يضاف إلى هذا عبء إضافي يتجلى في اختلاف جيل اليوم اختلافاً جذرياً عن الأجيال السابقة في جوانب كثيرة أهمها طريقة الإدراك والاهتمامات والأهداف والدوافع وحتى النظرة إلى العملية التعليمية نفسها؛ انطلاقاً من الأهمية الكبيرة للعملية التعليمية، والدور الكبير الذي يؤديه المعلم في إنجاحها وخاصةً مع التطورات الكبيرة التي يشهدها العالم في كل الميادين والقطاعات، وإيماناً منا بالقدرات الكبيرة الموجودة لدى أبنائنا؛ هذه القدرات التي تحتاج فقط إلى من يدعمها ويفهمها ويوجهها نحو الطريق الصحيح.
المعلم أمام تحديات العصر الجديد:
الوظيفة الأساسية التي أُسندت إلى المعلم قديماً هي التعليم؛ أي نقل العلوم والخبرات إلى التلاميذ، ومع التطور الكبير الذي شهدته الأنظمة التعليمية عبر العصور ظهرت وظائف جديدة للمعلم، وظائف لا تقل أهمية عن الوظيفة الأساسية وإن كانت تدور في فلكها ذاته.
على خلاف التوقعات لم يكن للتطور التكنولوجي الكبير الذي يشهده العالم اليوم الأثر الإيجابي المفترض في قطاع التعليم، فظهر ما يسمى أزمة التعليم المعاصر وخاصةً في البلدان النامية، فبدلاً من ازدياد وتيرة التعلم وتقدمه وتطوره وارتفاع مستواه في ظل تقدم وتطور العلم والتكنولوجيا، ظهر على المدرسة نوع من العجز والتقصير الذي منعها من اللحاق بهذا التطور المتزايد والمتسارع يوماً بعد يوم، وهذا يرجع إلى عدد كبير من الأسباب لسنا في صدد ذكرها حالياً.
لكن باختصار يمكن أن نرجع المسؤولية الأساسية في هذا العجز إلى المسؤولين في القطاع التربوي الذين لم يوفروا الأدوات المناسبة ولم يتمكنوا من ابتكار الطرائق والأساليب والمناهج المناسبة التي تساعد على مواكبة هذا الركب الحضاري.
بالعودة إلى المعلم الذي نجده اليوم محاصراً بظروفه الاجتماعية وضغوطاته النفسية والمادية وحتى بقلة التأهيل والتدريب التي تلقاها قبل الدخول في ميدان التعليم، وعلى الرغم من ذلك هو مطالب برفع سوية التعليم وتحقيق ما يمكن تحقيقه من الأهداف التعليمية، وهذا فعلاً أحد التحديات الكبيرة التي يواجهها في طريقه ليصبح معلماً ناجحاً.
لذلك وقبل البدء بالحديث عن التلاميذ أنفسهم وما يمتلكونه اليوم من سمات مختلفة تماماً عن السابق التي تفرض على المعلم تغييرات جذرية في أساليبه وأدواته، سنقدم بعض الأساسيات التي يجب أن يمتلكها كل معلم ليضمن نجاحه:
- القدرة على إعادة معالجة المعلومات التي عليه نقلها إلى الطلاب وتكييفها بشكل يتلاءم مع مستوى فهم التلاميذ وقدراتهم وفروقهم الفردية، وهذا يتطلب من المعلم فهماً كبيراً لطبيعة المادة التي يقدمها.
- يقول "روسو" موجهاً كلامه إلى المعلم: "ابدؤوا بمعرفة أطفالكم"، فلن تنجح أبداً بصفتك معلماً إن لم تستطع الغوص في خصائص وطبيعة كل مرحلة من مراحل نمو الأطفال، وهذا يستدعي بالضرورة الاعتماد على قراءات المعلم في علم النفس عموماً وعلم النفس التربوي خصوصاً؛ لأنَّك بذلك ستكون قادراً على مواجهة أيَّة صعوبات أو عوائق قد تواجهها في أثناء تدريسك.
- بوصفك معلماً تقع على عاتقك مسؤولية جعل المادة جذابة وشيقة يُقبِل عليها التلاميذ بمحبة وشغف، وهذا يتطلب منك الكثير من البحث في طرائق التدريس لاختيار الأنسب لمادتك التعليمية، وإلا قدمت مادة منفرة وجافة وغير قابلة للاستيعاب.
- الهدف الأساسي لك يجب أن يكون فهم التلاميذ لمادتك؛ وذلك لأنَّ الفهم هو الوسيلة الأفضل التي تجعل التلاميذ واثقين بأنفسهم وأكثر قدرةً على استذكار المعلومات مستقبلاً.
- الإلمام بكل ما يتعلق بالمادة التي تدرِّسها، وعدم الدخول إلى الصف قبل تحضير الدرس بشكل ممتاز ومن كل الجوانب.
شاهد بالفديو: 8 صفات يتميّز بها المُعلم الناجح
ما هي ميزات تلاميذ اليوم؟
يختلف تلاميذ العصر الحالي عن تلاميذ الأجيال السابقة، وهذه حقيقةً ليس مجرد كلام، فقد أثبتت تجارب ودراسات علماء النفس وعلماء التربية أنَّ المقاييس والأساليب التي كانت مستخدَمة في السابق لقياس القدرات العقلية ولتقويم مستويات التفكير عند التلاميذ لم يعد من الوارد تطبيقها اليوم؛ إذ إنَّ القدرات العقلية أصبحت أعقد وأغنى بكثير مما كانت.
بخلاف الكلام الذي يتم تداوله في الأوساط الاجتماعية أولاً ثم التعليمية عن صعوبة التعامل مع هذا الجيل من ناحية تراجع قدراتهم العقلية؛ فقد كانت الدراسات واضحة في هذا الصدد، وما يظهر من مشكلات في التعامل مع تلاميذ اليوم لا يتعلق بقدرات التلاميذ العقلية ومستوياتهم المعرفية؛ وإنَّما باختلاف طبيعتهم واهتماماتهم والأشياء التي تثير انتباههم، وعدم مواكبة المدرسة والمناهج والمعلمين للتطورات التي طرأت على هذا الجيل، ومحاولة حشرهم الدائمة بصفات وسمات الأجيال التي سبقتهم، وهذا هو لب المشكلة.
هذا هو نظام الحياة المعاصرة اليوم وما تحويه من كمية هائلة من المعلومات التي تتدفق على أطفالنا من كل حدب وصوب، فأيَّة حركة مهما كانت بسيطة تفتح باب التعلم الذي لم يعد مقتصراً على المدرسة وما يلقنه المعلم للتلاميذ، حتى إنَّ هذا الأسلوب أصبح مرفوضاً رفضاً تاماً.
يمكن القول باختصار إذاً إنَّ تلاميذ اليوم مختلفون من الناحية المعرفية عن تلاميذ السنين الماضية، كما أنَّهم أكثر إلحاحاً في طلب التفسيرات والسؤال عن كل شيء يحيط بهم، وعدم تقبل كل ما يقال لهم وتصديقه، ويجب على المدرسة اليوم عموماً والمعلم خصوصاً وضع هذا التغيير في الحسبان.
التلميذ هو محور العملية التعليمية وأساسها، ودور الملقِّن الذي كان يقوم به المعلم في السابق لم يعد يجدي نفعاً، فالمعلم الآن هو موجِّه فقط وعليه تقديم تفسيرات مناسبة للمشكلات التعليمية لتنمية المحاكمات المنطقية عند التلاميذ وطرائق التفكير السليم البعيد كل البعد عن التحفيظ الببغائي دون إيصال المعنى.
طريقة تعامل المعلم الصحيحة مع تلاميذ عصر التكنولوجيا:
كثير من العوامل اليوم يجب مراعاتها من قِبل المعلم، وكثير من الصفات التي يجب أن يتمتع بها، وكثير من الخبرات والقدرات عليه أن ينميها ويطورها ليكون قادراً على النجاح بصفته معلماً في ظل الظروف المعاصرة التي أدت إلى تراجع واضح من ناحية الرغبة والدافع للتعلم من قِبل التلاميذ.
فيما يأتي سنقدم مجموعة من الأساليب المساعدة لك بصفتك معلماً على التعامل الصحيح مع تلاميذك بشكل يحفزهم ويشجعهم على التعلم:
- الفشل الدراسي ليس قضية معرفية فقط، وعلى كل معلم إدراك هذا تماماً، فالأزمات النفسية من الأسباب التي تقف عائقاً في طريق نجاح التلاميذ، وطبيعة الحياة المعاصرة اليوم، وكثرة الضغوطات النفسية التي يتعرض لها التلاميذ بسبب الانفتاح الكبير على العالم الذي دائماً ما يدفعهم إلى مقارنة حياتهم بحياة غيرهم تؤثر في قدرتهم على الفهم والاستيعاب، ومن ثمَّ تراجع تحصيلهم. يقول "جولمان" لدينا دماغان يعملان معاً؛ ويقصد في ذلك الأداء العقلي والذكاء الانفعالي، ودون هذه الشراكة لن تسير الأمور كما يجب؛ لذلك إنَّ الاهتمام بالصحة النفسية للتلاميذ من قِبل المعلمين بات أولوية اليوم، وطبعاً دور المعلم هذا ليس إلا إكمالاً لدور الأهل.
- تمتُّع المعلم بدرجة عالية من الصحة النفسية من الأمور الهامة جداً التي لا يجب أبداً تجاهل أهميتها، وعليك بصفتك معلماً أن تمتلك قدرة كبيرة على الفصل بين حياتك الخاصة ومشكلاتك وعدم إدخالها معك إلى الصف أبداً، فهذا من شأنه أن ينعكس مباشرةً على نفسية التلاميذ وكيفية تلقيهم للمعلومات.
- لا يمكننا أبداً الحديث عن معلم ناجح دون الحديث عن قدرته على إقامة علاقة ممتازة مع تلاميذه، فلا يكفي أبداً الاقتراب من عقول التلاميذ دون الاقتراب من قلوبهم أولاً، ويمكن قياس ما سبق ذكره على أنفسنا، فكم مرة قلنا إنَّ أستاذ هذه المادة كان سبباً في حبنا لها دون غيرها؟ وهذا الجانب على الرغم من عدم إعطائه حقه من قِبل الكثير من المعلمين كان أحد الأسباب الرئيسة في عدم وصول المعلم إلى هدفه التعليمي ونفور التلاميذ من مادته.
- الاستمرار في التعلم وعدم الاكتفاء بالمعلومات التي حصلت عليها في أثناء دراستك الجامعية، وأيضاً عليك مواكبة التطورات التكنولوجية التي تسيطر على العالم اليوم وخاصةً على الأطفال والمراهقين، فإذا لم تفهم العالم الذي ينتمي إليه تلاميذك فلن تتمكن أبداً من فهمهم، ومن ثمَّ لن تتمكن من استخدام الأدوات والوسائل المناسبة لجذبهم إلى المادة العلمية التي تقدمها. ربط التعليم بالتكنولوجيا أمر لا بد منه، وهذا ما حصل في البلدان المتطورة، أما بلدان العالم الثالث فما زالت عاجزة حتى الآن عن مواكبة هذا التطور من ناحية منظومتها التعليمية ومناهجها وأدواتها، وهذا ما رمى حملاً كبيراً على المعلم الذي أصبح مضطراً لتطوير أدواته بنفسه.
- يجب على المعلم أيضاً أن يمتلك قدرة على ربط المادة التعليمية ببيئة التلميذ وحياته، وهذا يسهل عليه فهمها واستيعابها.
- مراعاة الفروق الفردية أيضاً أحد الجوانب الهامة التي تجعلك معلماً ناجحاً، فلا يمتلك التلاميذ بالتأكيد القدرات ذاتها، لكن بالتأكيد يوجد جانب مميز في كل واحد منهم وعليك اكتشافه.
في الختام:
المسؤولية التي تقع على عاتق المعلم ليست سهلة أبداً، فالتعامل مع الأطفال أمر في غاية الدقة والصعوبة، وتفرض عليه أن يكون في حالة يقظة تامة لكل تفصيل يحدث، فأحياناً كلمة واحدة من الممكن أن تدمر تعب سنين وتؤثر سلباً في نفسية التلميذ وتكرهه بالمادة؛ لذلك كن حريصاً دائماً - بصفتك معلماً - على إنشاء توازن داخل الصف واعتمد على المرونة اعتماداً أساسياً.
لا ينفع أن تكون صارماً طوال الوقت ولا متساهلاً أيضاً؛ بل يجب أن تتعامل مع كل موقف بطريقة مختلفة حسب خصوصيته وظروفه، وعليك أن تتذكر دائماً أنَّ التعليم من أقدس المهن، فابذل كل ما لديك لتحافظ على هذه القداسة.
أضف تعليقاً