فهو بمنزلة العمود الفقري الذي يرتكز عليه كل عمل فني ناجح، والتكوين الفني ليس مجرد ترتيب عشوائي للعناصر، وإنما هو طريقة دمج مدروسة ومتناسقة لهذه العناصر، فما هو التكوين الفني؟ وما هي أنواعه، وعناصره؟ هذا ما سنناقشه في هذا المقال.
مفهوم التكوين الفني
تعريف التكوين الفني
التكوين الفني هو الطريقة التي تدمج فيها عناصر التصميم الفني معاً؛ لتحقيق تناغم وجاذبية بصرية، ويتضمن هذا المفهوم ترتيب موضوعات العمل الفني الرئيسة، وتنسيقها؛ لتظهر منسجمة ومتكاملة مع بعضها.
ويستخدم مصطلح "التكوين الفني" في الموسيقى والكتابةِ والنحت إضافة إلى الفنون البصرية، ويشير إلى كيفية تنظيم وترتيب العناصر المختلفة داخل العمل الفني.
أهمية التكوين الفني
يجب على كل فنان أن يتعلم أسس ومبادئ التكوين الفني، إلا أن أهمية هذه المهارة غالباً ما تتجاهل، فيؤثر ذلك سلباً في هيكل العمل الفني.
فمثلاً: تصبحُ المقطوعة الموسيقية فوضوية إذا لم تعزف الموسيقي في الوقت المناسب، أو إذا كانت النغمات خاطئة، فيفسد التكوين العام للأغنية؛ لذلك يجب أن يكون كل جزء من العمل الفني مرتباً ومصمماً بطريقة تتيح له الظهور بأفضل صورة ممكنة.
على ماذا يعتمد التكوين الفني؟
لا توجد صيغة واحدة لتكوين فني جيد، ولكن توجد بعض المبادئ الأساسية التي يمكن تطبيقها على معظم الأعمال الفنية لتحقيق تركيبة ممتعة، ولكن تحديد هذه القواعد ليس دائماً بالأمر السهل، إذ يعتمد الأمر على أسلوب الفنان وحدسه الفريدين، ويقول كثير من الأشخاص إن التكوين الجيد يجب أن يكون متوازناً، مع إعطاء نفس القدر من الاهتمام لكل عنصر من عناصر العمل الفني.
من ناحية أخرى قد يختار بعض الفنانين التركيز على أجزاء معينة من العمل التي يعدونها أكثر أهمية، بينما يسعى بعضهم الآخر إلى إنشاء تركيبة بسيطة، ويركز آخرون على اختيار أسلوب أكثر تعقيداً وانتقائية.
عناصر التكوين الفني
تعد عناصر التكوين الفني الأساس الذي يقوم عليه أي عمل فني ناجح، وهذه العناصر هي المكونات البصرية التي يستخدمها الفنانون لبناء وتشكيل أعمالهم الفنية بطرائق تعبر عن رؤيتهم الفنية، وتحقق التأثير المطلوب في الجمهور، ولكل عمل فني خصائصه التي تميزه عن غيره من الأعمال الفنية.
أهم عناصر التكوين الفني:
1. الخصائص الفيزيائية، والملموسة، والشكلية
تشمل عناصر التكوين الفني الخصائص الفيزيائية والملموسة والشكلية التي تميز كل عمل فني عن غيره، وتشمل هذه الخصائص الحجم، واللونَ، والملمس، والمادة التي يبنى العمل منها، فهي لا تبين التقنية المستخدمة فقط، بل تظهر أيضاً رؤيةَ الفنان ونيةَ العمل، ومن خلال دراسة وفهم هذه العناصر، يمكننا التعمق في فهم الرسالة والتأثير الذي يسعى الفنان إلى تحقيقه من خلال عمله الفني.
2. معنى العمل وما يمثله
إن فهم مغزى العمل الفني وما يعبر عنه مرتبط بأسلوب تقديم قصته، سواء من خلال الرسم، أم النحت، أم الموسيقى، إضافة إلى كيفية استيعابه وتفسيره من قبل المجتمع، ويشار إليه في بعض الأحيان بمصطلح (الأيقونة الفنية)، ويصبح تعبيراً رمزياً يتمثل بقيم ومفاهيم معينة في الثقافة والمجتمع.
3. السيرة التاريخية والجغرافية للعمل الفني
يرتبط هذا الجانب من العمل الفني بالثقافة والتاريخ والمكان الذي أنشئ فيه، وطريقة تأثر الثقافة المحلية فيه، ويمتد هذا المفهوم ليشمل جميع أشكال الفنون.
4. كمية التفاصيل
يعد مقدار التفاصيل الموجودة في تكوين العمل الفني من أهم خصائص بنائه، فاستخدام المقدار الصحيح من التفاصيل يجعل التكوين الفني جيداً، وذلك من خلال عدم المبالغة الزائدة فيها أو التقليل منها، وهذه الخاصية ترتبط بالفنون البصرية، كالرسم والنحت.
5. استخدام الضوء والظل
ترتبط هذه السمة بكل فنون الرسم، ويمكن أن يؤدي الضوء والظل دوراً بارزاً في تحسين جودة ومظهر العمل الفني، وغالباً ما يكون توزيع الإضاءة هو العنصر الذي يجعل اللوحة تبرز، ومن الأمثلة البارزة عن أهمية استخدام الضوء والظل في الفن، مشاهد شروق الشمس في النهار، فهي تتميز بجو مختلف تماماً عن الليالي التي تضاء بضوء القمر، كما يساعد الاستخدام الصحيح للضوء والظل على جعل العناصر الفنية تبدو ثلاثية الأبعاد، وهذا يزيد من واقعية العمل.
من أهم أساسيات التكوين الفني، دمج العناصر المختلفة للعمل الفني معاً بتناغم، ويمثل هذا الجانب الأساس لبناء العمل الفني وكماله، وهكذا نرى أن الفنان يعتمد على أساليب التكوين الفني المتنوعة لإكمال عمله، ونجد مثلاً أن التكوين الأفقي يشعر المشاهد بالهدوء والاستقرار، ولا يمكن فصل أنواع التكوين الفني عن خصائص بناء العمل الفني ومن ذلك الخصائص الفيزيائية والشكلية، إذ يرتبط كل منهما بالآخر بشكل وثيق.
إقرأ أيضاً: ما هو فن الكولاج وما هي أنواعه؟
أنواع التكوين الفني
يعد تنوع وتعدد أساليب التكوين الفني من الجوانب المثيرة في عالم الفن التي يستخدمها الفنانون للتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم، ويشكل التكوين الفني أساساً هاماً في إنشاء الأعمال الفنية المتميزة.
من أنواع التكوين الفني:
1. التكوين الأفقي
يعد التكوين الأفقي أحد أنماط التكوين الفني البارزة والمعروفة، ويعكس وجهة نظر الإنسان إلى العالم من حوله، ويميل الفنانون إلى استخدام هذا النوع من التكوين في ترتيب المشاهد المرئية مثل التصوير، وهذا ما يمنح المشاهد إحساساً بالاستقرار والهدوء، كما يتميز التكوين الأفقي بالأجسام التي تكون موازية لسطح الأرض، فيعزز الشعور بالثبات والتوازن، ويعد هذا النوع من التكوينات مثالياً عندما يرغب المشاهد في استكشاف تفاصيل العمل الفني بدقة وشمولية.
2. التكوين الهرمي
يعرف التكوين الهرمي بأنه هيكل يشبه الهرم في طريقة تشكله، ويعتمد على مبدأ التراتبية البصرية لترتيب العناصر الفنية وفقاً لأهميتها، ويعد هذا الأسلوب من أكثر التقنيات شيوعاً في فن التصميم، ويرتب المصممون الخصائص المرئية بمنطقية واستراتيجية، كما يتيح التكوين الهرمي للفنان إمكانية التدرج في حجم العناصر وتباين الألوان، ويسهم ذلك في توجيه انتباه المشاهد، وإبراز العناصر الأساسية في العمل الفني بوضوح.
3. التكوين الانتشاري
يشير التكوين الانتشاري إلى توزيع العناصر في العمل الفني بطريقة تنتشر كالأشعة، ويعرف أيضاً باسم "التكوين الإشعاعي"، ويستخدم هذا النوع من التكوين في مختلف الفنون البصرية، وكذلك في الشعر، ويعود الفضل في استكشاف وتوظيف التكوين الانتشاري إلى العلماء الذين اكتشفوا الأشعة السينية، فألهم ذلك الفنانين لاحقاً لاستخدام هذه التقنية بذكاء في الفنون البصرية.
4. التكوين العشوائي غير المنتظم
ينشأُ العنصر المرئي في التكوين العشوائي غير المنتظم من خلال تكرار عناصر العمل الفني أو ترديدها بنمط معين؛ لتحقيق الإحساس بالتوازن، أو الانسجام، أو التباين، أو الإيقاع، وثمة نوعان رئيسان من الأنماط في الفن: الأنماط الطبيعية والأنماط التي يصنعها الإنسان، ويمكن أن تكون هذه الأنماط منتظمة أو غير منتظمة، ويعتمد التكوين العشوائي أو غير المنتظم على توزيع العناصر المشكلة للعمل الفني بطريقة عشوائية وغير منظمة دون اتباع نمط معين.
5. التكوين المنحني
يستخدم التكوين المنحني في الفنون التشكيلية لإبراز الاستدارة، ولفت نظر المشاهد إلى طريقة انحناء الأشكال، واستدارة المجسمات في اللوحات، وتتوزع هذه الانحناءات بشكل قطري، وهذا يفصل بين مناطق الضوء والعتمة، كما يحرص الفنان على مراعاة الإضاءة عند استخدام تقنية التكوين المنحني، فيجب أن تكون الإضاءة معكوسة لإبراز التباين بوضوح.
6. التكوين المحوري
يشير التكوين المحوري إلى تجمع عناصر البناء الفني حول محور مركزي أو مجموعة من المحاور المركزية، وتكمن أهمية هذا التكوين في أن العمل الفني يدور حول محور معين تكون حركات الفنان فيه عفوية وخالية من أي نية تصميمية محددة؛ بمعنى أن الفنان لا يسعى نحو هدف نهائي بل يتوقف عندما يشعر بضرورة التوقف، ويستخدم هذا التكوين بكثرة في فن الرسم.
7. التكوين القطبي
يظهر التكوين القطبي بثبات في العمل الفني بوصفه نتيجة نهائية، ويفهم التكوين القطبي بأنه المظهر الذي ينتج عن توحيد وتماسك وانسجام وتشابه العناصر الفنية في العمل، ويعبر الفنان عن هذا التكوين في تكوينه الفني من خلال اللون، والشكل، والملمس، كما يظهر التكوين القطبي التباين أو التنوع، إضافة إلى رؤية الوحدة في التناظر، أو التكرار، أو التقريب لأشكال متنوعة داخل العمل الفني الواحد، وهذا يظهر الوحدة على الرغم من استخدام مجموعات متباينة ومتناقضة من العناصر الفنية.
في الختام
يظهر أن التكوين الفني يمثل جوهر الإبداع في مجالات عدة من الفنون، لا سيما الرسم والتصوير والفنون البصرية، وعلى تنوع واختلاف أنواع التكوين الفني، إلا أن التكوين الأفقي يبرز بوصفه أحد أهم أشكاله، إذ يعكس نظرة الإنسان للعالم من حوله، أما التكوين الهرمي، فهو الأكثر شيوعاً واستخداماً في فن التصميم، وهذا يؤكد أهمية هذه الجوانب المتنوعة والمختلفة من التكوين الفني في إبراز الجمال والتعبير الفني.
أضف تعليقاً