قد يجد بعض الأشخاص أنَّ الاعتراف بمشكلات مكان عملهم وبحاجته للتغيير تحدِّياً كبيراً. لكن، يمكِن للبيانات وسرد القصص - عند استعمالها بشكلٍ صحيح - التخفيف من رهاب تلك العقبات النفسية ومساعدتك على تعزيز الانخراط في القيادة الفعلية للشركة.
سنقدِّم إليك فيما يأتي ثلاثة أمثلة عن الصراعات التي قد تخوضها خلال حياتك المهنية وكيفية استعمال بيانات عملية إدماج الموظفين (employee engagement data) -أي العملية التي تهدف إلى إشعار الموظفين بأنَّ الجهد الذي يُقدِّمونه يُحدِث فارقاً في أداء الشركة التي يعمل بها- للدفع بالتغيير نحو الأمام في شركتك:
1. تعزيز البيانات:
إنَّ جمع وتحليل البيانات هو الجزء السهل؛ لكنَّ استخدامها لتغيير السلوكات وتحسين مكان عملك هو الجزء الأصعب والأكثر تحدياً.
فمثلاً؛ للفوز في المعارك السياسية، يجب أن تتعلَّم كيفية تقديم البيانات التي بحوزتك بحيث تحشد جمهورك وتدعوه إلى المشاركة في معركتك؛ حيث يُفضِّل بعض الأشخاص الاستماع إلى القصص أولاً لتهيئة الساحة، بينما يريد آخرون أن تُقدِّم لهم الحقائق الموثَّقة والأرقام ليفهموا السياق؛ فمعرفة جمهورك وأي من النهجين ستستخدم أساسيٌّ للفوز في قضيتك.
مثال:
لنفترض أنَّك لاحظتَ أنَّ معدل مغادرة الموظفات الإناث لشركتك عالٍ للغاية؛ فتقرر إلقاء نظرة على نتائج آخر استبيان لمشاركة الموظفين مُحاوِلاً تقصِّي أسباب هذه الظاهرة؛ فتجد تضارباً في النتائج عند المقارنة بين استبيانات الموظفين الذكور والموظفات الإناث، ويتَّضح لك بأنَّ موظفات شركتك لا يَشعرنَ بالتقدير والدعم كما ينبغي مقارنةً بالذكور.
تعود إلى مديري العمل وتَعرِض عليهم هذه البيانات، مُتسلحاً بهذا الدليل؛ فتجذب تلك الأرقام اهتمامهم مباشرة، وعندما يستفسرون عن معنى معدلات الدوران العالية، تبدأ بتقديم البيانات النوعية؛ فحالات مغادرة العمل الحديثة للموظفات ليست سوى غيض من فيض؛ فالموظفات اللواتي قررن المغادرة مؤخرا هنَّ فقط اللواتي قررن التصرف بناءً على شعورهن بالإحباط، لكنَّهن لسنَ الوحيدات اللواتي يشعرن بعدم الرضا؛ إذ هناك مشكلة جوهرية ستستمر بدفع الموظفات إلى الاستقالة إن لم تعالج.
تُخبِرُ فريقك بأنَّه من الضروري التعامل مع ثقافة العمل والمشكلات التي تتسبب في إحباط الموظفات في شركتك مما يجبرهن على البحث عن عمل في أماكن أُخرى، ثمَّ تَعرض بضع مواقف شاركَتها الموظفات (دون ذكر الأسماء) وشعرن خلالها بأنَّه قُلِّلَ من احترامهن، وتدور إحدى تلك المواقف حول التعريف عن الموظفات بلقب "سيدة أو آنسة" عوضاً عن مناداتهن بألقابهن المهنية كـ "دكتورة أو أستاذة"، بينما يُستخدَم التعريف الصحيح دائماً لزملائهن الذكور. وبهذه الطريقة، ستُقدِّم مثالاً ملموساً يستطيع فريقك استيعابه، بحيث تتجنب إغراقهم بالمعلومات مما قد يزيد احتمال رفضهم لها، وستكون المعلومات التي قدَّمتَها بمثابة مفاجأة لفريقك ويجب التوصل إلى قرار بالإجماع لوضع خطة عمل لمعالجة المشكلة.
2. التعامل مع المقاومة:
للأسف، ليست الأمور دوماً بتلك السهولة؛ ففي بعض الأحيان قد تواجه مقاومة من قبل أعضاء الإدارة، وخاصة إن عدَّ أي منهم تقريركَ بمثابة انتقاد شخصي لقدراته الإدارية، وفي تلك الحالة قد يحاول ذلك الشخص التقليل من أهمية الحالة، ويعمل على تحويل اللوم إلى شخص في مستوىً أدنى منه، أو التشكيك في مصداقية بحثك بممارسة "العُنف الفكري" عن طريق تقويض أو محاولة غضِّ النظر عنه بحيث يبدو وكأنَّه على حق، وقد يَطرح المعنِّف الفكري أسئلة تفصيلية غير هامة، ليس بدافع الفضول؛ وإنما للغوص في جزئيات البيانات التي طرحتَها أو قد يسأل عن مصطلحات علمية ليست ذات صلة حين لا تعجبهم الأجوبة التي قدَّمتَها.
مثال:
فلنقل أنَّك لَحظتَ تزايداً في أعداد الموظفين الذين ينتقلون من فِرقهِم داخل شركتك وأثارت هذه الظاهرة انتباهك؛ فتتحدث مع المديرين المعنيين، ولكن سرعان ما يلقون باللوم على عدم انسجام الموظفين الذين طلبوا الانتقال إلى أقسام أخرى مع مديريهم السابقين، فتخبرهم أنَّ باستطاعتك العودة إلى استبيانات مشاركة الموظفين للتحقق من مدى الرضا عن المشرفين في تلك الأقسام وتِبيان أسباب هذه الظاهرة، لكنَّهم ينصحونَك بعدم تضييع وقتك لأنَّ تلك البيانات غير صحيحة؛ فهي تعود إلى أشهر قد مضت كما أنَّها حوادث منفصلة وليست ظاهرة متكررة في رأيهم.
مع ذلك تقرر التقصي أكثر، ممتعضاً من عدم اكتراثهم وقلقاً إزاء حاجة فريقك إلى تحسين برنامج تدريب الإداريين؛ فتُلقي نظرةً على استبيانات مشاركة الموظفين في الأقسام التي شهدَت تزايداً في طلبات الانتقال منها فتجد أنَّ الآراء حول المديرين متفاوتة إلى حد كبير، فقد أحبَّ بعض الموظفين مديريهم وبعضهم الآخر لم يفعل، بينما لم يكنَّ لهم الآخرون أيَّة مشاعر سواء كانت حباً أم كرهاً، والأمر الذي وجدتَه متماثلاً في كلِّ الاستبيانات هو شعور الموظفين بأنَّهم لا يساهمون بما يكفي في أقسامهم الحالية لأنَّ الأنظمة والسياسات المتبعة تمنعهم من ذلك.
فتُدركُ حينها أنَّ أولئك الموظفون الذين طلبوا الانتقال لم يكن هدفهم الهروب من مديريهم؛ بل كانوا يحاولون العثور على طرائق للوصول إلى حياة مهنية ذات مغزىً داخل شركتك والالتفاف حول القيود التنظيمية التي تُقيِّد إمكاناتهم، وهذه مسألة أساسية لا بُدَّ من العثور على حلٍّ لها لأنَّ كل موظف في ذلك الدور الوظيفي سيعاني من المشكلات نفسها.
تجمعُ هذه الأدلة الجديدة وتضعها أمام المديرين في المناصب العليا مُثبتاً أنَّ حوادث الانتقال لا تتعلق بالرضا عن المشرفين، ومستخدماً تلك البيانات وتحليلاتك للأمر، حيث تُقدِّم لهم ثلاث خيارات: فإما إصلاح المشكلة وردم هذا الصدع لمنع خسارة المواهب، وإما تقبُّلها لأنَّ السبب يحمل فوائد تفوق الأضرار، وإما تحسين عملية التوظيف بحيث يتم اختيار أفراد لن يتأثروا بهذه الحالة، وتحت ضوء هذه المعلومات الجديدة، يقرُّ المديرون بأنَّ المشكلة فعلاً أعمق مما توقَّعوا، ومن الواجب حلها.
3. مواجهة المتهرِّبين من المواجهة:
يميل الناس إلى غضِّ النظر عن بيانات الموارد البشرية لأنَّهم غير مستعدين لمواجهة مشكلاتهم مباشرة؛ فنحن كبشر مُصمَّمون لمقاومة التغيير حتى لو كان فيه فائدة لنا على الأمد الطويل، إضافةً إلى ذلك، يجد بعض الأشخاص صعوبةً بالغة في الاعتراف بأنَّهم قد اقترفوا خطأً ما أو بحاجتهم للمساعدة أو بفشلهم، وخاصة أولئك الذين يشغلون المناصب عالية المخاطرة، عالية التنافسية أو في الثقافات متدنية الأمان النفسي، وقد تحتاج في بعض الأحيان إلى تذكير المديرين بأنَّ مشكلات فريقهم ليست انعكاساً مباشراً لجهودهم.
لسوء الحظ، لا بُدَّ من مواجهة المشكلات رأساً حتى عندما يشعر المتلقي بعدم الراحة، أو بالغضب أو عندما يحاول تلافي المواجهة؛ إذ عليك تشجيعهم على التخلي عن كبريائهم والمحافظة على تفكير منفتح والاستماع إليك؛ فالهدف من وجودك هو مساعدتهم على تحسين فاعلية وكفاءة فرقهم.
مثال:
تضم شركتك قسمين هما: المستودع، والمقر الرئيس. ففي المستودع، يقوم موظفوك بأعمال متطلِّبة جسدياً، ويتقاضون رواتب متدنية ويحصلون على مقدار ضئيل من الاستقلالية، أما الموظفون في المقر الرئيس يقومون بأعمال مكتبية بسيطة، ويتقاضون مرتبات أعلى ويملكون تأثيراً أكبر في استراتيجيات الشركة الكلِّية.
بعد استبيان حديث، تتفاجأ بأنَّ معدلات انخراط الموظفين ومشاركتهم في المستودع أعلى بشكل ملحوظ من مثيلتها في المقر الرئيس للشركة، لكن عند عرضك هذه الأرقام على فريق الإدارة تواجه مقاومة شديدة ويجادل المدير التنفيذي بأنَّها غير منطقية؛ فهو شخصياً يعمل في المقر الرئيس ويستطيع أن يشهد بكل ثقة كونه مكاناً رائعاً، ويخبرك عن التغييرات الكثيرة التي حصلَت مؤخراً ويعزو سبب النتائج إليها، كما تأخذك ردة فعله القوية على حين غرَّة، وتوافق على التأكد من الأرقام مجدداً.
بعد الاجتماع، تُراجِع النتائج لكن لا تتمكن من العثور على أيِّ خطأٍ في بياناتك، وتشعر بأنَّه لا بُدَّ من وجود مشكلات جسيمة في المقر الرئيس تؤدي إلى كون رضا ومشاركة الأشخاص الذين يقضون كامل يومهم واقفين في المستودعات الحارَّة أعلى مقارنةً بأقرانهم الذين يعملون في المكاتب المكيَّفة، ومما لا شك فيه أنَّ الشركة هي مصدر سعادة وفخر مديرك التنفيذي وله كامل الحق في الدفاع عمَّا بناه على مر السنوات، لكنَّ استمرار هذه الظاهرة سيضرُّ بالعمل يوماً بعد يوم. ولا بُدَّ لك من العثور على طريقة للتفاهم معه.
هذه المرة، عوضاً عن مناقشة البيانات في اجتماع تنفيذي، تُشارك النتائج في اجتماع خاص مع مديرك التنفيذي على انفراد، وتكون مستعداً لخوض نقاش صعب وشرح الوضع مجدداً له، حيث إنَّ فريق المقر الرئيس تعيس، بينما فريق المستودع سعيد على الرغم من أنَّ موظفي المكتب يمتلكون سيطرةً أكبر ويتلقون اعترافاً ويحظون باستقلالية تفوق تلك التي يحصل عليها معظم موظفي المستودع، وتُقترَحُ احتمال وجود مشكلة ثقافية ملحوظة لا بُدَّ من معالجتها، وإلا فإنَّ الشركة ستواجه خطر استنزاف الموظفين أو مغادرتهم، فبعد طَمأنة المدير، سيتفهَّم أنَّ هذه المشكلة الثقافية لا تعكس جهوده وسيوافق على ضرورة إحداث تغييرات جذرية.
مهما كانت الحالة، هنالك ثابت واحد تستطيع فِرَق الموارد البشرية الاعتماد عليه دوماً، وهو: البيانات.
إنَّ استبيانات مشاركة الموظفين هي سلاح قوي في عدَّتك في أثناء استعدادك لمواجهة معركة تنظيمية؛ فهي تسمح لك بجس نبض مكان العمل وقياس سلامته، كما تُمكِّنك من فرز مشكلات المكتب والقسم والفريق وتحليلها مما يسمح لك بخوض نقاشات أكثر إقناعاً.
قد يَصعُب على المديرين الاعتراف بوجود مشكلات في مكان العمل، لكنَّ التعامل مع العقبات بطريقةٍ واقعية لا شخصية يضمن اتفاق جميع الأطراف واستعدادهم لتَبديَة مصلحة الشركة على مصالحهم الشخصية والتوصل إلى حلول ترضي الجميع.
أضف تعليقاً