الأشخاص المنتمون إلى ثقافات مختلفة يستطيعون بسهولة فهم تعابير الوجه البشري دون خطأ، ويستطيعون تحديد الانفعالات من غضب وسعادة وحزن وألم وما إلى ذلك دون الحاجة إلى اللغة أو أيِّ طريقة تعبير أخرى؛ فالانفعالات واحدة عند الجميع، والأمر لا يتعلَّق بشكلها ومظاهرها فقط؛ بل حتى بتأثيرها المتشابه في حياتنا نحن البشر عموماً.
يكاد لا يمضي يوم دون أن ننفعل بسبب أمر ما، وطبعاً لا تكون شدة هذه الانفعالات ذاتها في كل مرة؛ فأحياناً تكون انفعالاتنا بسيطة وأحياناً شديدة، وهذا يرجع إلى عوامل عدة ومواقف مختلفة؛ أولها طبيعة الموقف وسماتنا الشخصية، كما أنَّها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحاجاتنا، وتعكس حالات وعمليات ونتائج إشباعنا لهذه الحاجات أو عدم إشباعها؛ وبذلك يكون لها دور كبير وهام في حياتنا، وهذا ما دفعنا إلى كتابة هذا المقال، الانفعالات وتأثيرها في حياتنا.
أولاً: ما هي الانفعالات؟
حقيقة مصطلح الانفعال مصطلح واسع جداً، يضم كل الحالات الشعورية على اختلافها؛ فهو يشير إلى الحزن والغضب والفرح وما وكل ما يعكس شعور فرد ما باللذة أو الألم.
يأخذ غالبية علماء النفس المحدثين الانفعال بمعنى آخر أضيق، وفي نظرهم الانفعال هو حالة شعورية عليها أن تتسم بثلاث سمات رئيسة هي:
- التوتر النفسي الشديد الذي ينعكس مباشرة على حالة الأعضاء، فيكون هذا التوتر مصحوباً باضطرابات فيزيولوجية كثيرة، مثل ضيق التنفس، وانخفاض ضغط الدم، وطبعاً تختلف هذه الاضطرابات باختلاف شدة الانفعال.
- الانفعال حالة شعورية طارئة لا تحدُث بعد تخطيط من الشخص؛ وإنَّما تباغته فجأة وبغير توقُّع، فيعجز عن التفكير، مثلاً قد تكون مشاعرك خارج المنزل مستقرة، ولا يوجد أي انفعال وما إن تدخل المنزل حتى تُفاجأ بأحد أطفالك يلعب بأوراق هامة لك، مما يسبب لك الانفعال ويشعرك بغضب شديد يدفعك إلى القيام بتصرفات ستندم عليها بعد عودة الهدوء إليك.
- الانفعال حالة شعورية عابرة لا تبقى لفترة زمنية طويلة، فتجد أنَّ الشخص وبعد انفعاله انفعالاً كبيراً قد عاد إلى الهدوء، وهمد البركان الذي كان ثائراً قبل دقائق داخله، فمثلاً إذا كنت تمشي في الشارع، وفجأة ظهر أمامك كلب ستخاف للحظات وتشعر بالهلع وبعدها تعود إلى حالتك الطبيعية.
بناءً على تلك السمات الثلاث المرافقة للانفعال يمكننا القول إنَّ الانفعال هو عبارة عن حالة جسدية ونفسية ثائرة تحدُث فجأةً، وتسبب اضطراباً نفسياً وجسدياً للإنسان.
هنا ومن خلال هذا التعريف أصبح بإمكاننا تمييز الانفعالات عن غيرها من الحالات الشعورية والعواطف؛ فالحب يُعدُّ حالة دائمة ليس انفعالاً، أمَّا الشهوة فهي انفعال، والحزن انفعال أمَّا البؤس فليس انفعال.
حتى نوضح ذلك أكثر سوف نقوم فيما يأتي بعرض العلاقة بين الانفعال والعواطف، وبين الانفعال والحالة الشعورية، ونشرح معنى الانفعالات المزمنة.
شاهد بالفيديو: كيف تسيطر على مشاعر الانفعال الزائد
العلاقة بين الانفعال والعواطف:
يكثر الخلط بين العواطف والانفعالات، فيقال عن الحنان انفعال، وعن الحب انفعال، والحقيقة أنَّ كل تنظيم وجداني يدور حول موضوع معين، وثابت نسبياً هو عاطفة، وليس انفعالاً مثل حب الأم لطفلها.
العلاقة بين الانفعال والحالة المزاجية:
الحالة المزاجية هي حالة انفعالية؛ لكنَّها متوسطة الشدة، وهي حالة مؤقتة؛ لكنَّ فترة سيطرتها على الإنسان طويلة، وقد تذهب وترجع مرة أخرى، باختصار يمكننا القول إنَّ الحالة المزاجية هي انفعالات؛ لكنَّها طويلة الأجل وأقل عنفاً.
مثال على ذلك في حال فقدت شخصاً عزيزاً عليك ستشعر بالحزن وهذا انفعال، لكن إن استمر حزنك لفترة أطول أصبح حزنك أسىً، وهذا حالة مزاجية.
الحالات الانفعالية المزمنة:
يوجد في حالة الانفعالات المزمنة تكرار مستمر للظروف التي سببت الانفعالات مثل استمرار العوامل المسببة للخوف، كما يحدث في الحروب، أو استمرار الظروف الاقتصادية السيئة في المنزل والمثيرة للهم والغضب، وبهذا تصبح الانفعالات مزمنة، وأقرب إلى القلق والمرض النفسي.
ثانياً: أسباب حدوث الانفعالات
قد يخطر في بالنا أن نسأل لماذا تحدث الانفعالات؟ حقيقةً حتى نستطيع الإجابة عن هذا السؤال علينا البحث في أسباب الانفعالات، وسنذكر فيما يأتي بعض الأسباب العامة للانفعال:
- إثارة أحد الدوافع لدى الإنسان فجأة وبغير توقُّع، وفي حال كان الدافع أساسي والإثارة عنيفة، فإنَّ الانفعال سيكون قوياً بحيث لا يتمكن الشخص من التصرف والتفكير، مثال حالة الذعر التي تصيبك عندما تُفاجأ بسيارة مسرعة في أثناء عبورك الطريق.
- إعاقة الإنسان عن بلوغ هدفه أو إشباع أحد حاجاته الأساسية، وفي حال سار كل شيء على ما يرام لا يحدث الانفعال، مثال إذا أردت شراء سلعة ضرورية، ولم تستطع فإنَّك ستشعر بالانفعال ويزداد إلحاحك لشرائها.
- إنَّ إشباع الحاجات فجأة وبغير توقُّع يسبِّب الانفعال أيضاً، كأن تحصل على ترقية في عملك دون أن تكون متوقعاً، أو أن ينجح تلميذ يتوقع الرسوب.
ثالثاً: ما هي مظاهر الانفعالات؟
نحن نستطيع ملاحظة الانفعالات من خلال مجموعة من المظاهر التي تعكسها على شخصية الفرد، ويمكن تحديد ثلاثة جوانب رئيسة يتألف منها كل انفعال:
- الجانب الذاتي؛ أي الجانب المتعلق بالشخص المنفعل وهو فقط من يلاحظه، ويستطيع كل إنسان تحديد مظاهر الانفعال الخاص به من خلال عملية التأمل الباطني التي يجريها في أعماقه، فمثلاً عندما أغضب أنا يمكن أن أعبِّر عن انفعالي بالصراخ، كما أفقد المحاكمة المنطقية للأمور وأتصرف بطريقة قد أستغربها بعد أن أهدأ.
- الجانب الظاهر، ويشمل مختلف التعبيرات والحركات الخارجية والإيماءات والألفاظ التي يمكننا ملاحظتها على الشخص المنفعل، ومن خلال هذه المظاهر يمكننا تحديد نوع الانفعال ودرجته، فمثلاً اصفرار الوجه وارتجاف اليدين يدل على الخوف.
- الجانب الفيزيولوجي الداخلي، ويعني ما يصيب أجهزة الشخص الداخلية، كتغيرات في ضغط الدم، وضيق في النفس، وزيادة في مفرزات الغدد الصم.
لا بدَّ من الإشارة هنا أنَّ هذه الجوانب الثلاثة لا تظهر منفصلة عن بعضها؛ بل هي مظاهر متكاملة تظهر بوصفها كلاً واحداً.
رابعاً: تأثير الانفعالات في حياتنا
حتى نقوم بتوضيح تأثير الانفعالات في حياتنا، سنتناول أثر الانفعالات في عملياتنا العقلية، ثم أثر الانفعالات في صحتنا.
أثر الانفعالات في العمليات العقلية:
لا يمكننا القول إنَّ تأثير الانفعالات في حياتنا وعملياتنا العقلية هو تأثير سلبي دائماً، على النقيض من ذلك فإنَّ بعض الانفعالات البسيطة والمعتدلة تنشط الخيال والتفكير وتساهم في زيادة تدفق الأفكار، وزيادة الميل إلى العمل، ومثال على ذلك ما يحدث بين الزملاء من منافسة شريفة، فعندما تعرف أنَّ زميلك في العمل قد أنجز جزءاً أكثر منك سوف تنفعل بسبب ذلك، لكن هذا الانفعال سيدفعك إلى العمل وينشط عقلك لتبدع وتعطي أفضل الأفكار.
من جهة أخرى، فإنَّ الانفعالات العنيفة والشديدة تؤثِّر في حياتنا تأثيراً سلبياً حتى لا تكاد تنجو وظيفة من وظائفنا العقلية والإدراكية والمعرفية من هذا الأثر، فقد يرجع انفعال ما كغضب العالِم الرصين إلى مستوى من التفكير وطرائق في التصرف لا تتلاءم مع مستواه الفكري.
كما يؤثِّر الانفعال في الذاكرة، فكم مرة شاهدنا مطرباً قد نسي كلمات أغانيه على المسرح، وكم مرة نحن شخصياً نسينا الإجابات في الامتحان الشفهي، وكل هذا بسبب الرهبة والخوف، وفي السياق ذاته كم مرة في أثناء الامتحانات الشفهية رددنا كلمات وعبارات ساذجة ولا علاقة لها بالسؤال، هذا يرجع لتأثير الانفعال في اللغة.
بالطبع، لا يمكننا حصر تأثير الانفعالات في قدراتنا العقلية وما ذكرناه ليس إلا غيضاً من فيض.
شاهد بالفيديو: كيفية التحكم بالانفعالات وضبط النفس
أثر الانفعالات في الصحة:
يؤثِّر الانفعال في الصحة تأثيراً كبيراً، ويظهر هذا من خلال:
- الصدمات النفسية واضطرابات الشخصية: ينتشر بين الناس أنَّ الصدمات القاسية مثل فقدان شخص عزيز أو خسارة مادية كبيرة أو خيانة أو رسوب مفاجئ هي أسبابٌ لحدوث الصدمات النفسية واضطرابات الشخصية، والحقيقة أنَّ هذا هو نصف الحقيقة، وليس الحقيقة كاملة؛ فالصدمات وحدها لا تكفي لحدوث الاضطراب النفسي أو العقلي؛ بل يجب أن يكون لدى الشخص استعداد لحدوث ذلك، وهذا الاستعداد يرجع إلى عوامل مختلفة منها التربية والوراثة وغيرها، وبذلك تظهر الانفعالات على أنَّها السبب المباشر في حين لا تظهر الأسباب الكامنة الموجودة في مشاعره منذ فترة طويلة.
- الأمراض الجسدية والنفسية: ذكرنا أكثر من مرة علاقة الانفعالات بأجهزة الجسم الداخلية، وكيف يؤثِّر الانفعال العنيف فيها، ويُحدِث اضطرابات فيزيولوجية؛ ففي حال تصاحبت الانفعالات العنيفة مع ظروف مسببة لكبت هذه الانفعالات تحولت إلى أزمات وأمراض خطيرة مثل ضغط الدم أو القرحة وغيرها من الأمراض الجسدية النفسية المنشأ.
بعض التدابير لضبط الانفعالات:
يمكننا ضبط الانفعالات التي تحس بها من خلال التدابير الآتية:
- التحلِّي بالإرادة القوية، والتذكُّر دائماً أنَّ الانفعال لن يقود إلى نتيجة مُرضية؛ بل على النقيض من ذلك يزيد الوضع سوءاً.
- تغيير طريقة جلوسك أو وقوفك أو المكان الذي توجد فيه حتى تهدِّئ من روعك.
- أخذ حمام بارد حتى تهدئ أجهزة الجسم الباطنية.
- إشغال النفس بأيِّ شيء يخفف الانفعال.
في الختام:
تحظى الانفعالات عامة باهتمام كبير في الأوساط العلمية والنفسية والطبية نظراً لتأثيرها الكبير في حياتنا سواء سلباً أم إيجاباً، وتُعدُّ الانفعالات وثيقة الصلة بشخصية الفرد، حتى إنَّها من الممكن أن تصف طبيعته وتعبِّر عن شخصيته، ولذلك علينا بوصفنا أناساً أسوياء أن نمتلك القدرة على التحكم بانفعالاتنا قدر الإمكان، فبدلاً من أن تحكمنا، علينا أن نحكمها، فكم من شخص في هذا العالم خسر عمله بسبب الغضب، وكم من شخص لم يتطور بسبب الخوف، والأمثلة في هذا السياق كثيرة وجميعها تؤكد فكرة واحدة "علينا ضبط انفعالاتنا وتوجيهها لخدمة مصلحتنا، وليس النقيض من ذلك".
المصادر +
- كتاب فصول في علم النفس للدكتور أحمد عزت راجح.
- كتاب علم النفس العام للدكتور عبد الله سيف الدين والدكتور إبراهيم رزق، كلية الآداب، قسم الفلسفة، جامعة تشرين.
أضف تعليقاً