10 طرق للتغلب على القلق باستخدام المسافة النفسية

هل نستطيع تخفيف قلقنا؟ بالطبع، يمكننا أن نجد سبيلاً لذلك حتى في أشد الظروف سوءاً، وذلك من خلال استراتيجية المسافة النفسية (Psychological Distance).



ما هي المسافة النفسية؟

يعتمد تطبيق استراتيجية المسافة النفسية على التحكم بتصوراتنا وأفكارنا الداخلية عن ارتباطنا بالآخرين والأحداث والأفكار المحيطة.

وتُعَد استراتيجية المسافة النفسية جزءاً من "نظرية المستوى التحليلي" (Construal Level Theory)؛ إذ إنَّها تؤثِّر  في تفكيرنا حيال الأشياء الأحداث، والناس، والأفكار، وما إلى ذلك، فإمَّا أن تكون نظرتنا "شاملة"، أو أن تكون "مخصصة" من حيث المستوى؛ إذ قد تكون نظرة شاملة مجردة تمثل الصورة الكبيرة للموقف، مقابل صورة مخصصة ملموسة وقد تكون محدودة.

يساعدك التفكير المجرد والتركيز في الصورة الكلية على استخلاص جوهر الموقف أو الموضوع الذي بين يديك، كما يوفر لك تفكيراً موضوعياً واضحاً، وتقييم الوضع من جميع الجوانب، وحصر وجهات النظر، للوصول إلى النتيجة النهائية الصحيحة، وعلاوة على ذلك، تسمح لك المسافة النفسية بفصل تفكيرك والخروج عن إطاره، ممَّا يتيح إنشاء عقلية جديدة ومتجددة.

وسواء أردت تخيُّل نفسك في المستقبل أم أردت استرجاع الماضي، وسواء رغبت في تخيُّل العيش في بلد مختلف أم حتى كشخص مختلف، فما عليك إلا أن تنشئ مسافة بينك وبين الحاضر لتتنقَّل بخيالك إلى حالةٍ أخرى. وهذه الطرائق هي:

1. التعامل مع القلق ببساطة:

اكتشف كلٌّ من الباحثَين النفسيين "مانوج توماس" (Manoj Thomas) و"كلير تساي" (Claire Tsai)، أنَّ أبسط طريقة لتسهيل أداء المهام التي ثقلت عليك وسببت لك القلق، تكون عبر تطبيق استراتيجية المسافة النفسية؛ إذ تبين لهما ذلك من خلال بحثهما عن زيادة المسافة النفسية والجسدية بين المشاركين في الدراسة والمشاريع التي كلِّفوا بها؛ فقد تبنَّى بعض المشاركين في التجربة عقليةً مجردةً للتفكير، ووجدوا أنَّها خفضت من صعوبة الأمور، وقد طبَّق آخرون استراتيجية الابتعاد عن المهمة على نحو مباشر، ووجدوا نفس التأثير؛ تقليل الصعوبة الملحوظة.

الخلاصة: إن أُصبت بالإنهاك من أداء مهامك، فأرح جسدك بعيداً عن العمل، واسرح بخيالك بضع دقائق؛ وستدرك سهولة أداء المهام عندما تعود للواقع.

2. تخيُّل القلق من منظور جديد:

تذكَّر أن تنأى بنفسك عن الإحباطات والانهيارت، بدلاً من السماح لها بأن تنال منك وتدفعك إلى التوتر أكثر؛ إذ وجد الباحثان "أوزلم أيدوك" (Ozlem Ayduk) و"إيثان كروس" (Ethan Kross) في بحث لهما، أنَّ تخيُّل نفسك "كذبابة على الحائط" عندما تكون محاطاً بالسلبية المنهِكة، يمكن أن يمنع تأثُّرك بالسلبية على الأمد البعيد.

يمنحك النأي بالنفس عن هذه الحالات العاطفية السلبية فرصةً للتفكير في نفسك ومحيطك على نحو مجرد، وبهذا تفهم أسباب الأحداث في حياتك، في حين يرتبط الانغماس في التجارب الشخصية السلبية باجترار الأفكار والاضطراب العاطفي الشديد.

الخلاصة: عندما تشعر بالإنهاك من كل شيء، توقف لبرهة وخذ نفساً عميقاً، ثم تراجع  للوراء، انظر إلى الموضوع دائماً من منظور خارجي وموضوعي، كما لو أنَّه لا يحدث لك، وفكِّر كيف سيكون رد فعلك إن حاول صديقك مساعدتك مثلاً، بدلاً من التفكير في الحلول من منظور ذاتي، وبهذا ستقودك الإجابات في اتجاهٍ جديد تماماً.

إقرأ أيضاً: المرونة الشخصية: كيف تستفيد من نقاط قوتك للتغلب على الصعوبات؟

3. القدرة على الإقناع:

وجدت دراسة تجريبية جديدة، أنَّ قوة إقناع الآخرين بأمرٍ ما تعتمد بالواقع على مدى اقتناعهم الشخصي بالقرار، وقد أوضحت البروفيسورة في مجال الإعلان "جرغانا نينكوف" (Gergana Nenkov) أنَّ المستهلكين الذين يطيلون التفكير في قرار الشراء، هم الأكثر عرضة للتأثر باستراتيجية المسافة النفسية، والتي تتمحور حول رؤية مستقبلية أو التركيز على هدفٍ بعيد، أمَّا إن اتخذ المستهلك قرار الشراء بالفعل، فهو على الأرجح شخصٌ يقتنع بالرسائل الأقرب نفسياً إلى الحاضر والتي تركز الاهتمام عليه.

الخلاصة: إذا كنت تحاول إقناع زوجين جديدين بشراء طاولةٍ أكبر ممَّا يرغبان فيه مثلاً، فحاول أن تثير خيالهم المستقبلي كالآتي: "التفكير في جميع حفلات العشاء التي يمكن أن يقيماها لأصدقائهما أو عائلتيهما أو جيرانهما الجدد في الحي".

4. السيطرة على العواطف:

يشير الباحث "جوشوا ديفيس" (Joshua Davis) في بحثه إلى ارتباط المسافة النفسية بالمسافة العاطفية؛ إذ بحث بدراسته كيف يتلقى المشاركون مشاعر سلبية أو إيجابية إثر تخيُّل مشهد يثير العواطف، وذلك وفق ما إذا كان المشهد قريباً أم بعيداً من عقل الرائي.

ووجد الباحث أن تخيُّل ابتعاد المَشاهد والأحداث المقلقة عن المشاركين، أسهم في تناقص المشاعر السلبية والإثارة العاطفية، وخلاف ذلك صحيح.

الخلاصة: إذا واجهتك صورة أو أحداث سلبية ومزعجة ومقلقة، فابذل قصارى جهدك لتخيُّل المشكلة وهي تصغر وتبتعد عن مجرى حياتك؛ الأمر الذي سيساعدك على تقليل التأثير العاطفي السلبي في نفسيتك.

5. الصدق مع النفس:

وجدت الباحثة "أليسون ليدجروود" (Alison Ledgerwood) في دراسة أجرتها، أنَّ ممارسة المسافة النفسية تساعدنا على تقليل التأثر بالعوامل الاجتماعية الخارجية التي تحاول تغيير قيمنا ومُثلنا العليا؛ فعندما يقيِّم الأشخاص الأفكار بموضوعية وبطرائق أكثر تجرداً، فثق تماماً بأنَّهم سيقيِّمونها بطريقة تعكس قيمهم الأيديولوجية الحقيقية، وذلك بعد التفكير بحرِّية وتفسير الأمور بجميع الأشكال الممكنة، ممَّا يقلل من تأثير العوامل الاجتماعية الخارجية.

عندما يفكر الأفراد بعقلية محدودة ومادية في فكرة معيَّنة، فمن المرجح أنَّهم يتبعون عقلية المجتمع أو أيَّ شخص آخر من حولهم، ممَّا أثَّر في تكوين وترسيخ قيمهم الأساسية، ويدفعهم هذا التأثير الاجتماعي إلى التوافق مع القاعدة والعقلية المجتمعية العامة التي قد تتعارض مع مصالحهم أو قيمهم الحقيقية.

الخلاصة: اسمح لنفسك بالتفكير خارج الصندوق، وانظر في أفكارك من منظور مجرد شامل؛ أي دع أفكارك وتفسيراتك تتدفق بحرَّية، وبهذا تستطيع تمييز الأفكار المتوافقة مع مبادئك وقيمك.

6. التعامل بتهذيب:

خلصت دراسة حديثة إلى أنَّ التفكير المجرد يدفع الناس إلى معاملة بعضهم بعضاً بصورة أكثر تهذيباً؛ إذ تصرِّح الباحثة "إلينا ستيفان" (Elena Stephan) في بحثها بأنَّ التهذيب يعكس وينظم المسافة الاجتماعية (وفقاً لنظرية التهذيب)، وتدعم عدة دراسات ذلك من خلال الكشف عن الارتباط الوثيق بين زيادة تهذيب الناس ووجود مسافة نفسية ومكانية تفصلهم عن الآخرين.

الخلاصة: يظهِر الناس تهذيباً أكبر للغرباء وغيرهم ممَّن لا يعرفونهم جيداً، أو لا يتفاعلون معهم في كثير من الأحيان.

7. تدفق الأفكار المبتكرة:

وجد الباحث "لايل جيا" (Lile Jia) في بحث أجراه، أنَّ تطبيق استراتيجية المسافة النفسية هو المخرج لمشكلة القفلة الإبداعية الشائعة؛ إذ أسند العلماء بعض المهام الإبداعية الصعبة إلى المشاركين من مسافات مختلفة عنهم، بعضها قريب وبعضها بعيد، ولُوحظ طرح أفكار واستجابات وحلول أكثر إبداعاً للمشكلات المطروحة، عند توكيل المشاركين بحل مهمةٍ إبداعية من منظور بعيد نفسياً عنهم؛ إذ بالواقع، استطاع المشاركون حل المشكلات والتفكير في المهام بشكلٍ موضوعي حين اتبعوا استراتيجية المسافة النفسية، كما تمكنوا من حل ضعف عدد المشكلات، مقارنة بأولئك الذين فكروا في المهمة من منظور شخصي قريب.

الخلاصة: إذا وجدت نفسك لا تستطيع التفكير بإبداع لإيجاد الحلول، فابتكر مسافةً وهمية من نسج خيالك بينك وبين المشروع، وتخيَّل أنَّ المشروع لا يخصُّك أو يرتبط بك وجدانياً أو مكانياً أبداً، وستجد الحلول الإبداعية حينها.

8. ضبط النفس:

صرَّح الباحث "كينتارو فوجيتا" (Kentaro Fujita) في بحث أجراه، أنَّ ضبط النفس يتمحور حول التصرف واتخاذ القرارات بصورة تتوافق والمستوى العالي من التفكير التحليلي أو التفكير المجرد؛ إذ خرجت معظم التجارب التي استهدفت سلوك ضبط النفس والعمليات النفسية والفكرية للمشاركين، بنتائج مذهلة.

فقد أشارت النتائج إلى انخفاض القرارات المتسرعة لدى الأشخاص الذين استطاعوا التفكير على نحو مجرد، وابتكروا مسافة نفسية بينهم وبين الظروف التي واجهوها، كما أظهروا قدرات تحمُّل بدنية أكبر، وهمَّة عالية لضبط النفس، واستجابة منخفضة للمغريات التي تعوق ضبط النفس.

الخلاصة: إذا كنت تستطيع التركيز في الصورة الكبيرة والتفكير على نحو مجرد في النتيجة أو الهدف، فستكون أكثر قدرة على ضبط النفس والوصول إلى الهدف، بصرف النظر عن العقبات.

شاهد بالفديو: كيفية التحكم بالانفعالات وضبط النفس

9. رؤية الصورة الكبيرة للأمور:

قد تكون القدرة على رؤية الصورة الكبيرة للأمور مهارة صعبة التعلم، لكنَّ ممارسة التفكير المجرد والمسافة النفسية يسهِّل اكتسابها وممارستها في الحياة اليومية، وقد وجد كلٌّ من الباحثَين "إيثان كروس" (Ethan Kross) و"إيغور غروسمان" (Igor Grossman) في بحثهما، أنَّ ممارسة استراتيجية المسافة النفسية تعزِّز المنطق والقدرة على التفكير بحكمة.

لذلك، كان على المشاركين إعمال العقل والمنطق لمناقشة قضاياهم الشخصية الهامة، وعندما استطاعوا التفكير فيها من منظورٍ أكبر وأكثر شمولية، وبصورة مجردة، عزَّزوا سلوكاتهم ورسَّخوا مواقفهم الحياتية وقدراتهم الفذة في استخدام المنطق الحكيم على نحو خلَّاق.

الخلاصة: ستسمح لك المسافة النفسية بينك وبين مشكلاتك الشخصية العميقة برؤية الصورة الأكبر للأمور، كما ستحدد تأثير ذلك في الآخرين والعالم من حولك، وسيمنحك فهم حقيقة أنَّ بعض الأمور خارجة عن سيطرتك، راحة بالٍ، وفهماً أعمق، ونظرة جديدة إلى الحياة.

إقرأ أيضاً: طرق تخفِّف من الضغط النفسي

10. الابتعاد عن التجرد في التفكير:

قد تتبع التفكير المجرد بعض المخاطر منها "وهم العمق التفسيري" (illusion of explanatory depth)؛ إذ يُقصد به اعتقاد الناس بأنَّهم يفهمون المسائل فهماً عميقاً بينما لا يعكس الواقع ذلك.

الخلاصة: لا تستخدم التفكير المجرد  في كل حالة أو مع كل مشكلة تواجهك في حياتك؛ وذلك لأنَّك قد لا تفهم أساس المشكلة فهماً صحيحاً حتى لو اعتقدت ذلك.

في الختام:

تؤدي المسافة النفسية إلى تقليل شعور القلق عند التعامل مع المسائل الشائكة. وستعمل هذه الخدعة الفكرية البسيطة على تعزيز تأثيرك بطريقة تخفف من قلقك. 

يُعَد إنشاء مسافة عقلية ومادية بينك وبين مشكلاتك استراتيجيةً حياتيةً للتقليل من تأثير المشكلات التافهة وأعباء العمل الثقيلة، وتخفيفها عن كاهلك؛ لذا حان الوقت للتفكير خارج الصندوق.

المصدر




مقالات مرتبطة