ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب داريوس فوروكس (Darius Foroux)، ويشرح فيه النزعة الاستهلاكية، ويقدِّم أمثلة من تجربته الشخصية.
أحد أصدقاء عائلتنا رجلٌ فاحش الثراء، ويُقدَّر صافي ثروته بالمليارات، وتُعدُّ مرسيدس (Mercedes) ماركة السيارات المفضلة لديه؛ لأنَّ والده وجدَّه لطالما امتلكا سيارةً من هذه الماركة، وهذا ما جعله وشقيقه من عشاق هذا النوع أيضاً.
عندما درسنا في الجامعة، كان دائماً يقود سيارة مرسيدس من طراز إي مارسيدس كلاس (Mercedes E-Class)، أخبرني ذات مرة كيف كان يقوم مع شقيقه بتعديل سيارتهما؛ إذ قال: "نذهب مرةً كلَّ أربع إلى خمس سنوات إلى وكالة السيارات لنشتري السيارة نفسها تماماً، لكن بإصدارٍ أحدث. يعرف الأشخاص هناك ما نريده بالضبط؛ لذا فنحن نذهب لنوقِّع فقط".
لقد كانت هذه إحدى الطقوس بالنسبة إليهم، يشتريان الطراز نفسه واللون نفسه (يختار سيارته باللون الفضي ويختار شقيقه اللون الأسود)، والهيكل نفسه، لكن بإصدارٍ أحدث، ومنذ نحو ثماني أو تسع سنوات، تبدلت الأمور بالنسبة إليهما؛ إذ كانت سيارة مرسيدس من طراز إس كلاس (Mercedes S-Class) الفاخرة للغاية خيارهما الجديد.
عندما تحدثت معه لاحقاً، كان ما يزال يقود سيارته طراز 2017، ولم يعد شراء سيارة جديدة يحتلُّ قائمة أولوياته، وعندما سأله والدي عن موعد اقتناء الطراز الجديد، أجاب بأنَّه أمرٌ مؤجَّلٌ حالياً.
الأثرياء مُلَّاك، وليسوا مستهلكين:
الأشخاص الأثرياء الذين أعرفهم ليسوا مستهلكين؛ بل مالكون، ولديهم ممتلكات وشركات ويقدمون قروضاً، وغالباً ما يُقرضون الأفراد والمؤسسات مالاً بدلاً من اقتراضها لشراء منتجات استهلاكية، ويقوم اقتصاد العالم على النزعة الاستهلاكية، والشغل الشاغل للمجتمع الحديث هو الحصول على السلع الاستهلاكية.
نحن نعمل لأنَّنا بحاجة إلى المال لشراء المنتجات، والاستمتاع بتجارب جديدة، والحصول على قروض عقارية كي نتمكن من شراء منازل، ويفتقر معظم الناس إلى وجود مدَّخرات أو ممتلكات مدرة للدخل، في حين يركزون على شراء المنتجات ويصبحون مدينين، وإذا ما فكَّرت بالسبب الذي يجعل الأثرياء يؤجلون شراء سيارة جديدة، ستجد بالتأكيد أنَّهم لا يرغبون في إنفاق مال كثير، لكن يعود السبب في الغالب إلى أنَّهم يفهمون مبدأ العرض والطلب.
شاهد: 8 طرق يدّخر بها الأغنياء أموالهم
شراء الممتلكات بدلاً من البضائع:
عليك شراء الممتلكات الأكثر طلباً، والمنخفضة الكلفة بطبيعة الحال لكي تصبح ثرياً؛ فالشركاتُ والأفراد الذين هيمنوا على صناعة الكمامات في بداية أزمة فيروس كورونا، سيطروا على العالم لفترة قصيرة.
لكن فهم مبدأ العرض والطلب غير كافٍ؛ إذ يجب أن تكون مستعداً لتقلبات السوق وعازماً على الاستمرار، وإذا كنت تمتلك سيارةً جيدةً تقودها لمدة 10 سنوات، فيمكنك قيادتها بسهولة لعامٍ آخر.
ما من داعٍ للاستعجال؛ لكنَّ المستهلكين دائماً في عجلةٍ من أمرهم، ويندفعون إلى شراء أحدث هاتف ذكي، أو أحدث سيارة أو تلفزيون أو قارب أو جهاز أو ديكور منزلي أو سترة أو حذاء، وكلُّ ما يخطر ببالك، وفي سبيل الحصول على هذه الأشياء، يصبحون مدينين، ممَّا يقضي على فرصهم بأن يصبحوا أثرياء.
يعتقد معظم الناس الآن أنَّهم ليسوا مستهلكين؛ لأنَّهم يشترون الملابس القديمة، ويوفرون بعض المال، وينفقونَه على الاستمتاع بتجارب جديدة بدلاً من ذلك، ويخدعهم عالم الدعاية والإعلان.
في الختام:
نلاحظ وجود توجه سائد منذ فترة؛ إذ روَّجت العلامات التجارية فيه لفكرة الاستمتاع بالتجارب لجذب الشباب، فأقنعوا الناس أنَّ من الأفضل الذهاب في إجازة أو القيادة لخمس ساعات لتناول الطعام في أحد المطاعم الفاخرة، وهكذا بدلاً من استهلاك البضائع، يستهلكون التجارب ببساطة، وهذا النشاط الأساسي نفسه، لكنَّ الوجهة مختلفة.
ربما كانت هذه أذكى خطوة في مجال الدعاية والإعلان خلال العقد الماضي؛ إذ اعتُمدت كذلك لبيع الأجهزة والهواتف الذكية، فتجدهم يروِّجون لفكرة أنَّك تحتاج إلى هذا الهاتف الذكي الجديد المزود بأفضل كاميرا على الإطلاق كي تتمكن من توثيق عطلتك الرائعة.
إنَّها استراتيجية تسويق فعالة للغاية، لكن لها عواقب سلبية على صافي ثروتك، ولهذا السبب يتجنب الأثرياء النزعة الاستهلاكية؛ وذلك لا يعني أنَّهم لا يستهلكون أبداً؛ فهذا أمرٌ مستحيل؛ لكنَّ الفرق هو أنَّ هدفهم الأساسي ليس الحصول على سلع أو الاستمتاع بتجارب جديدة؛ بل شراء الممتلكات.
أضف تعليقاً