أحد الأشياء التي يجب طرحها كقائد هو ما إذا كنت تقدم المزيد من الإجابات أو تطرح المزيد من الأسئلة على فريقك، كتب جون ماكسويل كتاباً كاملاً حول موضوع بعنوان "القادة الجيّدون يطرحون أسئلة عظيمة" والذي يؤكّد أنّ السؤال مهمٌّ للقادة بشكلٍ لا يُصَدَّق وعلى كافة المستويات.
ولكن ما يحدث فعلاً أنَّ القادة قد يعتقدون بأنَّهم عظماء، ويمتلكون القدر الكافي من الذكاء والمعرفة والمهارات؛ بحيث يقدرون على مساعدة فرقهم في حلّ أيِّ موقفٍ يواجهونه بغض النظر عن السيناريو. فعادةً ما يُقدِّمُ القادة إجابة مقنعة حول كيفية حلّ مشاكل المؤسسة والفريق، بناءً على تجربتهم وخبراتهم العملية وممارساتهم القيادية.
إنَّه لمنَ المُغري جداً للقائد أن يأتيه أعضاء الفريق بالمشكلة، فيخبرهم بكيفيّة الحلّ، لينجح حَلّه بامتياز. ثم ماذا؟
دعونا ننظر للموضوع من منظورٍ مؤسّسي؛ يُصبح القائد بمرور الوقت المرجع الأساس للمؤسسة في تقديم كافة الإجابات؛ والمُلهم الرئيس لحلّ المشكلات في جميع أنحائها. وعلى الرِّغم من أنَّ هذا المنهج العملي قد ينجح حين تكون المؤسسة صغيرة؛ ولكن ما إن تتوسّع وتزداد رقعة الأعمال؛ يصبح هذا القائد بالنسبة للمؤسسة بمثابة عنق الزجاجة (bottleneck) في طريق تحقيق الإنجازات.
ما الذي يحدث عندما يسأل القائد؟
بدايةً؛ تدفع الأسئلة التي يطرحها القائد أعضاء الفريق إلى البحث عن إجاباتٍ فعّالة وعملية؛ خاصةً وأنَّ هذه الأسئلة تأتي من أعلى درجات السلم الإداري؛ ما يدفع الأعضاء للتفكير والبحث عن إجاباتٍ مقنعة. يعزز هذا النهج بمرور الوقت قدراتهم في الاعتماد على أنفسهم، والسعي بشكلٍ مستمرٍّ للبحث عن الحلول؛ بدلاً من التحملق حول القائد والاعتماد على مهاراته في الإجابة عن كافة الأسئلة.
لهذا السبب يفهم القادة الكبار قوّة طرح الأسئلة، بدلاً من تقديم الإجابات، لذا فقد تكون تلك وسيلة قويّة لإيصال الفريق للتناغم المطلوب مع طريقة تفكيرك.
ومن خلال طرح الأسئلة، يمنح القائد فريقه الفرصة لبناء "عضلات صنع القرار" ومهارات الاعتماد على الذات؛ وخاصة حينما يتعلّق الأمر بحلّ المشكلات. ففي النهاية، إذا علم الفريق أنَّ القائد سيطرح مزيداً من الأسئلة بدلاً من تقديم الإجابات؛ سيبدأ في إيجاد حلٍّ لهذه المشكلات بمفرده، بدلاً من محاولة إشراك القائد في كلّ مرة.
لذا فإنَّ استراتيجية طرح المزيد من الأسئلة تبني ثقافة أقوى وأكثر استدامة في المؤسسة؛ وذلك من خلال تمكين الفريق من العثور على الإجابات بنفسه. فَتَذَكَّر أنَّ المفتاح هو أن تصمت بعد أن تطرح السؤال؛ لا أن تجيب على أسئلتك؛ وإلا ستفقد كلّ التأثير. قد يُسْتَثْنَى من ذلك المشكلات الشائكة والمحفوفة بالمخاطر، والتي قد تضرُّ بالمؤسسة.
إنَّ مهارة طرح المزيد من الأسئلة خطوةٌ مهمّةٌ في دفع الفريق وإجباره على التفكير في المشكلات قبل أن يُؤتَى بها إلى القائد؛ وهو ما يجعل القائد أكثر قيمةً للمؤسسة، ويشعر الفريق والموظفين بالإنجاز بسبب توصّلهم للإجابات بأنفسهم.
من المثير للاهتمام أنَّ عملية طرح الأسئلة -بدلاً من الإجابة عليها- أكثر صعوبةً وتتطلّب قدراً هائلاً من التفكير المنطقي من جانب القائد. قد يكون من السهولة بمكان لأيِّ شخص أن يُلاحظ الإجابات الخاطئة، ولكنَّ ملاحظة الأسئلة الخاطئة تستلزم قدراً كبيراً من الإبداع والتركيز والبداهة.
من خلال طرح الأسئلة على أعضاء الفريق، يُتيح القائد إليهم فرصة التعرّف على التحديات وفقاً لمنظور جديد، وتشكيل خبراتهم الخاصة حول طريقة التعامل معها. وبناءً عليه، سيتمكّن الموظفون من استدعاء الحلول والإجابات المناسبة من خلال التكرار والممارسة.
ما الذي يسأل عنه القادة؟
ابحث عن الأسئلة القوية؛ هذا هو المفتاح الرئيس. ستُساعدك الأسئلة القوية على تكوين نظرةٍ معمّقةٍ للشخص الذي تتحدّث معه، والموضوع الذي تناقشه. يمكنك معرفة كيف يُفَكّر هذا الشخص، وما هو مُهِمٌّ بالنسبة إليه، وذلك بناءً على ما يقوله وما لا يقوله. وكلّما واصلت طرح أسئلةٍ قويّةٍ، ازداد فهمك للشخص والموضوع معاً.
يقول جورج برنارد شو: "مشكلة التواصل هي الوهم الذي جرى إنجازه". فكثيراً ما نقع في فخٍّ نعتقد فيه أنَّنا نفهم بعضنا البعض، لنكتشف لاحقًاً أنَّنا كنا نتحدثُ لغةً مختلفة.
1. الأسئلة ذات الإجابات المفتوحة:
واحدةٌ من التقنيات المهمّة هي طرح أسئلةٍ "مفتوحة الإجابات" (Open Questions)؛ إذ تُشْبِع هذه النوعيّة من الأسئلة شعورك بالفضول القيادي. فأنت تريد معرفة المزيد، وستطرحُ أسئلةً بشكلٍ طبيعيّ بطرائق تزيد من تفكير الشخص الآخر.
إن لم يتبادر إلى ذهنك السؤال الصحيح، أو كان الشخص غير واضحٍ فيما قاله؛ يمكنك دائماً قول: "أخبرني المزيد عن ذلك". قد يُشكّل هذا السؤال البسيط أهمّ سؤال مفتوح يُوَسّع من آفاق تفكير الشخص الآخر، ويساعد القائد على الدخول في التفاصيل المهمة.
2. الأسئلة الصعبة:
أمَّا الأسئلة الصعبة فهي مثاليّة لمناقشة المسائل الحسّاسّة؛ فقد يكون من الصعب على معظم القادة -حتى المخضرمين منهم- طرح أسئلةٍ صعبةٍ أو شديدة الصعوبة؛ لكنّ أولئك الذين يريدون أن ينجح الفريق يحتاجون إلى طرح الأسئلة القوية من وقتٍ لآخر. لذا اطرح هذه الأسئلة لإخراج أفضل ما في جُعبة الآخرين.
عندما يُطرح على الشخص سؤالاً صعباً ينعكس عليه شخصيّاً، ستجده وقد أصبح مُتيقظاً، وربما متفاجئاً؛ لذا من المفيد أن تطلب منه الإجابة عن أسئلةٍ صعبةٍ قد تكون حسّاسّةً بالنسبة إليه. تصل الأسئلة الصعبة إلى صميم المساءلة الشخصية، وفي الوقت نفسه يمكن أن تُلهم الفريق للوصول إلى أعلى مُستويات الأداء والإنجاز.
لذا هيّئ الفريق قبل طرح أسئلةٍ صعبة. يمكنك البدء من خلال هذا السؤال النموذجي: "هل لي أن أطرح عليكم سؤالاً صعباً حول الموضوع؟".
ما الذي نقصده بالأسئلة الصعبة؟
تتضمن هذه الأسئلة ما يلي:
- ما الذي كان يمكن أن تفعله بطريقةٍ مختلفةٍ لتحقيق النتيجة التي أردناها؟
- ما هي أفضل طريقةٍ بالنسبة إليك للتعامل مع ذلك الموقف أو الحدث؟
- ما الذي يجب عليك فعله لتحسين هذا الموقف إلى حدٍّ كبير؟
- ما الذي ستلتزم به بشكلٍ مختلفٍ عندما يحدث مثل هذا الموقف مُستقبلاً؟
- هل أضافت هذه التجربة شيئاً إلى رصيد خبراتك؟ ما هو؟ وكيف يمكنك استثماره؟
سوف تساعدهم هذه الأسئلة على التفكير في قراراتهم وأفعالهم وفيما يمكنهم القيام به في المستقبل لتحسين النتائج. كما تساعدهم أيضاً في تجنّب القيام بنفس الإجراءات في المستقبل. تزرعُ هذه الأنواع من الأسئلة شعوراً عميقاً بأنَّك قائدٌ يهتم بموظفيه كأشخاص، وتعكس بوضوح مسؤوليتك تجاههم.
3. الأسئلة المُلهِمَة:
إحدى الطرق القويّة لإلهام الآخرين هي طرح أسئلةٍ تمسّ جوهر الشخص وتدفعه في التفكير في ذاته وكيانه، مثل: ماذا يريد أن يكون؟ ومن هو مثلُه الأعلى كقائد؟ تبني هذه الأسئلة وتعزز الأساس الذي يقوم عليه الشخص أو يريد أن يكون عليه مستقبلاً، وتدلّ على احترام القائد تجاهه، واهتمامه الشديد به. إليك بعض الأمثلة على هذه الأسئلة:
- عندما تؤمن بقائدٍ ما وبقدراته وتضعه نصب عينيك؛ كيف ينعكس ذلك على أفعالك وتصرفاتك؟
- ما الذي يجب عليك تغييره مستقبلاً من أجل تحقيق نتيجةٍ أفضل في المرّة القادمة؟
- ما هي عواقب ما قمت به أو عواقب ما حدث كفردٍ أو كفريق؟
عندما يجيب الشخص على السؤال الأخير بنفسه، ويستنتج العواقب من خلال تحليله الخاص؛ فإنَّ تأثير ذلك يكون كبيراً جداً بالمقارنة مما قد تقوله أنت؛ وخاصةً عندما تؤكد صحة إجاباتهم (إن كانت صحيحةً طبعاً).
في هذه الحالة، قد يكون من الحكمة أيضاً أن نسأل إذا غفلوا عن نتيجةٍ مهمّة: "ما هي النتائج الأخرى؟" أو "أي من مواهبك يمكنك استخدامها لتحسين ما فعلته أو قلته؟"
تذكر دائماً أنَّك لن تَعْرِفَ ما تجهله حتى تسأل فريقك الأسئلة الصحيحة. وإليك تقنيات طرح الأسئلة والتي تمرّ بالمراحل التالية:
- حضّر أسئلةً ذات جودة: اعمل على الأسئلة التي ستطرحها، مع التأكد من أنَّها ستَحُثُّ موظفيك على إيجادٍ حلولٍ مبتكرةٍ وشاملة. وقد تحتاج إلى بذل بعض الجهد من أجل صياغة أسئلةٍ قويّةٍ ومفتاحيّةٍ للموضوع قيد النقاش.
- خذ وقفةً للتفكير: بعد طرح سؤالٍ ما، يجب أن تكون هناك لحظةُ تَوَقُّف. يساعد ذلك على تهدئة عقلك، كي تتمكن من الاستماع بموضوعيّةٍ إلى الإجابات التي يُقَدّمها فريقك. كما أنَّ الإيقاف المؤقت يمنح فريقك وقتاً لصياغة استجابة إبداعية.
- انتهج نهج الاستماع الفعّال: إذا قمت بطرح الأسئلة الصحيحة، ستتلقى وجهات نظرٍ متعددة. لذا ضع في اعتبارك أنَّه لا يتعيّن عليك دائماً أن توافق على كلّ إجابةٍ تتلقاها؛ ولكن يجب أن تكون مستعداً لسماع ما يقوله فريقك. فبهذه الطريقة، تتعلّم من موظفيك، مما يجعلك قائداً أفضل.
- اعتمد على التغذية الراجعة: إضافة إلى الاستماع الفعّال، ينبغي لك أن تقود الحوار إلى اتجاهين مهمين:
- الاتجاه الأول: هو تأكيد الإجابة الصحيحة وتعزيزها.
- أما الاتجاه الثاني: طرح المزيد من الأسئلة حول الإجابات الضعيفة، وقيادة الحوار نحو مزيدٍ من الدِّقّة، وتقريب وجهات النظر من أجل الوصول إلى الإجابات المناسبة.
في الختام:
توقّف عن تقديم إجاباتٍ وتحوّل إلى طرح أسئلةٍ ذات جودةٍ تقود الفريق إلى النضج المعرفيّ وتقوية عضلات التفكير الإبداعي وبناء مهارات الاعتماد على النفس لديهم. كما أنَّك لن تكون حجر عثرةٍ أمامهم وستُسْهِمُ في تطوّرهم ونموّهم؛ بما يجعلك وإيَّاهم، تمضون نحو المُستقبل بخطى ثابتة وقوية.
المراجع:
أضف تعليقاً