تعريف قائد السوق
يشبه تأثير قائد السوق تأثير النجم، ولكنه أكثر شمولية، حيث يشير إلى ظاهرة حصول الشركة أو العلامة التجارية أو الشخص الرائد في مجال ما (قائد السوق) على مكافآت أكبر بكثير مقارنة بالآخرين في مجالهم. وتشمل هذه المكافآت كل شيء، من الدخل إلى الجاذبية السوقية، واهتمام الصناعة ودعمها له، إلى الفرص السوقية.
على سبيل المثال، عند الحديث عن توزيع المبيعات بين العلامات التجارية الأعلى مبيعاً، يفترض معظم الناس توزيعاً تناسبياً حيث تحقق العلامة التجارية رقم 1 أداءً أفضل بشكل طفيف من العلامة التجارية رقم 2، وتحقق العلامة التجارية رقم 2 أداءً أفضل بشكل طفيف من العلامة التجارية رقم 3، وهكذا.
في الواقع، هذا ليس هو الحال دائماً. في كثير من الأحيان، يستحوذ قائد السوق على حصة سوقية كبيرة، مع تقدم ملحوظ على اللاعب الثاني (وبالتالي بقية السوق).
قاعدة 80/20 هي القاعدة الأساسية هنا، حيث تساهم 20% من الأسباب في 80% من النتائج. وفي هذه الحالة، عادةً ما يحصل اللاعب الأول في أي صناعة على معظم المكاسب في تلك الصناعة. وفي صناعة تنافسية ومجزأة للغاية، قد يمتد تأثير قائد السوق ليشمل اللاعبين الأوائل القلائل (بدلاً من اللاعب الأول فقط).
ويمكن ملاحظة هذا التأثير في العديد من الصناعات والأسواق:
1. في سوق المشروبات الغازية
تحتل كوكا كولا (Coca-cola) المرتبة الأولى بحصة سوقية تبلغ 42.4%، أي أكبر بنسبة 53% من اللاعب الثاني بيبسيكو (PepsiCo) الذي تبلغ حصته 27.7%، وأكبر بمقدار5 مرة من اللاعب الثالث دكتور بيبر سنابل (Dr. Pepper Snapple) الذي تبلغ حصته 16.9%. وتستحوذ هذه العلامات التجارية الثلاثة معاً على حصة سوقية هائلة تبلغ 87%، مما يمنحها هيمنة كبيرة على سوق المشروبات الغازية.
2. وفي مجال الموسيقى
احتلت بيونسيه (Beyoncé) المرتبة الأولى كأعلى مغنية دخلاً في عام 2014، حيث حققت 115 مليون دولار. وهذا أعلى بنسبة 80% من صاحبة المركز الثاني تايلور سويفت (Taylor Swift) التي حققت 64 مليون دولار، في حين حققت صاحبات المراكز الثالث والرابع والخامس، وهن بينك (Pink) وريهانا (Rihanna) وكاتي بيري (Katy Perry)، على التوالي 52 مليون دولار و48 مليون دولار و40 مليون دولار. تجني هؤلاء المغنيات الخمسة معاً أرباحاً تفوق ما يجنيه معظم الموسيقيين في العالم مجتمعين.
3. على يوتيوب (YouTube)
تحتل قناة بيو دي باي (PewDiePie) المرتبة الأولى من حيث عدد المشتركين في جميع قنوات يوتيوب (بما في ذلك قنوات شركات التسجيلات والمشاهير)، وهي قناة ألعاب لديها6 مليون مشترك. ويأتي الجميع في المرتبة الثانية، حيث تحتل قناة هولا سوي جيرمان (HolaSoyGerman) المرتبة الثانية بـ 20.3 مليون مشترك، وتليها قناة سموش (Smosh) بـ 19.3 مليون مشترك. يظهر تأثير قائد السوق بشكل أوضح في فئة الألعاب، حيث يتفوق بيو دي باي بوضوح على منافسيه، فهو أكبر من اللاعب الثاني سكاي دوز ماين كرافت (SkyDoesMinecraft) بأكثر من ثلاثة أضعاف، مما يعني أنه أكبر من اللاعبين الثاني والثالث والرابع مجتمعين.
4. في سوق الهواتف الذكية
تحتل سامسونج (Samsung) حالياً المرتبة الأولى عالمياً بحصة سوقية تبلغ7% من حيث حجم المبيعات، أي أكثر من ضعف حصة اللاعب الثاني، أبل (Apple)، التي تبلغ 11.7%. وتتفوق أبل بدورها بأكثر من الضعف على اللاعب الثالث، شاومي (Xiaomi)، الذي تبلغ حصته 5.2%.
يشير كل من تأثير النجم وقائد السوق إلى ظاهرة مفادها أن التفوق والتميز لهما قيمة كبيرة. فكونك في المرتبة المتوسطة أو في المرتبة العاشرة أو حتى الخامسة، لا يعود عليك بالنفع بنفس الطريقة التي يعود بها التفوق في مجالك حتى بعد استبعاد الفروق في التصنيف والجودة،
مثال: المدونات
لنلقي نظرة على مجال التدوين. التدوين هو أداة للتعبير عن الذات، ووسيلة قوية لمشاركة المعلومات، ومهنة لبعض الأشخاص. كما أن التدوين هو مجال يمكن ملاحظة تأثير قائد السوق فيه.
لنأخذ التدوين عن الجمال وأسلوب الحياة كمثال. على الرغم من المزايا الجذابة المرتبطة به عادةً (التمويل، والمنتجات المجانية، والرحلات المجانية، والدعوات الحصرية للفعاليات)، إلا أن معظم المدونين لا يكسبون ما يكفي للعيش. لا تكسب الأغلبية (ربما 90% منهم) أي شيء، في حين يكسب البعض بضعة مئات من الدولارات شهرياً، وهناك عدد قليل جداً يكسب ما بين 1000 إلى 2000 دولار وأكثر شهرياً، ولكن عادةً ليس من التدوين نفسه، بل من عمل جانبي مرتبط بمدونتهم (مثل متجر إلكتروني، أو استضافة أحداث، أو العمل المستقل في عرض الأزياء).
على الجانب الآخر، لدينا قادة السوق، مجرد حفنة صغيرة منهم، ربما اثنان أو ثلاثة هم الذين يحصلون على صفقات تأييد كبيرة ويحصلون على رواتب ضخمة، ويكسبون بسهولة 10000 دولار وأكثر شهرياً. هؤلاء المدونون لديهم أعلى عدد من القراء في مجالهم، وبشكل ملحوظ أكثر من أي مدونة أخرى. الفرق بين قادة السوق هؤلاء والمدونين الآخرين غير متناسب، حيث يستحوذ قادة السوق على معظم المكاسب.
يمكن ملاحظة هذا النمط في أي فئة أخرى من التدوين: الطعام، والشؤون المالية، والإنتاجية الشخصية، والتدوين (المقالات حول التدوين)، والتغذية، واللياقة البدنية، وريادة الأعمال، والأعمال التجارية، والنصائح المهنية، بالإضافة إلى التنمية الشخصية. كل فئة لها قائدها أو قادتها الذين يحصلون على نسبة غير متناسبة من القرَّاء، وبالتالي اهتمام المعلنين وأرباح عالية.
شاهد بالفيديو: 7 استراتيجيات بيع للتغلب على المنافسين
ماذا يعني تأثير قائد السوق بالنسبة لك؟
قد يقول قائل: "حسناً، لكل صناعة قائد الآن؛ من المستحيل أن يكون لي بصمتي في هذه الصناعات".
انتظر قليلاً ولا تستسلم للتفكير السلبي. صحيح أنه ما لم تكن في صناعة جديدة، فعلى الأرجح أن هناك قادة يسيطرون على الصناعات القديمة. ومع ذلك، حتى إذا كنت تدخل صناعة جديدة، لا يعني ذلك أن الأمور ستكون سهلة، إذ ما يزال هناك منافسة شديدة، بل قد تكون هناك مشكلات أكثر، حيث يتعين عليك التعامل مع العقلية الرافضة، وتثقيف السوق، ومشكلات التنظيم، وما أشبه ذلك، وهي أمور عادة ما يهتم بها اللاعبون الحاليون في الصناعات القائمة.
الحقيقة هي أن النجاح ليس من المفترض أن يكون سريعاً وسهلاً. سواء كنت في صناعة جديدة أو قديمة، فستكون هناك تحديات يجب مواجهتها. لا يتعلق الأمر بالتعثر في هذه التحديات، بل يتعلق بتعلم كيفية التعامل معها، وتحويلها لمصلحتك.
بصرف النظر عن مدى رسوخ قادة السوق وشهرتهم في الوقت الحالي، فإن الأسواق تتغير باستمرار. يأتي الناس ويذهبون، وتتغير احتياجات الجمهور، ويُعاد تعريف المشهد السوقي باستمرار. كون شخص ما هو قائد السوق اليوم، لا يعني أنه سيظل القائد غداً.
خذ على سبيل المثال شركة نوكيا (Nokia). لقد كانت العلامة التجارية لهواتف المحمول بلا منازع في أواخر التسعينيات وأوائل الألفية، حيث استحوذت على حصة سوقية هائلة بلغت 40% من سوق الهواتف المحمولة في عام 2004. وكان هناك أيضاً شركة بلاك بيري (Blackberry)، وهي العلامة التجارية الرابحة بين المستهلكين من رجال الأعمال، حيث ارتفعت من حصة سوقية بلغت 8% في عام 2004 إلى ذروة بلغت 20% في عام 2009.
ثم جاءت أبل (Apple) وأندرويد (Android)، وسيطرا على السوق، حيث تمتلك نوكيا اليوم حصة ضئيلة تبلغ 3% من سوق الهواتف الذكية، وباعت أعمالها الخاصة بالهواتف المحمولة إلى مايكروسوفت (Microsoft) في العام الماضي، في حين وصلت بلاك بيري إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق بحصة سوقية بلغت 0.5%؛ حيث وصلت أسهمها إلى أدنى مستوى لها في حوالي 15 عاماً عند 6 دولارات فقط في العام الماضي. واليوم، تهيمن سامسونج وأبل على سوق الهواتف الذكية.
كذلك لدينا نظام التشغيل ويندوز (Windows)، الذي كان في السابق نظام التشغيل الوحيد الذي يعرفه العالم. ثم جاءت أبل وغيرت السوق. ففي السنوات الست الماضية، تضاعفت حصة نظام التشغيل أو إس إكس (OS X) من أبل أكثر من الضعف، في حين انخفضت حصة نظام التشغيل ويندوز لأول مرة منذ التسعينيات إلى ما دون 90%. وعلى الرغم من أن ويندوز ما يزال قائد السوق المهيمن، إلا أنه إذا استمر في هذا الاتجاه، فمن المحتمل ألا يظل هو العملاق المهيمن بعد عدة عقود.
هذا يسلط الضوء على أهمية الابتكار والتكيف مع التغيرات في السوق. فمع ظهور منافسين جدد وتطور التكنولوجيا، قد يجد قادة السوق أنفسهم في وضع صعب إذا لم يبقوا على اطلاع بالتطورات الجديدة.
ينطبق هذا الأمر على مجال التدوين أيضاً. ففي مجال التنمية الشخصية، كان ستيف بافلينا (Steve Pavlina) في منتصف إلى أواخر العقد الأول من الألفية الجديدة هو الملك بلا منازع للتدوين في مجال التنمية الشخصية، دون وجود أي منافس قريب منه في المرتبة الثانية. ومع ذلك، فقد تغير هذا في السنوات الأخيرة مع تحول محتواه إلى اتجاه مختلف، واكتساب مدونات التنمية الشخصية الأخرى زخماً. واليوم، هناك العديد من القادة الأقوياء في فئة المساعدة الذاتية، حيث يتفوق نصفهم عليه في عدد الزيارات.
نصائح لتكون قائداً مؤثراً في السوق
لكي تكون قائداً مؤثراً في السوق عليك اتباع النصائح التالية:
1. لا تقبل بمستوى متوسط، بل اسعَ لتكون الأفضل
والأفضل هنا يعني الأفضل في مجالك أو تخصصك، بصرف النظر عما تفعله. قد يبدو من السهل أن تكون "جيداً بما يكفي"، ولكن "الجيد بما يكفي" غالباً ما يكون أكثر تكلفة مما تظن. عندما تسعى لتكون في المرتبة الأولى، فإنك لا تساعد نفسك فقط، بل تساعد الآخرين أيضاً من خلال تمكينهم من الاستفادة من مواهبك، مما يؤدي في النهاية إلى فوز الجميع.
2. أتقن حرفتك
يأتي النجاح المستدام من الأشخاص الأفضل في مهنتك. أتقن المهارات المطلوبة لتكون في القمة في مجالك. يجب أن تتضمن هذه المهارات مهارات خاصة بالمهنة (مثل الكتابة إذا كنت تدير مدونة، والكوتشينغ إذا كنت كوتش، والبرمجة إذا كنت تصمم برامج) والمهارات الناعمة مثل القدرة على بناء العلاقات والتواصل بفعالية والإقناع.
3. تعلَّم من الأفضل
تعلم من أفضل اللاعبين في مجالك حالياً. ادرس ما كانوا يفعلونه، وادرس صعودهم إلى النجاح، وحدد عوامل نجاحهم. ثم، كرر هذه العوامل بنفسك. إذا استطعت، تواصل مع أشخاص ناجحين آخرين، واقضِ وقتاً معهم، واطرح عليهم الأسئلة، واحصل على تغذيتهم الراجعة. يساعدك هذا على التحسن بشكل كبير.
4. كن صانع التغيير
يعني كونك قائد السوق أن تكون قادراً على الابتكار وتغيير قواعد اللعبة أو أن تكون رائداً في مجالك. وبينما تتعلم من الآخرين، فكر في كيفية تغيير قواعد اللعبة. فقد تمكن رجل الأعمال ستيف جوبز (Steve Jobs) من توقع التوجهات المستقبلية، مما مكَّن أبل من السيطرة على صناعة الموسيقى الرقمية من خلال آي تيونز (iTunes)، وسوق الهواتف الذكية في الولايات المتحدة من خلال هاتف آيفون بشاشة اللمس.
أما بيو دي باي، فهو القناة رقم واحد من حيث عدد المشتركين على يوتيوب في جميع أنحاء العالم لأنه يقوم بالتعليق على الألعاب بطريقة أصيلة، وودية، وصادقة (تخيل الصراخ مثل طفل صغير في أثناء ممارسة ألعاب الرعب)، وهي طريقة فريدة من نوعها، ما يعني أنها توفر الترفيه والقيمة الاجتماعية للآخرين. اسأل نفسك: ما الذي يحتاجه جمهورك المستهدف؟ وكيف يمكنك تلبية هذه الحاجة بطريقة لم يفعلها أحد من قبل؟
5. تعلم كيفية استثمار الفرص
كل حاجة ومشكلة وفجوة غير ملباة هي فرصة لك للتدخل وملء الفراغ. استخدم المشكلات كبيئة خصبة لاستكشاف طرائق جديدة يمكنك من خلالها إضافة قيمة للآخرين.
6. غيِّر العالم
كونك قائد السوق يمنحك القوة والموارد والفرص لإحداث فرق حقيقي. فقد أسس رجل الأعمال بيل غيتس (Bill Gates) وزوجته مؤسسة بيل وميليندا غيتس لتحسين الرعاية الصحية والحد من الفقر المدقع. تبلغ قيمة صندوقها الاستئماني اليوم3 مليار دولار أمريكي (تبرع بيل غيتس نفسه بمبلغ 28 مليار دولار).
ويساهم مارك زوكربيرج (Mark Zuckerberg)، مؤسس فيسبوك (Facebook)، بشكل كبير في الأعمال الخيرية أيضاً: حيث تبرع بمبلغ 100 مليون دولار لمدارس نيوارك (Newark) في عام 2011؛ وتبرع بمبلغ مليار دولار من الأسهم للأعمال الخيرية في العام الماضي؛ وفي هذا العام، تبرع هو وزوجته بمبلغ 120 مليون دولار لمدارس كاليفورنيا (California). وفي الآونة الأخيرة، تبرعوا بمبلغ 25 مليون دولار للمساعدة في مكافحة فيروس إيبولا (Ebola).
في الختام
عندما تحاول أن تصبح قائد السوق في مجالك (أو إذا كنت قائد السوق بالفعل)، فإن السؤال الذي يطرح نفسه عليك هو: "ما الفرق الذي ستحدثه في العالم، بالإضافة إلى ما تحققه اليوم؟" لأنه دائماً ما يكون هناك المزيد مما يمكننا فعله لمساعدة الآخرين، وتحسين العالم. وربما القوة الحقيقية لكونك قائد السوق هي أنه مع القوة والموارد التي اكتسبتها، يمكنك الآن تغيير العالم بطريقة أكثر تأثيراً من أي شخص آخر.
أضف تعليقاً