إنَّ هذه التطبيقات هي من تداعيات التكنولوجيا الحديثة التي استطاعت إدخال كائنات افتراضية إلى العالم الحقيقي سُميت بالواقع المعزز، أو إنشاء محاكاة افتراضية للعالم الواقعي سمي بالواقع الافتراضي، ثم وصلنا أخيراً إلى مصطلح ميتافيرس الذي أطلقه "مارك زوكربيرغ" مالك شركة (فيسبوك)، وانساقت وراءه العديد من الشركات التقنية، فما هو الفرق بين هذه المصطلحات؟ تابعوا معنا في هذا المقال لتتعرفوا إلى الفرق بين الواقع الافتراضي والواقع المعزز والميتافيرس والعلاقة بينها.
ما هو الواقع الافتراضي (Virtual REALITY)؟
يمكن تعريف مصطلح الواقع الافتراضي أو (Virtual Reality) الذي يرمز له اختصاراً (VR) على أنَّه عالم خيالي بحت، تم إنشاؤه على شكل محاكاة حاسوبية لبيئة حقيقية، أو يكون خيالياً تماماً تم إنشاؤه بطريقة عالية الدقة والاحتراف، وهذا يجعل التفريق بينه وبين العالم الحقيقي صعباً، ويمكن الوصول إلى الواقع الافتراضي (Virtual Reality) عبر ارتداء نظارة أو خوذة خاصة تنقل المستخدم إلى هذا العالم.
تعد الأفلام ثلاثية الأبعاد وألعاب الفيديو من أشهر استخدامات الواقع الافتراضي، الذي يقوم كما أسلفنا بإنشاء محاكاة تقوم بإغلاق العالم الخارجي وغمر المستخدم عبر الأجهزة الحاسوبية التي تختلق البيئة وتنقله إليها؛ وذلك عبر المعدات الحسية كالنظارات وسماعات الرأس والقفازات، فتتحسس هذه المعدات حركة الرأس التي يقوم بها المستخدم فتخلق له الرؤية المنطقية والأصوات المرتبطة بكل حركة، وهذا ما يجعل الاندماج حقيقياً.
نرى الذين يخوضون سباقاً بتقنية الواقع الافتراضي (Virtual Reality) ينكمشون ويصرخون ويتألمون ويتحركون كأنَّهم يقودون حقاً، ولعل أشهر الأجهزة المستخدمة في تقنية الواقع الافتراضي نذكر نظارات (HTC Vive)، ونظارات (Google Cardboard) و(Samsung Gear).
من الجدير بالذكر أنَّ تقنيات الواقع الافتراضي ليست محصورة بمجال الألعاب والترفيه فقط؛ بل تدخل أيضاً في كل من مجالات التعليم والطب، فالأطباء الجراحون يتمرنون على عملياتهم ويخططون لها باستخدام تقنية الواقع الافتراضي، وكذلك المعلمون فهم يستخدمون تقنيات الواقع الافتراضي في شرح العوالم الجديدة لأطفالهم مثل عوالم ما تحت البحار وداخل الجسم البشري، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المجالات العسكرية فيتم استخدام تقنيات الواقع الافتراضي من أجل إجراء التمرينات العسكرية ضمن الظروف الصعبة.
ما هو الواقع المعزز (Augmented Reality)؟
أما الواقع المعزز الذي يشار إليه في اللغة الإنجليزية بمصطلح (Augmented Reality) ويرمز له اختصاراً (AR)، فيمكن تعريفه على أنَّه عملية دمج العالم الافتراضي المتخيل بالعالم الحقيقي الواقعي، وذلك عبر استخدام تطبيقات مخصصة لذلك تساعد المستخدمين على التفاعل مع كل من العالم الواقعي والعالم الافتراضي، مع الاحتفاظ بالقدرة على التمييز بينهما.
الواقع المعزز بتعريف آخر هو إدخال كائنات وعناصر افتراضية إلى مشهد حقيقي يراه المستخدم، فتكوِّن نتيجة ذلك عالماً هجيناً جديداً مؤلفاً من المكونات الفيزيائية الملموسة التي نستطيع إمساكها باليد والكائنات الافتراضية التي نستطيع رؤيتها وسماع صوتها والتفاعل معها، إلا أنَّها غير قابلة للمس.
لعل أشهر تطبيقات الواقع المعزز (Augmented Reality) الفلاتر التي تُستخدم على (سناب شات) وغيره من منصات التواصل الاجتماعي والتي تضيف كائنات افتراضية على الوجه البشري مثل أذني الأرنب وأنفه وغيرها من التفاصيل، كما توجد تطبيقات أخرى موجودة على الهواتف المحمولة تستخدم تطبيق الكاميرا وتضيف إلى المشهد أقزاماً أو أسماكاً وأشكالاً أخرى.
بالتأكيد فإنَّ تطبيقات الواقع المعزز لم تتوقف عند الفلاتر والألعاب؛ بل تم استخدامها وتوظيفها في مجالات عديدة كإظهار البيانات بشكل افتراضي على أرض واقعية، ومن أهم تطبيقاتها تحديد مواقع المطاعم الموجودة على مقربة من المستخدم؛ إذ تظهر هذه المطاعم بشكل ثلاثي الأبعاد في أثناء سير المستخدم في الطريق، وتحتاج تقنيات الواقع المعزز إلى برمجيات من أجل تشغيلها، ويعد امتلاك الهاتف الذكي كافياً لخوص تجارب في الواقع المعزز، بخلاف ما هو معمول به في الواقع الافتراضي؛ إذ يحتاج المستخدم إلى أدوات إضافية للوصول إليه مثل النظارات أو الخوذة.
ما هو الميتافيرس (Metaverse)؟
لقد سمعنا كثيراً عن مصطلح الميتافيرس (Metaverse) من قِبل "مارك زوكربيرغ" مؤسس (فيسبوك) الذي حوَّل اسم شركته إلى (ميتا) فيما بعد، ويمكن تعريف مصطلح ميتافيرس على أنَّه التجسيد الرقمي للأشخاص والأشياء والأماكن، وهو مشتق من كلمة ميتا (Meta) وتعني بعيداً، وفيرس (Verse) ويعني عالماً، وعليه فإنَّ مصطلح (ميتافيرس) يشير إلى العالم الرقمي؛ حيث يمكن تمثيل الأشخاص والأشياء والأماكن بصورة رقمية.
لقد شكَّلَت كل من منصة (Zoom) و(Microsoft Teams) أحد أشكال التمثيل الافتراضي أو الميتافيرس، ففي حال حضور اللقاءات عبر هذه التطبيقات يكون المستخدم فعلياً في غرفته أو في مكتبه، ولكنَّه في الوقت ذاته يكون بصورة رقمية ثابتة أو مقطع فيديو موجود في مجتمع آخر، وهذا شكل من أشكال الميتافيرس العديدة والواسعة التي تهدف إلى تحقيق اللقاءات بين الناس والجمع بينهم.
يمكن استخدام تطبيقات الميتافيرس من أجل حضور الاجتماعات الافتراضية أو التدريبات أو إجراء زيارات إلى مواقع المصانع أو المنشآت، وإنَّ تصميم كل ما هو متعلق بالموارد البشرية والمواهب ممكن من أجل استخدامها في الميتافيرس، فإذا ما كان الواقع الافتراضي غامراً باستخدام النظارات ثلاثية الأبعاد، فإنَّ الميتافيرس غامر بشكل كامل.
ستكون فضاءات الميتافيرس هامة جداً بالنسبة إلى البائعين؛ إذ سيتمكن الزبائن من معاينة مشترياتهم قبل الحصول عليها، وهذا سيساعدهم على اتخاذ قرار الشراء، وسيقلل من عمليات الاحتيال عبر الإنترنت بحسب وجهة نظر (فيسبوك)، وعلى هذا الأساس قام بتغيير اسمه إلى (ميتا) من أجل تعزيز وجهة نظره وإثباتها.
كذلك كان الأمر بالنسبة إلى شركة (مايكروسوفت) (Microsoft) التي حرصت على تكوين حضور كبير لها في عالم الميتافيرس، والأمر ذاته ينطبق على جميع الشركات التقنية وبائعي التجزئة وأصحاب الأعمال الترفيهية الذين يرغبون بالوجود في العالم الافتراضي المقارب للواقع المسمى ميتافيرس.
هل يجب ارتداء نظارات الواقع الافتراضي في ميتافيرس؟
لا، ليس من الضروري ارتداء نظارات الواقع الافتراضي في ميتافيرس، ولكنَّ العديد من تجارب الميتافيرس (Metaverse) تم فيها الاعتماد وبشكل كبير على سماعات الواقع الافتراضي، ونذكر مثالاً عن ذلك التدريبات الغامرة والاجتماعات، وهذا ما يجعل الشركات التي تصنع نظارات الواقع الافتراضي وتطور طرائق التعامل مع الكائنات الافتراضية الموجودة في العالم الافتراضي وتتبع اليد أمثال (Varejo) و(Magic Leap) و(Gleechi) و(Ultraleap) جديرة بالاهتمام والمتابعة.
من الجدير بالذكر أنَّ معظم الأطفال الذين يلعبون لعبة (Roblox) أو (Minecraft) يفعلون ذلك باستخدام الأجهزة المحمولة فقط، وأنَّ قلة قليلة منهم يستعينون بنظارات الواقع الافتراضي.
ما هي العلاقة بين الميتافيرس والواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR)؟
يشير المؤيدون للتكنولوجيا والمتطلعون إلى تطويرها إلى كون الميتافيرس هو مستقبل الإنترنت ومرحلة جديدة متطورة منه، وبفضل الميتافيرس سوف تُمحى الحدود ويصبح بإمكان المستخدمين الانغماس بشكل حسي كامل في العوالم الرقمية، وبالتأكيد سيؤدي كل من الواقع الافتراضي والواقع المعزز دوراً أساسياً وهاماً في تكوين الميتافيرس، الأمر الذي من شأنه تعزيز فرص نموهما ونشاطهما في السوق في السنوات التالية.
إذا ما كانت الميتافيرس هي المساحة الافتراضية، فإنَّ الواقع الافتراضي (VR) هو الوسيلة التي ستقوم بإيصال المستخدِمين إلى هناك، وعلى الرغم من ذلك فإنَّ الإمكانات الحالية للواقع الافتراضي ما تزال محدودة؛ وذلك بسبب الأجهزة المعاصرة التي يعد استخدامها على الأمد الطويل متعباً ومرهقاً فضلاً عن تكلفتها الباهظة.
أما بالنسبة إلى الواقع المعزز (AR) فهو بمتناول عدد أكبر من المستخدمين الذي يقدَّر بالمليارات؛ وذلك بسبب إتاحته من قِبل الهواتف الذكية، الأمر الذي جعله انتقالاً لعملية التطوير واسعة النطاق المرتبطة بالميتافيرس.
في الحقيقة إنَّ الصورة النهائية للميتافيرس لم تكتمل بعد، وهذا ما يجعل حياتنا مفتوحة على كثيرٍ من الخيارات، وما لا شك فيه أنَّ اكتمال الصورة سينطوي على الكثير من الفوائد، لكن ما يشغل بال المطورين هو قابلية وصولها إلى جميع المشتركين العاديين، وما لا شك فيه أيضاً أنَّ تطبيق الميتافيرس بشكل صحيح سينعكس انعكاساً إيجابياً على تحسين تجربة التفاعل بين الناس عبر الإنترنت وفي جميع أنحاء العالم.
يجب التنويه أيضاً إلى أنَّ استخدام الميتافيرس سينطوي على عدد من المخاطر، أهمها ما يتعلق بأصول التشفير وحماية الملكية وحماية البيانات وتراخيص المحتوى، إضافة إلى قدرة الشركات على بناء ميتافيرس مقنع يدفع الناس إلى الانضمام إليه.
في الختام:
إنَّ كلاً من الميتافيرس والواقع الافتراضي والواقع المعزز هي تطورات طرأت على طريقة استخدام الإنسان للإنترنت، وتصب جميعها في إنشاء أو دمج واقع موازٍ للعالم الحقيقي يستطيع الإنسان خوض تجاربه فيه بطريقة تحاكي الواقع وتقترب منه، وتتيح له تجربة الاختبارات الحسية والشعورية بشكل حقيقي، وإنَّ هذه التحديثات حملت بصمات إيجابية واضحة في عمليات التواصل والترفيه والتعلم والطب والتجارة، وستحمل في طياتها العديد من الفوائد التي لا يشوبها إلا انتزاع الإنسان من حياته الواقعية، وغمسه في عوالم تصنعها الآلة والتكنولوجيا.
أضف تعليقاً