إنَّ مفهوم "التربية القائمة على الارتباط" الذي صاغه الدكتور ويليام سيرز (Dr. William Sears) -طبيب أطفال ومؤلف للعديد من الكتب- يؤكد على دور الأم التي توفر الدفء والأمان والتغذية والحب في المراحل الحرجة من الطفولة لضمان تنشئة طفل ناجح ومتوازن في حياته المستقبلية.
تعزز التربية القائمة على الارتباط العلاقة الوثيقة بين الأم وطفلها:
تشجع العناصر الأربع الرئيسة التي تتمحور حول "التربية القائمة على الارتباط" على العلاقة الغريزية بين مقدمي الرعاية (الأبوين عادة) والطفل، وتساعد على تكوين رابطة وثيقة وتعزيز هذه الصلة بين مقدم الرعاية والطفل حديث الولادة؛ وهذه العناصر هي:
- الاستجابة لبكاء الطفل: أي الميل إلى تلبية احتياجاته عندما يبدأ البكاء، والاعتناء به، وعدم تركه يشعر بالضيق.
- الاتصال الجسدي: أي إبقاء الطفل قريباً جسدياً من خلال حمله عند الإرضاع، ووضعه في حاملة أطفال قريبة من الجسد لأطول وقت ممكن.
- النوم المشترك: مشاركة السرير نفسه أو الغرفة نفسها مع الطفل، مع اتباع إرشادات السلامة؛ وتحث هنا الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (The American Academy of Pediatrics) على عدم مشاركة السرير نفسه مع الطفل لتجنُّب الأذية التي قد يسببها الآباء لأطفالهم في أثناء النوم، ولكنَّها تقترح النوم في سرير منفصل في الغرفة نفسها للوقاية من حدوث موت الرضيع المفاجئ (SID).
- إطعام الطفل عند الطلب: أي إطعامه عندما يرغب في ذلك.
لماذا تعدُّ التربية القائمة على الارتباط أمراً ضرورياً للغاية؟
إنَّه لمن الضروري جداً أن يكوِّن الطفل ترابطاً أسرياً كي يعيش طفولة صحية وسليمة؛ فإذا اختل هذا الارتباط خلال هذه المرحلة الحرجة للطفل، فقد تتأثر سلباً حياته ومستقبله.
أجرى عالم النفس هاري هارلو (Harry Harlow) في عام 1958 تجربة مثيرة للجدل، حيث أُخِذت مجموعة من القرود بعيداً عن أمهاتهم، ووُضِع نصفهم في قفص مع أمٍّ مصنوعة من القماش تشبه أمهم الحقيقية؛ بينما وُضِع النصف الآخر مع أمٍّ مصنوعة من الأسلاك تحمل قنينة تحوي الحليب؛ فكانت القرود الموجودة مع الأم القماشية أكثر أماناً، وكانت تركض إلى حضن أمها القماشية عندما تشعر بالخوف؛ على خلاف القرود التي وُضِعت مع الأم التي تحمل الحليب.
كما أثبتت التجارب الإضافية أنَّ عدم وجود روابط أمومة وثيقة أدى إلى مشكلات عاطفية واجتماعية لدى أولئك القرود عندما قُدِّموا إلى القرود الأخرى.
شاهد بالفديو: 18 طريقة تجعل تربية الأطفال سهلة
إيجابيات التربية القائمة على الارتباط:
يتمتع الأطفال الذين ينشؤون على التربية القائمة على الارتباط بصحة أفضل، ولديهم تقدير أعلى لذاتهم، ويكونون أكثر مرونة تحت ظروف الضغط والإجهاد؛ أمَّا الآثار الإيجابية الأخرى فهي:
- تجعل التربية القائمة على الارتباط الطفل شخصاً أفضل؛ حيث يُكافَأ منح الحب والرعاية للرضيع بالابتسامات والضحك والحب في المقابل.
- تعزز مهارات الغريزة الأبوية لديك؛ فمن خلال إيلاء اهتمام كبير لطفلك، تبدأ التعرف إلى إشاراته غير اللفظية؛ فعندما يبدأ الطفل مص يده مثلاً، يعني هذا أنَّه جائع.
- تساعد أطفالك على أن يكونوا أكثر ثقة بالآخرين وبأنفسهم، وأكثر أماناً أيضاً؛ حيث يتعلم طفلك أنَّك تدعمه عندما توفر له بيئة آمنة، وسيتمكَّن بذلك من مواجهة مخاوفه بوجودك إلى جانبه.
- يصبح طفلك أفضل في تعلم الكلام؛ حيث يكون أسرع في تعلم اللغة واستخدامها عندما يكون إلى جانب والديه، ويراقبهما، ويستمع إليهما يتحدثان.
- تساعد على جعل أطفالك أكثر ذكاء واستقلالية؛ فعندما تُلبَى احتياجاتهم كافة، يصبح بوسعهم تركيز حواسهم على استكشاف ومراقبة العالم من حولهم.
- تعزز الارتباط الوثيق بينك وبين طفلك؛ حيث يزداد اتصال الطفل بوالديه من خلال التربية القائمة على الارتباط، كما من المرجح أن تترسخ علاقة وطيدة فيما بينهم مستقبلاً أيضاً.
- يصبح تأديب وتهذيب الطفل أكثر سهولة؛ حيث يمكن لنظرة بسيطة أن تنقل خيبة الأمل والإحباط عندما يكون الوالدان والطفل أكثر اتصالاً فيما بينهما.
سلبيات التربية القائمة على الارتباط:
لن تخلو التربية القائمة على الارتباط من بعض مواضع الانتقاد؛ ومن سلبياتها:
- يفرض هذا النوع من التربية متطلبات كبيرة على الوالدين؛ فقد تكون الاستجابة لكل صرخة من الطفل عبئاً ثقيلاً عليهما، وقد يكون استيقاظهما المتكرر ليلاً أمراً صعباً وخطيراً.
- قد لا تكون خياراً ممكناً في حال كان الوالدان يعملان؛ إذ لا يسمح لنا المجتمع بإبقاء أطفالنا معنا دوماً، وغالباً ما تفصلنا التزامات العمل عنهم، وكثيراً ما نسلمهم إلى مراكز الرعاية النهارية لرعايتهم خلال تلك الساعات.
- لا يتعلم الطفل كيف يهدئ نفسه؛ فإن استجاب الآباء لبكاء طفلهم في كل مرة، فكيف يمكن لهذا الطفل أن يتعلم تهدئة نفسه؟
- يتعلم الأطفال التقنيات اللازمة لتهدئة أنفسهم ولنومهم أيضاً، ولكن قد يعيقهم أحد الوالدين عن تعلُّم ذلك بنية حسنة.
- يصبح الطفل معتاداً جداً على الحمل والرضاعة لدرجة يصعب فطامه، خاصة أنَّه اعتاد على تناول الطعام عند الطلب؛ كما قد يصبح مدللاً وطالباً للاهتمام عندما يُحمَل ويلعب معه في كل مرة يبكي فيها.
- يمكن أن يؤدي وضع احتياجات الطفل في المرتبة الأولى وتقديمها على اهتمامات الوالدين إلى خدمة الطفل على حساب الوالدين في المستقبل.
اتخاذ موقف وسطي بالنسبة إلى التربية القائمة على الارتباط:
مع أنَّ أنماط الحياة الآن عصرية، لكن قد لا يكون وضع طفلك في حاملة الأطفال واصطحابه معك لساعات طويلة أمراً ممكناً؛ لذا يجب اتخاذ موقف وسطي بشأن التربية القائمة على الارتباط من خلال استخدام ما يلائمك أنت وطفلك؛ فمثلاً:
1. اقضِ وقتاً ممتعاً مع طفلك:
يعدُّ الوقت الذي تقضيه مع طفلك في هذه المرحلة الحرجة الوقت الأكثر أهمية بالنسبة إليه؛ وهذا أمر ضروري للترابط الأبوي، ويمكن القيام به خلال الوقت الممتع الذي تقضونه معاً.
2. امنح طفلك حباً غير مشروط:
يبكي الطفل ليلفت انتباهك كفعل غريزي من أفعال البقاء على قيد الحياة؛ إذ يكون الطفل قادراً على إدراك الحب والرعاية التي يحتاج إليها؛ لذلك، احمل طفلك كثيراً، وتحدث معه بلطف، وأرحه عندما يكون متوتراً، وطمئنه بكلمات نابعة من قلبك.
3. استفد من حاملة الأطفال:
كلما كان طفلك أقرب إليك، زاد الارتباط الوثيق فيما بينكما قوة؛ ويمكن أن تمكِّنك حاملة الطفل من حمل طفلك واستخدام يديك لأداء مهمات أخرى أيضاً.
4. احملي طفلك في أثناء الرضاعة:
لا تُرضِّع جميع الأمهات أطفالهن رضاعة طبيعية، ولكن مجرد حمل الطفل بالقرب منك في أثناء الرضاعة يمكن أن ينشئ علاقة وثيقة بينك وبينه.
إنَّ الطفولة مجرد فترة وجيزة، ولكن قد يستمر تأثيرها في الطفل إلى الأبد
تتغير حياتك إلى الأبد مع قدوم المولود الجديد؛ ومع أنَّ الوقت قد يبدو طويلاً جداً، لكن ينمو الأطفال ويكبرون بسرعة البرق؛ حيث تعدُّ الطفولة فترة قصيرة ووجيزة، لكنَّها ثمينة، وتمكِّنك من تكوين علاقة دائمة مع طفلك؛ لذا استغل ذلك الوقت بحكمة، واستخدم غرائزك لتربية طفلك وتنشئته نشأة طبيعية.
أضف تعليقاً