الخير الموصول:
يقول الكاتب زياد ريس مؤلف كتاب "تجربتي لحياة أفضل": في السَّابق تشكَّلت لديَّ قناعة قويَّة بأنَّه مَن لا يؤمن بالإحسان، ويستشعر أهمَّيته بقُوَّة، فمِن الصَّعْب عليه الانخراط بالعمل العام والخدمة المجتمعيَّة، وسوف يفقد عاملاً هامَّاً في نجاحه أيضاً بعمله المعيشي أو حياته المجتمعيَّة الخاصَّة، ولكن بعد التَّأمل في قصَّة "مِسطح بن أثاثة رضي الله عنه"، والتَّوجيه الرَّباني الذي نزل بأهمِّيَّة الاستمرار في عمل الخير، تأكَّدت وترسَّخ لي أهمِّيَّة الإحسان الكبيرة في بناء المجتمع.
طبعاً قصة الصحابي مسطح بن أثاثة رضي الله عنه الذي تحدَّث عن زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (في سياق حادثة الإفك)، ونزل الوحي بآية من القرآن الكريم تحثُّ سيدنا أبا بكر رضي الله عنه على الاستمرار بالعطاء الذي توقَّف عنه بعد أن سمع عن مسطح أنَّه تحدَّث عن السَّيِّدة عائشة بسوءٍ.
شاهد بالفيديو: 7 من أهم أعمال الخير في رمضان
لقد كان مسطح بن أثاثة رضي الله عنه ممَّن تكلَّم في الإفك، فلمَّا أنزل الله براءة عائشة رضي الله عنها، قال أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه - وكان يُنْفِق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفَقْره -: واللهِ لَا أُنْفِق على مسطح شيئاً أبداً بعد الذي أشاعه عن عائشة رضي الله عنها؛ فأنزل الله: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[النور: 22]، عندها قال أبو بكر الصديق: "بَلى واللَّهِ إنِّي لَأُحِبُّ أنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فَرَجَعَ إلى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتي كانَ يُنْفِقُ عليه، وقالَ: واللَّهِ لا أنْزِعُها عنْه أبَداً"(صحيح البخاري: ٦٦٧٩).
بلا شك إنَّ العمل بالإحسان ليس سهلاً، ويحتاج إلى تدريب وحُسْن نيَّة وإخلاص العمل لله تعالى، والذي عمل به سيدنا أبو بكر فيه كَسْر للنَّفس، وطاعة للرحمن، وطَمَع بالمغفرة.
من الهام أَخْذ العبرة الأخرى من هذه القصَّة، ألَا وهي: "لا تقطع خَيْراً مهما لقيتَ من أذىً من الطرف الآخر، واعلم أنَّ ذلك من وسائل إعمار وبناء المجتمع المتضامن، ولن يحدث هذا ما لم نتحلَّ بالإحسان والسَّماحة.
على المرء استحضار فكرة أنَّ البركة في العمل أو الرزق قد تكون بسبب عجوز أو أرملة أو يتيم ساق لهم الله رزقهم من خلاله، وعليه الحذر من التراجع عن المشاركة بعطاء أو خير موصول. كان رسول الله ﷺ يقول: «ابْغوني في الضُّعفاءِ؛ فإنَّما تُرزَقونَ وتُنصَرونَ بضُعَفائكُم»(المستدرك على الصحيحين: ٢٥٤٤).
والله أعلم .
أضف تعليقاً