10 نصائح لتقبُّل الموت والتعايش مع الحزن

أتذكَّر جيداً كل اللحظات الغريبة حين كان الناس يتجنَّبونني بعد وفاة زوجي، في عيادتي أو الشارع، وحتى أصدقائي الذين كان يُربكهم الحديث عن ذلك، شعرت أحياناً وكأنَّني مصابة بمرض معدٍ، وقد كنت كذلك بشكل أو بآخر، لقد تأثرتُ في وفاته وتبعثرت حياتي، وإن اقترب منِّي أي شخص أكثر من اللازم، فقد يمسُّه شيءٌ ممَّا أصابني.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المعالجة النفسية "ديبي أوجن ثالر" (Debbie Augenthaler)، وتحدِّثنا فيه عن كيفية تقبُّل وفاة أحد المقرَّبين منَّا وكيف نتعامل مع الحزن.

نحن نعيش في مجتمع يعاني رهاب الحزن، وفي معظم الأحيان لا نتحدث عن الموت والحزن حتى ينقلب عالمنا رأساً على عقب بفقدان شخص نُحبه، دائماً ما نفكِّر بفاجعة الموت على أنَّها شيء يحدث فقط للآخرين، إلى أن تحدث معنا، فإن لم تعاني يوماً هكذا خسارة، فأنت لم تتعلَّم الأساليب اللازمة لإعادة جمع شتات نفسك في مواقف كهذه، فنحن لا نولد بهذه المهارة؛ بل يجب أن نتعلَّمها ونطوِّرها، وهذا ما يفسِّر تصرفنا مثل الأطفال في حزننا؛ إذ نشعر بالارتباك والخوف وعدم القدرة على التعامل مع الأمر، ناهيك عن إيجاد أي سبيل للراحة.

أنا أعمل معالجة نفسية، وقد عملتُ مع كثير ممَّن يتألَّمون، أعلم أنَّ كثيراً من الناس يشعرون بالوحدة حين يواجهون حزناً شديداً، كما قد يشعرون أنَّهم يفقدون صوابهم، وهذا تماماً ما شعرت به عندما تُوفي زوجي فجأةً بين ذراعي عندما كان عمري 36 عاماً فقط، لقد تعلَّمت من خسارتي الفادحة، وخبرتي المهنية بعض الأساسيات التي يمكن أن تساعد أي شخص يتألم على إيجاد طريقه خارج متاهة الحزن والخسارة.

فيما يأتي 10 نصائح ستساعدك على تقبُّل وفاة عزيز عليك والتعامل مع الحزن:

1. دعِ الناس يساعدونك:

أحِط نفسك بالأصدقاء وأفراد العائلة الذين ينصتون إليك ويدعمونك، وإن مدَّ أحد يد العون، خذ بيده، وإذا كان خياراً متاحاً، استعن بمعالجٍ نفسي خبير، قد يستغرق الأمر تجربة عدَّة معالجين للعثور على مَن يناسبك، مثل أي علاقة أُخرى، وقد أدَّى معالجي النفسي دوراً حاسماً في رحلة شفائي.

2. امنح نفسك الوقت الذي تحتاج إليه:

هل سبق لك أن حاولت القيادة على طريق وعرة عبر ضباب كثيف؟ ذلك يشبه ما يحدث عندما نواجه أيَّة خسارة مؤلمة، نشعر وكأنَّنا نحاول جاهدين للنجاة؛ إذ تسيطر غريزة البقاء على أجسامنا، ويتوقف نشاط باحة الفص الجبهي، وهي الجزء المسؤول عن التفكير المنطقي من دماغنا؛ إذ يصبح نظامنا العصبي في حالة من فرط التنبيه، ونعاني من القلق ونوبات الهلع، وتتسارع ضربات قلوبنا، ونجتر الأفكار نفسها مراراً في محاولة لاستيعاب ما حدث، وتجعل الصدمة النفسية من التواصل أمراً صعباً، تماماً كما يعوق الضباب رؤيتنا.

كثيراً ما دخلت إلى غرفةٍ لأفعل شيئاً ما، ونسيت تماماً لما دخلتها؛ لذا بدأت في تدوين كل شيء؛ إذ شعرت أنَّ عقلي عاجزٌ عن التمسك بأي فكرة لأكثر من دقيقة، فمن الصعب التركيز والتفكير بوضوح، هذا الشعور بأنَّك محاصر بضباب كثيف، وأنَّ رأسك مُكتظٌّ هو أمر طبيعي، فجسدك يفعل ما يجب فعله لمساعدتك على النجاة؛ إذ يحتاج عقلك وجسدك إلى وقت لاستيعاب الواقع؛ لذا امنح نفسك الوقت الذي تحتاج إليه.

إقرأ أيضاً: الخوف من الموت: أعراضه، وأسبابه، وطرق التخلص منه

3. اعلم أنَّ أجسادنا تتأثر في الحزن أيضاً:

عندما توفي زوجي لم أستطع تناول الطعام لعدة أيام، وبعد انقضاء ذلك لم أشتهِ شيئاً سوى الكعك بالقرفة، عندما نواجه صدمة أو حدثاً مروعاً، فإنَّ استجاباتنا الغريزية للنجاة (وهي استجابة الكر أو الفر أو التجمد) تتولى دفة القيادة؛ لذا في خضمِّ الأزمات إمَّا أن نفقد القدرة على تناول الطعام، أو البلع، أو أن نتقيَّأ كل ما نتناوله.

عندما تُدرك أدمغتنا الخطر، فإنَّها تأمر الجسم بوقف أي عمليات غير ضرورية للنجاة، فتُركَّز كل طاقة الجسد على عملية النجاة فحسب؛ لذا تتباطأ عملية الهضم، أو تتوقف أحياناً وحتى تتوقف غددنا اللعابية عن إفراز اللعاب.

4. اعلم أنَّ لا بأس بأن تكون حزيناً:

حدثتني مريضة لديَّ عن يوم ذهبتْ فيه إلى اصطحاب والدة صديقتها من المطار التي سافرت لحضور جنازة ابنتها البالغة، استغرق منهم الأمر ساعة كاملة لإيصال الأم من البوابة إلى السيارة؛ لأنَّها كانت في حالة من الحزن الشديد، وانهارت على أرضية المطار مراراً.

ثمَّة اعتقاد في مجتمعنا بوجوب التماسك في هذه المواقف وعدم إحداث أي جلبة، وهذا ما أسمِّيه "قواعد الحزن غير المكتوبة"، لكنَّ هذه القواعد وُضعت لمساعدة الآخرين على التعامل معك في أثناء حُزنك، لكنَّ الحزن فوضوي، لا بأس في البكاء والسماح لمشاعرك بالخروج، لا تشعر أنَّك مضطر إلى أن تكون رزيناً من أجل الآخرين؛ بل افعل ما تحتاج إلى فعله من أجلك أنت.

شاهد بالفيديو: كيف نتجاوز فقدان شخص عزيز؟

5. تذكَّر أنَّ مراحل الحزن ليس لها ترتيب معين:

معظمنا على دراية بالمراحل الخمس للحزن، الإنكار، والغضب، والمساومة (وهنا حين يتمنى المرء لو باستطاعته العودة بالزمن وعدم فعل أي شيء قد يؤدي إلى موت عزيز عليه)، والاكتئاب، والقبول، يجب أن نتذكَّر أنَّ الحزن ليس طريقاً مستقيماً، وليس لهذه المراحل ترتيباً معيناً، فما من جدول زمني لعملية الشفاء، كل منَّا يحزن بطريقته الخاصة وبقدر ما يحتاج من وقت، لقد استمررت بالتنقل بين هذه المراحل لسنوات؛ لذا لا تدع أي شخص يخبرك كيف تحزن.

6. اعلم أنَّ موقف الآخرين من حزنك يتعلق بهم وليس بك:

غالباً ما يفعل أو يقول الأطفال أشياء غير لائقة أو مؤذية؛ لأنَّهم لم يتعلموا آداب السلوك بعد، لكن غالباً ما يفعل البالغون الشيء نفسه حين يتعاملون مع الحزن؛ وذلك لأنَّهم لا يعلمون ما يقولون لك، أو يشعرون بالارتباك عند التعامل مع شخص يتألم، فقد يتجنَّبونك حتى، فقط تذكَّر أنَّ الأمر يتعلَّق بهم، وليس بك، وإن لم يتمكَّن شخص ما أن يساندك بالطريقة التي تريدها، فابحث عن شخص آخر يمكنه ذلك.

7. تقبَّل الإشارات التي يرسلها لك أحباؤك ممَّن فقدتهم:

لدي صديقةٌ كان والدها يحب الخنافس، وعندما كانت في جلسة تصويرٍ قبل زفافها، غطت مئات الخنافس فستانها الأبيض، رأت في ذلك إشارة جميلة من والدها المتوفى، وكأنَّه يخبرها بهذه الطريقة أنَّه سيكون بجانبها دوماً في رحلة حياتها، كل شخص تصله الإشارات بطريقة مختلفة، فالروح تبقى، ورابطة الحب لا تنقطع.

كن منفتحاً على الإشارات من خلال الأحلام والأغاني والروائح والطبيعة، دع المعجزات الصغيرة تساعد على إرشادك وتهدئتك ريثما تتكيَّف مع واقعك الجديد، فالبدء في الشفاء والتكيُّف مع حياتك الجديدة لا يعني أبداً أنَّك تحتاج إلى التخلي عمَّن فقدته.

8. اتَّبِع طقوساً معيَّنة:

احتفظتُ بعد وفاة زوجي بجميع البطاقات والملاحظات التي أعطاني إياها في صندوق أزرق، وكلما اشتقتُ إليه، كنت أُنزِل هذا الصندوق من الخزانة وأقرأ كلماته وأشعر بحبه من جديد، وتحوَّل الأمر إلى طقس لفترة من الوقت؛ إذ تؤمِّن الطقوس لنا سبيلاً للراحة والشفاء؛ لذا ابحث عن كل ما يساعدك على الشعور بالارتباط بأحبائك، سواء كان ذلك بزيارة المقبرة، أم بالاستماع إلى الموسيقى التي أحببتُماها، أم حمل شيء مميَّز يذكِّرك بهم معك دوماً.

إقرأ أيضاً: نظريات وآراء أهم الفلاسفة عن الموت

9. اعلم أنَّ الطبيعة تساعد على الشفاء:

يمكن أن يذكرنا البقاء في الطبيعة بتشابه جميع الكائنات الحية، ويمكن أن يساعدنا هذا الشعور على تخفيف القلق، قد يكون من المريح مغادرة المنزل لاستنشاق الهواء المنعش؛ إذ يساعد التأمل على تهدئة جهازك العصبي، فاذهب في نزهة في الحديقة، على درب ما بالقرب من نهر أو محيط إن أمكن، وإذا لم تجد أماكن طبيعية حولك، أو لم ترغب في مغادرة المنزل، فخذ حماماً دافئاً.

10. تذكَّر أنَّ الحزن لا يدوم للأبد:

تذكر أنَّ الحزن ليس علامة ضعفٍ؛ بل دليلٌ على إنسانيتك، فبقدر ما قد يصعب عليك تصديق ذلك إلا أنِّي أُريدك أن تعلم أنَّك سوف تُشفى، لن تتجاوز الأمر فحسب؛ بل ستجد الفرح والهدف من حياتك الجديدة، قد لا تعود حياتك لسابق عهدها، لكنَّها ما تزال حياتك أنت لتعيشها بكل ما فيها.




مقالات مرتبطة