التعريف بقصيدة الأعشى في مدح الرسول:
تعد قصيدة الأعشى في مدح الرسول إحدى أجمل قصائد المديح التي قيلت في الرسول عليه الصلاة والسلام، فهي تضم ٢٥ بيتاً جاء في مضمونها أشد العبارات والمفردات وأجملها، وقد جاءت معبرة عن خصاله الكريمة، التي لا يتمتع بها إلا التقي.
الجدير بالذكر أنَّ الشاعر بدأ بمقدمة القصيدة على غير العادة في قصائده الغزلية بإعلان زهده من هذه الدنيا، كما وصف الأعشى تقلُّب الزمن على الإنسان بين يسر وعسر وفقر وغنى وشباب وشيب، وقد أبرز الشاعر في القصيدة فلسفته وفكره في الحياة، إضافة إلى السعي إلى التكسب منذ صغره مروراً بشبابه وحتى إن أصبح كاهلاً، وقد عرض الشاعر حسرته لما خسره ولم يفعله في الحياة، وكذلك ندمه على القصائد التي نظمها في مدح المال.
لقد وصف الأعشى مسيرته على ظهر ناقته وهو يقصد الرسول عليه الصلاة والسلام في يثرب، إضافة إلى وصفه لناقته ومشيها تحت السماء والنجوم في الليل، وثم ينتقل الشاعر للغرض الأساسي من قصيدته وهو مدح الرسول صلى الله عليه وسلم والخصال التي جاءت بها رسالته.
لقد وضح الشاعر أنَّه أمام ممدوح، يختلف تماماً عن باقي الممتدحين، والسبب أنَّه أمام نبي منزَّل يرى ما لا يقدرون على رؤيته باقي البشر، إضافة إلى أنَّه يستعرض صفات النبي من العطاء والكرم، والأمانة والوفاء، واحترام الجار وحسن الذكر، وغيرها كثير.
كما تحدث لشاعر عن بعض التشريعات التي نصها الإسلام ولم يأخذ الجاهليون بها مسبقاً، مثل تحريم الخمر وأكل الميتة.
قصة الأعشى مع الرسول:
يُعرَف الأعشى بأنَّه ميمون بن قيس بن جندل بن شرحبيل بن عوف بن سعد، ويكنى بأعشى قيس، وقد سمي بالأعشى لبصره الضعيف، لقد أدرك الإسلام ولكنَّه لم يسلم، وقد بدأت قصة الأعشى مع الرسول عندما سمع الشاعر بالرسول صلى الله عليه وسلم، إضافة إلى انتشار دعوته وإسلام كثير من الناس، فأحب أن يأتي إليه ويمدحه في قصيدة، وبناء على ذلك فقد نظم قصيدة لموعد اللقاء.
تتعدد الروايات بشأن قصة الأعشى مع الرسول، ولم تثبت أي منها، فقط تداولها الناس، ويحكى أنَّه عندما سمعت قريش بموضوع مديح الأعشى للنبي قابلوه في طريقه لكي لا يسمحوا له بالمجيء للرسول ومدحه، وبحسب الروايات المذكورة أخبروه أنَّ محمداً سيمنعه عن أعمال وصفات، ولكن قريش تحللها له.
عندها سألهم عن الصفات التي سيمنعه عنها النبي، فأجابوه بالقمار وشرب الخمر وفعل الزنا والربا، وهنا تراجع عن مدح النبي، وعاد دون أن يقول قصيدة المدح أمام النبي عليه الصلاة والسلام، وبعد رجوعه عن قراره في رؤية النبي ومدحه، قدمت له قريش هدية بمئة جمل، فقبل الهدية وسار في طريقه إلى قومه، وبينما كان عائداً إلى أهله، فقد قتله إبل دون أن يذكر كيف تم ذلك ومات في عام 629 من الميلاد.
أما الرواية الأخرى التي رويت في قصة الأعشى مع الرسول فهي شبيهة بالرواية السابقة، إلا أنَّهم زادوا عليها أنَّه في بداية الأمر قرر الهجرة للمدينة المنورة وإعلان إسلامه فيها، فخشيت قريش من الأمر لأنَّه يعد من صناجة العرب وأكثرهم طلاقة في اللسان وفصاحة، فأهدته مئة ناقة بعد أن تراجع عن قراره.
أبيات قصيدة الأعشى في مدح الرسول:
إليكم الآن قصيدة الأعشى في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم:
ألم تغتمِض عيناكَ ليلةَ أَرمدا
وعادك ما عادَ السليمَ المُسهَّدا
وما ذاك من عشقِ النساءِ وإِنَّما
تناسيتَ قبل اليوم خلةَ مهدَدا
ولكن أَرى الدهر الذي هو خائن
إِذا أَصلحت كفايَ عادَ فأَفسَدا
شبابٌ وشيبٌ وافتقارٌ وثروةٌ
هذا الدهرُ كيف تردَّدا
وما زلتُ أَبغي المالَ مُذ أَنا يافع
وليداً وكهلاً حينَ شبتُ وأَمردا
وأَبتذلُ العيس المراقيلَ تغتلي
ما بين النجير فصرخدا
فإِن تسأَلي عني فيا رب سائل
حفيٍّ عن الأَعشى به حيثُ أَصعدا
أَلا أَيُّهذا السائلي أَين يمَمت
فإن لها في أَهل يثرب موعِدا
فأَما إِذا ما أَدلَجت فَترى لها
رقيبينِ جَدياً لا يَغيبُ وَفَرقَدا
وَفيها إِذا ما هجرت عجرفيةٌ
إِذا خلتَ حرباءَ الظهيرَةِ أَصيَدا
أَجَدَّت برجلَيها نجاءً راجَعَت
يداها خناقاً ليناً غيرَ أَحرَدا
فَآليتُ لا أَرثي لها من كلالةٍ
وَلا مِن حفىً حتَّى تَزورَ مُحَمَّدا
متى ما تُناخي عِندَ باب ابن هاشم
تُريحي وتلقَي من فَواضلهِ ندا
نَبِيٌّ يَرى ما لا ترونَ وذكرُهُ
أَغارَ لَعمري في البِلاد وأَنجَدا
له صدقاتٌ ما تغبُّ ونائلٌ
وليسَ عَطاءُ اليومِ مانعهُ غَدا
أَجِدَّكَ لَم تَسمَع وَصاةَ مُحَمَّدٍ
نَبِيِّ الإِلَهِ حينَ أَوصى وَأَشهَدا
إِذا أَنتَ لَم تَرحل بزاد من التقى
وَلاقيت بعد الموت مَن قَد تَزودا
نَدمت عَلى أَن لا تَكونَ كَمِثلِهِ
وَأَنَّكَ لم ترصِد لِما كانَ أَرصَدا
فَإِيَّاكَ والميتات ولا تَأكلنها
وَلا تَأخُذَن سَهماً حَديداً لِتَفصِدا
وَذا النصبِ المَنصوبَ لا تَنسُكَنَّهُ
ولا تَعبدِ الأَوثان واللهَ فَاعبدا
وصلَّ عَلى حين العشياتِ والضُحى
وَلا تحمدِ الشيطانَ واللهَ فاحمدا
وَلا السائِلَ المَحرومَ لا تَترُكَنَّهُ
لعاقبةٍ ولا الأَسيرَ المُقَيَّدا
ولا تسخرَن مِن بائسٍ ذي ضرارَةٍ
ولا تحسبنَّ المَرءَ يوماً مخلَّدا
ولا تقربنَّ جارةً إِنَّ سرِّها
علَيك حرامٌ فانكحن أَو تأَبدا
شرح قصيدة الأعشى في مدح الرسول:
كما قلنا آنفاً إنَّ القصيدة جاءت بغرض أساسي وهو مديح الرسول عليه الصلاة والسلام، وتحفل القصيدة بالتشابيه والصور البيانية والنعوت والعواطف، وكلها ساهمت في تقوية المعنى، وكذلك إيضاح عواطف ومشاعر الشاعر.
سنقدم لكم الآن شرح قصيدة الأعشى في مدح الرسول:
1. شرح الأبيات الستة الأولى من قصيدة الأعشى في مدح رسول الله:
يبدأ الأعشى قصيدته بذكر الأطلال، موضحاً أنَّه لم يستطع أن ينام ليس بقصد السهر والعشق والحب والصَّداقة، ولكن السبب الأساسي هو مصائب الزمان، فكلما قام الشاعر بفعل، أفسده الزمن.
كما وصف الشاعر التناقض الكبير الذي يعمل به الدهر للإنسان، فهو يبدل حاله بين اللحظة والأخرى، كما يشرح الشاعر عن حاله، وسفره من مكان لآخر بهدف الحصول على المال، مبيناً أنَّه بقي هكذا منذ أن كان صغيراً وحتى شبَّ وقوي عوده إلى أن أصبح كهلاً، وأبدى الشاعر تعجبه من فعل الحياة وتبدُّل أحوالها، فهي لا تثبت على حال.
2. شرح الأبيات من السابع إلى الثاني عشر:
يحكي الشاعر هنا أنَّه عند الإلحاح عليَّ بسؤالكم، فإنِّي ذاهب إلى أهل يثرب، ولديَّ موعد هناك، ثمَّ ينتقل الشاعر إلى وصف ناقته وهي تسير لملاقاة النبي صلى الله عليه وسلم، ذاكراً أنَّه يمشي هو وناقته طوال الليل، والنجوم تراقبها للاطمئنان عليها.
يتابع الشاعر وصف هذه الرحلة في أثناء سيره لملاقاة الرسول عليه الصلاة والسلام، قائلاً إنَّ خطاه سريعة، ويقوم بعدِّ النجوم في أثناء رحلته، أما ناقته تسير بكل حرية وتخرق حدود الأرض في خطاها، وقد أصابتها قروح في فتحتي أنفها بسبب شوقها لمتابعة السير ورؤية النبي، فلا تستطيع إنزال رأسها للأسفل.
إضافة إلى أنَّه وصف حاله بعدم قدرته على التحمل حتى يصل إلى الرسول، وهو يضغط على ناقته بالإسراع ليصلوا بأقرب وقت، وهذا الأمر جعل الناقة تشتكي من تعبها، لكنَّه لن يتوقف حتى يلاقي رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.
3. شرح الأبيات من الثالث عشر حتى الثامن عشر:
إنَّ الشاعر وناقته لن يستريحا حتى يصلا إلى مركن النبي، مؤكداً أنَّهما عندما يصلان سوف يستريحان من عناء سفرهما؛ وسيلاقيان طيب الملاقاة، وسيكْرَمان بالكرم الكثير، وهذا ما يريحهما من السفر وعناء الطريق وشدة التعب، ويذكر الشاعر صفات النبي عليه الصلاة والسلام وتوزيعه للصدقات والزكاة من دون انقطاع أو كلل.
يتحدث الشاعر عن أهمية الالتزام بوصايا الرسول بالاستقامة والإيمان، مبيناً أنَّه بلا شك سيرحل من الدنيا بلا زاد ينجيه كل من لم يلتزم بهذه الوصايا، وأنَّ الإنسان سيندم ندماً شديداً على ما فاته في الدنيا من التزام وتقوى لله تعالى.
4. شرح الأبيات الأخيرة من مُعلَّقة الأعشى:
يتحدَّث الشاعر عن أهم مظاهر التشريع الإسلامي، التي لم يلتزم بها أهل الجاهليَّة قبل مجيء النبي إلى يثرب، ولعلَّ من أهم هذه الصفات هي تحريم الرسول لأكل الميتة والذبح على النَّصب، إضافة إلى كل من:
- الدعوة إلى إقامة الصلاة.
- توحيد الله جل جلاله.
- الابتعاد عن وساوس الشيطان.
- حمد الله دائماً على نعمه.
- إعطاء السائل وعدم ردِّه عن حاجته.
- عدم السخرية والاستهزاء من الضعفاء.
- عفَّة النفس.
- ترك الفواحش والابتعاد عن الزنا.
هكذا نكون قد أنهينا لكم شرح قصيدة الأعشى في مدح الرسول.
في الختام:
نتمنَّى أن يكون ما قدَّمناه لكم عن قصيدة الأعشى وشرح قصيدة الأعشى في مدح الرسول مفيداً، ونأمل أن ينال إعجابَكم.
أضف تعليقاً