إضافةً إلى ذلك، نعتمد على النظام البيئي السليم لتجديد وتنقية المياه التي نحتاج إلى شربها، والهواء الذي نحتاجه للتنفس والأرض التي نزرع عليها طعامنا؛ باختصار، يحافظ التنوع البيولوجي على توازن النظام البيئي في العالم وازدهاره وصحته، ونظراً لأنَّه لا يمكن شراء النظام البيئي بأي ثمن، فمن الهام حمايته وضمان وصول الفقراء والفئات الضعيفة إلى خدماته للقضاء على الجوع المدقع والفقر.
لسوء الحظ، طوال الـ 200 عام الماضية كان تدمير النظم البيئية من خلال إبادة الحيوانات والنباتات يتزايد بمعدل غير مسبوق مع تأثيرات هائلة يفرضها البشر، وفي هذا المقال سنتعرف إلى هذه التهديدات التي تدمر التنوع البيولوجي على أرضنا، فتابعوا معنا.
التهديدات الرئيسة للتنوع البيولوجي:
دعونا نلقي نظرةً على التهديدات المدمرة للتنوع البيولوجي في العالم:
1. فقدان الموائل وإزالة الغابات:
يتركز التنوع البيولوجي على الأرض بدرجة عالية في الغابات الاستوائية المطيرة؛ إذ تشير التقديرات إلى وجود أكثر من 50% من التنوع البيولوجي في هذه المناطق، ومع ذلك تم قطع نحو 20% من الغابات المطيرة للزراعة وتربية الماشية والأخشاب طوال الـ 40 عاماً الماضية، وقد تؤثر إزالة الغابات في النباتات والحيوانات عن طريق القضاء على الحياة النباتية وتقليل تعداد الحيوانات السليمة، فهل يجب أن ننظر إلى كيفية حدوث كل منها؟
حسناً، القضاء على الحياة النباتية؛ عندما يتم قطع الغابات وتطهيرها من أجل تنمية الأرض، تتم إزالة جذور هذه الأشجار التي تساعد على تثبيت بنية التربة معاً وجرف التربة السطحية وتعريتها، ولا يفقد النظام البيئي النباتات التي تتم إزالتها فحسب؛ بل يقلل أيضاً من فرص نمو البذور المنتشرة مرةً أخرى في تلك الأرض؛ هذا لأنَّه عندما يتم التخلص من التربة السطحية، يتم فقد العناصر الغذائية الأساسية التي تدعم نمو النباتات.
أيضاً يقلل تعداد الحيوانات السليمة بصرف النظر عن الحياة النباتية؛ إذ تؤدي إزالة الغابات أيضاً إلى القضاء على الحياة الحيوانية على طول حدودها، في حين أنَّ بعض الحيوانات قد تهرب من خلال الهجرة، إلا أنَّ ثمة احتمالاتٍ كبيرةً بأنَّها لن تتكيف بسرعة مع البيئة الجديدة وتموت.
قد تشمل التحديات في نظامها البيئي الجديد افتراسها من قِبل الحيوانات المفترسة، أو الإصابة ببعض الأمراض التي لا تقوى أجسامها على مقاومتها، أو إطلاق النار عليها من قِبل البشر، أو المجاعة إذا كان مصدر غذائها الوحيد في البيئة المتدهورة قليلاً أو غير متوفر.
2. تغير المناخ:
أصبحت المحيطات أكثر دفئاً ومستويات سطح البحر آخذةً في الارتفاع، فقد تهدد موجات الجفاف المطولة الحالية الحياة البرية والمحاصيل وإمدادات المياه العذبة، كما أدت التغيرات العامة في المناخ في جميع أنحاء العالم إلى انقراض العديد من الأنواع بشكل روتيني.
يتجاوز الضغط على التنوع البيولوجي المستويات التي أحدثتها التغيرات المناخية العالمية في الماضي القريب، وهي تشمل تغيُّر المناطق المناخية وزيادة درجات الحرارة وذوبان الجليد والثلج والظواهر الجوية الشديدة والفيضانات؛ إذ تُعرِّض هذه التغييرات النظم الطبيعية للمخاطر بسبب افتقارها للقدرة الكافية على التكيف.
3. التلوث:
عندما تنظر إلى أي نظام بيئي ستحدد العديد من أشكال التلوث، فمجاري المياه مليئة بالمواد الكيميائية السامة الناتجة عن عمليات المصانع والقمامة من مكبات النفايات والأنهار المثقلة بالأسمدة الزراعية والسماء المليئة بالضباب الدخاني.
يمكن للمواد الطبيعية أيضاً تلويث البيئة عندما تكون كثيرةً في منطقة معينة، على سبيل المثال، يُعَدُّ الفوسفور والنيتروجين من العناصر الغذائية الحيوية للنباتات، لكن عندما يتراكمان في نظام المياه بعد استخدام الأسمدة يصبحان غير صالحين للحياة البرية والأسماك.
تسمم هذه الملوثات الطبيعية الممرات المائية والتربة، وقد تقتل الحيوانات والنباتات، كما يتأثر البشر أيضاً سلباً بهذه الملوثات، فالتعرض المستمر لتلوث الهواء على سبيل المثال يمكن أن يسبب أمراض الجهاز التنفسي المزمنة أو أمراض الرئة الأخرى وسرطاناتها، ووفقاً لبحث حديث لا يستطيع أكثر من مليار شخص الوصول إلى المياه النظيفة ونحو 2.4 مليار ليس لديهم صرف صحي مناسب.
4. الإفراط في الاستغلال:
يحدث الاستغلال المفرط عندما يتم القضاء على العديد من الحيوانات التي لا تستطيع إعالة نفسها أو حمايتها دون تدخل، والصيد الجائر وصيد السمك الجائر هما نوعان من الاستغلال المفرط.
في حين أنَّ الاستخدام المباشر للحيوانات والموارد الأخرى هام لبقاء الإنسان، إلا أنَّ الإفراط في الاستخدام يمثل مشكلةً حاسمةً في الحفظ وتصبح مهددةً بالانقراض، ومع انخفاض عدد الأنواع تصبح في النهاية غير قادرة على أداء خدماتها البيئية مثل التلقيح.
إلى جانب الحدِّ من عدد الحيوانات، يمكن أن يحد الاستغلال المفرط أيضاً من قدرة الأنواع المتأثرة على التغاضي عن المساهمين غير المباشرين في فقدان التنوع البيولوجي مثل التغيير التكنولوجي.
يمكن أن يؤدي انقراض أو تراجع نوع واحد إلى تغيير تكوين الأنواع الأخرى، على سبيل المثال، عندما ينخفض أحد الأنواع بسبب الصيد الجائر فإنَّ السوق سوف يدفع إلى الإفراط في استغلال أنواع أخرى.
شاهد بالفيديو: أنواع التلوث البيئي وطرق علاجه
5. الأمراض الوبائية والمعدية:
تؤثر الأمراض المُعدية في الإنسان والحياة البرية والحيوانات الأليفة على حد سواء، مع وجود عدد من مسببات الأمراض القادرة على الانتشار في العديد من الأنواع، وقبل 50 عاماً عندما تم تصنيع المضادات الحيوية واللقاحات، بدا أنَّ المعركة ضد العدوى قد رجحت لمصلحة البشر.
مع ذلك فقد تم الإبلاغ عن ظهور مقاومة مضادات الميكروبات والأمراض حيوانية المنشأ من الحياة البرية التي تسببت في تفشي الأوبئة القاتلة، وفي الوقت نفسه تم تحديد الأمراض المُعدية حالياً بوصفها تهديداً رئيساً للحفاظ على الحياة البرية.
6. الصيد الجائر:
الصيد غير القانوني للحياة البرية واضح للعيان ويصعب تحديده على الأمد القصير، وعلى الرغم من الحظر الرسمي للصيد غير المشروع في العديد من الدول، إلا أنَّ التجارة غير المشروعة في القرون والجلد والأنياب تتزايد زيادةً كبيرةً كل عام.
في الغالب، ما تزال التجارة غير المشروعة المعاصرة تتدفق من الدول الفقيرة برأس المال إلى الدول الغنية، والربح هو الدافع الرئيس للعديد من الصيادين؛ إذ يشير تحقيق أجرته منظمة (Elephant Action League) إلى أنَّ العديد من قرون وحيد القرن غير المشروعة يتم توريدها من إفريقيا إلى آسيا.
أكبر مشكلة يسببها الصيد الجائر هي قتل الأنواع المهددة بالانقراض، مع ما يقرب من ثلث البرمائيات وثمن الطيور وربع أنواع الثدييات في العالم معرضة لخطر الإبادة.
7. النمو السكاني:
لقد أحدث عدد سكان البشر الذي يتزايد بسرعة على مر السنين تأثيراً أكبر في التنوع البيولوجي مقارنةً بأي عامل آخر؛ إذ تقدر الأبحاث أنَّه بحلول عام 2050 سيصل عدد السكان إلى 9 مليارات.
مع تعداد السكان الضخم، يتشارك البشر موارد الأرض مع العديد من الأنواع الأخرى، ومع نمو السكان يتم قطع الغابات لتلبية الحاجة إلى الماء والغذاء والاستيطان، وفي هذه العملية تظل العديد من الأنواع معرضةً لخطر المعاناة بسبب النشاطات البشرية وحدها.
8. الأنواع الغريبة المُجتاحة:
يمكن أن يؤدي إدخال الأنواع الغريبة المجتاحة (IAS) في بيئة جديدة إلى ترهيب الحياة البرية المستوطنة إما عن طريق التنافس على الموارد، أو بوصفها حيواناتٍ مفترسةً، أو إزعاج الاقتصادات، أو إزعاج صحة الإنسان، كما تنمو أنواع النباتات الغريبة نمواً كبيراً، لكن تشير التقديرات إلى أنَّ الأضرار التي تسببها من حيث تعطل النظام الطبيعي وفقدان التنوع البيولوجي تفوق فوائدها.
إلى جانب التداعيات البيئية، تواجه الأنواع الغريبة المُجتاحة مشكلةً متعددة الجوانب تهدد الغابات والنظم الطبيعية ومصايد الأسماك والنشاطات الزراعية، ووفقاً للتقديرات فإنَّ 40% من جميع انقراضات النباتات والحيوانات ساهمت بها هذه الأنواع منذ القرن السابع عشر.
9. صراع الحفظ:
يُعَدُّ صراع الحفظ من أكثر المشكلات التي لا يمكن السيطرة عليها والتي تواجه الحفظ في العالم، وتتزايد حدتها وتكرارها سنوياً، وهذا ينطوي على موقف؛ إذ يتعارض العديد من أصحاب المصلحة الذين لديهم حجج قوية حول أهداف الحفظ، فعندما تفرض مجموعة ما مصالحها، تفسرها المجموعة الأخرى تفسيراً مختلفاً، والنتيجة النهائية لهذا الصراع هي تقديم تقرير متحيز ومثير، وهذا يؤثر سلباً في سبل العيش ورفاهية الإنسان والتنوع البيولوجي.
في الختام:
بيئتنا هي شريان الحياة الذي نهوي ونندثر دونه، فكل ما فيها من كائنات ابتداءً بأكبر حيوان موجود ونبات حي إلى أصغر حشرة وطحلب مجهري هي مكونات رئيسة وهامة لنا، ودونها سيختل التوازن الطبيعي ولن يعود إلى سابق عهده، وستبدأ الطفرات والانهيارات المتتالية في هذا النظام نتيجة أعمالنا الجائرة والتعسفية وغير المسؤولة.
الحل الوحيد هو بتحمل مسؤولية أفعالنا والحد من أنانيتنا والتفكير بأنَّ الأرض ليست ملكاً لنا؛ بل هي ملك للذبابة وملك للفراشة وملك للنمر والأغنام والأبقار والزهور والأسماك والأشجار وملك لأي كائن حي يتنفس ويعيش على سطحها وباطنها وفي بحارها وأنهارها.
يكفي أن نرسخ مفهوم تبادل المنفعة على أنَّه السبيل والحل وليس الأنانية وحب الذات، وسنصل إلى يوم لن ينفع فيه الندم أبداً، وبدلاً من أن نبحث عن كواكب أخرى صالحة للعيش لتدميرها ولنعيد نفس السيناريو الذي حدث في الأرض، يجب علينا جمع الجهود للمحافظة على ما تبقى من أرضنا ومحاولة إنعاشها.
أضف تعليقاً