلةٍ مبكِّرة:

كلَّما اتخذت عدداً أكبر من القرارات وفي مرحلةٍ مبكِّرة، زادَ احتمال اتخاذك لقراراتٍ أفضل، وغالباً ما أشيرُ إلى هدم وجود قرارات صائبة وخاطئة، وإنَّما توجد قراراتٌ فقط، ولكنَّ هذا ليس دقيقاً أو صحيحاً بالكامل، فثمَّة اختلافٌ في جودة وميِّزات خياراتنا، وهو موضوعٌ سنناقشه في مقالٍ آخر.

لكن، ما في الأمر هو أنَّ عدم اتخاذ أي قرار هو قرارٌ أيضاً، وهو أمرٌ مقبول إن كانت تلك خطوةً واعيةً ومدروسة، كأن تفكِّر بأمرٍ ما، ومن ثمَّ تقرِّر أنَّ أفضل خيار لديك هو عدم فعل أي شيءٍ إطلاقاً؛ إلَّا أنَّني أتحدَّثُ هنا عمَّن لا يتخذون قراراً بنيَّة التهرُّب من الأمر وتأجيل التفكير فيه واتخاذ قرارٍ بشأنه إلى وقتٍ لاحق.

إقرأ أيضاً: التردد في اتخاذ القرارات: الأسباب والعلاج

في الختام:

قد يتخذ كلٌّ منَّا القرارات طوال الوقت، فبدلاً من اتخاذ عدد أقل من القرارات الواعية والحذرة والمحسوبة جيداً، علينا أن نحاول اتِّخاذها في أبكر وقتٍ ممكن؛ لأنَّ كلَّ ما نحتاج إليه في حياتنا هو بعض الخيارات الجيدة، ولن تعرف ما هو أفضلها حتَّى تخمِّنه بنفسك، ثمَّ تتخذ قراراً بناءً عليه.




مقالات مرتبطة