ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتبة "آيزا آدني" (Isa Adney)، وتُحدِّثنا فيه عن التجارب الفاشلة التي يتعرض لها المبدعون والعباقرة قبل إنتاج الأعمال الإبداعية البارزة.
لذا أود أن أخبركم يا معشر المبدعين بأنَّ جميع معارفي المبدعين منهم والعباقرة قضوا سنوات طويلة في إنتاج أعمال لا ترقى للمستوى المطلوب، وتفتقر للحس الإبداعي والخصوصية التي تؤهلها لتحقيق النجاح، ويعتمد هؤلاء المبدعون على ذوقهم الرفيع وخبرتهم في تقييم أعمالهم، فهذه المرحلة حتمية ولا مفر منها في جميع المجالات الإبداعية، لذا يجب أن تدركوا أنَّ هذه المرحلة طبيعية تماماً ولا تستدعي القلق حتى تستطيعوا تجاوزها.
إذ يتطلب تجاوز هذه المرحلة إنتاج عدد كبير من الأعمال الإبداعية، ومن ثم تضمن لك هذه الطريقة تحسين جودة أعمالك والوصول لمستوى طموحاتك، فمن الطبيعي أن تستمر هذه المرحلة لفترة من الزمن، وأنت تحتاج إلى الجد والعمل والاجتهاد في أثناء ذلك".
الفشل في تحقيق النجاح:
ازداد اهتمامي بالمرحلة التي تسبق تحقيق النجاح، وكنت مستعدة للقيام بالمطلوب ومواصلة الإبداع والابتكار بكل ما أوتيت من عزم وأمل وشغف ومتعة إلى أن تعرضتُ لفشل ذريع.
أدركتُ حينها سبب عجز بعضهم عن تجاوز هذه المرحلة وفقاً لاقتباس "غلاس"، لا يعود سبب استسلامهم إلى ضعف إمكاناتهم وقدراتهم الإبداعية، وإنَّما إلى صعوبة المرحلة بحد ذاتها؛ لذا يجب أن يدرك الفرد أنَّ الفشل مرحلة حتمية وطبيعية لتحقيق النجاح في نهاية المطاف.
لقد فشلتُ في تجاوز هذه المرحلة مراراً وتكراراً، وحاولت أن أتوقف وأستسلم، فكنت أرغب بالاستسلام من صميم قلبي جراء الألم والإحباط الذي لحق بي في ذلك الوقت، وليس ثمة أصعب من العمل والاجتهاد في سبيل مستقبل مجهول وغير مضمون.
ساعدني اقتباس "غلاس" على مواصلة الجد والعمل والإيمان بوجود مستقبل مشرق أصل فيه لمستوى الإبداع المطلوب.
كانت تراودني مشاعر انعدام القيمة والأهمية والافتقار للموهبة في بعض الأحيان، ورحتُ أشكُّ في قدرتي على تحقيق طموحاتي، وفكرت حينها أنَّني أفتقر للموهبة اللازمة ولن أصل لمستوى الإبداع المطلوب.
التغير المفاجئ لسير الأحداث:
أحاول أن أستفيدَ من مصادر الإلهام عندما أفقد ثقتي بنفسي وموهبتي، وبناءً على اقتراح أحد أصدقائي في وقت كنت أعاني فيه موجة عنيفة من الشك بالذات، قررتُ أن أحضر مؤتمر "ديزني إكسبو" (Disney Expo)، وهو مؤتمر للمعجبين يُقام كل سنتين وتُعرَض فيه المقاطع الترويجية للأفلام الجديدة، ويحضره ضيوف ونجوم بارزون.
شغلتُ نفسي بالمؤتمر، ورحت أنتظر لساعات طوال في الطوابير مع بقية المعجبين، واضطرِرت إلى الانتظار تحت أشعة الشمس الحارقة لعدة ساعات في اليوم الأول من المؤتمر قبل أن أتمكن من الدخول.
كنت مرهقة في آخر أيام المؤتمر، وفضلتُ أن أتجول في المنطقة وأكتشفها وأستمتع بوقتي بدل أن أنتظر في الطوابير، ومن ثم قررت أن أعود لغرفتي عند حلول موعد الغداء وأتناول وجبتي بهدوء.
تناهى إلى سمعي وقتئذٍ صوت امرأة تقول إنَّ الممثل الأمريكي "جوش غاد" (Josh Gad) سيحضر المؤتمر بعد الظهيرة، وكنت قد تأخرت كثيراً على اللحاق بالطابور، ولكنَّني من أشد معجبي "غاد" الذي شارك في عدد من الأفلام والعروض المحببة إلى قلبي وعلى رأسها "فروزن" (Frozen)، و"الحسناء والوحش" (Beauty and the Beast).
لقد عمل "غاد" بجد في عدد كبير من الأفلام والعروض التلفزيونية التي فشلت وأُلغيَت، ولم يعرف أحد بهذه العروض والبرامج ولا بالعمل الجاد الذي بذله "غاد"، ولقد تعرَّض للفشل مراراً وتكراراً قبل أن يحققَ النجاح ويشاركَ في أعمال ترقى لمستوى طموحاته، وهذا سبب اهتمامي بشخصيته ورغبتي بمعرفة مزيد من الأمور عنه.
شاهد بالفديو: 4 نصائح للتعافي من الفشل
البحث عن الإلهام في أوقات الفشل:
قررتُ عندها أن ألتحق بالطابور قبل 3 ساعات من حلول موعد الجلسة بدلاً من أن أعود إلى غرفتي، وأردتُ أن أكون قريبة من "غاد" وأشعر بوجوده في الغرفة، ولم أرغب بأن أشاهده من الصفوف الخلفية.
وصلتُ إلى قاعة الانتظار الموجودة تحت الأرض، وشعرتُ بأنَّني أتصرف بغرابة بعيدة عن العقلانية والمنطق كل البعد، وأدركتُ أنَّني أبحث عن الإلهام الذي أحتاج إليه لأتجاوز التجارب الفاشلة وأحقق النجاح، وكنت آمل أن يساعدني كلام هؤلاء المبدعين على مواصلة الجد والعمل وتحقيق التقدم.
مكثتُ في صالة الانتظار حتى حلول موعد الجلسة، وعندها صعدنا إلى قاعة المؤتمر، وجلست في الصفوف الخلفية وكنت بعيدة جداً عن المنصة ولا فكرة لدي عمَّا يمكن أن يحدث.
الفشل ضروري لتحقيق النجاح:
ظهر كل من "غاد" والممثلة والمغنية الأمريكية "كريستين بيل" (Kristen Bell) على المسرح، وكان حضورهما طاغياً ومبهجاً كما تخيَّل الجميع.
حضر المؤلفان "كريستن أندرسون لوبيز" (Kristen Anderson-Lopez) و"روبرت لوبيز" (Robert Lopez) بعد ذلك، ونجحا في إبهار الحاضرين وتلقينهم دروساً قيِّمةً عن الإبداع والفشل والنجاح، ولقد قاما بعمل شجاع لا يتجرأ معظم الفنانين على الإقدام عليه، ألا وهو التحدث عن الأغاني التي رفضها المخرجون ولم تظهر في الفيلم، وحكى المؤلفان عن الفشل الذي تعرضا له قبل تحقيق النجاح في نهاية المطاف، وقاما بعرض جميع الأغاني المرفوضة.
إنتاج عدد كبير من الأعمال الإبداعية:
تقول المغنية الأمريكية "تايلور سويفت" (Taylor Swift) في إحدى المقابلات عن مراحل كتابة أغانيها: "أبذل جهدي في كتابة 40-50 أغنية، ولكنَّني أختار 13-14 واحدة منها عندما يحين وقت النشر والإصدار، وتتطلب عملية اختيار الأغاني النهائية وتصفيتها كثيراً من الوقت والجهد".
كانت تقول إنَّ العمل على الألبوم الموسيقي يمكن أن يستغرق حوالي العامين؛ لذا رحتُ أفكر في حديث "تايلور سويفت" وأنا أستمع إلى المؤلِّفَين "كريستن" و"روبرت" يتحدثان عن سنوات العمل على تأليف أغنيات فلم "فروزن"، وعن الأوقات التي عجزا فيها عن الإبداع والابتكار، وحكى المؤلفان عن الأغاني التي رفضها المخرجون والفشل الذي تعرضا له مراراً وتكراراً.
كنت أستمع إلى حديثهما وأشعر بالألم الذي تعرضا له عند رفض أعمالهما واضطرارهما لتأليف أغانٍ جديدة، ولقد وصلني إحساس الخيبة والألم المرافق لعمليات التعديل والتحرير وتصفية الأعمال قبل اختيار الأغاني النهائية.
شاهد بالفديو: 8 علامات تخبرك بضرورة تغيير طريقة تفكيرك
الألم المرافق لعمليات التعديل:
تؤكد جميع المصادر والشخصيات الإبداعية أنَّ عمليات التعديل ضرورية لإنتاج الأعمال الإبداعية البارزة، ولكن لا يتحدث كثير من المبدعين عن مشاعر الألم المرافقة لإجراءات التعديل؛ وذلك للأسباب الآتية:
- يعزو المبدع شعور الألم إلى فشله في إنتاج الأعمال الإبداعية كما يجب.
- يصعب على المبدع التحدث عن هذه المشاعر، أو أنَّه يتجنب التفكير فيها واسترجاعها، ويفضِّل التركيز على الجوانب الطيِّبة.
- يخشى المبدع القيام بالعمل الإبداعي بطريقة خاطئة.
تقبُّل الفشل من أجل تحقيق النجاح:
وصلني إحساس الألم الذي تعرَّض له المؤلفان الحائزان على جائزة "الأوسكار" (Oscar) وهما يتحدثان على المنصة، ولقد حصلتُ على الإلهام الذي أحتاج إليه عندما علمت عن الفشل المتكرر الذي تعرضا له قبل أن يُحققا النجاح، وبدا لي أنَّهما جاهزان للعمل على إنتاج مجموعة جديدة من الأعمال الإبداعية، ومستعدان للتعرض للرفض والفشل من جديد، وشعرت بحماسة منقطعة النظير في أثناء استماعي لخطابهما وفهمته بطريقة تساعدني على الحصول على الإلهام والدافع الذي أحتاج إليه.
عرض المؤلفان الأغاني المرفوضة، وقد تبيَّن لي حينها أنَّها تشبه الأغاني التي ظهرت في الفلم في بعض التفاصيل؛ وهذا يعني أنَّ الأغاني المرفوضة ساهمت في فوز المؤلفين بجائزة "الأوسكار".
من الطبيعي أن ينتج الفنان أعمالاً لا تصلح للاستخدام، أو النشر، ولا تؤهله لتحقيق النجاح، وقد يضطر العباقرة في بعض الأوقات إلى التخلص من أعمالهم الإبداعية والبدء من جديد، وهذا يعني أنَّ الفنان اللامع هو من يمتلك الجرأة على المحاولة مرة تلو أخرى بعد كل تجربة فاشلة.
يؤدي هذا العزم والتصميم إلى إنتاج أعمال إبداعية بارزة مثل أغنية "تجاوز الأمر" (Let it Go) التي أدتها المغنية الأمريكية "تايلور سويفت"، والمغنية الأمريكية "إيدينا مينزيل" (Idina Menzel) مباشرةً على المسرح في إحدى الحفلات الموسيقية التي أقيمت في ولاية "فلوريدا" (Florida)، فكان العرض حماسياً ومبهجاً وملهماً إلى أقصى درجة، وقد غنيت معهما كما لم أفعل في حياتي.
في الختام:
النهوض من الفشل ومحاولة إنتاج عمل إبداعي جديد صعب جداً، ولكنَّه ضروري لتحقيق النجاح، وهو ما أدى إلى إنتاج الروائع والأعمال الإبداعية الفذة التي تحفل بها المؤتمرات والحفلات والمعارض حول العالم، فالأعمال الإبداعية والفنية ثمرة وقت طويل من الاجتهاد والفشل والمحاولات المتكررة قبل أن تصل للمستوى المطلوب وتصدر للعامة.
أضف تعليقاً