ما هو علم السياسة؟ ولماذا ندرسه؟
يعرف "ريمون آرون" علم السياسة فيقول: "هو العلم الذي يهتم بدراسة كل ما يتصل بحكومة الجماعات؛ أي العلاقة القائمة بين الحاكمين والمحكومين"، أما معجم المجمع العلمي الفرنسي فقد عرف السياسة بأنَّها "معرفة كل ما له علاقة بفن حكم الدولة وتسيير علاقاتها الخارجية".
يتناول علم السياسة دراسة الظاهرة السياسية دراسة منهجية وعلمية، وهو "علم النقد المنهجي الدائم للمسلمات والأحوال والأنظمة السياسية"، وقد ارتبط ظهوره بالتطور التاريخي لدراسة الظاهرة السياسية، وانطلاقاً من هذا التعريف أصبح بإمكاننا الإجابة عن تساؤل هام وهو "لماذا ندرس علم السياسة؟".
في الواقع ندرس علم السياسة لأنَّنا نحتاج إلى ثورة منهجية تتناول نظرتنا إلى السياسة وكيفية ممارستنا لها، فالعقل هو الأساس في كل شيء، فإذا ما تمكنا من استخدام العقل بالشكل الأفضل وبأحسن صورة حررنا القسم الأكبر من إنسانيتنا، واستطعنا فهم الأشياء بعد تحليلها تحليلاً عقلانياً ومنطقياً، فمن الخطأ التسليم بالمعتقدات السياسية دون تبين الصحيح من الخطأ.
يهدف علم السياسة إلى فهم العلاقة القائمة بين الحاكم والمحكوم وفهم القوانين الفعلية الموجودة بينهما، وبذلك فإنَّه يسهم إسهاماً كبيراً في إعادة الاعتبار الإنساني سواء للحاكم أم للمحكوم، ويقول "ابن خلدون" في مقدمته: "الإنسان رئيس بطبعه"، وهذا الكلام يعني أنَّ كل إنسان قابل لأن يكون رئيساً ومرؤوساً ولأن يكون قائداً أو منقاداً.
لا فرق بين إنسان وآخر إلا بالطاقة والقدرة التي تؤهله لتحمُّل تلك المسؤولية، ولا علاقة لطبقة الإنسان أو ثروته أو نسبه، ويبقى السؤال الأهم هو "ما هي علاقة علم السياسة مع العلوم الأخرى؟"، فإذا أردت معرفة الإجابة فتابع قراءة المقال.
العلاقة بين السياسة والعلوم الأخرى:
ترتبط السياسة بعلاقات مع مختلف العلوم الأخرى، وفيما يأتي سنذكر علاقة السياسة بأهم العلوم:
1. العلاقة بين السياسة والدين:
لا يخفى على أحد العلاقة الوثيقة بين السياسة والدين، فمنذ أقدم العصور استطاع الحكام الجمع بين السلطة الدينية والدنيوية بهدف كسب تقديس المحكومين وطاعتهم، فلا يقتصر الدين على تنظيم العلاقة بين الفرد وربه؛ بل أيضاً ينظم علاقة الأفراد ببعضهم وعلاقتهم أيضاً بالسلطة التي تحكمهم، وبهذا فإنَّ العلاقة بين الدين والسياسة من الصعب فصلها وخاصة في الدين الإسلامي والأديان السماوية الأخرى.
بالنسبة إلى الدين الإسلامي فالقرآن الكريم يحتوي على المبادئ الأساسية المنظمة لكل مجالات الحياة من عدل ومساواة وشورى وتضامن، لكن لم يتدخل الإسلام في تفاصيل تطبيقها وأعطى الحرية للأفراد في تنظيم حياتهم السياسية بالطريقة التي تصب في خانة تحقيق تلك المبادئ، وهذا ما دفع المسلمين إلى إيجاد الخلافة والوزارات والإمارات، كما وضعوا المعاهدات وأبرموا المواثيق، وبذلك مارس المسلمون السياسة بكل ميادينها.
عموماً على العلاقة بين السياسة والدين أن تكون دائماً بهدف إقامة مجتمع فاضل ودولة قائمة على العدل، لكن في بعض الأحيان تُستغل هذه العلاقة بغية تحقيق مصالح شخصية للحكام والقادة، فيستغلون سلطتهم الدينية لتحقيق مصالح سياسية.
توجد الكثير من الأحزاب القائمة على أساس ديني في العالم كالحزب الجمهوري في "إيران" والحزب الديمقراطي المسيحي في "ألمانيا" وحركة الجهاد الإسلامي في "فلسطين"، وأيضاً هناك منظمات دولية وإقليمية قائمة على أساس الدين مثل منظمة المؤتمر الإسلامي الذي يضم أكثر من 50 دولة.
شاهد بالفيديو: 9 عادات دراسية بسيطة لتحسين التعلم
2. العلاقة بين السياسة والفلسفة:
تحاول الفلسفة عموماً تفسير العالم والمجتمع والإنسان والطبيعة، وتركز على عدد كبير من المفاهيم لتكوين رؤيتها متعمقة وشاملة، فتتطرق للدين والأخلاق والمنطق وتهتم بدراسة موضوعات جدلية وهامة كالعدالة والحرية، وهنا تبدأ العلاقة بين الفلسفة والسياسة بالظهور، فتلك الموضوعات تُعَدُّ من موضوعات علم السياسة، وبهذا تساعد الفلسفة على فهم أعمق للعلاقة بين الإنسان والكون.
تعمل الفلسفة السياسية على دراسة الواقع السياسي والبحث عما يجب أن يكون عليه المجتمع السياسي ليحقق أفضل صورة وحتى يصبح مجتمعاً مزدهراً تسوده قيم العدالة والحرية والمساواة، فالفلسفة السياسية هي عالم القيم والمبادئ والأهداف، في حين أنَّ السياسة هي الوقائع والظواهر والحركات السياسية التي تستنير بالفلسفة بهدف تحقيق الواقع السياسي المنشود.
قد ترى في الكلام المذكور آنفاً مثالية مفرطة، لكن لا يمكننا حقيقة ذكر العلاقة بين السياسة والفلسفة دون تضمين هذا البعد المثالي للعلاقة؛ وذلك لأنَّ الدولة الفاضلة هي الهدف، وقد استمرت علاقة السياسة والفلسفة فترة طويلة من الزمن كما في عهد "أفلاطون" و"أرسطو"، كما ظهرت بعدها العديد من الاتجاهات منها ما دعا إلى استقلالية علم السياسة عن الفلسفة، وأيضاً تطورت الفلسفة السياسية لتخلع عنها ثوب المثالية، فظهرت الفلسفات السياسية المادية والليبرالية والاشتراكية.
3. العلاقة بين السياسة والأخلاق:
تلتقي المفاهيم الأخلاقية التي تدعو إلى الخير والصواب مع العلوم السياسية وخاصة أنَّ أصول هذه المفاهيم مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بقيام الدولة التي كانت نشأتها بهدف الخير، حتى إنَّه لم يكن ثمة فرق بين الأخلاق والأفكار السياسية، ومع التطورات التي شهدتها الإنسانية ومع ظهور النزعات والمصالح تحولت تلك المفاهيم الأخلاقية والعادات والقيم إلى قوانين تُحاكم اجتماعياً، في حين صارت واجبات وحقوقاً تقرن الخطأ بالعقوبة والجزاء السياسي.
كان "ميكيافيللي" أول من دعا إلى فصل الأخلاق عن السياسة، وهو من قال إنَّ الغاية تبرر الوسيلة، وبذلك يجب على الحاكم أن يستغل المتاح في سبيل تحقيق غاياته، وسار "هوبز" على خطاه، ولكنَّ الكثير من الاتجاهات دعت إلى ربط السياسة بالأخلاق، ولا ينطبق هذا على الصعيد المحلي؛ بل يصل إلى الالتزام بكل القضايا الإنسانية على مستوى العالم.
في الحقيقة ما يحدث في كثير من الدول من فساد وسرقة وتزوير ليس إلا مثالاً واضحاً على الآثار السلبية الكبيرة لتدني المستويات الأخلاقية للحكام والمسؤولين، وهذا ما يضعف الدول ويضعف ثقة مواطنيها بها ويفقد السلطات مصداقيتها.
4. العلاقة بين السياسة وعلم الاجتماع:
ما دام علم الاجتماع يهتم بكل أنماط السلوك الاجتماعي من عادات وتقاليد وثقافة وقيم، فهو سيهتم بالضرورة بالسلوك الإنساني؛ وذلك لأنَّ هذا السلوك السياسي ليس إلا سلوكاً اجتماعياً، فقد نشأ علم السياسة بوصفه جزءاً من علم الاجتماع، ونشأ علم الاجتماع السياسي ليؤكد على الرابطة القوية بين السياسة وعلم الاجتماع؛ إذ يعبر عن النتائج الاجتماعية المترتبة على توزيع القوة بشكل محدد، إضافة إلى ذلك يهتم علم الاجتماع السياسي بدراسة الصراعات السياسية والاجتماعية التي ينتج عنها تغيير في نوع القوة.
يفيد علم الاجتماع السياسة في كثير من الجوانب، فهو يقدم المعلومات الاجتماعية الهامة كالعوامل التي تساهم في تماسك القيادة أو معرفة الرأي العام واتجاهات الشعوب نحو قضية سياسية، إضافة إلى تقديم معلومات هامة عن العادات والتقاليد والتيارات السياسية والاجتماعية، في حين يقدم علم السياسة لعلم الاجتماع كل ما يتعلق بمؤسسات الدولة وفاعلياتها، وكيفية تأثيرها في أفراد المجتمع، إضافة إلى الأيديولوجيات والنظريات السياسية والآراء.
بهذا يبدو واضحاً أنَّ التأثير بين هذين العلمين لا يحدث من طرف واحد؛ بل هو تأثير متبادل، ففي نهاية المطاف لا يمكن للمعرفة سواء أكانت سياسية أم غير سياسية أن تعيش وتتطور إلا في وسط اجتماعي، كما أنَّ أي تغيير في المجتمع مهما كان صغيراً سينعكس على السياسة.
شاهد بالفيديو: أقوال عن العلم والنجاح
5. علاقة علم السياسة والتاريخ:
يهتم علم السياسة اهتماماً كبيراً بالأحداث التاريخية؛ وذك لأنَّ هذه الأحداث هي المصدر الرئيس لمعرفة الأحداث السياسية الماضية والفكر السياسي والنظريات السياسية قديماً وحديثاً، فالتاريخ في الواقع هو سجل الواقع ومن خلاله يمكن تسجيل كل حدث من علاقات بين السلطة ورعاياها إلى العلاقات الدولية والأوضاع الاقتصادية والثقافية، وباختصار لا يمكن دراسة أيَّة حالة سياسية دون العودة إلى جذورها.
توجد مقولة مشهورة تقول: "التاريخ هو جذر السياسة، والسياسة هي شجرة التاريخ"، وفي الحقيقة هذه المقولة لها مبرراتها، فالتاريخ في معظمه هو السياسة، أما السياسة فمصيرها أن تُدوَّن في التاريخ، كما يقال: "التاريخي هو سياسي وجهه إلى الخلف، والسياسي تاريخي وجهه إلى الأمام".
6. علاقة علم السياسة وعلم النفس:
يهتم علم النفس في فهم طبيعة الإنسان، وعلم النفس السياسي يهتم بمعرفة تأثير العوامل النفسية في السلوك السياسي سواء أكان هذا التأثير سلبياً أم إيجابياً؛ إذ ترتكز النظم السياسية الديمقراطية ارتكازاً رئيساً على الرأي العام، ومن خلال علم التحليل النفسي للأفراد والجماعات والقادة والشعوب يمكن اختيار السياسة التي يجب اتباعها سواء للتأثير في هذا الرأي العام أم فهمه أم توجيهه أم حتى الاستجابة له، وهنا يظهر اعتماد السياسة على وسائل الإعلام وخاصة في فترة الانتخابات؛ إذ يتم التركيز على جوانب معينة في نفسية الجماهير لإرضائها.
كما أنَّ معظم الحكام يلجؤون إلى تكييف أنفسهم مع نفسيات شعوبهم، ويعتمدون على إثارة مشاعرهم وتحريضهم بهدف الفوز فقط، ولن ننسى الحروب النفسية التي تُشن بهدف إضعاف الخصم، وتُوجه هذه الحرب النفسية ضد الشعوب والعسكريين عن طريق وسائل الدعاية ووسائل الإعلام.
7. علاقة السياسة والإدارة:
تنبع علاقة السياسة والإدارة من كون الأخيرة أداة من أدوات النظام السياسي بغية تحقيق الأهداف السياسية للدولة، والسلطة التنفيذية مثلاً لا تستطيع تنفيذ أي قرار إلا من خلال سلسلة من العمليات الإدارية تبدأ من القمة وتنتهي بالقاعدة،
العلاقة بين السياسة والإدارة علاقة وثيقة؛ إذ ترتبط بفلسفة السلطة الحاكمة وأهدافها، فمثلاً في الأنظمة السياسية الاشتراكية تتدخل الدولة في مختلف تفاصيل الحياة الاجتماعية والاقتصادية، ولذلك فهي تحتاج إلى شبكة كبيرة من التنظيمات الإدارية لتطبيق برامجها، وهذا ما يسبب نشوء البيروقراطية.
في الختام:
كما رأينا من خلال المقال السَّابق ترتبط السياسة بعلاقة وطيدة مع العلوم الأخرى، فمرة تؤثر ومرة تتأثر، ولا يتعلق الأمر بالعلوم فقط فأي مجال من مجالات حياتنا سواء الفن أم حتى اللغة والأسماء والمفاهيم من الممكن أن تكون له صفة سياسية؛ أي إنَّه من الممكن تسييسها.
المصادر +
- علاقة علم السياسة بالعلوم الأخرى بالتفصيل
- كتاب مدخل إلى علم السياسة، من مطبوعات جامعة تشرين، كلية الآداب قسم الفلسفة.
أضف تعليقاً