ومنذ بداياته الشعرية، أبدع في تصوير معاناة وطنه وشعبه، فأصبح صوته الشعري مرآة تعكس آمال وآلام الفلسطينيين، وأيقونة أدبية تعبِّر عن نضالهم المستمر من أجل الحرية.
بدأت مسيرة القاسم الشعرية في خمسينيات القرن العشرين، وأصدر مجموعات شعرية عدة كانت بمنزلة صرخات قوية في مواجهة الظلم والاستعمار، ولم تكن قصائده مجرد تعبير أدبي عن الحب أو الجمال، بل تحوَّلت إلى سلاح مقاومة في مواجهة محاولات طمس الهوية الفلسطينية، وكان شعره مزيجاً من الغضب والأمل، تجسَّدت فيه روح التحدي والإصرار على الحياة رغم كل التحديات، وإلى جانب ذلك أسَّس سميح القاسم لخطابٍ شعري جديد يلتزم بقضايا الأمة ويعبِّر عن هموم الناس بلغة سهلة وقوية، وصلَت إلى قلوب الملايين من القرَّاء، وعاش القاسم تجربة النضال ليس فقط من خلال الكلمة؛ بل من خلال مواقفه السياسية التي تميزت بالثبات والمقاومة، ولم يقتصر نضاله على فلسطين؛ بل كان يرى أنَّ قضية فلسطين هي قضية عربية وإنسانية بامتياز، يجب أن يتوحَّد الجميع من أجلها.
مع مرور الزمن، أصبح سميح القاسم رمزاً وطنياً وأدبياً، ليس فقط في فلسطين؛ بل في العالم العربي بأسره، وفي هذا المقال، سنستعرض حياة سميح القاسم، منذ ولادته ونشأته وصولاً إلى دوره في حركة الشعر المقاوم، ومواقفه السياسية الجريئة، إلى جانب أهم مراحل مسيرته الأدبية وأبرز إصداراته الشعرية التي رسَّخت اسمه في سجلِّ الشعراء الخالدين، وسنحاول أن نقدِّم صورة شاملة لهذا الشاعر العظيم، الذي بقي شعره نبراساً لكل من يؤمن بالحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.
نبذة عن سميح القاسم
سميح القاسم هو أحد أبرز الشعراء الفلسطينيين والعرب المعاصرين، وُلد في 11 مايو 1939 في مدينة الزرقاء بالأردن لعائلة فلسطينية من قرية الرامة في الجليل، وارتبطَ اسمه بشعر الثورة والمقاومة، فتناولَ في شعره الكفاح والمعاناة الفلسطينية، ونشأ سميح القاسم في الرامة وتلقَّى تعليمه في مدارسها، ثمَّ انتقل إلى الناصرة لإكمال دراسته الثانوية، وعملَ في بداية حياته المهنية بوصفه معلِّماً، ثمَّ انخرطَ في العمل الصحفي والسياسي، وكان عضواً في الحزب الشيوعي الإسرائيلي لفترة من الزمن، وكتبَ سميح القاسم عدداً من المجموعات الشعرية التي حازت على شهرة واسعة في العالم العربي، كما كتبَ عدداً من الروايات، وأسهمَ في تحرير عدة صحف ومجلات، وأسَّسَ منشورات "عربسك" في حيفا مع الكاتب عصام خوري عام 1973، وتوفي سميح القاسم في 19 أغسطس 2014 بعد صراع مع مرض السرطان، تاركاً وراءه إرثاً أدبياً غنياً ومؤثراً في الأدب العربي والفلسطيني.
حياة سميح القاسم
وُلد سميح القاسم في 11 مايو 1939 في مدينة الزرقاء بالأردن لعائلة فلسطينية من الموحِّدين الدروز، ونشأ في قرية الرامة في الجليل، فتلقَّى تعليمه الابتدائي والثانوي، وبعد ذلك درسَ في كلية تيرا سانتا في الناصرة، ثمَّ سافر إلى موسكو لدراسة العلوم الاجتماعية، وبدأ سميح القاسم مسيرته المهنية بوصفه معلِّماً، لكنَّه سرعان ما انتقلَ إلى العمل الصحفي والأدبي، وعملَ في تحرير عدة صحف ومجلات، منها "الغد" و"الاتحاد"، وكان رئيس تحرير جريدة "هذا العالم" عام 1966، كما أسَّس منشورات "عربسك" في حيفا وأدار "المؤسسة الشعبية للفنون" في المدينة نفسها، وتميَّز شعر سميح القاسم بالتركيز على قضايا الكفاح والمعاناة الفلسطينية، وارتبطَ اسمه بشعر الثورة والمقاومة، ونشرَ عدداً من المجموعات الشعرية التي حازت على شهرة واسعة في العالم العربي، كما كتبَ عدة روايات وساهمَ في إنشاء مسرح فلسطيني يحمل رسالة فنية وثقافية وسياسية، وتعرَّض سميح القاسم للسجن والإقامة الجبرية عدة مرات بسبب نشاطه السياسي والشعري، وواجَهَ تهديدات بالقتل، رغم ذلك، استمرَّ في نشاطه الأدبي والسياسي حتى وفاته في 19 أغسطس 2014 في صفد بفلسطين.
شعر سميح القاسم
ارتبطَ اسم سميح القاسم بشعر الثورة والمقاوَمة، وتميَّز شعره بالتركيز على القضايا الوطنية والإنسانية، فتناوَلَ في قصائده معاناة الشعب الفلسطيني وكفاحه من أجل الحرية والاستقلال، وكتب القاسم عدداً من المجموعات الشعرية التي لاقت شهرة واسعة، منها "مواكب الشمس" و"أغاني الدروب" و"دمي على كتفي" و"دخان البراكين"، وكما كتبَ روايات ومقالات ومسرحيات، وساهمَ في تحرير عدد من الصحف والمجلات الأدبية، وتُرجمت أعماله إلى عدد من اللغات، ممَّا يعكس تأثيره الكبير على مستوى العالم، وتُعدُّ قصائده سميح رمزاً للمقاومة والحفاظ على الهوية العربية، وقد حصلَ على عدد من الجوائز المحلية والعالمية تقديراً لإسهاماته الأدبية، فمن أبرز قصائده التي تعبِّر عن روح المقاومة والتحدي قصيدة "تقدموا"، وإليك بعضاً من أبرز قصائده:
1. أشد من الماء حزناً
يعبِّر في هذه القصيدة عن الحزن العميق والمعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، مستخدماً صوراً شعرية قوية ومؤثرة.
2. أطفال سنة 1948
تتناول هذه القصيدة مأساة الأطفال الفلسطينيين الذين شرَّدتهم النكبة، وتعبِّر عن الألم والأمل في آن واحد.
3. باتريس لومومبا
قصيدة تخلِّد ذكرى الزعيم الأفريقي باتريس لومومبا، وتعبِّر عن التضامن مع نضال الشعوب الأخرى في مواجهة الاستعمار.
4. تقدموا
تعبِّر هذه القصيدة عن التحدي والصمود في وجه الاحتلال، وتعدُّ من أشهر قصائده التي تلهب مشاعر المقاومة.
5. درب الحلوة
قصيدة رومانسية تعبِّر عن الحب والأمل، وتُظهر جانباً مختلفاً من إبداع القاسم الأدبي.
6. سأقاوم
يعبِّر في هذه القصيدة عن عزمه على المقاومة والصمود مهما كانت الظروف، ويؤكِّد على قوة الإرادة والتحدي.
تُجسِّد هذه الأبيات روح التحدي والصمود التي تميَّز بها شعر سميح القاسم، ممَّا جعله صوتاً قوياً يعبِّر عن آمال وآلام الشعب الفلسطيني.
خصائص شعر سميح القاسم
يتميَّز سميح القاسم بعدة خصائص فريدة، منها:
1. الالتزام بالقضية الفلسطينية
بعكس شعره الكفاح والمعاناة الفلسطينية، ويعبِّر عن الأوضاع السياسية والاجتماعية الصعبة التي عاشها الشعب الفلسطيني.
2. التنوع في الأشكال الشعرية
كتب القاسم الشعر العمودي، وقصيدة التفعيلة، وقصيدة النثر، ممَّا يُظهر تنوعه وقدرته على التجديد والتكيُّف مع مختلف الأشكال الشعرية.
3. النبرة الحماسية
كانت كلماته حماسية ومؤثرة، تهدف إلى إثارة الحماسة في نفوس الفلسطينيين وتحفيزهم على المقاومة.
4. استخدام التناص الأدبي
استخدَمَ التناص استخداماً مميزاً في شعره، ممَّا أضاف عمقاً وأبعاداً جديدة لنصوصه.
5. السخرية والنقد
تميَّز شعره بنبرة ساخرة ونقدية، تعكس رؤيته العميقة للأوضاع السياسية والاجتماعية.
وفاة سميح القاسم
توفي الشاعر الفلسطيني البارز سميح القاسم في 19 أغسطس 2014 عن عمر يناهز 75 عاماً بعد معاناة طويلة مع مرض سرطان الكبد، وعانى القاسم من سرطان الكبد لمدة ثلاث سنوات، وكان يتلقَّى العلاج في مستشفى صفد، وتدهورت حالته الصحية تدهوراً كبيراً في الأسابيع الأخيرة من حياته، ممَّا أدى إلى وفاته في النهاية، وكان القاسم متزوجاً ولديه أربعة أبناء: وطن، وضاح، عمر، وياسر، واشتُهر القاسم بقصائده التي تعبِّر عن المقاومة والصمود، ومن أشهر قصائده "منتصب القامة أمشي" التي غنَّاها الفنان مرسيل خليفة، وكما كتب عدداً من الأعمال الأدبية التي تنوَّعت بين الشعر والنثر والمسرحيات، وبلغت أكثر من سبعين عملاً، وكانت له مراسلات أدبية مع الشاعر محمود درويش، والتي عُرفت بـ"كتابات شطرَي البرتقالة"، ووصفت بأنَّها حالة أدبية نادرة وخاصة بين شاعرين كبيرَين.
في الختام
بتبيَّن جليَّاً في ختام هذا الاستعراض لحياة وأعمال الشاعر الفلسطيني سميح القاسم، أنَّه لم يكن مجرد شاعر؛ بل كان صوتاً مسموعاً للمقاومة وآية للثَّبات والإصرار على الهوية والحرية، ومن خلال قصائده التي تنبض بالألم والأمل، استطاع القاسم أن يعبِّر عن معاناة شعبه وطموحاته بطريقة فنية رفيعة، ممَّا جعله يحتل مكانة مرموقة في قلوب محبَّيه وفي ساحة الأدب العربي بأسره.
لقد جسَّد سميح القاسم من خلال كلماته روح النضال والتحدي، مؤكداً أنَّ الشعر ليس فقط وسيلة للتعبير الفني؛ بل أداة قوية للتغيير والإلهام، وإرثه الأدبي لا يزال حياً ينبض بالحيوية والمعنى، مُلهماً الأجيال الجديدة للسير على نهجه في الدفاع عن الحقوق والكرامة الإنسانية، وبهذا يظلُّ سميح القاسم رمزاً للأدب المقاوِم والإنسانية الراقية، شاهداً على قدرة الكلمة على مواجهة الظلم وإحداث الفارق في العالم.
إنَّ دراسة حياة هذا الشاعر العريق وشعره الثري تمنحنا دروساً قيِّمة في الشجاعة والإبداع والالتزام بالقضايا النبيلة، ممَّا يجعل من سميح القاسم قدوة يُحتذى بها في مسيرة الأدب والنضال من أجل الحرية والعدالة.
أضف تعليقاً