مستمرُّون في الحديث الذي بدأناه في المقال السابق حول أهمية القراءة في حياة كلِّ واحدٍ منا، وعرفنا ما هي القراءة السريعة، واستعرضنا فوائدها وثمارها التي يجنيها كلُّ من ثابر وأرغم نفسه على تعلُّمها. واليوم، سنتحدَّث حول النقطة الأخيرة، وهي: كيف نتعلَّم القراءة السريعة؟ خطواتٌ يسيرةٌ لتصبح قارئاً يستطيع أن يُخرِج من الكتاب أفضل ما فيه من العِبَر في أقصر وقتٍ ممكن. الأمر ليس بالمستحيل، يكفي اتباع الخطوات العلمية التالية، والعزم على الوصول بإتمام المسير؛ فكما قيل: "من سار على الدرب وصل".
لمن لا يقرأ أبداً، إليك هذه النصائح:
- النصيحة الأولى: القراءة فيما تحب؛ لأنَّ الشغف هو الأساس المتين الذي تُبنَى عليه كلُّ الأهداف، وهو الوقود الذي يعطي الطاقة للعقل للاستمرار في طريق التعلُّم، وهو المحارب الشرس للملل الذي قد ينتاب كلَّ مبتدئٍ في القراءة. اختر الكتب التي تناسب ميولك والتي تسعد بقراءتها، حتَّى تتغلَّب على الضجر في البداية.
- النصيحة الثانية: تحديد أهدافٍ صغيرةٍ للقراءة، فأفضل العمل أدومه وإن قل. وأخفُّه على النفس حتَّى لا تسأم بسرعة: 10 صفحاتٍ يومياً، والتي تعادل 300 صفحةٍ في الشهر؛ وبذلك ستُنهي كتابين شهرياً بمعدَّل 150 صفحةً في كلِّ كتاب. 10 صفحاتٍ قد تستغرق فيها نصف ساعةٍ أو أقل، وقتٌ قليلٌ بالمقارنة مع الساعات التي نقضيها أمام مواقع التواصل الاجتماعي؛ و30 دقيقةً ستحدث فارقاً معك مع مرور الوقت. إن اخترت الكتب الجيدة، فستجد نفسك تنغمس أكثر فأكثر، وستمضي ساعةٌ أو يزيد وأنت تطالع دون أن تشعر.
- النصيحة الثالثة: إن أمكنك تخصيص شيئين أساسين للقراءة فهما: المكان والزمان. حدِّد وقتاً في اليوم تكون فيه متفرغاً، مثلاً: قبل النوم أو عند الاستيقاظ من النوم أو في أيِّ وقتٍ ترى نفسك فيه حراً؛ وخصِّص مكاناً للقراءة حتَّى تشعر ببعض الخصوصية ويكون للوقت والمكان قدسيةٌ عندك لتستطيع التغلُّب على الكسل والملل. مع مرور الوقت، سيسري إدمان الكتب في دمك، وستنطلق لتطالع في أيِّ مكانٍ وزمان، سيصبح الشيء الأهمُّ أن تقرأ.
- النصيحة الرابعة: في أثناء تواجدك بين دفتي الكتاب، أغلِق الواي فاي من الهاتف، فتلك الإشعارات التي تأتي تكسر العادة التي تحاول أن تربِّي نفسك عليها. إذاً 20 أو 30 دقيقةً في اليوم بعيداً عن العالم الافتراضي، سيكون لها التأثير الإيجابي الكبير في التعوُّد على القراءة.
كانت هذه أهمُّ نقاطٍ لبدايةٍ موفقةٍ في طريق التعلُّم والمطالعة، وننتقل إلى صلب الموضوع: كيف أتعلَّم القراءة السريعة؟
تعلُّم مهارة القراءة السريعة:
القراءة السريعة هي مهارةٌ يمكن اكتسابها بالتمرُّن عليها، حيث أنَّ ترويض العقل والعين على القراءة السريعة يساعد في تنمية المخزون المعرفي في أقلِّ وقتٍ ممكن.
أولاً، وقبل البدء بالخطوات العملية، هناك الاستعداد النفسي، وهو: أن تقنع نفسك بأنَّك تستطيع الوصول إلى مستوياتٍ متقدِّمةٍ من القراءة السريعة إن أردت ذلك، فكما فعلها غيرك يمكنك أنت أيضاً أن تفعلها. من خلال رفع درجة التركيز والخطوات التالية، فإنَّ سرعة قراءتك لصفحات الكتب ستزيد:
1. وضعية الكتاب:
حاول إمالة الكتابة بزاوية 30 درجةً عن السطح المستوي، حيث أنَّ هذه الوضعية مريحةٌ للعين وأيضاً للرقبة، ممَّا يسمح بالتركيز على القراءة أكثر من التفكير في ألم الرقبة وتغيير الوضعية في كلِّ مرة.
في أثناء القراءة حاول أن تحرِّك الرأس بحسب اتجاه اللغة، ففي حالة اللغة العربية، حرِّكه من اليمين إلى الشمال. إنَّ التحريك الطفيف للرأس يمكِّن من قراءة الجمل والاطلاع على العبارات بأكملها، وستتعرَّف على فائدتها في النقاط التالية.
2. خاصية الاستعراض السريع:
امسك الكتاب وتصفَّح الأشياء التالية لكن بتركيزٍ أكبر؛ لأنَّك في نهاية الأمر ستجيب عن بعض الأسئلة. اقرأ مقدمة الكتاب مع العناوين المتواجدة في الفهرس، وتصفَّح الفصول في داخل الكتاب، مع قراءة مقدِّمة كلِّ فصلٍ قراءةً سريعةً دون الوقوف على كلِّ العبارات بالتفصيل؛ وبنظرةٍ خاطفةٍ طالع الرسومات والصور إن وُجِدت، وقلِّب صفحات الكتاب وألقِ نظرةً عامَّةً على محتوياته لدقيقتين أو أقل، بعدها أغلق الكتاب وأحضر ورقةً وقلماً وأجب عن الأسئلة التالية:
- ما هي الأفكار الأساسية للكتاب؟
- ما الذي يريد الكاتب إيصاله إلى القُرَّاء؟
مع محاولة استحضار العناوين الرئيسة. بهذه الطريقة ستدرِّب ذهنك على ترسيخ الأفكار واستحضارها بوقتٍ أسرع.
3. القراءة بالعين لا بالكلام:
في القراءة التقليدية يتمتم القارئ الكلمات بشفتيه وكأنَّه يهمس في أذن شخصٍ آخر، وهذا يبطِّئ القراءة. توقَّف عن القراءة بهذه الطريقة الكلاسيكية، واستعمل فقط العين والعقل، وعوِّد العين على القراءة السريعة توازياً مع تحليل المخ لما تجري قراءته؛ وبهذا ستختصر الكثير من الوقت.
4. قراءة الجمل والعبارات لا الكلمات:
إنَّ قراءة مجموعةٍ من الكلمات التي تكوِّن العبارة في السطر يجعل العقل يفهم الفكرة ويفهم الرسالة؛ لذا لا تضيع الوقت في قراءة الكلمات والتوقُّف عندها، بل قف حين ينتهي الكاتب من إيضاح الفكرة أو الرسالة من الجملة. إنَّ الدماغ يستطيع تحليل أربع أو خمس كلمات، وهكذا ستربح الوقت في القراءة والفهم في آنٍ واحد.
5. التأقلم مع نوع النص:
في القراءة الكلاسيكية ترى القارئ رتيباً في سرعة القراءة، وتقريباً لا يغيِّر من سرعته مهما كانت صعوبة النص الذي يطالعه؛ بينما تُمَكِّن القراءة السريعة القارئ من تغيير سرعته وفقاً لسهولة النص أو الكتاب، فيزيد سرعة القراءة مع سهولة النص، ويبطِّئ من سرعته مع النصوص الأكثر صعوبة، إلَّا أنَّه في المعدَّل أسرع من القراءة العادية المتأنّية.
6. عدم تكرار الجمل:
إنَّ القارئ العادي تراه يتوقَّف ويعيد قراءة الجمل والعبارات، ممَّا يزيد من مدة القراءة إلى الضعف تقريباً. بينما القارئ السريع الذي يطبِّق التعليمات السابقة في الاستعراض السريع وفهم المعاني الرئيسة للكتاب، مع تركيز كلِّ الانتباه العقلي في أثناء القراءة بالعين؛ سيتمكن مع الوقت من عدم تكرار الجمل؛ لأنَّه أصلاً قد اطلع على الأفكار العامَّة مسبقاً.
إنَّ السرعة التي يتحرَّك بها العالم من حولنا وكثرة الانشغالات في الحياة العصرية لم تترك لنا مجالاً للقراءة العادية، بل أصبحت القراءة ضرورةً ملحةً لنتماشى مع المستجدَّات. بالتمرُّن، وتكرار التجارب، والمداومة، والتركيز على النقاط السابقة؛ يستطيع أيُّ شخصٍ أن يطوِّر مهارة القراءة السريعة.
أضف تعليقاً