ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "كريس وايت" (Chris White) والذي يُحدِّثنا فيه عن تجربته في بناء ثقافة أفضل للموظفين.
كان الاحتجاج دراماتيكياً، وتصدَّر عناوين الأخبار، وكان بمنزلة إشارة واضحة إلى أنَّ الموظفين لم يعودوا يتركون هوياتهم وقيمهم خارج مكان العمل، وكان أيضاً الاستثناء وليس القاعدة. على الرغم من شجاعتهم، شعر موظفو شركة "غوغل" (Google) بالأمان الكافي لتنظيم احتجاجهم دون خوف من الانتقام، وحتى لو فقدوا وظائفهم، فسوف يظلون قابلين للتوظيف في مكان آخر.
لا يتمتع الجميع بهذه الرفاهية، ولا يشعرون بالرضا حيال التحدث عن المشكلات في العمل، وعندما نشعر بعدم الأمان النفسي أو عدم التقدير، فإنَّنا نحتج بهدوء وغالباً دون وعي.
ومع ذلك، فإنَّ الإضرابات تحدث كل يوم في مكان العمل، وليس بالضرورة أن تحدث بترك المكان؛ بل قد تحدث بشكل غير مرئي في قلوبنا وأيدينا وأصواتنا، لكن فلنكن صريحين: لقد قمنا جميعاً بالإضراب في مرحلة ما من وظائفنا، أليس كذلك؟
عندما نشعر بعدم الأمان النفسي أو عدم التقدير، فإنَّنا نحتج بهدوء وغالباً دون وعي، فربما نتوقف عن المحاولة بجد في العمل، أو ربما نتصرف تصرفات تقلل من شأن القيادة حرفياً أو تعمل ضد أهداف منظمتنا قليلاً، وننفصل عن الشركة؛ مما يكلف الاقتصاد العالمي مئات المليارات من الدولارات سنوياً.
لذا إذا كنتَ قائداً وتريد تجنُّب الإضرابات أو انسحاب الموظفين قبل أن تصبح مشكلات في مؤسستك، فهناك ثلاثة أشياء يمكنك القيام بها:
1. تحسين التواصل:
يحدث الإضراب عندما نشعر بأنَّنا لا نُسمَع أو لا نُحترَم أو لا نُؤخَذ في الحسبان؛ حيث يُتغاضى عن أفكارنا أو تُتجاهَل جميعها تقريباً في مكان العمل، وعندما يحدث ذلك، فإنَّنا نميل إلى تفسير هذا على أنَّه تهديد للهوية، ويستجيب بعضنا من خلال الانطواء والإضراب عندما نشعر أنَّنا لا ننتمي إلى الشركة أو أنَّنا غير هامين لها، ونتوقف عن الاهتمام بعملنا بقدر ما نتوقف عن الاهتمام بالأشخاص من حولنا.
أتذكَّر الوقت الذي واجهتُ فيه هذا الأمر عندما كنتُ مديراً جديداً؛ حيث سألتُ زميلة لي لديها عقود من الخبرة في العمل للحصول على توصية بشأن مشكلة قدمَتها لي، وقفنا هناك في صمت، بينما كانت تبحث عن إجابة، وبعد وقفة طويلة، نظرَت إلى الأعلى وقالت لي: "لم أُسأل أبداً عما أفكر فيه في العمل من قبل"، كان موقفها مأساوياً، وشائعاً جداً.
لتجنب هذا المأزق، علينا دعوة الأشخاص للتحدث في العمل باستمرار وجعل هذه الدعوات جزءاً روتينياً من كيفية تفاعلنا مع بعضنا بعضاً في مكان العمل؛ إذ يضع هذا الأساس الضروري المطلوب لتلك الأوقات التي يريد فيها الناس التحدث عن قضايا قد يصعب على الإدارة سماعها.
شاهد بالفيديو: 9 طرق لتحسين مهارات التواصل
2. التجاوب:
كان لدى "سوندار بيتشاي" (Sundar Pichai)، الرئيس التنفيذي لشركة "غوغل" (Google)، الذي حُشِر في الزاوية وأرهقه حجم احتجاجات عام 2018 وكثافتها خيار؛ حيث يمكنه الرد بطريقة تغلق الباب أمام الأشخاص الذين يتصرفون وفقاً لقيمهم، أو اختيار فتحه على مصراعيه.
لم يكن رده العام دفاعياً؛ إذ أرسل بريداً إلكترونياً إلى جميع موظفي الشركة، قائلاً إنَّه يتفهم الغضب وخيبة الأمل التي شعر بها الكثير منهم لأنَّه شعر بذلك أيضاً، وإنَّه ملتزم تماماً بإحراز تقدُّم في قضية استمرت لفترة طويلة جداً في المجتمع وفي شركة "غوغل" (Google) أيضاً، وكان الرد العام لـ "بيشاي" (Pichai) مثيراً للإعجاب، ولكن لم يُعرَف ما إذا كانت الاحتجاجات فعالة أم لا.
لكنَّ ملاحظة عمليات الاحتجاج غير المرئية ومعالجتها أصعب بكثير من احتجاج 20.000 شخص؛ لذا يجب على قادة العمل أن يبادروا إلى زيادة انفتاح الشركات، وعليهم طرح الأسئلة وطلب المعلومات من الموظفين وتعزيز الإبداع، وفي لحظة الضعف هذه، عندما يكون لدى الناس الشجاعة لتحدينا، ويجب على القادة احتضانهم والاستجابة لهم؛ وذلك لأنَّ سماع الناس وحده لا يكفي، فالكلمات دون فعل تولِّد السخرية وتشكِّل أساساً للإضرابات والاحتجاجات في المستقبل.
عندما يكون القادة والموظفون متوافقين، فإنَّ اتخاذ الإجراءات هو الخطوة التالية الطبيعية التي عليهم فعلها، وهنا يكمن السر، فالاتفاق الدائم أمر مستحيل، وأحياناً يثير الموظفون الناشطون قضايا لا يتفق معها القادة، وفي تلك اللحظة الهشة سنحدد نوع الثقافة التي سننشرها، هل نشارك في الحوار والنقاش؟ وهل يمكننا البقاء موحدين حتى في حالة الاختلاف؟ أم هل نختار الاستسلام لاختلافاتنا، وسنحول علاقاتنا إلى علاقات غير صادقة وسنترك هوياتنا تتلاشى؟ ماذا سيكون خيارك؟
أضعف الإيمان أن يُعقَد حوار؛ إذ يمكننا محاولة حل خلافاتنا وإيجاد أرضية مشتركة حتى لو لم تكن مثالية لأي طرف، فقد تكون مقبولة للجميع، ويكون هذا صعباً للغاية في بعض الأحيان؛ إذ لا يمكن إيجاد أرضية مشتركة ببساطة، وفي هذه الحالة الصعبة، لدينا ثلاثة خيارات:
أولاً: إذا شعرنا أنَّنا لا نستطيع التعايش مع القرار، فيمكننا اختيار ترك الشركة والعثور على مديرين تتماشى قيمهم تماشياً وثيقاً مع قيمنا.
ثانياً: يمكننا اختيار البقاء مع الشركة؛ أي يمكننا التنازل والاستمرار في القيام بعمل جيد والبحث عن وقت لمعالجة المشكلة مرة أخرى في المستقبل.
ثالثاً: يمكننا التفكير في تكتيك اتبعه "جيف بيزوس" (Jeff Bezos) مالك شركة "أمازون" (Amazon)، قال: "دعونا نختلف ونتطرق إلى الموضوع مباشرةً، أعلم أنَّنا لا نتفق على هذا الأمر ولكن هلَّا جربنا العمل بهذه الطريقة؟ وهل يمكننا أن نختلف مع بعضنا وأن نلتزم بالعمل في الوقت ذاته؟".
لا يمكنك القيام بذلك في كل مرة، ولكن إذا كانت الثقة عميقةً بدرجة كافية، فيمكنك الاعتراف باحترام باختلافاتك بشأن القضايا الهامة التي لا يمكنك الوصول إلى إجماع بشأنها، فبهذه الطريقة، لن تتراجع وتنسحب؛ بل ستستمر في التَّقدم في العمل والموافقة على مواصلة العمل على هذه المشكلة.
بصرف النظر عن الخيار الذي تختاره، فإنَّ أياً منها أفضل من الإضراب الذي هو طريق أكيد إلى زوال المنظمة والبؤس المهني.
3. رفع مستوى الهدف:
قد يبدو أنَّ مستوى الشركة ينخفض إذا حاولنا تجنُّب عمليات الإضراب والاحتجاج فحسب، ألا يجب أن نجتهد من أجل المزيد؟ ألا يجب أن نطمح إلى دعوة الموظفين لبذل أقصى جهودهم في العمل؟
عندما يتمكن الجميع من تقديم تجارب حياتهم بأكملها في العمل، يكون لدينا الكثير لنقدِّمه لبعضنا بعضاً، فنحن أكثر من سيرنا الذاتية.
"جوان بوهان" (Joan Bohan) هي مديرة مالية في شركة "ديزني" (Disney) في أوروبا، وإنَّها أيضاً أم، ويعاني ابنها من عسر القراءة، فهل تعلم أنَّ 1 من كل 10 أشخاص مصاب بعُسر القراءة؟ هذا عدد أضخم من أن تتعامل معه شركة مختصة بالترفيه عن الأطفال مثل شركة "ديزني"؛ لذلك عندما أعلنَت "ديزني" عن مسابقة داخلية لأفكار عمل جديدة ومؤثرة، تقدَّمَت "جوان".
كانت قد سمعَت عن التعديلات التي يمكن أن تسهِّل القراءة على المصابين بعسر القراءة؛ تغييرات مثل الخطوط المختلفة والكبيرة، والمسافات الأوسع بين الحروف وبين السطور؛ حيث وُضِعَت فكرتها موضع التنفيذ، ولأنَّ "ديزني" دعت "جوان" لوضع تجربتها بالكامل في العمل ووضع جميع نقاط قوَّتها وقيمها وشغفها وخبراتها الفريدة - وليس سيرتها الذاتية المتعلقة بالأمور المالية فقط - يمكنهم الآن تقديم خدمة أفضل لملايين الأشخاص المصابين بعُسر القراءة.
إذا كانت هذه الأساليب جيدةً بالنسبة إليك بصفتك قائداً، فمن أين يجب أن تبدأ؟
إليك طريقة سريعة لمعرفة نوع مشكلاتك:
اذهب في بداية الأسبوع إلى العمل وتحدث إلى 10 أشخاص مختلفين في مؤسستك - شخصياً أو عبر الإنترنت - واسألهم هذا السؤال: "ما الذي لا نتحدث عنه هنا والذي يجب أن نتحدث عنه حقاً؟".
من المحتمل أن تواجه واحدة من حالات الصمت المحرجة، ولا بأس بذلك، ومن المحتمل أن يأتي إليك الموظفون لاحقاً بإجابة، ولكن إذا لم يكن لدى أي شخص أيَّة إجابات، فمن المحتمل أن تكون مؤسستك تحظر التواصل، لكنَّك تشير من خلال طرح هذا السؤال إلى تقبُّل مواصلة طرح الأسئلة.
يقول "آري وينزيغ" (Ari Weinzwig)، الرئيس التنفيذي لشركة "دينغرمانز ديلي" (Zingerman's Deli): "إنَّ النجاح لا يعني عدم وجود مشكلات؛ بل يعني فقط أنَّه لديك مشكلات أفضل".
أمنيتنا الأخيرة لك هي أن تقدِّم لمؤسستك بعض المشكلات الأفضل من خلال إلغاء حظر التواصل، ومن خلال الاستجابة لمقترحات الموظفين، والسعي إلى تحقيق أهداف أعلى.
كلما انفتح المزيد والمزيد من الناس وبدؤوا بمشاركة المزيد من أنفسهم وأفكارهم وعروضهم الفريدة، ستواجه مع مرور الوقت مشكلات جديدة أفضل مثل تسخير كل طاقاتهم وإبداعهم مثلاً.
أضف تعليقاً