3 خرافات عن العمل من المنزل

لقد أصبح نموذج العمل عن بُعد هو النموذج المُفضَّل بالنسبة إلى العديد من الأفراد والشركات في ظل الجائحة، وعلى العموم، يحاول معظم الناس التكيف مع الوضع الجديد على الرغم من انتشار الخرافات البغيضة حول عمل الموظفين عن بُعد.



وكل من يُصدِّق هذه الخرافات يعتقد أنَّ الموظفين عن بُعد هم موظفون غير منتجين وغير متفاعلين، لكنَّ الأبحاث تُثبت خلاف ذلك؛ لذا إليك بعض الدراسات واستطلاعات الرأي التي كشفت زيف معظم الخرافات الشائعة التي تشير إلى وجود جوانب سلبية للعمل عن بُعد:

1. العمل المكتبي أفضل بطبيعته لأنَّه ينطوي على إجراء مناقشات تلقائية تؤدي إلى تعزيز التعاون وابتكار الأفكار:

يودُّ العديد من كبار المسؤولين عودة الموظفين إلى العمل في المكتب بذريعة أنَّه المكان الذي تحدث فيه مناقشات عفوية بين الزملاء من شأنها إثارة المزيد من الإبداع والابتكار.

مثال على ذلك: ما كتبه "جيمي ديمون" (Jamie Dimon)، الرئيس التنفيذي لشركة "جي بي مورغان تشيس" (JPMorgan Chase) في أبريل/ نيسان في رسالة سنوية للمساهمين في الشركة: "يستبعد العمل عن بُعد إلى حد ما فرص التعلُّم العفوي والإبداع؛ لأنَّك لا تصادف الزملاء في الممر، ولا تلتقي بالعملاء دون تخطيط مسبق، ولا تقابل الموظفين والزبائن وجهاً لوجه لتطلب منهم تغذية راجعة عن منتجاتك وخدماتك".

لكنَّ هذه النظرة إلى العمل المكتبي على أنَّه بيئة تُيسِّر التفاعل بين الموظفين وجهاً لوجه هي نظرة قاصرة، وفي الواقع، قد تؤدي بيئة العمل المكتبي إلى تعذُّر إجراء مثل هذا التفاعل.

راقب باحثان التفاعل بين الموظفين في بضع شركات من شركات "فورتشن 500" (Fortune 500) قبل وبعد تحويل نظام مكاتبها من حجيرات عمل فردية إلى مكاتب مفتوحة، فوجدا أنَّ التفاعلات وجهاً لوجه قد انخفضت في الواقع بنسبة 70% تقريباً، بينما زادت التفاعلات الرقمية؛ إذ تبيَّن أنَّ معظم الموظفين الذين يعملون في بيئة عمل مكتبي لا يعتقدون أنَّ مجرد وجود زملائهم إلى جانبهم يمنحهم الحق في إجراء نقاش عفوي معهم.

كتب بعض الباحثين في علم السلوك التنظيمي في مجلة "هارفارد بيزنس ريفيو" (Harvard Business Review): "يُحيط الموظفون الذين يعملون في المكاتب أنفسهم بخصوصية يحترمها زملاؤهم، فإن كان أحدهم منهمكاً في عمله، فلن يقاطعه أحد، وعلى الرغم من أنَّ تصميم المكتب المفتوح يهدف إلى تشجيع الموظفين على التفاعل وجهاً لوجه، إلا أنَّه لا يمنحهم الإذن بانتهاك خصوصية الآخرين".

ثم ما الذي يدفعك للذهاب إلى مكتب زميلك إن كنتَ ببساطة تستطيع التواصل معه عبر البريد الإلكتروني بيسر وسهولة، كما قد تكون المكاتب أماكن للمراقبة والمناقشات البغيضة بالنسبة إلى النساء والموظفين من ذوي البشرة السمراء بدلاً من أن تكون أماكن رائعة للتعاون العفوي بين زملاء العمل.

في دراسة نُشِرَت عام 2017 في مجلة "جيندر، وورك آند أورغينايزيشن" (Gender، Work and Organization) تابع الباحثون 1000 موظف حكومي بريطاني في أثناء انتقالهم إلى مكتب مفتوح محاط بزجاج شفاف ومساحات واسعة غير محددة لتعزيز فرص التعاون بين الموظفين.

على الرغم من أنَّ بعض النساء قلن إنَّهن استمتعن بفرصة التواصل والتعرف إلى زملائهن، فإنَّ العديد منهن أفدن بأنَّ زملاءهن الذكور يراقبنهن؛ مما أدى إلى تقييد حركتهن، وعدم تجولهن في أرجاء الشركة؛ حيث قالت إحدى النساء في الدراسة إنَّها التزمَت مكان عملها؛ لأنَّ خروجها سيجعلها محط أنظار الجميع: "لا أحبذ الخروج إلى الردهة لتناول الطعام؛ لأنَّني سأشعر بأنَّ الجميع يراقبني"؛ بعبارة أخرى، لم يكن المكتب بيئة آمنة للجميع لإجراء مناقشات عفوية.

2. الموظفون عن بُعد أقل التزاماً بوظائفهم:

الحجة الشائعة هي أنَّ الموظفين عن بُعد يُحرَمون من أجواء الثقافة التنظيمية السائدة في المكتب، التي يمكن أن تساعد على ترسيخ الولاء لرب العمل، ومن ثمَّ قد يتركون العمل في أيَّة لحظة.

لكن وجدَت استطلاعات الرأي أنَّ فرصة العمل عن بُعد قد تزيد في الواقع من التزام الموظف بالوظيفة، ففي عام 2020 شمل استطلاع رأي 7487 موظفاً من 14 دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والصين والمكسيك وكندا؛ حيث قال الموظفون الذين لديهم خيار العمل من المنزل إنَّ لديهم التزاماً تنظيمياً أعلى بنسبة 68% من أولئك الذين لم يكن لديهم هذا الخيار.

ووجد الاستطلاع أيضاً أنَّ النساء اللاتي لديهن مسؤوليات رعاية الأطفال ولديهن خيار العمل عن بُعد كانوا أقل ميلاً إلى التفكير بترك وظائفهن بنسبة 32% من أقرانهن اللاتي لم يكن لديهن خيار العمل عن بُعد.

وبالنسبة إلى الموظفين المهمشين، قد تكون فرصة العمل من المنزل هي الشيء الوحيد الذي يدفعهم إلى البقاء في وظائفهم، فقد وجد استطلاعٌ حديثٌ أجراه اتحاد أبحاث "سلاك" (Slack) أنَّ الموظفين من ذوي البشرة السمراء أكثر تقديراً للعمل عن بُعد، وأنَّهم شعروا بإحساس أعلى بالانتماء إلى شركتهم في أثناء عملهم من المنزل؛ حيث قال أحد المهندسين من ذوي البشرة السمراء: "من الناحية المثالية، أودُّ أن أعمل في مكتب شريطة ألا يُشار إلى لون بشرتي، فالعمل من المنزل هو أفضل بديل".

لا شك أنَّ العاملين عن بُعد قد يشعرون بالإهمال والعزلة، فقد وجد استطلاع نُشِرَ في مايو/ أيار أنَّ الأشخاص الذين عُيِّنوا في زمن الجائحة - وهو الوقت الذي قال فيه ما يقرب من نصفهم إنَّهم بدؤوا وظائفهم عن بُعد - كانوا أقل ميلاً للشعور بالترحيب من قِبل فريقهم.

ولكن في إمكان الرؤساء الجادين الذين يتمتعون بروح المبادرة معالجة هذا الأمر من خلال عقد اجتماعات فردية معهم وجعلهم يشعرون بأهمية وجودهم في المؤسسة وبقيمة آرائهم، فغالباً ما يكون للرئيس وزملاء العمل تأثير في تشجيع الموظفين على التفاعل في العمل أكبر من تأثيرهم في اختيارهم للعمل في المكتب أو في المنزل.

إقرأ أيضاً: 6 طرق تُحفّز الموظفين على العمل

3. لن يبذل الموظفون الذين يعملون من المنزل مقدار الجهد نفسه الذي يبذله الموظفون الذين يعملون في المكتب:

أنهت شركة "بست باي" (Best Buy) في عام 2013 تجربة تدرس نتائج العمل عن بُعد؛ حيث سمحت لموظفيها بالعمل من أي مكان ما داموا يُنجزون المهام الموكلة إليهم، وقالت القيادة العليا إنَّ أحد الأسباب هو أنَّ الإدارة لا تريد التدخل في تفاصيل العمل اليومية، وقال الرئيس التنفيذي للشركة آنذاك: "يعرف أي شخص قاد فريقاً أنَّ التفويض ليس دائماً أسلوب القيادة الأكثر فاعلية".

يعكس هذا التفكير الذي يتبناه العديد من المديرين الذين يتبعون أسلوب الإدارة التفصيلية حول الموظفين الذين يعملون عن بُعد: "إذا لم أرهم يعملون بأم عيني، فماذا يضمن أنَّهم يعملون؟".

لكن وجدت الأبحاث أنَّ الإنتاجية لا تتأثر تلقائياً عندما يعمل الموظفون عن بُعد، وقد أثبتت الجائحة هذا أيضاً، ففي استطلاع أجرته "شركة ميرسر" (Mercer) شمل نحو 800 ربَّ عمل، قالت معظم الشركات إنَّ إنتاجية الموظفين كانت في الواقع هي نفسها 67% أو أعلى بمقدار 27% مما كانت عليه قبل الجائحة، على الرغم من أنَّ العديد من موظفي هذه الشركات كانوا يعملون عن بُعد.

تؤثر رعاية أفراد الأسرة والإنترنت المنزلي المتقطع في قدرة الموظفين على إنجاز مهامهم؛ حيث وجد باحث في "جامعة ستانفورد" (Stanford University) في وقت مبكر من الجائحة أنَّ 65% فقط من الأمريكيين الذين شملهم الاستطلاع قالوا إنَّ لديهم خدمة إنترنت سريعة بما يكفي لتشغيل مكالمة فيديو طويلة.

ودفعت ضغوطات تربية الأطفال في ظل الجائحة مئات الآلاف من النساء في جميع أنحاء البلاد إلى الشعور بالاحتراق الوظيفي أو ترك وظائفهن، لكن يجب إدراك أنَّ هذه التحديات ليست نتيجة العمل عن بُعد بحد ذاته؛ بل نتيجة نقص الدعم من أرباب العمل والحكومة الذي من شأنه أن يُسهِّل على الموظفين التركيز على وظائفهم في المنزل.

في المرة القادمة التي تسمع فيها أو تعتقد أنَّ الموظفين الذين يعملون من المنزل كسالى ومتقاعسون، اسأل عن الدعم الذي يتلقاه هؤلاء الموظفون.

المصدر




مقالات مرتبطة