ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المدوِّنة "سيليستين تشوا" (Celestine Chua)، وتُحدِّثنا فيه عن تجربتها في إيجاد وظيفتها المثالية.
الحقيقة هي أنَّ الوسائل التي نستخدمها للتعبير عن أنفسنا غالباً ما تكون مؤقتة؛ إذ تتضمن هذه الوسائل المهن التي نختارها ووظائفنا وأدوارنا في المجتمع، وما إلى ذلك؛ لكنَّ الرسالة التي نريد إيصالها إلى العالم دائمة؛ لذلك إذا ركَّزنا على رسالتنا بدلاً من وسائل التعبير عن أنفسنا، فإنَّ ذلك سيترك لنا منافذ لا نهاية لها نستطيع استخدامها للتعبير عن رسالتنا، وما نعنيه بالرسالة هو هدف حياتنا، وما نريد تحقيقه وتقديمه إلى هذا العالم من خلال وجودنا فيه.
رسالتي في الحياة على سبيل المثال، هي التأثير في حياة الآخرين، ومساعدتهم على تحقيق أقصى إمكاناتهم والعيش بصورة أفضل وتحقيق أقصى إمكاناتي والعيش بوعي وبحرية في ظل الحقيقة والحب والقوة؛ ومن ثَمَّ أنا أستخدم أنواع الوسائل جميعها حولي للتعبير عن هذه الرسالة؛ إذ أستخدم مدوَّنتي لكتابة مقالات لمساعدة الآخرين على النمو وعيش حياتهم بصورة أفضل، وأقدِّم الكوتشينغ الفردي لإظهار أفضل ما لدى الآخرين، وأدرِّب وأتحدث لمساعدة الآخرين على إيجاد حياة ذات معنى، فهذه هي الوسائل الثلاث التي وجدت أنَّها الأكثر توافقاً مع رسالتي قبل أن أبدأ بمتابعة شغفي لأول مرة منذ سنوات.
هذه الوسائل في الوقت نفسه ليست دائمة، وفي أي وقت تصبح فيه الوسيلة غير متوافقة مع رسالتي أتخلَّص منها، ففي العام الماضي عندما طوَّرتُ نفسي باستخدام الوسائل جميعها، وجدت أكثر أمر مناسب لي هو التدوين، أحب بالطبع التحدُّث، وأشعر بسعادة غامرة بالتعرف إلى أشخاص جدد والتواصل معهم خلال ورش العمل الخاصة بي؛ لكنَّ التحدث أو التدريب ليسا وسيلةً فاعلةً مقارنة بالتدوين؛ إذ أستطيع الوصول إلى أشخاص كثيرين في وقت واحد.
أما بالنسبة إلى التحدُّث، يجب أن أكون حاضرةً في كل تدريب أو خطاب، ويحتاج الأمر إلى وقت طويل لتحضير المحتوى والمواد، أنا أستمتع بالتحدُّث وأخطط لمواصلته، لكن ليس بوتيرة عالية مثل ما أفعل الآن.
أنا أستمتع بالكوتشينغ الفردي، فقد منحني العمل مع الآخرين أفكاراً كثيرة عن حياتهم ورؤيتهم؛ فهم يتطورون في كل خطوة وهي تجربة مجزية جداً، لقد تعرَّفتُ إلى أشخاص رائعين كثيرين من خلال الكوتشينغ الفردي وما زلت على تواصل بمعظم عملائي السابقين، ومع ذلك تتطلب طبيعة الكوتشينغ الفردي استثماراً كبيراً في الوقت والجهد، وهي ليست فاعلة لأنَّني لا أستطيع سوى مساعدة شخص واحد في كل مرة.
مرةً أخرى، أحب الكوتشينغ الفردي والخبرة التي منحها لي؛ لكنَّني أخطط لتقليل الوقت الذي أخصِّصه للكوتشينغ الفردي من الآن فصاعداً.
إقرأ أيضاً: 11 جملة تقولها في مقابلات العمل تقضي على فرصتك في الوظيفة
إنَّ التدوين من ناحية أخرى يتناسب بصورة كبيرة مع قيمي الشخصية، وأحب المرونة والفاعلية، والتدوين يمنحني ذلك بالضبط، وتأتي المرونة من أنَّ التدوين لا يتطلب أن أكون في موقع جغرافي ما؛ إذ تستطيع الكتابة في أي وقت أريده وفي أي مكان أريده، كما أستطيع التدوين في أثناء وجودي في أي مكان يوجد فيه اتصال بالإنترنت.
يعدُّ التدوين أيضاً فاعلاً جداً، فهو يتيح لي الوصول إلى أشخاص عديدين عبر موقع واحد، كما أنَّني أستطيع من خلاله الوصول إلى العالم والتواصل مع أي شخص لديه اتصال بالإنترنت، فهو وسيلة لا حدود لها، ليس ذلك فحسب؛ بل ستبقى المقالات التي أكتبها موجودة دوماً ليقرأها الجميع؛ إذ يستطيع أي شخص قراءة المقالات حتى لو كنتُ نائمة أو مسافرة أو بعيدة عن الكمبيوتر، والاستفادة منها.
لذا فحضوري الفعلي ليس مطلوباً حتى يكتسب الآخرون قيمةً من كتاباتي السابقة، فكل ما يتطلبه الأمر بالنسبة إليَّ هو استثمار ساعات أو أيام عدة في كتابة المقال، ويستطيع الجميع سواء القرَّاء الحاليين أم المستقبليين، الاستفادة منه بعد أن أنشره على الإنترنت.
لذا سأُقلِّل الوقت الذي أقضيه في التدريب والكوتشينغ الفردي من الآن فصاعداً، وأخصِّص ذلك الوقت للتدوين، وأُجري التدريبات التي تتناسب مع أهدافي الشخصية والمهنية فقط، فقد أجريت في الماضي تدريباً مهنياً، وهو ما لا يتوافق مع جوهر عملي وهو التطوير الشخصي، وعدَّلتُ الكوتشينغ الفردي ليصبح بمنزلة استشارة شخصية أشارك فيها العميل نصائحي وتجاربي جميعها في جلسة استشارة واحدة.
سأستكشف أيضاً وسائل أخرى لأنَّني أفضِّل الفاعلية، فربما تكون أوسع نطاقاً، ممَّا يتيح لي الوصول إلى أشخاص عديدين من خلال طريقة صوتية أو مرئية.
شاهد بالفيديو: 17 مهارة ضرورية للحصول على وظيفة ناجحة
الإخلاص لرسالتك وليس للوسيلة:
يجب أن تكون أكثر ولاء لرسالتك وليس للوسيلة؛ فولائي لرسالتي، يتيح لي طرائق كثيرة مختلفة للتعبير عنها، فأنا لا ألتزم ببعض الوسائل لمجرد أنَّني أستخدمها؛ بل أنظر باستمرار إلى رسالتي وأسأل نفسي: "ما هي الوسيلة التي تسمح لي بتحقيق هدف حياتي بأفضل طريقة ممكنة؟ وما هي الوسيلة التي أستطيع من خلالها الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الأشخاص، ومنحهم أفضل قيمة يستطيعون الحصول عليها في حياتهم كلها؟".
يمنحني ذلك باستمرار أفكاراً جديدةً عن طريقة القيام بعملي بصورة أفضل، فإنَّ طرح هذه الأسئلة هو الذي أعطاني فكرة التدوين أو الكتابة للوصول إلى الآخرين في البداية؛ وفكرة استخدام التلفاز أو الفيديو بوصفها وسيلة محتملة للوصول إلى الآخرين، وسأواصل استكشاف وسائل أخرى عديدة في المستقبل.
إنَّ معظمنا لسوء الحظ، يتمسك بالوسيلة وليس بالرسالة؛ فنحن نلتزم بوظائفنا أو بمناصبنا الحالية بشدة، فنتساءل كيف نتجاوز هذه الوسيلة الحالية، ولا نستطيع إيجاد أي طريقة للمُضي قُدماً؛ لأنَّ وسيلتك غير قادرة على التعبير عن رسالتك؛ فالوسائل ينتهي مفعولها؛ لكنَّ الرسائل لا تنتهي.
إذا واصلت التفكير في وسيلة منتهية الصلاحية، فلن تحصل على أي حل ممكن، يبدو الأمر كأنَّك تحاول الوصول إلى موقع باستخدام خريطة قديمة؛ إذا لم تصل إلى المكان الذي تريد أن تذهب إليه؛ فذلك لأنَّ الخريطة غير مفيدة أيَّاً كان المسار الذي تستطيع أن تقدمه لك فلن يتوافق مع واقعك.
الرسالة والوسيلة أمران منفصلان:
الرسالة هي رسالتك أنت، بينما الوسيلة الحالية هي مجرد وسيلة، فهما أمران منفصلان تماماً؛ لذلك لا تخلط بينهما.
تخيَّل كوباً من الماء كتشبيه بسيط لذلك، هل الماء هو الكوب نفسه؟ بالطبع لا، كيف يمكن أن يكونا متشابهين؟ من الواضح أنَّ الماء هو الماء، والكوب هو مجرد كوب، والعلاقة بينهما هي أنَّ الكوب وسيلة مؤقتة للاحتفاظ بالماء.
بالمثل، فإنَّ مهنتك أو وظيفتك الحالية هي مجرد وسيلة مؤقتة للتعبير عن رسالتك للعالم، بدلاً من الإفراط في القلق بشأن حالة حياتك المهنية الحالية وطريقة نجاحها، فيجب أن يكون سؤالك الرئيس هو ما إذا كانت هذه المهنة تسمح لك بالتعبير عن رسالتك في الحياة بأفضل طريقة ممكنة، وتأتي الوسائل وتذهب، أما الرسائل فتبقى، ومن الممكن أن يبدأ المرء بوسيلة تبدو مناسبة في البداية ليتجاوزها لاحقاً.
إذا كانت وسيلتك الحالية لا تناسبك بالفعل، فلن تشعر بالرضى أبداً، وإذا لم يكن لديك المنافذ الإعلامية المناسبة لإيصال رسالتك إلى العالم، فستشعر بأنَّك لم تنجح، كأنَّ ثمة حلقة مفقودة، ولا تعرف ما هي.
كان هذا ما شعرتُ به عندما عملتُ في شركتي السابقة لإدارة العلامات التجارية، لم أشعر بأنَّني في المكان المناسب، على الرَّغم من أنَّني عملت في شركة كان شعارها "تحسين حياة الآخرين"، ممَّا لا شك فيه أنَّ الشركة أدت إلى تحسين حياة الكثيرين وستستمر في القيام بذلك؛ لكنَّني لم أرَ فيها وسيلة أريد استخدامها لإيصال رسالتي إلى العالم.
أنا شغوفة جداً بمساعدة الآخرين على النمو من خلال العمل مباشرة على جوهر الحياة والعيش بوعي، وليس عبر التعلق بوسيلة، هذا هو السبب في أنَّني تركت عملي في النهاية لمتابعة شغفي الحالي؛ وذلك عبر الوسائل التي لديَّ شغف بها، وهي التدوين والتحدُّث والكوتشينغ الفردي كما ذكرنا آنفاً.
في الختام:
لقد تحدَّثتُ في هذا الجزء من المقال عن 3 وسائل مناسبة لإيصال رسالتي إلى العالم، ثم اخترتُ الوسيلة الأفضل لي، وفي الجزء الثاني والأخير منه سأُتابِع الحديث عن أفكار أخرى، فتابعوا معي.
أضف تعليقاً