يشتهر هذا العالم القطبي بظروفه المناخية القطبية، وتكوينه الجيولوجي الفريد، وحياة النبات والحيوان المُتكيِّفة بشكل رائع. سيقدِّم هذا المقال رحلة استكشافية إلى معلومات مثيرة عن القطب الشمالي، لنكتشف سحره وتأثيره الكبير في العالم البيئي والمناخي.
القطب الشمالي:
القطب الشمالي، أقصى منطقة في شمال الأرض، وتتميز بظروف مناخية قطبية مميزة، وحياة نباتية وحيوانية فريدة، وميزات أخرى، ويعود مصطلحه أنتارتيكا إلى اللغة اليونانية "أركتوس"، المعنى الذي يشير إلى كوكبة الدب الشمالي.
لقد استُخدِم في بعض الأحيان لتعيين المنطقة داخل دائرة القطب الشمالي - خط رياضي يُرسَم عند خط العرض 66°30' N، والذي يحدد الحد الجنوبي للمنطقة التي تحدث فيها فترة سنوية واحدة على الأقل تستمر لمدة 24 ساعة دون غروب الشمس وواحدة دون طلوعها، ومع ذلك، هذا الخط ليس له قيمة بوصفه حدَّاً جغرافياً، فلا يرتبط بطبيعة التضاريس.
لا يوجد خط تقسيم نهائي بشكل كامل، لكن يعد خط الأشجار الشمالي أداة مفيدة بشكل عام، فيظهر الخط على شكل خط غير منتظم يحدد الحد الشمالي الأقصى لأحراج الأشجار.
تتضمن المناطق شمال خط الأشجار جرينلاند (كالاليت نونات)، سفالبارد، وجزر قطبية أخرى؛ الأجزاء الشمالية من القارات الرئيسة لسيبيريا وألاسكا وكندا؛ سواحل لابرادور؛ شمال آيسلندا؛ وشريط من الساحل القطبي في أوروبا، ومع ذلك، يتم تصنيف المنطقة الأخيرة بوصفها شبه قطبية بسبب عوامل أخرى.
الظروف الطبيعية النموذجية للأراضي القطبية هي التقلبات الشديدة بين درجات الحرارة الصيفية والشتوية؛ والثلوج والجليد الدائم في المرتفعات، والحراج والأعشاب والشجيرات المنخفضة في المناطق المنخفضة؛ والأرض المتجمدة بشكل دائم (التربة الجليدية)، والطبقة السطحية منها تخضع للذوبان في الصيف، وثلثي المساحة القطبية خارج مناطق الجليد الدائم، ويعوض قصر الصيف القطبي إلى حدٍّ ما بفضل المدة الطويلة للشمس في فترة الصيف.
زاد الاهتمام الدولي بالمناطق القطبية وشبه القطبية بشكل متزايد خلال القرن العشرين، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك بسبب ثلاثة عوامل رئيسة: مزايا مسار القطب الشمالي بوصفه طريق اختصار بين مراكز هامة للسكان، والتوعية المتزايدة بالإمكانات الاقتصادية مثل الموارد المعدنية (خاصة النفط) والموارد الحراجية ومناطق الرعي، وأهمية تلك المناطق في دراسة الأرصاد الجوية العالمية.
خلال القرن الواحد والعشرين، زاد الاهتمام بالقطب الشمالي بوصفه مؤشراً للتغير المناخي العالمي، فأظهرت الدراسات أنَّ المنطقة تشهد ارتفاعاً في الحرارة بمعدل أسرع بضع مرات مقارنة ببقية العالم.
الجغرافيا الطبيعية للقطب الشمالي:
تطوَّرت الأراضي القطبية جيولوجياً حول أربعة نوى من الصخور البلورية القديمة، وأكبرها، الدرع الكندي، الذي يشكِّل معظم القطب الكندي باستثناء جزء من جزر إليزابيث الملكية، وهو مفصول عن خليج بافين من منطقة درع مماثلة تكمن تحت معظم جرينلاند (كالاليت نونات).
الدرع البلطي (أو الإسكندنافي)، مركزه فنلندا، يشمل جميع شمال إسكندنافيا (باستثناء الساحل النرويجي) والزاوية الشمالية الغربية لروسيا، والكتلتان الأخريان أصغر، فيمتد الدرع الآنجاراني بين نهري خاتانجا ولينا في شمال وسط سيبيريا، ويتوضع الدرع الآلداني في شرق سيبيريا.
في القطاعات بين الدروع، كانت هناك فترات طويلة من الترسيب البحري، فدُفِنَت أجزاء من الدروع جزئياً، وفي بعض المناطق، تم ثني الرواسب السميكة لاحقاً، وهذا أدى إلى تكوين جبال، وتم تدمير العديد منها منذ ذلك الحين بفعل التآكل.
تم التعرف إلى اثنين من الأوروجينيات الرئيسة (فترات بناء الجبال) في القطب، وخلال العصر الوسيط (حوالي 542 مليون إلى 251 مليون عاماً مضت) تطوَّرت نظم جبلية معقدة تشمل العناصر الكاليدونية والهرقنية، وهي تمتد من جزر اليزابيث الملكية عبر أرض بيري وعلى طول الساحل الشرقي لجرينلاند، ولقد حدث تشكل الجبال خلال نفس الفترة في سفالبارد، نوفايا زيمليا، شمال الأورال، شبه جزيرة تايمير، سيفيرنايا زيمليا.
يُظنُّ أنَّ هذه الجبال تتصل تحت سطح البحر، وقد تشكلت جبال الأوروجيني الثانية خلال عصر الميزوزويك (حوالي 251 مليون إلى 65.5 مليون عاماً مضت) والسينوزويك (الـ 65.5 مليون عام الماضية)، وتتوضع هذه الجبال في شمال شرق سيبيريا وألاسكا.
تغطي الصخور الرسوبية الأفقية أو الملونة ضعيفة الانحناء جزءاً من الدرع في شمال كندا، محفوظة في حوض وحفر، وتمتد الصخور الرسوبية أكثر في شمال روسيا وفي غرب ووسط سيبيريا، فتتراوح أعمارها من أوائل العصر الوسيط إلى العصر الحديث (الـ 2.6 مليون عام الماضية).
من الواضح أنَّ القارات القطبية نُقِلَت على الصفائح القشرية عبر الزمن الجيولوجي، وأنَّ مواقعها النسبية تجاه بعضها بعضاً وتجاه القطب الشمالي قد تغيرت، مع تعديل كبير لدوران المحيط والمناخ.
أدَّت حركة الصفائح في الفترات الباليوجينية والنيوجينية (حوالي 65.5 مليون إلى 2.6 مليون عام مضت) إلى نشاط بركاني في منطقتين، وكانت الأولى مرتبطة بتكون الجبال حول شمال المحيط الهادئ، وما تزال البراكين النشطة توجد في كامتشاتكا وجزر الأليوتيان وألاسكا.
امتدت منطقة النشاط البركاني الثانية عبر شمال الأطلسي وشملت جميع أيسلندا، وجزيرة جان ماين، وشرق جرينلاند الجنوبية من خليج سكورسبي، وربما كانت متصلة بغرب جرينلاند شمال خليج ديسكو وشمال جزيرة بافين، وما تزال البراكين نشطة في أيسلندا وجان ماين، وتوجد ينابيع حارة في جرينلاند.
معلومات عن القطب الشمالي:
فيما يأتي بعض المعلومات المثيرة عن القطب الشمالي:
1. المياه العذبة:
القطب الشمالي وجميع قممه وألواحه والأنهار الجليدية فيه هو مصدر لنسبة 10% من إمدادات المياه العذبة في العالم، ويتكون جليد جرينلاند من تراكم الثلج والجليد الذي يُقدَّر عمره بين 500,000 إلى 250,000 عام.
يغطي هذا الجليد مساحة مذهلة تبلغ 1.7 مليون كيلومتر مربع، مكونة تماماً من الجليد، فإذا كانت التقديرات الأخيرة دقيقة، فإنَّ ذوبان ذلك الجليد سيتسبب في ارتفاع مستوى البحار إلى 7.3 أمتار.
2. القطب الشمالي ليس يابسة:
قد تتصوَّر أنَّ القطب الشمالي موقع نائٍ في أرض من الثلج والجليد، ولكن هذا ليس صحيحاً، ففي الواقع، توجد أقصى نقطة في الشمال على سطح الكوكب في مياه مغطاة بالجليد، ولقد أُثبِتَ ذلك في عام 1958، عندما سافرت الغواصة "يو إس إس نوتيلوس" تحت الجليد في القطب الشمالي، فبدأت الغواصة رحلتها في ألاسكا، وعبرت المحيط المتجمد الشمالي تحت غطاء الجليد القطبي، ووصلت إلى أيسلندا.
3. السر وراء الاسم:
كلمة "Arctic" تأتي من اللغة اليونانية وتُترجَم تقريباً إلى "الدب"، ولكن لا تشير إلى الدببة القطبية، فعلى الأرجح، يعود استخدام اليونانية الأصلية لـ "أركتوس"، فيما يتعلق بالشمال، للتنقل بواسطة النجوم، وتعد كوكبة الدب الأكبر، المعروفة أيضاً باسم الدب الكبير أو "أركتوس" باليونانية، مفيدة في تحديد النجم الشمالي.
4. القطب الشمالي ليس بارداً كما تتخيل:
صدِّق أو لا تصدِّق، القطب الشمالي فعلياً دافئاً نسبياً، ليس استوائياً، وأبرد درجة حرارة سُجلت في الشمال على الإطلاق كانت -68 درجة مئوية، ولكنَّه ما يزال دافئاً نسبياً مقارنة بأبرد درجة حرارة في القطب المتجمد الجنوبي والتي بلغت -89.2 درجة مئوية، كلاهما منطقة قطبية ومغطاة بالجليد والثلج.
إذاً، لماذا القطب الشمالي أدفأ من القطب الجنوبي؟ السبب يعود إلى أنَّ القطب الشمالي يتكون أساساً من المياه، والمياه تنظم درجة الحرارة، وعلى الرغم من أنَّ المحيط المتجمد الشمالي بارد، لكنَّه ما يزال أدفأ من الجليد الذي يغطيه معظم أيام السنة، وهذا يتناقض تماماً مع القطب الجنوبي، الذي يتألف في الغالب من اليابسة، ومن ذلك الجبال الكبيرة، عموماً، كلما ارتفعتَ إلى أعلى، كانت الحرارة أقل.
5. الدببة القطبية هي ثدييات بحرية:
القطب الشمالي منزل للدببة القطبية، المعروفة بأنَّها أكبر الحيوانات على وجه الأرض، وهذه المخلوقات مصممة للعيش في العالم المتجمد في القطب الشمالي، فمع طبقات سميكة من الفراء والدهون، فهي جاهزة لتحمُّل درجات الحرارة الباردة على اليابسة وفي البحر.
تتم رؤيتها في كثير من الأحيان على بُعد ميل بحري خلال شهور الصيف، فهي تبحث عن الجليد لتصطاد فقمتها فريستها المفضلة.
6. المحيط المتجمد يفتح آفاقاً:
أصغر محيط على وجه الأرض، يغطي المحيط المتجمد الشمالي أكثر من 8.5 مليون كيلومتر مربع، وهو تقريباً بحجم روسيا! يتجمد هذا المحيط تماماً خلال معظم السنة، فيتكون الجليد البحري بسرعة تحت ظروف باردة جداً، لكن بسبب تغير المناخ، تتراجع تغطية الجليد في القطب الشمالي، وفي يوم من الأيام، قد تسافر السفن بانتظام عبر هذا المحيط.
7. القطب الشمالي مأهول ومتنوع:
إقليم القطب الشمالي موطن لحوالي أربعة ملايين شخص، فيشكل السكان الأصليون الغالبية من سكان جرينلاند وأكثر من نصف سكان القطب الكندي، وهناك العديد من مجموعات الشعوب الأصلية في القطب الشمالي، بمن فيهم الإينويت الذين يعيشون في كندا وجرينلاند وأجزاء من ألاسكا؛ واليوبيك والإينوبيات الذين يعيشون في شمال ألاسكا؛ وشعب السامي في القطب الأوروبي.
8. يوجد جليد قطبي تحت الأرض:
يوجد جليد قديم تحت الأرض في كثير من مناطق القطب الشمالي، وتتراوح سماكة التربة الجليدية من 1 إلى 1,500 متر، وتحبس التربة الجليدية النباتات والحيوانات وغاز الميثان، الذي قد يطلق عندما يذوب الجليد.
تتسبب التغيرات السريعة في المناخ في ذوبان التربة الجليدية في العديد من مناطق القطب الشمالي، ومن بين العواقب، انهيار الطرق، وانحناء المنازل، وقد تنتشر أمراض كانت خامدة لفترة طويلة.
9. بوصلتك لا تشير إلى الشمال الحقيقي:
الحقيقة الأكثر إهمالاً عن القطب الشمالي، أنَّ بوصلتك لا تشير إلى الشمال الحقيقي، فعلى النقيض من الاعتقاد الشائع، لا تشير بوصلتك إلى القطب الشمالي، والعثور على النقطة التي تدور الأرض حولها سيتطلب بعض القياسات الجادة، ولا يمكن القيام بها بواسطة بوصلة فقط.
يتغير موقع القطب المغناطيسي مع تذبذب الحقل المغناطيسي للأرض، وليس في نفس المكان الذي يوجد فيه القطب الشمالي الجغرافي، فكلما توجهت جنوباً، كان الفارق بين الشمال المغناطيسي والشمال الجغرافي - المعروف باسم التجاوز - أقل وأقل وضوحاً، ولكن عندما تجد نفسك في الشمال البعيد، قد تكتشف حرفياً أنَّ بوصلتك المغناطيسية غير مفيدة.
في الختام:
نجد أنَّ هذه المنطقة تحمل في طياتها أسراراً لا تنضب وجمالاً لا يُقاوَم، وإنَّ فهم معلومات القطب الشمالي يفتح لنا أفقاً جديداً للتأمل في تأثيرات التغير المناخي والأهمية البيئية لهذه البقعة القطبية.
يظهر القطب الشمالي بوصفه علامة بارزة للتحديات البيئية والعلمية، ويظل مصدر إلهام للباحثين والمستكشفين، ليذكِّرونا بأهمية الحفاظ على توازن هذا العالم الهش وجعله مأوىً آمناً للحياة البرية والبشر على حدٍّ سواء.
أضف تعليقاً