ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتبة "إرين فالكونر" (Erin Falconer)، وتُحدِّثنا فيه عن أهمية القبول في تجاوز الظروف الصعبة.
أهمية القبول في تجاوز الظروف الصعبة:
برز مفهوم جديد في المدة الأخيرة في مجال المساعدة الذاتية، وينصح هذا التوجه الجديد بالاستمتاع بالمصائب التي تفرضها الحياة على الأفراد، وروَّج لعبارات فارغة من مثل: "قبول المخاوف" و"تجاوز منطقة الراحة" و"التفكير الإبداعي" وما إلى ذلك.
لا توجد فائدة تُذكَر من هذه العبارات المُبتذلة؛ لأنَّ الحياة تقسو في بعض الأحيان على الإنسان؛ وذلك عندما يتعرض لظروف صعبة مثل الطلاق أو خسارة المنزل أو العمل أو الإصابة بمرض مزمن.
لا يمكن أن يتجاهل الإنسان مشاعر الاستياء التي تنتابه في مثل هذه الظروف القاسية، وليس بوسع عبارات التحفيز الإيجابية المُبتذلة أن تحل مشكلته؛ بل إنَّها تزيد الوضع سوءاً في بعض الأحيان.
تؤدي قراءة نصائح تحسين الوضع وأساليبه إلى زيادة شعورك بالاستياء والإحباط؛ لأنَّك لن تحصل على النتائج التي تتمناها وتتوقعها من قراءة المقالات، وعندها ستفكر بأنَّك يجب أن تحصل على نتيجة معينة؛ لكنَّ وضعك ما زال على حاله، وفي هذه المرحلة ستبدأ بالتشكيك وإلقاء اللوم على نفسك، وربما تراودك أفكار مثل:
- "يجب أن أكون قادراً على التعامل مع المشكلة بفاعلية أكبر".
- "يجب أن أشعر بالتحسُّن؛ لأنِّي أعترف بمخاوفي وأواجهها كما يُفتَرض".
- "يجب أن أتجاوز منطقة راحتي وفقاً لهذا المقال، ولقد تجاوزتها بالفعل، واتبعت الخطوات الواردة كلها في المقال؛ لكنَّ شعوري لم يتغير، ويجب أن يتحسَّن شعوري".
- "يجب أن تتحسَّن أحوالي؛ لكنَّ شيئاً لم يتغير حتى الآن، أنا لا أطبِّق الخطوات تطبيقاً صحيحاً".
أنت تتصرف تصرفاً صحيحاً، ولقد تعرضتَ لظروف صعبة؛ ومن ثَمَّ من الطبيعي أن تشعر بالاستياء، ولا يُفترَض أن تحب أو تستمتع بالمصائب والمحن، فيوجد اختلاف كبير ما بين قبول الموقف والاستمتاع به، وتستطيع بالتأكيد أن تقبل الظرف الصعب دون أن تحبه أو تستمتع به وفقاً للاقتباس المذكور في بداية المقال.
اشتُقت الكلمة الإنجليزية "accept" والتي تعني "يقبل" من الفعل الفرنسي "accepter"، والذي كان معناه "أن تأخذ ما يُقدَّم إليك"، ومع مرور الوقت أصبحت الكلمة تعني: "أن تأخذ أو تتلقى طواعيةً"، وتستطيع أن تتلقى شيئاً ما طواعيةً دون أن تحبه أو تحفل بحيازته وتسعد به أو بوجوده في حياتك.
شاهد بالفديو: 8 ظروف صعبة استثمرها لصالحك
مثال:
عانت صديقتي الراحلة "روث" (Ruth) من سرطان الثدي المنتشر، لقد خفنا وقلقنا من الأعراض الجانبية للعلاج الكيميائي في البداية، فأخبرت "روث" طبيب الأورام بمخاوفها، فقال لها العبارة الآتية:
"لا تقاومي يا روث، يجب أن تقبلي العلاج الكيميائي والأعراض الجانبية الناجمة عنه، وتثقي بأنَّه سيساعدك على الشفاء"، لم يطلب منها أن تستمتع بالعلاج أو التجربة، ولا أن تحب الأعراض الجانبية؛ بل نصحها بقبول العلاج كما هو دون مقاومة.
لقد قَبِلَت بالظرف الصعب، على الرَّغم من معاناتها من الأعراض الجانبية المرافقة للعلاج الكيميائي من غثيان وإقياء وإرهاق وألم، ولم تعجبنا التجربة على الإطلاق؛ لكنَّنا قبلنا بها بلا مقاومة؛ لأنَّها فُرِضت علينا، وليس بوسعنا أن نتجنبها؛ بل نحن مجبرتان على خوضها شئنا أم أبينا.
ربما يتساءل بعضنا عن المكاسب المتوقعة من القبول، ولقد أتاح لنا هذا القبول إمكانية تجزئة التجربة، فمع أنَّنا لا نحب هذا الجزء منها، فإنَّنا نقبلها ككل، كانت مشاعرنا متناقضة؛ وذلك لأنَّنا كرهنا الأعراض الجانبية، وسخرنا منها في آنٍ معاً.
لقد اشتد مرض "روث" في مرحلة معينة؛ لكنَّها قابلت معاناتها بالسخرية والضحك والتهكم، هذا لا يعني أنَّها كانت سعيدة في أثناء العلاج؛ بل قبلته لأنَّه فُرِض عليها، رغم انهيارها وشعورها بالإحباط والعجز في بعض الأوقات.
كان السرطان قد انتشر في الكبد عندما شُخِّص؛ ما يعني أنَّ حالتها كانت حرجة وخطرة جداً، وقد توقع الأطباء حينها أنَّها ستعيش نحو 9-18 أشهر في أحسن الأحوال، ولقد عاشت "روث" لمدة 4 سنوات رغم إصابتها بالسرطان المنتشر في مراحله المتقدمة؛ لأنَّها قررت ألَّا تقاوم المرض والعلاج.
لم تحب "روث" تجربة العلاج، ولا المرض؛ لكنَّها قبلتها، ولقد عاشت لمدة أطول من المتوقع، وكانت حياتها في أثناء معاناتها من مرض السرطان هادفة وحافلة وذات معنى؛ لأنَّها قبلته طواعية ولم تقاومه، وتوفيت "روث" وهي سعيدة وراضية جداً، ولم تكن نادمة على أي شيء.
في الختام:
لا يجدر بك أن تحب المصائب التي تعترضك في الحياة؛ بل من الطبيعي أن تشعر بالاستياء والسخط، ويجب أن تقبل بها طواعية حتى تعيش حياة مثمرة وهادفة وذات معنى كما فعلت الراحلة "روث".
أضف تعليقاً