يتربَّع "حنَّا مينه" - أديب الحقيقة - على عرش أدب الواقعيَّة في سورية والوطن العربي، فهو رجل عصامي، وصاحب مسيرة اتَّسمت بالتعب والشقاء، فكان رمزاً للصمود والإباء، وعاش "حنَّا" حياة قاسية تجلَّت بوضوح في معظم رواياته، فحاول بقلمه إظهارَ معاناة البشر وعواطفهم، ورحلة كفاحهم، وقيمهم الهامَّة مثل الصدق والإخلاص، فنجح في تحويل الألم إلى فنٍّ وكلمات، وهذا جعله يعيش في ذاكرة القرَّاء الذين وجدوا حياتهم بين صفحات تلك الروايات.
لمحة عن حياة حنَّا مينه
حنَّا مينه هو روائي وكاتب سوري الأصل، ويُعدُّ أحد أبرز الأدباء في العالم العربي، وُلِد "مينه" في 16 أبريل / نيسان عام 1924 في مدينة اللاذقية، وترعرع في قرية السويدية الواقعة بالقرب من لواء الإسكندرون، وأجبره دخول الأتراك إلى القرية على النزوح مع عائلته إلى اللاذقية، فاستقرُّوا في حيِّ المستنقع، وكان "حنَّا مينه" وحيداً لأبويه مع ثلاث بنات، وقد عانى في طفولته من الأمراض التي كادت تودي بحياته.
دخل المدرسة الابتدائية في عمر الثامنة، وحصل على شهادتها في عام 1936، ولم يدخل أي مدرسة بعدها؛ لسوء الأحوال المعيشيَّة والفقر المُدقِع الذي كان يعيش فيه، فعاش حياةً قاسية، وواجه الاستعمار الفرنسي لسورية منذ أن كان في عمر الطفولة، وتنقَّل بين العديد من البلدان، فسافر إلى أوروبا، ثمَّ إلى الصين، لكنَّه في النهاية عاد إلى سوريا.
ساهم "حنَّا مينه" مع عدد من الكتَّاب السوريين، أمثال: "حسيب كيالي" و"مصطفى الحلاج" في تأسيس "رابطة الكتَّاب السوريين" عام 1951، وشارك أيضاً في تأسيس "اتحاد الكتَّاب العرب" عام 1959، ويمتلك في رصيده أكثر من 45 رواية وقصَّة، وتحوَّلت كثير منها إلى مسلسلات تلفزيونية وأعمال سينمائية، وهذا جعل إرثه الأدبي يتركُ بصمة قويَّة في عالم الأدب العربي والثقافة السورية.
الحياة المهنية لحنَّا مينة
عمل "حنَّا مينه" تحت ضغط الفقر في مهن كثيرة، فبدأ العمل وهو صغير بصفة موزِّع لجريدة "صوت الشعب"، ودخل المعترَك السياسي، وناضل ضد الاحتلال الفرنسي منذ أن كان في عمر الـ 12، وعمل حمَّالاً في المرفأ (ينقل البضاعة ويحمل الأوزان) وصبي حلَّاق، وبحَّاراً على السفن، وبدأ الكتابة في عام 1942، فكتب قصصاً قصيرة في صحف ومجلات سورية ولبنانية، وعمل محرِّراً متمرِّناً في جريدة (الإنشاء الدمشقية) براتب 100 ليرة سورية، ثمَّ أصبح رئيس تحرير، وعمل أيضاً في كتابة المسلسلات التلفزيونية، وأسهم في تشكيل الساحة الثقافية والأدبية، كما عمل خبيراً في مديريَّة التأليف والترجمة في وزارة الثقافة في دمشق، وقدَّمَ مجموعة من الروايات التي تميَّزت بالواقعية الاجتماعية، والصدق، والمعاناة التي كانت مصدر إلهام للكثيرين، وكانت أيضاً مساهمة قيِّمة في الأدب العربي المعاصر.
الحياة الشخصية لحنَّا مينه
كانت حياة "حنَّا مينه" الشخصيَّة ملأى بالتفاصيل والمحطَّات المميزة، وتزوَّج من سيدة تُدعى "مريم"، وأنجب من هذا الزواج ولدين، الأوَّل هو "سليم" الذي وافته المنية في الخمسينيات، والثاني هو "سعد" الذي اتَّجه إلى مجال التمثيل التلفزيوني، وأصبح من بين أهمِّ الممثلين الموجودين في ساحة الدراما السورية والعربية، كما أنجب من هذا الزواج أيضاً ثلاث بنات، وهنَّ "سلوى" و"سوسن" و"أمل".
شاهد بالفيديو: أشهر الكتاب والأدباء العرب ومؤلفاتهم
أفكار حنَّا مينه الروائية
تتمحور أفكار "حنَّا مينه" الروائية حول رؤية واقعية اجتماعية تُظهر صراعات الطبقات المختلفة في المجتمع، وتتأثر كتاباته بتجاربه الشخصية، فهو يجسِّد في رواياته معاناة الناس في حياتهم اليومية، مستلهماً الأحداث من مواقفه وتجاربه الشخصية، ويركِّز في أعماله على حياة البحَّارة والبحر في مدينة اللاذقية السورية؛ لأنَّ البحر هو مصدر إلهامه، وهو الموضوع الرئيس في كثير من رواياته.
أنجز "حنَّا مينه" معظم أعماله خلال فترة الانتداب الفرنسي على سورية، وفي الفترة التي تلت الاستقلال مباشرة، وتحوَّلت معظم رواياته إلى أفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية سورية، مثل رواية "نهاية رجل شجاع" التي أصبحت مسلسلاً تلفزيونياً ناجحاً يُظهر قوَّة روح الصمود والتحدي في وجه الصعاب.
الجوائز التي حاز عليها حنَّا مينه
حظي "حنَّا مينه" بمكانة رفيعة تؤكِّد على قيمة إسهاماته الأدبية، وحصل على مجموعة من الجوائز والتكريمات التي تشهد على عظمة وتأثير أعماله الأدبية، ومنها:
- جائزة المجلس الأعلى للثقافة والآداب والعلوم بدمشق عن رواية (الشراع والعاصفة) 1968.
- جائزة "سلطان العويس" على عطائه الروائي في 1991.
- جائزة المجلس الثقافي الإيطالي عن أفضل رواية باللغة الإيطالية (الشراع والعاصفة) 1995.
- وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة 2002.
- جائزة الكاتب العربي
وفاة حنَّا مينه
رحل "حنَّا مينه" في تاريخ 21 أغسطس 2018، ووافته المنيَّة في سوريا بعد صراع مع المرض، وألقَت هذه الفاجعة بظلال الحزن على عشَّاق أدبه، وعلى أنَّ تفاصيل المرض الذي ألمَّ به لم تُكشَف رسميَّاً، ولكن بُثَّ نبأ وفاته على وسائل الإعلام على الرغم من أنَّه كان قد أوصى بعدم نشر خبر وفاته منذ عام 2008، وعبَّر في وقتها عن شعوره بالاكتفاء من الحياة.
أعمال حنَّا مينه
يُعدُّ الروائي السوري البارز "حنَّا مينه" من أبرز الأصوات الأدبية في عالم الأدب العربي المعاصر، فقد ترك هذا الكاتب العظيم وراءه إرثاً أدبياً يتجاوز حدود الزمان والمكان، وقدَّم لنا أكثر من 45 رواية وكتاباً يمتاز كل منها بعمق وتأثير يخاطب القلوب والعقول على حد سواء، وتنوَّعت أعمال "حنَّا مينه" بين الرواية الاجتماعية التي تُظهر واقع المجتمع والتحديات التي يواجهها، وبين الأعمال الرومانسية التي تلامس أوجاع القلوب وأحاسيس الحب والفقدان، وكتب "مينه" بأسلوب يتَّسم بالعمق والصدق، وهذا جعل أعماله تترك بصمة لا تنسى في أذهان القراء.
من أهمِّ أعمال حنَّا مينه الأدبيَّة
| رواية (المصابيح الزرق) 1954 | رواية (الشراع والعاصفة) 1966 | رواية (الثلج يأتي من النافذة) 1969 | 
| رواية (الشمس في يوم غائم) 1973 | رواية (بقايا صور) 1975 | رواية (الأنبوسة البيضاء) 1976 | 
| (ناظم حكمت ثائراً) 1980 | رواية (الياطر) 1980 | رواية (حكايا بحار) 1981 | 
| كتاب (ناظم حكمت وقضايا أدبية وفكرية)1971 | رواية (المستنقع 1977) | رواية (الدقل) 1982 | 
| كتاب (هواجس في التجربة الروائية) 1982 | رواية (المرفأ البعيد) 1983 | رواية (الربيع والخريف) 1984 | 
| كتاب (كيف حملت القلم) 1986 | رواية (القطاف) 1986 | رواية (حمامة زرقاء في السحب) 1988 | 
| رواية (نهاية رجل شجاع) 1989 | رواية (الولاعة) 1990 | رواية (الرحيل عند الغروب) 1992 | 
| رواية (النجوم تحاكي القمر) 1993 | رواية (حدث في بيتاخو) 1995 | رواية (المرأة ذات الثوب الأسود) 1996 | 
| رواية (عروس الموجة السوداء) 1996 | رواية (المرصد) 1997 | رواية (المغامرة الأخيرة) 1997 | 
| رواية (المحاق) 1998 | رواية (الفم الكرزي) 1999 | كتاب (القصة والدلالة الفكرية) 1999 | 
| رواية (حارة الشحادين)2000 | رواية (صراع امرأتين) 2001 | رواية (البحر والسفينة) 2002 | 
| رواية (فوق الجبل وتحت الثلج) 2003 | رواية (حين مات النهد) 2003 | رواية (الرجل الذي يكره نفسه) 2003 | 
| رواية (شرف قاطع طريق) 2004 | كتاب (الرواية والروائي) 2004 | رواية (الذئب الأسود) 2005 | 
| رواية (الأرقش والغجرية) 2006 | رواية (النار بين أصابع امرأة) 2007 | رواية (عاهرة ونصف مجنون) | 
| رواية (امرأة تجهل أنَّها امرأة) 2009 | رواية (أشياء من ذكريات طفولتي) 2010 | كتاب (الجسد بين اللذة والألم) 2012 | 
أشهر أقوال حنَّا مينه
اعتاد قرَّاء روايات "حنَّا مينه" على عباراته الواقعيَّة والرومنسيَّة التي تترك أثراً لا يُنسى في نفوسهم، ومن هذه الأقوال:
- "من غير المناسب، بل ومن المعيب أن يذكر الرجل في حضرة امرأة يحبُّها امرأةً سواها".
- "خرج إلى الشارع، توقَّف أمام باب الفندق، يذهب يميناً أم يساراً؟ ضحك في سره وقال: أيها الشقي، أمضيت عمرك في اليسار، فهل يعقل، بعد كل هذا العمر، أن تذهب يميناً".
- "فهم الناس يحلُّ نصف المشكلة، ويختصر المسافة".
- "صارت الآن قطعة الخبز أعز ما في الوجود. صارت الوجود ذاته".
- "لنجرِّب أن ننسى، وأن نفرح، ونستقبل الحياة بابتهاج".
- "إنَّ أكثرنا تطلُّباً للحبِّ أكثرنا تطلُّباً للأمن، وأكثرنا حاجة للمرأة أكثرنا خوفاً من فقدانها".
- "مهنة الكاتب ليست سواراً من ذهب، بل هي أقصر طريق إلى التعاسة الكاملة".
- "إنَّ البحر كان دائماً مصدر إلهامي، حتى إنَّ معظم أعمالي مبلَّلةٌ بمياه موجه الصاخب".
- "لأدباء العرب، أكثرهم لم يكتبوا عن البحر لأنَّهم خافوا معاينة الموت في جبهة الموج الصاخب".
في الختام
استطاع الكاتب والروائي الكبير "حنَّا مينه" بتفرُّده وإرثه الأدبي الغني أن يحفرَ اسمه بأحرفٍ من ذهب في تاريخ الأدب العربي، وترك لنا ميراثاً يتحدَّث عن الإنسانية والصراعات الاجتماعية بروحه المثابرة وبصوته الأدبي الفريد، وكان رحيله خسارة كبيرة لعالم الأدب العربي، لكنَّ إرثه سيظلُّ حيَّاً في صفحات أعماله التي ستستمر في إلهام الأجيال القادمة.
 
                     
                         
                 
                 
                
أضف تعليقاً