في الحقيقة لا يصل إلى النجاح إلا قلة قليلة من الأشخاص، الذين التزموا أهدافهم، والذين عانوا من أجل أن يصلوا إلى ما يريدون، ولذا من النادر أن تجد نسخاً مكررة من الناجحين.
إنَّ كل عباقرة هذا العالم ومبدعيه وأثريائه، وعلمائه ومفكريه لم يناموا ليلاً ليستيقظوا صباحاً ويروا أنفسهم في مكانة مرموقة وقد حققوا النجاح الباهر، بل على النقيض من ذلك كلياً، فهم سهروا الليالي، ومروا بكثير من التجارب التي صقلت شخصيتهم حتى وصلوا إلى ما هم عليه من نجاح وتقدُّم.
في هذا الإطار يقدِّم الكاتب زياد الريس في كتابه "تجربتي لحياة أفضل" مفاهيم حياتية عن النجاح والفشل.
الكُتلَة الحَرِجَة ودورها في تحقيق النَّجاح أو الفشل:
معظم المشاريع سواء على الصعيد الشَّخصي أم على صعيد المُؤسَّسات والكيانات العامَّة يتم العمل عليها، ولكنَّ كثيراً منها لا يرى النُّور بسبب عدم اكتمال عناصر النَّجاح فيها.
ما أودُّ الإشارة إليه هنا أنَّ بعض المشاريع رَغْم استكمال عناصر كثيرة للنَّجاح تراها متعثرةً؛ ويعود السَّبب لعدم الوصول إلى "الكتلة الحرجة"، وهذا ينطبق على كثيرٍ من الأمور التي نتعامل معها بشكلٍ يومي في الحياة، وسوف أعطي بعض الأمثلة لذلك:
1. على صعيد التَّعامُلات الشَّخصيَّة:
حين يكون لديك حق أو دَيْن في جهة ما، أو تريد طلب مساعدة من جهة محدَّدة لأمر قد يكون لعمل خيري إنساني، أو المُطالَبة باسترجاع دَيْن، أو ثمة مشروع صُلْح بين طرفين، أو لبَيْع وتسويق غَرَض أو مُنْتَج وما إلى ذلك، وتذهب للمُطالَبَة به مرَّات عدَّة دون جدوى، ولكن لا يعني بالضَّرورة أنَّه لن يتحقَّق بالمحاولة الثَّالثة أو الخامسة أو بالمحاولة رقم (10)؛ فثمة شعور داخلي لدى الطَّرف الآخر قد يستجد إمَّا من خلال قناعة جديدة، أو من خلال شعور تعاطف جديد تجاه الموضوع، أو من خلال تأجُّج شعور الإحراج والخجل بعدم الاستجابة أو غير ذلك؛ فتراكم وتكرار المحاولة تُولِّد وتُشكِّل ما يُسمَّى "الكتلة الحرجة" لدى الطَّرف المعني، ومِن ثَمَّ تكون الاستجابة ويصطلح العلماء على وصف هذه "الكتلة الحرجة" بتحول الكم إلى كيف.
ما أودُّ أنْ ألفت إليه الانتباه هنا أنَّ المحاولات الأولى ليست هباءً منثوراً، ولَمْ تكن بلا فائدة، وإنَّما هي جزء هام في بناء "الكتلة الحرجة" سواء على مستوى المشاعر الدَّاخليَّة أم القناعات أم الظُّروف المحيطة بالعموم لدى الطَّرف الآخر، وعلينا ألَّا نستسلم في تكرار المحاولة، وأن نتعامل وننظر لهذه المحاولات بشكلٍ إيجابي، وألَّا يكون عدم الوصول للكتلة الحرجة هو العامل العائق في تحقيق النَّجاح المرجو.
على صعيد العلاقة بين العبد وربِّه أعتقد أنَّ المحافظة على الصَّلاة وكثرة الاستغفار وتكرار التوبة، والإلحاح في الدعاء، كلها عوامل هامَّة في استدرار توفيق الله وحمايته ورعايته، والعكس يُدْخِل الإنسان في نواميس "الكتلة الحرجة"، نسأل الله العافية.
2. الجمعيات الخيريَّة والعمل العام:
إنَّ بناء المنظومة ونجاحها في المجتمع يحتاج إلى عناصر الثِّقة والولاء والمُسانَدة، وهي لا تأتي إلَّا من خلال كثيرٍ من العطاء والإخلاص والشَّفافية والمحاولة إلى أن تصل إلى حجم "الكتلة الحرجة" في نفوس أفراد المجتمع الذي هي فيه؛ بحيث تكون عصيَّة على التَّجريح والقدح، ويكون حجم المدافعين عنها كافياً لدعم وحماية هذا الكيان.
3. الكتلة الحرجة في النَّواميس الكونيَّة:
تنهار بعض المجتمعات والكيانات مختلفة في العالَم أو المُؤسَّسَات العالميَّة الكبيرة بين عشيَّة وضحاها؛ وذلك لأنَّ حجم الظُّلم وغياب العَدل فيها يكون قد تجاوز "الكتلة الحرجة"، وحينها يكون مآلها الانهيار والفشل والسُّقوط.
هكذا فإنَّ فكرة "الكتلة الحرجة" موجودة في تطبيقات كثيرة في حياتنا اليوميَّة، ومن أهم عناصر الوُصُول لها بالشِّقّ الإيجابي هو الصَّبر والمُثابَرَة وعدم اليأس وتعزيز النَّظْرة الإيجابيَّة بداخلنا، وكذلك نَشْر فكر العمل الجماعي.
شاهد بالفيديو: الاخفاق سرّ النجاح... كيف تحول فشلك إلى نجاح؟
النَّجاح ليس صُدفَة:
دوماً النَّاجحون في المجتمع تحت الأنظار والمُساءَلة عن سبب نجاحهم هذا، وينظر النَّاس دوماً إلى الجانب المشرق الظَّاهر البرَّاق من رفاهية الملبس والمأكل، وما يتبع ذلك من مظاهر الرَّاحة دون معرفة تاريخ المعاناة والصَّبْر والتَّعب وتكرار المحاولة.
حقيقة الأمر أنَّ النَّجاح - بعد توفيق الله سبحانه وتعالى - له أسباب وعوامل وسنن كثيرة يجب أن تكتمل جميعها، إلى أن يتحقق النَّجاح، ولقد اطلعتُ مؤخراً على إحدى الدِّراسات التي تتحدَّث عن الصِّفات والعوامل المشتركة التي تجمع بين النَّاجحين (الأثرياء)، والذي قام بها "توم كيرلي" والتي تمَّت على عدد 177 من الأثرياء، والتي كانت حسب الآتي:
1. الاستيقاظ باكراً:
معظمهم يشترك بميزة الاستيقاظ باكراً، والاستفادة من بداية النَّهار.
2. القراءة اليوميَّة:
(٨٨./. من النَّاجحين يُخصِّصون ٣٠ دقيقة يوميَّاً للقراءة في السِّيَر الذَّاتيَّة وكتب تطوير الذَّات، وغيرها).
3. تخصيص وقت للتَّأمل:
(١٥-٢٠ دقيقة يوميَّاً).
4. الحفاظ على الصِّحَّة:
(٧٦./. منهم يُخصِّصون ٣٠ دقيقة للرِّياضة البدنيَّة).
5. رفع المعنويَّات:
(الإيمان بأنَّك ناجح، وهذا يرتبط بنوعيَّة الأشخاص الَّذين تخالطهم).
6. العمل على تحقيق أحلامهم وليس أحلام الآخرين:
(٨٠./. من الأغنياء يُصرُّون على تحقيق أحلامهم، ويعملون على تحقيق أهداف جزئيَّة يوميَّاً).
7. يجب أن تنام جيداً:
فمن الهام أن يعطي الإنسان لجِسْمه القَدْر الكافي للرَّاحة (٧-٨ ساعات كل ليلة).
8. تكوين مصادر دَخْل مُتعَدِّدَة:
فيعملون على تنويع مصادر دَخْلهم. (٦٥./. لديهم مصادر دخل مُتعَدِّدَة وأقواها العقار).
9. عدم إضاعة الوقت:
إعطاء الوقت أهميَّة كبيرة لا تَقل عن المال؛ حيث تتم جدولة المواعيد بشكل مسبق دوماً.
هذا إضافة إلى مجموعة هامَّة من العوامل المشتركة الأخرى؛ جرى الحديث عنها كثيراً مثل الآتي:
- يحافظون على القِيَم الأخلاقيَّة.
- يحبُّون العطاء بكل أنواعه، ويريدون للآخرين النَّجاح.
- يُخبرون الآخرين بتجاربهم المفيدة لهم.
- يتحدَّثون عن الأفكار باستمرار، وعندهم روح المُبادَرَة.
- الصَّبر والالتزام والاستمراريَّة من أهم الصِّفات التي يشتركون بها.
نسأل الله التَّوفيق والنَّجاح للجميع.
الحذر من عوامل الفشل:
توجد أسباب كثيرة تحتاجها لكي تكون ناجحاً، وكذلك علينا تجنُّب أمور كثيرة لتجنُّب الفشل، ومنها ما هو معروف لعموم النَّاس من كَسل وتقاعس ولَهْو، وما إلى ذلك، ومنها ما هو ذو طابع شخصي ذاتي علينا الحذر منه، ومنه الآتي:
1. التجنب من الشكوى المستمرَّة:
وعليك التفكير بالهدف وتحقيقه أكثر من التفكير بسعره، فالناجحون لا يتفاوضون على السِّعر، وإنَّما يتفاوضون على القيمة.
2. نحن دوماً نُشير بأصابع الاتهام إلى الخارج وليس إلى الداخل أبداً:
بينما الحقيقة إذا أردت أن ترى الشَّخص المسؤول عن كل إخفاقاتك فانظر إلى المرآة.
3. الحذر من الأقوال وإطلاق الوعود دون الالتزام بها.
4. إذا قلت إنَّك ستفعل شيئاً ما؛ فعليك أن تفعل:
وإذا لم تفعل ستفقد احترام شخصين؛ الأوَّل هو الشَّخص الذي أعطيتَ كلمتك له، والثاني والأهم هو نفسك، وستفقد شيئاً من النَّزاهة واحترام نفسك.
5. الحذر من الوقوع بظواهر النرجسيَّة:
وأن تعيش وتعمل من أجل أن يمدحك الآخرون، وليس من أجل غايتك الخاصَّة.
6. الجميع يهتمُّ بالمال:
لكن عليك أن تتجنَّب أن يكون هو هدفك أو غايتك المطلقة.
إنَّ معظم الأشخاص غير الناجحين يظنُّون أنَّ النَّاجحين مهووسون بالمال، ولكنَّ الأشخاص النَّاجحين نادراً ما يحرصون بالشكل المبالَغ به على المال، بل إنَّهم يسعون دوماً إلى إضافة قيمة، والمال يكون تحصيل حاصل بالطريق.
أضف تعليقاً