هل للتكنولوجيا الحيوية مستقبل؟ هذا سؤالٌ طرحه العديد من الأشخاص بسبب كثرة ما نجهله عن علم الأحياء وتطور التكنولوجيا، ويقول خبيرٌ إنَّ التكنولوجيا الحيوية ستكون أداةً للبقاء في المستقبل بسبب الحاجة المتزايدة إلى تقنياتٍ جديدةٍ في مجالاتٍ متعددةٍ ضمن القطاع الزراعي والصحي والحيواني.
قد يكون للتكنولوجيا الحيوية دورٌ هامٌ على هذا الكوكب في المستقبل، لكن للتوصل إلى نتيجةٍ مثلى، نحتاج إلى حقائق ونقاطٍ تعزِّز معرفتنا، عندها فقط سنصل إلى الاستنتاج الصحيح لمدى فاعليتها، وفي هذا المقال سنناقش ماهية التكنولوجيا الحيوية وفوائدها وأضرارها، فهيا بنا نبدأ.
ما هي التكنولوجيا الحيوية؟
تستخدم التكنولوجيا الحيوية العمليات الخلوية والجزيئية الحيوية لإحداث تقدمٍ تكنولوجيٍ للمساعدة على تقليل آثارنا التي أضرت ببيئتنا، وتقليل استخدام الطاقة ومحاربة الأمراض النادرة وزيادة كفاءتنا في عملية التصنيع، ففي التكنولوجيا الحيوية القطاعات المستخدمة غير محدودةٍ، والتكنولوجيا الحيوية ليست تخصصاً جديداً، فقد تم إدخالها منذ 6000 عام لتخمير النبيذ والجبن والخبز، ومع ذلك فإنَّ النمو والتطور اللذين حصلا لها مذهلان حقاً.
تنقسم التكنولوجيا الحيوية الحديثة إلى فروع عدة، وعادةً ما يتم تمثيلها باللون، فاللون الأحمر للتكنولوجيا الحيوية الطبية، والأخضر للتكنولوجيا الحيوية البيئية والزراعية، والأبيض للتكنولوجيا الحيوية الصناعية، والأزرق للبحرية والأصفر للغذائية.
لقرونٍ عدة اقتصرت التكنولوجيا الحيوية على القطاع الزراعي لحصاد المزيد من المحاصيل وزيادة الغلة، وفي الآونة الأخيرة كانت هناك زيادةٌ في المنتجات المصنوعة باستخدام التكنولوجيا الحيوية.
إضافة إلى ذلك، تحتاج صناعات التكنولوجيا الحيوية إلى الكثير من المال لتطوير تقنياتٍ أحدث؛ وذلك لأنَّ العاملين والمستثمرين في هذا المجال ينفقون أموالاً طائلةً لإجراء الأبحاث والتجارب وتطوير الأدوات والتقنيات المستخدمة فيها، ومع ذلك حتى مع ارتفاع التكاليف اللازمة لصناعة التكنولوجيا الحيوية، يُعَدُّ الاستثمار فيها محفوفاً بالمخاطر على الرغم من أنَّها تنطوي على إمكانية تحقيق مكاسب كبيرةٍ.
يتألف القطاع هذا من شركاتٍ بنسب فشلٍ تقارب 90% في اختراعاتها، وأيضاً قد يستغرق أي مشروعٍ جديدٍ مقترحٍ وقتاً طويلاً لينجح ويعطي نتائج فعالةً، وقد يفشل أحياناً أخرى، فإنَّ تقلُّب النجاح وفشل الصناعات والتجارب في التكنولوجيا الحيوية هو السبب في أنَّ استثمارها يُعَدُّ عالي المخاطر.
تاريخ التكنولوجيا الحيوية:
لقد قطعت التكنولوجيا الحيوية شوطاً طويلاً منذ أيام "جريجور مندل" الذي كان رائداً لما نعرفه الآن باسم علم الوراثة، وتُعَدُّ التكنولوجيا الحيوية مصطلحاً شاملاً لأي شيءٍ يتعلق بالكائنات الحية ومنتجاتها - لنفكر في الأدوية الخاصة بعلاج السرطان أو النباتات المصممة بمبيداتٍ حشريةٍ مدمجةٍ - ومع وجود العديد من التطبيقات المحتملة يمكن أن يكون للتكنولوجيا الحيوية تأثيرٌ كبيرٌ كل يوم.
لقد بدأت التكنولوجيا الحيوية كما نعرفها اليوم باكتشاف الحمض النووي عام 1953م، وقد صاغ هذا المصطلح عالمٌ بريطانيٌ يدعى "ج. ب. س. هالدين" الذي تصوَّر تداخلاً بين علم الأحياء والتكنولوجيا، وكان هذا التشابك واضحاً منذ سنواتٍ من المحاصيل المعدلة وراثياً إلى حقن الأنسولين، والتكنولوجيا الحيوية ليست مجالاً جديداً ولكنَّها مستمرةٌ في التطور بشكلٍ سريع.
شاهد: 8 حلول للحد من ظاهرة التلوث البيئي
فوائد التكنولوجيا الحيوية:
توجد عدة فوائد للتكنولوجيا الحيوية، وهي تتراوح ما بين الحد من التلوث البيئي وإنقاذ الأرواح إلى زيادة الإنتاج الغذائي وما إلى ذلك، وفيما يأتي بعض المزايا الرئيسة:
1. تفيد في إنتاج الغذاء الصحي:
تحسِّن المحتوى الغذائي في أطعمتنا بمساعدة التكنولوجيا الحيوية، كما زادت التكنولوجيا الحيوية الغذائية من سرعة ودقة العلماء، وهذا يحسن من عملية إنتاج الغذاء، وصحيح أنَّ العناصر الغذائية الأولية الموجودة في الغذاء يتم إنتاجها مع المحاصيل في الحقول، إلا أنَّ التكنولوجيا الحيوية تساعد القطاع الزراعي على تحسين الغلة والقيمة الغذائية للمحصول الناتجة عن استخدامها في مكافحة الآفات والأعشاب الضارة وتحسين مغذيات التربة.
كما أنَّ إنتاج أغذيةٍ صحيةٍ يقلل من المشكلات الصحية المتعلقة بنقص المغذيات ويزيد من توفر الغذاء، بالإضافة إلى ذلك فإنَّ فقدان الغذاء ومعدل فساده بسبب الأمراض والآفات على مستوى العالم يقللان من إنتاجه بأكثر من 35%، ويؤدي هذا التلف إلى خسارةٍ فادحةٍ في الأموال للمزارعين، لكن بمساعدة التكنولوجيا الحيوية يمكن زراعة المحاصيل الشائعة بأقل الخسائر الممكنة وتوفير المال على المزارعين.
2. تحسن القطاع الطبي:
تقطع معرفة فهم التركيب الجيني للجنس البشري عن طريق التكنولوجيا الحيوية شوطاً طويلاً في تحسين الطب، وتوجد بعض التطبيقات الرئيسة للتكنولوجيا الحيوية في المجالات الطبية، كعلم الصيدلة الجيني والاختبار الجيني، كما تستخدم التكنولوجيا الحيوية الطبية الأنظمة البيولوجية للبحث وإنتاج المنتجات الصيدلانية والتشخيصية لعلاج الأمراض أو الوقاية منها.
تشمل التطورات الطبية العديدة باستخدام التكنولوجيا الحيوية فهم السرطان وتطوير كيفية علاجه وتصنيع اللقاحات ونمو الأنسجة الاصطناعية وما إلى ذلك، وتتيح هذه التحسينات في القطاع الطبي زيادة متوسط عمر الإنسان ومساعدة المصابين بالأمراض على العيش لفترة أطول.
3. تقلل من البصمات البيئية للعالم:
صُممت التكنولوجيا الحيوية البيئية لتحل محل المواد والعمليات الكيميائية غير الصديقة للبيئة بخياراتٍ بيولوجيةٍ أكثر استدامةً وصداقةً للبيئة؛ إذ توجد العديد من الملوثات في بيئتنا، وينتج معظم هذا التلوث بشكلٍ رئيس عن الوقود الأحفوري والبلاستيك ومواد البناء وما إلى ذلك، كما تستهلك هذه المواد الكثير من المواد الكيميائية السامة وانبعاثات الكربون التي يمكن أن تسهم في الاحتباس الحراري، على سبيل المثال، يُعَدُّ الوقود الأحفوري أكبر سببٍ لتلوث الهواء، كما يتسبب في العديد من المشكلات المتعلقة بالصحة ويقتل الملايين سنوياً.
لكنَّ إنتاج الوقود الحيوي من المحاصيل أصبح الآن خياراً مدروساً، وباتت العديد من الشركات تستخدم التكنولوجيا الحيوية لمعالجة النفايات الزراعية لإنتاج الوقود الصحي والصديق للبيئة، كما أنَّ التكنولوجيا الحيوية الزراعية قد قللت كثيراً من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الصادرة عن الممارسات الزراعية.
4. تقلِّل من معدل الإصابة بالأمراض المُعدية:
تقول مصادرٌ موثوقةٌ إنَّ أكثر من 250 منتجاً للرعاية الصحية بالتكنولوجيا الحيوية متاحٌ للمرضى الذين يعانون من أمراضٍ غير قابلةٍ للعلاج، كما يمكننا أن نستنتج مما ذُكر آنفاً أنَّ فوائد التكنولوجيا الحيوية في القطاع الطبي لا يجب أن تتدهور، ويجب تسخير الجهود والأموال لتطويرها وخاصةً في مجال الأمراض المُعدية وصناعة اللقاحات.
تُمكِّن المعرفة بالهندسة الوراثية وزراعة الخلايا من خلال التكنولوجيا الحيوية من تطوير اللقاحات، وقد ساعدتنا أيضاً على أن نكون قادرين على علاج الأمراض الصعبة، واكتشاف كيفية انتقال الأمراض المُعدية وكيفية علاجها، ولقد أنقذت هذه التطورات العديد من الأرواح وساعدتنا على حماية أولئك ذوي التركيب الجيني الأكثر عرضة لهذه الأمراض، وهذا يمنحهم فرصةً للحصول على عمرٍ أطول.
5. تساعد على الحفظ والمحافظة:
الهدف الأساسي من التكنولوجيا الحيوية هو تطوير المنتجات والتقنيات التي من شأنها تحسين كوكبنا باستخدام العمليات الخلوية والجزيئية الحيوية، فيمكن استخدامها للحفاظ على الموارد الطبيعية، كما أنَّها تمنحنا وسيلةً لزيادة عمر الأطعمة ومدة صلاحيتها، ومثالٌ عن طريقة حفظ الطعام هو البروتينات المضادة للتجمد، فالبروتينات المضادة للتجمد المؤتلفة مع التكنولوجيا الحيوية هي بروتينات يمكنها تعديل نمو بلورات الجليد وتقليل نقاط تجمد الماء، فهي تطيل العمر الافتراضي لمنتجات الألبان والفواكه المجمدة.
أضرار التكنولوجيا الحيوية:
تتراوح فائدة التكنولوجيا الحيوية من تقليل التلوث البيئي إلى المشاركة في العمليات الطبية والصناعية، لكن عندما يتم التعامل مع التكنولوجيا الحيوية بشكلٍ خاطئٍ، قد يؤدي ذلك إلى حدوث كوارث، فدعونا نلقي نظرةً على بعض من مضارها:
1. تدمير الأراضي الزراعية:
كما ذكرنا آنفاً، يحصل المحصول على مصدره الغذائي من التربة، وقد ساعدت التكنولوجيا الحيوية على السماح لمزيدٍ من المغذيات بدخول المحاصيل بالإضافة إلى مغذياتها الطبيعية، وهذا لا يأتي دون ثمنٍ؛ وذلك لأنَّ التربة قد تفقد خصوبتها مع مرور الوقت إذا كانت مثقلةً بالمغذيات من المحصول، فإن حدث ذلك فستأتي فترةٌ تسمى الاسترداد أو التعويض ستقلل من غلة الغذاء المنتج في ذلك الوقت وقد لا تتعافى التربة أبداً، وهذا يؤدي إلى تدمير الأراضي والمحاصيل بشكلٍ دائمٍ.
2. تحول حياة الإنسان إلى سلعة:
تُعَدُّ ميزة إطالة عمر الإنسان رئيسةً للتكنولوجيا الحيوية، نعم، ولكنَّ الناس يناقشون أنَّ التكنولوجيا الحيوية جعلت حياة الإنسان سلعةً ويمكن للآخرين السيطرة عليها بالتكنولوجيا، على سبيل المثال، قد يُطلب دفع رسومٍ قبل تطبيق بعض الإجراءات لعلاج بعض الأمراض من خلال التكنولوجيا الحيوية، وهو أمر قابلٌ للنقاش تماماً نظراً للتكلفة العالية والوقت الذي يستغرقه البحث، لكن يُعَدُّ عيباً واضحاً فيها أيضاً؛ وذلك لأنَّها لا تجعل الوصول إليها متاحاً بشكلٍ كاملٍ أو للجميع.
3. يحيط بها الكثير من الغموض والمجهول:
واحدةٌ من أكبر عيوب التكنولوجيا الحيوية هي أنَّها تحتوي على العديد من الأشياء المجهولة، وعلى الرغم من تقدُّمها في السنوات الأخيرة، إلا أنَّه ما يزال هناك الكثير من التأثيرات طويلة الأمد التي لا نعرف عنها شيئاً، فمثلاً ما هي الآثار طويلة الأمد التي تنطوي على تغيير الجينات في الخلايا الحية لاستفادةٍ معينةٍ؟ لا نعرف حتى الآن ماذا ينتظرنا وإذا ما كانت ستترتب آثارٌ سيئةٌ على الأجيال القادمة.
4. يمكن تسخيرها بوصفها سلاحاً:
لنفترض أنَّ التكنولوجيا الحيوية يمكنها تغيير الخلايا ومكوناتها لمصلحتنا، فقد يستغلها العديد من الأشرار لخدمة مصالحهم، فيصنعون منها أسلحةً بيولوجيةً قادرةً على إزهاق الملايين من الأرواح والتسبب بأوبئةٍ أو كوارثَ جماعيةٍ.
الإنجازات العلمية للتكنولوجيا الحيوية:
أفضل إنجازين صدرا عن التكنولوجيا الحيوية هما:
1. الاستنساخ:
تم استخدام الاستنساخ بطرائق عدة على مر السنين، من استنساخ قططٍ متوهجة الرأس إلى إنشاء كائناتٍ حيةٍ جديدةٍ - مثل النعجة المشهورة "دولِّي" - أو استنساخ نبتة موزٍ وجد العلماء أنَّها تحتوي على ضعف كمية فيتامين (A) الموجودة في الموز العادي.
2. تفاعل البلمرة المتسلسل:
ساعدتنا هذه التقنية على اكتشاف مسببات الأمراض، ويُستخدم تفاعل البوليميراز المتسلسل أيضاً في تسلسل الحمض النووي، وهذا يساعد الأطباء على تحديد ما إذا كان شخصٌ ما سيصاب بأمراضٍ مثل الإيدز أو التليف الكيسي، كما تُعَدُّ هذه التقنية ذات قيمةٍ كبيرةٍ لدرجة أنَّها أصبحت واحدةً من أهم الأدوات في علم الطب والأحياء؛ إذ تساعد العلماء على العثور على علاجاتٍ للسرطان والإيدز والتليف الكيسي وغيرها من الأمراض المستعصية.
في الختام:
من المؤكد أنَّ للتكنولوجيا الحيوية مستقبلٌ، لكن هل هي جيدةٌ أم ضارةٌ لكوكب الأرض؟ حسناً، التكنولوجيا الحيوية لها إيجابياتٌ وسلبياتٌ تساعد على علاج الأمراض التي تبدو غير قابلةٍ للعلاج، وهذا يجعل الكثير من الناس يحتضنونها بأذرع مفتوحة، لكن من الضروري الحفاظ على الضوابط والتوازنات في صناعات التكنولوجيا هذه لتجنُّب تعريض أنفسنا وكوكبنا إلى نتائجَ لا تحُمد عقباها.
أضف تعليقاً